أولًا : نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة([1])

بلغت حصيلة هذا الشهر 741 قتيلًا، 86 في المئة منهم كانوا من العسكريين، و14 في المئة من المدنيين، ومن بين المدنيين 24 طفلًا، وبلغت نسبتهم 24 في المئة إلى  مجموع القتلى المدنيين، و17 امرأة نسبتهن 17 في المئة إلى  القتلى المدنيين.

ومقارنة بإحصاءات الأشهر السابقة من العام نجد أن إجمالي عدد قتلى هذا الشهر (عسكريين ومدنيين) هو الأقل على الإطلاق قياسًا بالأشهر السابقة من العام الجاري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القتلى المدنيين، فالحرب تراجعت  في معظم المناطق، ولم يبق من الجبهات الساخنة سوى جبهة ريف دير الزور الشرقي، حيث المعارك ما تزال مستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في المواقع القليلة التي ما تزال تحت  تحت سيطرة التنظيم.

وللسبب السابق نفسه (استمرار المعارك في دير الزور) نجد أن نحو 90 في المئة من القتلى سقطوا على أرض تلك المحافظة، وهذا هو الحال هناك منذ بضعة أشهر.

وفي موضوع الضحايا يمكن الإشارة إلى أخبار الجثث التي تُنتشل من المقابر الجماعية التي ما تزال تُكتشف في الرقة ودير الزور والبوكمال، معظمها بفعل إجرام داعش. ونشير كذلك إلى اعتراف هيئة أركان قوات التحالف الدولي بقتلها ما لا يقل عن 1139 مدنيًا عن طريق الخطأ في أثناء عمليات التحالف منذ بدء نشاطها في سورية.

وكان لافتًا في المشهد الميداني هذا الشهر عودة الضربات الإسرائيلية لمواقع عسكرية تابعة لإيران على الأراضي السورية. حدث هذا مرتين على الأقل هذا الشهر، مرة في بدايته عبر هجوم صارخي استهدف 15 موقعًا مختلفًا للقوات الإيرانية في سورية، ومرة قبيل نهايته بخمسة أيام.

و الحدث الميداني الأبرز هذا الشهر، هو سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدعم جوي من قوات التحالف، على بلدة (هجين) في الريف الشرقي لدير الزور وبعض القرى القريبة منها، ليسقط بذلك آخر معقل هام من معاقل التنظيم المتشدد شرق الفرات.

أما قرار ترامب بالانسحاب من سورية، فقد نتجت منه تحركاتٌ ميدانية مختلفة، لسد الفراغ الحاصل عن الانسحاب، أو الاستعداد للاحتمالات الجديدة الممكنة، كالعمليات التركية المتوقعة نحو منبج وشرق الفرات، أو تحرك قوات النظام السوري نحو منبج وتمركزها في قرية (العريمة) غربي منبج تجنبًا للاحتكاك مع القوات الأميركية التي ما تزال تسير دورياتها هناك حتى اللحظة. ومن هذه التحركات الميدانية نذكر أيضًا عودة (قوات النخبة) التابعة لأحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري، لتنظيم صفوفها في دير الزور والرقة، في إطار اتفاق بين فرنسا وتركيا والولايات المتحدة، وهدفها منع تقدم قوات النظام إلى المناطق التي قد تنسحب منها قوات سوريا الديمقراطية إذا نفذت تركيا عملية عسكرية ضدها.

على الصعيد السياسي كان الشهر حافلًا، لكن سنكتفي في تقريرنا هذا بالإشارة إلى تطورين بارزين، أولهما هو قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية من منطقة شرق الفرات في سورية بشكل عاجل، وهو القرار الذي نزل كالصاعقة على الجميع، بمن فيهم أقرب مساعديه، والجميع، ما عدا ترامب، متفقون على نتائجه الكارثية، على المنطقة وعلى الولايات المتحدة نفسها، فتنظيم الدولة لم يُهزم بعد، وما يزال قادرًا على الفعل والتأثير باعتراف الجميع، والمشروع الإيراني سينتعش من جديدٍ، وسيصبح (أعداء) الولايات المتحدة جميعهم في موقع أقوى، وستُترك القوات الكردية الحليفة لأميركا فريسة سهلة للجيش التركي، وهو ما سيضر أبلغ الضرر بسمعة الولايات المتحدة وصدقيتها.

لقد بدأت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حركة سياسية محمومة من خلال جناحها السياسي، مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) لحماية نفسها من الخطر التركي المحدق، فزار وفدُهم قاعدةَ حميميم، وفرنسا، وروسيا، وبدأ بمغازلة النظام ودعوته لتولي أمر الدفاع عن المنطقة في مواجهة الأتراك.

وبعيد موجة الاحتجاجات والتحركات والضغوط، بدأت تظهر بعضُ المؤشرات التي تدل على شيء من التريث وإعادة النظر من قبل ترامب، ليس بالانسحاب تحديدًا، بل بطريقة الانسحاب وترتيباته، بما يسمح بالتخفيف من مقدار الأذى والمخاطر المختلفة، فالرئيس ترامب تحدث مع نظيره التركي عن انسحاب “بطيء ومنسق للغاية”، والسناتور الجمهوري لينزي غراهام قال بعيد لقائه بترامب إن الأخير ملتزم بدحر تنظيم الدولة الإسلامية على الرغم من قراره بسحب القوات.

أما التطور السياسي البارز الآخر، فهو بدء عودة العلاقات الدبلوماسية بين نظام الأسد وبعض الأنظمة العربية، منها السودان الذي افتتح هذا الخط بزيارة رئيسه المفاجئة إلى دمشق، ولقاء نظيره السوري، وهي الأولى لزعيم عربي منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011م، ومنها الإمارات العربية المتحدة التي افتتحت سفارتها في دمشق، وتبعتها البحرين، وهناك أخبار عن تلبية الرئيس الموريتاني دعوة الأسد له لزيارة دمشق بداية العام الجديد.والتحليلات معظمها تشير إلى تسارع هذه المساعي تمهيدًا لإعادة النظام السوري إلى مقعده في جامعة الدول العربيةالتي طُرد منها عام 2011م بعد اندلاع الثورة.

(2)يقصد بالمدة الفترة الزمنية التي يغطيها التقرير