ملخص البحث
يستهدف هذا البحث جانبًا من ظاهرة أدلجة الغناء في سياق الصراع السوري المستمر منذ سبعة أعوام، وتتجسد هذه الظاهرة في نزوع أطراف الصراع الأساسية في البلاد إلى استخدام الأغاني أداة لبث خطابها الأيديولوجي والسياسي، والترويج له، بهدف استقطاب الأفراد والجماعات السورية نحو مشروعاتها السياسية. وعلى ذلك رصد البحث المضمون اللغوي والموسيقي في أنماط من الأغاني التي تحمل محتوىً أيديولوجيًا وسياسيًا يعكس أطراف الصراع الأبرز في سورية . وحيث إنه هناك أربعة تيارات أيديولوجية وسياسية رئيسة تحكم الأرض السورية، جاءت الأنماط الغنائية المستهدفة في البحث كالآتي (أغاني السلطة، الأغاني الجهادية، أغاني حزب الاتحاد الديمقراطي، والأغاني الثورية).
سُحِبت عينة فرعية مؤلفة من عشر أغانٍ من كل نمط غنائي، وروعي أن تكون هي الأغاني العشر الأكثر شهرة وانتشارًا ضمن كل نمط، تكونت بذلك عينة من أربعين أغنية، طبق عليها البحث منهج تحليل المضمون في محاولته الإجابة عن تساؤلات البحث، وأهمها: ما الملامح العامة للخطاب في كل نمط غنائي؟ إلى من يتوجه تلك الأغاني؟ كيف صُوِّرت طبيعة الصراع في سورية ضمن أغاني كل نمط؟ ومن هي أطرافه المتخيلة؟ إضافة إلى تحليل المحتوى الموسيقي الذي يهدف إلى التعرف إلى البنيتين النغمية والإيقاعية الغالبتين في كل نمط غنائي، في محاولة للتعرف إلى المكونات الثقافية التي جاءت منها.
يقسم البحث إلى فصلين، يتضمن الفصل الأول الأطر النظرية والمنهجية التي قامت عليها عمليتا جمع البيانات وتحليلها، بينما يتضمن الفصل الثاني عرضًا لأبرز النتائج المرتبطة بتساؤلات البحث، ومن الأسس التي قام عليها التحليل:
- استخراج الكلمات الخمس الأكثر تكرارًا في كل نمط غنائي، والتي تعبر عن القيم والرموز الأساسية التي يحملها خطاب النمط الغنائي، ومن خلفه التيار السياسي والأيديولوجي الذي يمثله.
- تحليل الدعوات الصريحة التي تضمنتها الأغاني كاملة، والتعرف إلى موضوع تلك الدعوات، وكذلك الجمهور الذي توجه إليه الدعوات، وأخيرًا ضد من توجه تلك الدعوات.
- كذلك حُلِّلت صور الصراع وأطرافه التي تسم كل نمط غنائي، من خلال رصد العبارات التي حملت إشارات إلى من هم (النحن) ومن هو (الآخر)، وطبيعة الصراع المحتدم ضده.
جاءت نتائج البحث في ستة عشر جدولًا تحليليًا تصف محتوى كل نمط غنائي كميًا، ونستعرض تلك الجداول تباعًا في متن البحث وملحقاته. يستند البحث أيضًا إلى تلك الجداول ومؤشراتها الموضوعية للخروج ببعض الاستنتاجات حول الأنماط الغنائية المبحوثة، وكان من أبرز تلك الاستنتاجات:
- جاءت أغاني السلطة في المرتبة الثانية من حيث تماسك الخطاب، واتصف خطابها بتمركز شديد حول شخصية الرئيس بشار الأسد وفضائله، ولوحظت نزعة بارزة لربط كلمة سورية بكلمة الأسد أو بشار في أغلب السياقات التي وردت فيها. وبالمجمل اتخذت قيمة الولاء للقائد المنزلة الأبرز في الهرم القيمي لأغاني السلطة.
- أغاني حزب الاتحاد الديمقراطي اتخذت المرتبة الأولى من حيث تماسك الخطاب وتمركزه حول القيم والأفكار نفسها، وبرزت العقيدة العسكرية للحزب في إعلاء قيمة وحدات حماية الشعب الجناح العسكري للحزب في خطابها الغنائي. تخاطب أغاني الحزب الكرد داخل سورية وخارجها في الدرجة الأولى، ومن ثم تخاطب “شعب روجافا”، ولم تستخدم كلمة سورية في أي من أغاني الحزب في العينة الفرعية.
- تأتي الأغاني الجهادية في المرتبة الثالثة من حيث تماسك الخطاب، وفي خطابها تعلي الأغاني الجهادية من قيمة القتال والعنف لقمة هرمها القيمي تحت غطاء الجهاد. ولا تعترف الأغاني الجهادية كذلك بالحدود السورية للصراع، بل تخاطب الأمة الإسلامية، وتدعو لنهضتها العنيفة. تستند الأغاني الجهادية إلى مفهوم “المظلومية الاسلامية” أو المظلومية السنية، كما توصف أحيانًا، وتحمل شحنة كبيرة من الحزن والغضب يبرزان في كلمات تلك الأغاني وألحانها الحزينة وإيقاعاتها البطيئة ومتوسطة السرعة.
- اتسمت الأغاني الثورية التي رافقت الحراك المدني ضد السلطة في سورية بأنها الأكثر تشتتًا في الخطاب الذي تبثه، وعلى الرغم من أنها في جوانب محددة من خطابها كانت الأكثر تماسكًا مقارنة بباقي الأنماط الغنائية، كما هو الحال مع معطى ” صورة الآخر” أو الخصم المقابل في الصراع، حيث أشارت الأغاني كلها إلى السلطة متجسدة في نظام الأسد. إلا أن هذه الأغاني أظهرت تشتتًا أكبر في جوانب أخرى من خطابها، من مثل الكلمات الأكثر تكرارًا، والدعوات التي تتضمنها الأغاني، وكذلك الأمر في اللون الغنائي والبنية الموسيقية.
يمثل هذا البحث محاولة للخوض في غمار ظاهرة سياسية وثقافية شائكة في الوسط السوري هي أدلجة الغناء، وإن كان بحثنا اقتصر على دراسة المحتوى اللغوي والموسيقي في عينته، متبعًا منهج تحليل المضمون. إلا أن الظاهرة تتسع لكثير من البحث في جوانبها الأخرى، بمثل الدراسة الاستقصائية لتأثير هذه الأغاني في الأوساط الاجتماعية والثقافية السورية المختلفة، أو التعمق أكثر في دراسة بنية الخطابات الأربعة التي تعكسها هذه الأغاني. وتلك تبقى أهداف بحثية في الطريق الطويل نحو تفكيك هذه الظاهرة واتخاذ استراتيجيات ثقافية للتعامل معها.
مهتمة كثير لهالموضوع وبدي اتواصل مع صحفي سلطان جبلي ادا ممكن