أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة
226 قتيلًا سقط على الأرض السورية هذه المدة (من 11 إلى 20 كانون الأول/ ديسمبر 2018) لكن توزعهم مختلف كثيرًا هذه المرة، فنسبة المقاتلين منهم قاربت 90 في المئة، بينما سقط من المدنيين 25 شخصًا، بينهم طفلان وامرأتان فقط، وهذه الأرقام هي الأفضل على الإطلاق، أقصد لجهة سقوط المدنيين. كذلك نلاحظ أن دير الزور تكاد تحتكر القتلى، إذ سقط على أرضها 192 شخصًا يشكلون 85 في المئة من إجمالي عدد القتلى، والعسكريون منهم 97 في المئة. والسبب المعروف دائمًا هو المعارك الجارية في الريف الشرقي للمحافظة بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قوات التحالف، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
في موضوع الضحايا أيضًا نشير إلى خبر إعدام تنظيم الدولة حوالى 700 معتقلًا لديه، غالبيتهم العظمى من عناصره الذين حاولوا الانشقاق عنه. ونشير أيضًا إلى استمرار عملية انتشال الجثث من المقابر الجماعية في الرقة، وكأنها نبع لا ينضب، وإلى العثور على 7 مقابر جماعية في البوكمال بريف دير الزور.
في المشهد الميداني ثمة خبران على درجة كبيرة من الأهمية؛ الأول هو سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على بلدة هجين في الريف الشرقي لدير الزور، وهي آخر معقل لتنظيم الدولة الإسلامية هناك، ويمكن القول بعد هذا النصر أنه لم يعد ثمة أراض محددة تحت سيطرة التنظيم، على الرغم من إقرار الجميع بأن هزيمة التنظيم النهائية لم تحصل بعد، وأنه ما زال قادرًا على الفعل والتأثير؛ والثاني هو التهديدات والتحركات العسكرية التركية باجتياح منبج وشرقي الفرات، تهديدات أصبحت بمنتهى الجدية بعد إعلان ترامب سحب قواته من سورية.
أما المشهد السياسي فكان غنيًا جدًا هذه المدة، وعلى غير صعيد؛ من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، مرورًا بالعملية السياسية لحل الأزمة، وصولًا إلى قرار ترامب سحب قواته من سورية.
فالبشير وصل إلى دمشق يوم الأحد الماضي في زيارة إلى نظيره السوري، وهي الأولى لزعيم عربي منذ اندلاع الثورة في ربيع 2011، وسط تكهنات وتحليلات مختلفة لدوافع هذه الزيارة وأبعادها.
أما العملية السياسية فشهدت نشاطًا لافتًا بين الموفد الأممي ديمستورا والدول (الضامنات) الثلاث؛ روسيا وتركيا وإيران، عنيت بصورة رئيسة بتشكيل اللجنة الدستورية، ومباشرتها عملَها مطلع العام القادم 2019، لكن الخلاف ما زال قائمًا على بعض الأسماء من قائمة ممثلي المجتمع المدني التي وضعها ديمستورا.
أما قرار ترامب بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر، بسحب القوات الأميركية الموجودة في سورية، شرقي الفرات، بصوة عاجل، فكان مفاجئًا للجميع، وحتى لأقرب المقربين في فريق ترامب، فقبل 19 كانون الأول/ ديسمبر، كان كل شيء يؤكد أن القوات الأميركية باقية في سورية لأمد طويل، لأسباب ثلاثة معلنة، هي هزيمة تنظيم الدولة هزيمة نهائية، ومنع المشروع الإيراني، وضمان انتقال سلس للسلطة في سورية، وكانت تصريحات المسؤولين الأميركيين كلها تصب في هذا الاتجاه، وكانت الاستعدادات والتعزيزات على الأرض توحي بالشيء نفسه.
ما زال القرار طازجًا، لكن الجميع، ما عدا ترامب، متفق على أثره الكارثي، في حال نُفِّذ، سواء في المنطقة أو في الولايات المتحدة، فتنظيم الدولة لم يهزم بعد، وإن فقد الأرض، فقد انتقل إلى ما يشبه حرب العصابات، وما زال قادرًا على تنظيم نفسه وتنفيذ الهجمات. والمشروع الإيراني ما زال قائما، والنظام السوري يُعاد تأهيله، وستصبح مهمة تأهيلة أكثر يسرًا برحيل القوات الأميركية، والحليف الكردي الذي قدم الدم سيُترك لقمة سائغة للجيش التركي الذي سيجد الطريق مفتوحة برحيل الأميركي.