عقد صالون (الكواكبي) التابع لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، ندوة حوارية موسّعة في إسطنبول بتركيا، تحت عنوان “الإسلام والليبرالية“، استمرت على مدار يومين كاملين، قَدّم خلالهما مجموعة كبيرة من الباحثين العرب المختصين أوراقَ عمل ومداخلات ومراجعات، حول قيم المنظومة الدينية والمنظومة الليبرالية، والفروق بينهما والإمكانات الحقيقية والواقعية للتلاقح بين هاتين المنظومتين.

شارك في الندوة الموسعة التي بدأت أعمالها، في 20 آب/ أغسطس 2017، أكثر من 25 باحثًا من 9 دول عربية، قدّموا 18 ورقة بحثية، وتخلل الندوةَ تقديم العديد من المداخلات والتعقيبات، شارك في الندوة من مصر: حسن نافعة الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأيمن نور السياسي الليبرالي المصري، جمال نصار أستاذ الأخلاق السياسية والمذاهب الفكرية في معهد الشرق الأوسط بتركيا. ومن الأردن: ليث الشبيلات المعارض السياسي والنقابي، وحمادي الجبالي رئيس الوزراء التونسي الأسبق والأمين العام لحزب حركة النهضة، وياسين رواشدة الدبلوماسي ومدير مركز دراسات الخليج والبلقان، ومروان الفاعوري مؤسس المنتدى العالمي للوسطية والقيادي في حزب الوسط الإسلامي. ومن تونس: أبو يعرب المرزوقي بروفيسور الفلسفة العربية واليونانية، وصلاح الدين جورشي المفكر الإسلامي والمنظر لليسار الإسلامي. ومن لبنان: عبد الوهاب بدرخان الكاتب والمحلل السياسي، وكميل شمعون السياسي اللبناني ورئيس منتدى الشرق. ومن الجزائر: سليمان شنين القيادي في حركة الدعوة والتغيير. ومن العراق: عمر عبد الستار البرلماني السابق والباحث في العلاقات الدولية. ومن تركيا: بكير أتاجان الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي. ومن المغرب: سعيد ناشيد الكاتب والمفكر، وفيصل البقالي القيادي في حركة التوحيد والإصلاح. ومن فلسطين: ماجد كيالي الكاتب والمحلل السياسي. ومن سورية: أحمد طعمة الباحث والرئيس السابق للحكومة الانتقالية، وحازم نهار مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة، وياسين الحاج صالح الكاتب والباحث، ومناف الحمد الباحث ومدير صالون الكواكبي التابع لمركز حرمون للدراسات، وعبد الله تركماني الكاتب والباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، ومعتز الخطيب الباحث الإسلامي.

من بين أهم المحاور التي نوقشت، خلال يومي الندوة؛ محور الإسلام والليبرالية، وقضايا النخب والحداثة، علاقة الذاتية بالحداثة، الإسلام والليبرالية توفيق أم تلفيق، التعددية، تجربة الإسلام والليبرالية في مجتمع تعددي (البوسنة)، المثل اللبناني تاريخًا وحاضرًا والنظم الدستورية المواكبة، إسلاميو الجزائر والتعددية بين الفكرة والواقع، شروط النهضة، الأصالة والمعاصرة في النموذج التركي، مفهوم الحرية في الإسلام، التنوير والإصلاح الديني، التنوير الديني وإصلاح الفقه الإسلامي وضرورتها، مفاتيح الإصلاح الديني، الحق في الدين كأساس للحرية الدينية، إشكالية العلاقة بين الإسلام والليبرالية وشروط المصالحة، مكابدات الليبرالية، شروط المصالحة بين الليبراليين والإسلاميين، وأهمية الحوار في بناء الحضارة الإنسانية المشتركة.

وفق الورقة الخلفية للندوة، فإن انعقاد الندوة كان ضرورة؛ “لأن شعوب المنطقة العربية تحتاج -وهي بصدد تجذير قيم المواطنة ومفاهيم حقوق الإنسان- إلى مراجعة لممكنات التلاقح بين الشرط المحلي، بكل أبعاده التاريخية والقيمية والاقتصادية والسياسية، وبصورة أساسية البعد الديني، وبين المفاهيم التي تسعى لتجذيرها، ولوجود اختلافات بين المنظومتين الليبرالية والإسلامية، وضرورة الحوار الجاد لبحث إمكانية التلاقح بينهما”.

أجمع العديد من الحضور على أن التوافق بين الإسلاميين والليبراليين سهل وممكن، إن وُجدت الأخلاق والدوافع وصدقت النيّات والإرادات، وشرط أن يلتزم أصحاب الفكر بصدق انفتاحهم على بعضهم بعضًا. وذكر بعض الحضور أن المعوقات الأساسية، في بناء الجسور بين التيار الإسلامي والليبرالي، لا تكمن في المستوى السياسي، بل في البنية الثقافية والذهنية، ويجب تغيير هذه الذهنيات للانتقال إلى عصر الحداثة؛ لأن إمكانية الحوار لا تتوفر إلا داخل بيئة حديثة، تحترم الحقوق الفردية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وإمكانية الحوار أو اللقاء هي إمكانية إنجاز برنامج الانتقال إلى عصر الحداثة وقيمها، وقد تعوقه مسألة السلطة، حين تُطرح كأولوية، ولذلك وجب استبعادها.

وأكّد الحضور على أن الندوة كانت فرصة مهمة للالتقاء وعرض الآراء والتجارب، وتعارف التجارب المتعددة من رؤى مختلفة، وحرَص البعض على الحوار والجدال وتقويم تجارب الطرفين، وشددوا على أهمية الندوة باعتبار أن الحضور يُمثّلون عينة من نخبة المفكرين والممارسين للعمل السياسي العربي، اجتمعوا لتقويم تجارب مختلفة، بحضور الجميع والاستماع إلى مفاهيمهم ورؤاهم.

وفق القائمين على الصالون، فإن المراد من الندوة استخراجُ مشتركات بين الإسلام والمنظومات الحديثة المعاصرة، والتأكيد على أن اللقاء بين الإسلام وهذه المنظومات ممكن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التلاقح بين الإسلام والليبرالية، وشددوا على ضرورة التأسيس لمفاهيم جديدة، يُشتق منها مشتركات يمكن الاستفادة منها على أرض الواقع، وعلى أن الحوار حول هذه المفاهيم سيُخرج، في الغالب، المُحاورين من خنادقهم التي فرضتها ظروف واقية وسياقات تاريخية.

وكان صالون الكواكبي قد عقد عدة ندوات وورشات عمل، في وقت سابق، تناولت العديد من العناوين التي لها علاقة بالدين والدولة والسياسة، وحضرها العشرات من الباحثين والمفكرين السوريين والعرب، ونُشرت حيثياتها ونتائجها في موقع ومنشورات المركز، في محاولة لتجاوز الأوضاع المعقدة والاضطرابات والفوضى الفكرية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية عمومًا، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، وضرورة اعتماد الحوار سبيلًا في مواجهة ظواهر الإقصاء والعنف وإلغاء الآخر، من أجل المضي قدمًا نحو البناء وإشاعة قيم المعرفة والتسامح على أسس جديدة وواضحة ومتوافقة مع قيم العصر.

وافتتح مركز حرمون للدراسات المعاصرة (صالون الكواكبي)، قبل سنة، وتحديدًا في 29 آب/ أغسطس 2016، ليتابع الحوارات حول قضايا الدين والدولة والسياسة، في سياق السعي الجاد لخلق ساحة حوار، تفيد من معوّقات الحوار الذي قام في محطات عدة، بين التيارات الفكرية السياسية المختلفة، وتبني على إنجازاته.

صالون الكواكبي، هو صالون حواري متخصّص بالحوار، حول ماهية الدولة السورية الجديدة، وطبيعةِ النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجديد، وأسسِه وآليات إنتاجه وتشكله ومرجعياته، خصوصًا ما يرتبط بعلاقة الدين بالدولة، وعلاقة القوى السياسية بالدين، وإبراز الجانب التنويري والحضاري للدين، في وجه التيارات المتطرفة والعنفية، ويُشارك في حوارات الصالون التي تقام على جلسات متعددة ومتنوعة، شخصياتٌ فكرية وسياسية ودينية عديدة. ويهتم الصالون بتشجيع التيارات الدينية التنويرية النابذة للعنف والتطرف والطائفية والكراهية والتعصب، وبإبراز التيارات المتوافقة مع القيم الحديثة ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويعمل على فتح حوار حقيقي حول عدد من القضايا الخلافية التي تَعوق تقدم المجتمع السوري، وتَحول دون بناء دولة المواطنة المتساوية، وتسمح للدول الإقليمية والعالمية، ولبعض القوى الظلامية المتطرفة -دينيًا أو أيديولوجيًا- بتحويل السوريين إلى أقطاب متصارعة.

كما يهدف إلى فتح حوار جدي وعميق، حول علاقة الدين بالسياسة وعلاقة الدين بالدولة، خارج إطار التصنيفات السطحية والمعيقة، والانتقال بالحوار تدريجيًا من الجانب النظري أو الفقهي أو الشرعي، إلى الجانب العملي التفصيلي أو التنفيذي، وتوسيع المشتركات بين التيارات الفكرية السياسية المختلفة في المجتمع السوري، وتنظيم العلاقة بين القوى السياسية العديدة، بما يبعدها من الاستقطابات السطحية الحادة والصراع المجاني، ويفسح المجال لعمل سياسي اجتماعي سلمي، في ضوء توافقات رئيسة حول الدولة الجديدة، وعلاقة الدين بالدولة والمجتمع.