المحتويات
الجزيرة السورية، المحافظة المستثناة
مقدمة
أراد الرئيس جمال عبد الناصر في إثر الوحدة السورية المصرية أن يطبّق التجربة المصرية في تحديد الملكية الزراعية في الإقليم الشمالي (سورية)، فأصدر القانون ذا الرقم 161 لعام 1958 الذي قضى بالاستيلاء على المساحات التي تزيد عن سقف الملكية المحدد بحسب هذا القانون، ووفقًا لمعدلات هطل الأمطار بالنسبة إلى لأراضي البعلية، كذلك وفق مصادر المياه بالنسبة إلى الأراضي المروية، ولم يكن للسوريين أي علاقة بإصدار هذا القانون إذ يبدو ذلك جليًا في استخدام وحدة القياس في تحديد المساحة (الفدان) علمًا بأن وحدة القياس المساحية في سورية (الدونم أو الهكتار)، وقد روعيت هذه النقطة لاحقًا.
لا شك آنذاك في أنّه كانت ثمة حيازات كبيرة جدًا لدى بعض العائلات، حيث إن نسبة 0.06 في المئة من عدد السكان تستثمر مساحة نحو 2.3 مليون هكتار موزعة على /3240/ مالك أي إنهم يستثمرون 35 في المئة من الأراضي الزراعية، وثمة 50 في المئة من الملاكين لديهم مساحات تزيد على 100 هكتار، وتعدّ حيازات صغيرة قياسًا بالملاكين الكبار، فعلى سبيل المثال يملك شيخ عشائر الجبور السيد عبد العزيز المسلط نسبة تتراوح بين 600 و1200 سهم في كل قرية، توجد فيها عشيرته الممتدة من جنوبي محافظة الحسكة، إلى شمالي المدينة، مرورًا بمركزها. وهناك عائلة آل أصفر ونجّار وآل الباشات في منطقة رأس العين في محافظة الحسكة، ويملكون مساحات زائدة تشكل 10 في المئة من ملكيات كبار «الإقطاعيين»، ثم صدرت مرسومات تشريعية متلاحقة بعد انتهاء الوحدة السورية المصرية في أيلول/سبتمبر عام 1961، منها المرسوم 88 لعام 1962، الذي عدّل سقف الملكية بالزيادة، ثم بعد حكم البعث صدر المرسوم التشريعي ذو الرقم 145 لعام 1966، فأعاد سقف الملكية بمثل ما كان عليه، ثم في عام 1980، صدر المرسوم التشريعي ذو الرقم 31 لعام 1980، وخُفّض بموجبه سقف الملكية أيضًا.
إن هذا القانون هو قانون استثنائي، فالأصل هو أن دساتير الأرض كلها، وشرائعها صانت حق الملكية، وعدّته حقًا مقدسًا للفرد، ولا يجوز الاعتداء على الملكية إلا للمنفعة العامة، وبموجب قانون استملاك مقابل بدل تعويضٍ عادل.
تطبيق قانون الإصلاح الزراعي
بدأ تطبيق القانون في عام 1959، وكان قانونًا «ثوريًّا»، فقد جرى الاستيلاء على مساحات زراعية زائدة على السقف المحدد، بحسب المادة الثانية من القانون، وقدرت مساحتها بحوالى 1225000 هكتار، وهي خمس الأراضي المستثمرة زراعيًا، وقد استفادت من توزيع الأراضي المستولى عليها 300 ألف أسرة تقريبًا في المحافظات السورية جميعها.
وقد تمت عمليات الاستيلاء في المحافظات السورية أغلبها بقليل من الأخطاء، وبحسب ما أورده القانون في الاستيلاء، وتوزيع الأراضي المستولى عليها، وإنشاء جمعيات فلاحية من أبناء القرى ذاتهم، وكانت نتيجة توزيع الأرض على فلاحي القرى التي حصل فيها الاستيلاء واضحة في مستوى معيشتهم.
الجزيرة السورية، المحافظة المستثناة
كان تطبيق القانون في الحسكة استثنائيًا، في مواضع لبس كثيرة.
صدور القانون
لوجود هذه المحافظة بين الحدود الشمالية الشرقية ما بين تركيا والعراق، فقد كان نصيبها من القرارات الصادرة عن القيادة القطرية لحزب البعث استثنائيّا، كذلك هي المرسومات التي تحدد أصول نقل الملكية، فقد حدد المرسوم رقم 193/لعام 1952 المناطق الحدودية، وأصول نقل الملكية، والاستثمار بها، وعُدل بالمرسوم 136/ لعام 1964، ثم كان المرسوم 41/ لعام 2004 الذي استثنى العقارات داخل المدن، والعقارات المملوكة من تقييد البيع والشراء ،ولم يستمر هذا المرسوم طويلًا، فجاء المرسوم 49/ لعام 2008 الذي منع البيع والشراء مطلقًا، ومنع رفض تسجيل الدعوى القضائية في المحاكم قبل الحصول على الترخيص اللازم بدراسة أمنية مستفيضة، وعدت محافظة الحسكة كلها منطقة حدودية.
تنفيذ القانون
إن عمليات الاستيلاء في محافظة الحسكة جرت بطريقة انتقامية من الملاكين، فبعد صدور المرسوم التشريعي رقم 145 في عام 1966، ألفت لجنات اعتماد محاضر الاستيلاء في المحافظات، بدلًا من اعتماد قرار الاستيلاء من اللجنة التنفيذية لمؤسسة الإصلاح الزراعي في وزارة الإصلاح الزراعي، وبعد دمج وزارتي الزراعة ووزارة الإصلاح الزراعي، باتت اللجنة التنفيذية تنظر في أمر مصادرة أرض المالك كاملها، وحرمانه الملكية كليًّا. فقد نظرت لجنة الاعتماد في محافظة الحسكة، في الجلسة رقم 1 لعام 1967، برئاسة محافظ الحسكة آنذاك السيد محمد حيدر، وبتَّ في 206 قضايا في الجلسة ذاتها على عجل، وبموجبها أُلحق ضرر بـ 850 مالكًا، كانت لديهم ملكيات معترف بها قانونًا، وقد تمت دراستها، والاستيلاء على الزائد منها، ومُنح المالكون ما يستحقون من احتفاظ وتنازل، منهم من آلت إليه إرثًا من الوالد أو الزوج المتوفى قبل نفاذ قانون الإصلاح الزراعي بمثل ما هو حال أبناء الشيخ خالد الطلاع المُتوَفّى قبل نفاذ قانون الإصلاح الزراعي، وآلت ممتلكاته في قرى تل بيدر وجبل عبد العزيز لأولاده نوري وحمّاد وكعود وزوجته، وقد عدّ السيد حيدر رئيس لجنة الاعتماد أن المالك الفعلي هو المُتوفّى، ولم يعتد ببيان الوفاة وحصر الإرث، وحوسب في الزائد على سقف الملكية المحدد قانونًا، بعد أن عُدّ خالد الطلاع هو المالك والمتصرف الوحيد بالأرض، علاوة على مصادرة بعض الملكيات عرفًا، ومن دون ترك أي مساحة زراعية لدواعٍ سياسية، أو انتقامية وهو ما حصل للشيخ عبد العزيز المسلط الذي صودرت أرضه من احتفاظ وتنازل كاملةً؛ لأنه غادر سوريّة إلى العراق.
ويبدو الانتقام جليًا في سلوك لجان الاستيلاء والاعتماد مع «الخواجا يعقوب نجار»؛ إذ صودر القصر الذي كان في عين الزرقاء بمنطقة رأس العين، وفي محاضر جرد الأشياء المصادرة، لم يُسمح له بحمل لباسه الداخلي، وكذلك الكلب الذي كان يرافقه خلال جولاته في مزارعه، والحصان الذي كان يستخدمه، وسيارة الجيب، علما بأن محافظة الجزيرة بفضل خبرات هذا الرجل الزراعية كانت منتجة للأرز، وكان لديه مقشرة للرز في عام 1956، ومحلج قطن، ومعصرة زيت بذرة القطن. كما برزت تصرفات انتقامية أخرى مع ملاكي الجزيرة بطريق رفض الاعتداد بمستندات التملك القديمة، قبل عمليات التحديد والتحرير، وكذا هو حال أبناء إبراهيم باشا الملّي في منطقة رأس العين، ووصولًا إلى منطقة الكوجر حيث لم يُعترف بالإجراءات التي اتُّخِذت بحقّ أبناء نايف باشا، وعُدّ نايف باشا المالك الوحيد، وأعيدت الملكية إليه، إضافة إلى وجود ملكية ثابتة في قرى الدرباسية لدى آل العيسى بموجب أسناد خاقانية منذ عهد السلطنة العثمانية، ولم يُعتدّ بهذه الأسناد، وعُدّت الملكية لكل من دحّام وفرحان العيسى فحسب. وقد كانت قرارات لجنات الاعتماد بموجب المرسوم 145لعام 1966، قطعية، وغير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة أو الطعن، وينبغي للمتضرر مراجعة القضاء، والقضاء في دوره لم يحكم لأحد، ما دفع أبناء أحد ملاكي الجزيرة السيد أكرم حاجو، إلى إقامة دعوى قضائية أمام محكمة دولية، وتعدّ تلك سابقة لم تتكرر، تمكّن فيها من الحصول على تعويض يقدّر بعشرات الملايين، وبقي القرار حبرًا على ورق، مستندًا إلى مبادئ الدستور السوري في صون الملكية، وعدم التعدّي عليها إلا بنصّ استملاك للنفع العام، ولقاء تعويض عادل.
مكونات القانون
خضعت عمليات توزيع أراضي الاستيلاء لقرارات استثنائية بعيدة عن قانون الإصلاح الزراعي([1]) والغاية منه، بل استخدم (القانون) سلاحًا بيد سلطة البعث لتطبيق خطط (شوفينية)، فقد استند إلى دراسة أجراها الضابط في الأمن السياسي المدعو «محمد طلب هلال» لواقع محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية، وأنجز كُتيبه «التقرير الأمني» بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963([2])، ونوقش في مؤتمرات حزب البعث، ولا سيما المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث عام 1966([3]). وقد عدّت دراسته الكرد في المحافظة ناقصي الوطنية والولاء لوطنهم السوري، فكانت خطته استجلاب عشائر موالية وقومية، يمكن تكوين ميليشيات مسلحة منهم، وتوطينهم في طول الشريط الحدودي الشمالي، بدءًا بالحدود العراقية السورية إلى ما بعد مدينة رأس العين ، وكان تعبيره حرفيًّا «إقامة مستوطنات عربية على طول الحدود مع تركيا»، مستلهمًا مصطلح المستوطنات الاسرائيلية في دراسته ، فضلًا عن وجود أهداف بعيدة المدى لدفع السكان المحليين أصحاب الحق في الأرض إلى مزيد من الفقر والتهميش، كي يُرغموا على الهجرة إلى الداخل تجاه مراكز المدن بحثًا عن العمل .
بقيت دراسة «هلال» في درج قيادة حزب البعث إلى حين تهيئة الظرف المناسب لتنفيذ هذا المخطط، حيث وضع سد الفرات في محافظة الرقة في مضمار الاستثمار، وغمرت بحيرة السد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، فوجدت السلطة الحل بتوزيع الشريط الحدودي بطول 350كم تقريبًا، وعمق يراوح بين 10 و15كم، على العائلات اللواتي غمرت بحيرة السد أراضيها، لتُكوّن هذه العائلات ما يُسمّى الحزام العربي، حيث تعزل الحدود السورية التركية في المناطق التي يوجد فيها الكرد، عن كرد تركيا والعراق، وبدأ تنفيذ المخطط في عام 1974، وقد مهّد لزرع هذا الحزام، منذ أن قام الإصلاح الزراعي بتجميع الأراضي المستولى عليها، تحت مسمى قانون الفرز والتجنيب والتجميع، أي حصر أراضي الاستيلاء في منطقة واحدة، كانت النسبة الكبرى للملاكين المستولى على أراضيهم في الشريط الحدودي من الكرد، وثمة السريان والكلدان أيضًا، فضلًا على ملاكين عرب، وحُدّدت -بموجب قانون تجميع أراضي الاستيلاء- الأرض المُستولى عليها في الشريط المتاخم للحدود، وإزاحة الملاكين إلى العمق جنوبًا، و لم توزّع الأرض على الفلاحين آنذاك بل سُلّمت إلى منشأة مزارع الدولة، لتوزيعها لاحقًا على أهالي الغمر الذين شيّدت لهم قرى «نموذجية»، وهي أحجار إسمنتية مسقوفة بالصفيح([4]) ،حيث أُنشئت لهذه الغاية لجنة إعمار مزارع الدولة برئاسة عضو القيادة القطرية لحزب البعث السيد عبد الله الأحمد، وبموجب القرار رقم 521ت لعام 1974، استقدِم من غمرت أرضه من محافظتي الرقة وحلب ووزِّعوا على 35 تجمعًا سكنيًّا على طول الحدود السورية التركية.
كُثر من أبناء الغمر رفضوا بادئ الأمر تعويضهم في أراضي الجزيرة، وكانت رغبتهم بأن يُعوَّضوا بدلًا من الأراضي التي غُمرت بمياه البحيرة؛ بالأراضي التي يجري استصلاحها في محافظتي حلب والرقة، وما حدث هو أن مؤسسة حوض الفرات وزّعت الأراضي التي استُصلحت للعاملين في المؤسّسة، وأصرت السلطة السورية على تنفيذ مشروع حزامها من المغمورة أراضيهم، وهددت بالحرمان في التعويض كل من يرفض الإقامة في محافظة الحسكة، وقامت السلطات بأكثر من ذلك، فلم تكتفِ بنقل إقامتهم، بل نقلت قيودهم في سجلات الأحوال المدنية إلى التجمعات السكنية التي شيّدت لهذه الغاية، وكان القصد من ذلك تغيير ديمغرافية المنطقة، بدعمها من العنصر العربي .
وأودّ التنويه هنا إلى أن «المستوطنين» الجدد -وفق تعبير هلال- لم يسمح لهم ضميرهم، بإجراء شعائر العبادة والصلاة في مكان إقامتهم الجديدة، لقناعتهم بقاعدة فقهية «لا صلاة في أرض مغتصبة»، ولم يجرؤ أحد على تشييد مسجد في تجمعات الغمر إلا بعد أن يستسمحوا مالك الأرض، وأبعد من ذلك، فمن يرغب في أداء فريضة الحج، يطلب السماح من مالك الأرض، وهذا ينطبق على الفلاحين الذين استفادوا من أراضي الاستيلاء معظمهم.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن سلطة البعث استقدمت عائلات من مدينة السلمية في محافظة حماة، وخصتهم بالأراضي الزراعية المستولى عليها في قرية الزهيرية الواقعة على ضفة نهر دجلة، ومقابل قرية زاخو في إقليم كردستان العراق، وهذا كان قبل مشروع الغمر ، ربما يفسر ذلك بأن ولاءهم يفوق ولاء عشائر المنطقة الحيوية، بوصفها متاخمة لمعبر حدودي، أما القرية المجاورة لها وهي البوابة الحدودية قرية سيمالكة التي تغير اسمها إلى قرية التونسية، فقد بقي قسمها المحاذي لنهر دجلة لدى مزارع الدولة إلى أن خصّصتها للمؤسسة الإنتاجية في وزارة الدفاع، وكانت تُدار من الجيش السوري.
عودٌ على بدء
ربَّ قائل إن السلطة السورية لها الحق في اتخاذ ما تراه لجبر الضرر عن المغمورين، ولا سيّما أن الأرض السورية وحدة متكاملة، ومن حق أيّ مواطن الإقامة في أي مكان، هذا كلام حقّ يراد به باطل، فلم تكن مبادئ تعويض أبناء محافظتي حلب والرقة في محافظة الحسكة مبنية على أسس قانونية، إذ ثمة مخالفات قانونية في أسس توزيع الأرض المستولى عليها، تتمثل في النقط الآتية:
أ – أعطى قانون الإصلاح الزراعي المالك الحق في تحديد المساحة التي يتخلى عنها للإصلاح الزراعي، وله الحقّ في تحديد مكان احتفاظه له ولأفراد أسرته، لكن ما حصل في الشريط الحدودي أن عمليات الفرز والتجنيب لأراضي الإصلاح الزراعي جمعت وحصرت بالشريط الحدودي، وأزيح الملاكون إلى الجنوب بعمق يراوح بين 10 و15كم، عن الحدود، حيث أفرغت الأرض كليًا.
ب – لم تكن حيازة الأراضي المتاخمة للشريط الحدودي جميعها عائدة إلى المُلّاك المستولى على أراضيهم، بل ثمة حيازات وأراضي «وضع يد» لمساحات صغيرة، لم تُشمل بقانون الإصلاح الزراعي، على الرغم من ذلك، فقد نُقلت حقوق هؤلاء إلى مناطق ومحاضر أخرى بعيدة عن الحدود، بمثل ما حصل في قرية تل بوم (كركند) وغيرها.
ج – من شروط توزيع أراضي الاستيلاء أن تجري عمليات البحث الاجتماعي للفلاحين أبناء القرية من واضعي يد لدى المالك المستولى عليه، ومن يتمتع بإقامة فعلية في المنطقة العقارية التي وقع الاستيلاء فيها أو الذين ليست لهم أي حيازات (يصنفون في الإصلاح الزراعي بـ المفاليس) ومن ثم أبناء القرى الأقرب لأرض الاستيلاء، إلا أن هذا لم يحصل، بل وزّعت الأرض المستولى عليها على عوائل تبعد حوالى 300 كم عن أرض الاستيلاء، وهو مخالفة صريحة لقانون الإصلاح الزراعي لأسس التوزيع والتأجير.
الخاتمة
يتضح جليًا مقاصد السلطة من اتخاذ إجراءات استثنائية مستندة إلى قرارات حزبية، فيها من المخالفات القانونية المبنية على الباطل ، تحيلنا إلى زعزعة الثقة في مجموعات بشرية تقيم في قراها، لتخلق شرخًا كبيرًا بين أبناء المجتمع الواحد، فالغاية المقصودة هي الطعن في ولاء الناس ووطنيتهم، جعل سلطة البعث تتخذ إجراءات لم تكن يومًا إلا قنبلة موقوتة، وبدلًا من حماية الدولة حدودها بأسس متينة وبأبناء الحدود ذاتهم، من خلال استقرارهم، والاهتمام بالبنى التحتية، وتأمين الخدمات لهم، فإنها سعت إلى تجهيلهم، ودفعهم إلى اتخاذ مواقف (شوفينية) مضادة انعكاسية، وفشلت في نتائجها المرجوة، وغذت الحس العرقي لأبناء المنطقة، وتمايزهم من البقية، ولا يُلام بعضهم في ما ذهبوا إليه من طروحات وردّات فعل، وصلت إلى أن تدعو للانفصال، وحق تقرير المصير، لأنها جاءت ردًا على إجراءات كيدية، اتخذتها سلطة البعث المتعاقبة، بحق مكوّن سوري له وجوده وكيانه، ليتحول هذا الحزام العربي إلى حزام ناسف، أشعل فتنة بات معقدًا حلها، إذ إن ابناء الغمر الذين ولدوا في الجزيرة السورية –الذين لم يكن لهم خيارٌ في ذلك- باتت هذه القرى هي موطنهم، وفي المقابل ينظر أبناء القرى الأصليون بعين الغبن إلى الحيف الذي طالهم.
إن حل مشكلة باتت أمرًا واقعًا يتطلب النظر إليها من زاوية الحق في ظل دولة وطنية، وعقد اجتماعي جديد يؤسس على المواطنة المتساوية، ليس هناك من هو منقوص الحق والواجب فيها، ويبحث في أسس من العدالة الانتقالية عن جبر الضرر الذي طال من تضرر.
([1]) رابط قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 لعام 1958
http://www.mohamah.net/answer/
([2]) الملازم الأول محمد طلب هلال، دراسة عن واقع محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية، مركز عامودا للثقافة الكردية (2003)، ص 23 وما بعدها إضافة إلى المقترحات المقدمة ما يأتي:
1 – إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم حصن المستقبل، ورقابة بنفس الوقت على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم، ونقترح أن تكون هذه من “شمّر” لأنهم أولًا من أفقر القبائل في الأرض، وثانيًا مضمونون قوميا مئة في المئة.
2- جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة، حيث توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب وإجلاء الأكراد وفق ما ترسم الدولة خطته.
3 – إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تُسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكريا كالمستعمرات اليهودية على الحدود تمامًا.
([3]) المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث لعام 1966 م، جاء في الفقرة 5 ما يأتي:
«إعادة النظر في ملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية، وعلى امتداد 350كم وبعمق من 10/15كم واعتبارها ملكا للدولة وتُطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة».
وأود الإشارة هنا إلى أن بعض المعلومات استقيتها من خلال مشاهداتي في عملي في الإصلاح الزراعي/ دائرة الاستيلاء والشؤون القانونية، كنت مكلّفًا بعمل أمين سر لجنة الاستيلاء ومتابعة نقل الملكية المستولى عليها من اسم المالك إلى اسم الدولة، وكذلك مندوب الإصلاح الزراعي لدى المصالح العقارية والقضاء العقاري وإدارة قضايا الدولة.
([4]) [بيوت طينيّة مسقوفة بصفائح كونكريتية. المدقّق]
عمار عكلة
عضو مؤسس في حزب الجمهورية، رئيس سابق للشؤون الإدارية في فرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في الحسكة، وموظف سابق في مؤسسة الإصلاح الزراعي بالحسكة بدائرة الاستيلاء والشؤون القانونية