المحتويات
أولًا: مخيمات اللجوء وإنشاء المدارس
ثالثًا: أحوال اللجوء وأثرها في الطلاب
رابعًا: التعليم الثانوي والجامعي
خامسًا: الكوادر التدريسية في المدارس الخاصة باللاجئين السوريين
سادسًا: المنظمات الدولية والمحلية ودورها في العملية التعليمية للاجئين السوريين في الإقليم
منظمة الإغاثة الأولية الدولية الفرنسية NCR
مقدمة
يعد التعليم بوصفه حقًا إنسانيًا بندًا مهما من بنود المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل، فقد نصت المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، على أن لكل شخص الحق في التعلم، وطُوِّرت الصكوك الدولية المعيارية التي وضعتها الأمم المتحدة بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاق حقوق الطفل عام 1959 واتفاق اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم. وتبدو ضرورته ملحة في حالات الحروب والكوارث والطوارئ كما في حالات الأمن والسلم. وقد بات انهيار المنظومة التعليمية ناقوس خطر يدق في المناطق السورية معظمها التي انتفضت في ثورة الكرامة والحرية فجوبهت من النظام القمعي بكل وحشية، فطال الدمار البنان والبنيان، وتناثر السوريون بين المقابر والملاجئ وبدأت موجات النزوح في داخل البلاد واللجوء إلى دول الجوار.
أولًا: مخيمات اللجوء وإنشاء المدارس
يعد إقليم كردستان العراق وجهة الأكراد السوريين بعد قيام الثورة، فقد كان القسم الغالب منهم يعمل في مهن عدة في المحافظات السورية المختلفة. وبعد تعطل الحياة وعطب سوق العمل بفعل التدمير شبه الكامل للمدن والبلدات السورية في حرب النظام السوري على الشعب، وكانت عودتهم إلى مناطقهم في المناطق الشمالية الشرقية وبالًا عليهم لعوز فرص العمل فضلًا على غياب الأمن.
كانت أول موجة لجوء إلى الإقليم (مخيم دوميز) الذي تأسس في عام 2011، حين لجأ بعض من الشباب الفارين من الخدمة في جيش النظام ورفضهم رفع السلاح في وجه إخوتهم من باقي أبناء الشعب السوري.
توالت موجات اللجوء بعد فرض الإدارة الذاتية سيطرتها على تلك المناطق وفرض التجنيد الإلزامي والمناهج الدراسية المرفوضة من كثير من العائلات، ومع وجود “داعش” وانعدام الأمن زادت وتيرة اللجوء، فقد تجاوزت أعداد اللاجئين 224 ألفًا ([1])، وهي في تزايد مستمر الأمر الذي دعا حكومة إقليم كردستان العراق وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة إلى المباشرة بإنشاء مخيمات لاستقبال اللاجئين على مراحل متلاحقة، وقد بلغ عددها تسعة مخيمات موزعة في محافظات الإقليم على الشكل الآتي:
- محافظة دهوك: مخيم دوميز 2، مخيم دوميز2، مخيم قلعة آكري، مخيم كويلان.
- محافظة أربيل: مخيم كوركوسك، مخيم دار شكران، مخيم قوشتبة، مخيم باسرمة
- محافظة السليمانية: مخيم باريكا
وقد وُفِّرَت المستلزمات الرئيسة للاجئين، وكانت العملية التعليمية من ضمن الأولويات، فاستحدثت المدارس بإمكانات بسيطة وكوادر متطوعة خطوة إسعافية أملًا بتدارك حرمان الأطفال من التعليم. ثم مالبثت أن جرت المباشرة بانشاء مدارس (كرفانات) ازداد عددها طردًا مع ازدياد عدد اللاجئين وازدياد عدد الطلاب وحاجتهم، وقد كانت معظمها مجهزة بالمستلزمات التعليمية كافة، إذ أنشئت من منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في إقليم كردستان العراق، إضافة إلى توزيع القرطاسية والحقائب المدرسية واللباس المدرسي، وإن كان بصور متفاوتة بين هذه المخيمات.
وقد بلغ عدد المدارس فيها حتى العام الدراسي الحالي 2018-2018 كما يأتي:
- مخيم دار شكران: أربع مدارس (مدرستان للتعليم الابتدائي من الأول حتى السادس ومدرسة إعدادية ومدرسة للتعليم الثانوي)
- مخيم كوركوسك: أربع مدارس (مدرستان للتعليم الابتدائي ومدرسة إعدادية ومدرسة للتعليم الثانوي)
- مخيم باسرمة: مدرستان (واحدة للتعليم الأساسي من الصف الأول حتى التاسع وواحدة للتعليم الثانوي)
- مخيم قوشتبة: ثلاث مدارس (مدرستان للتعليم الأساسي ومدرسة للمرحلة الثانوية)
- مخيم دوميز1: ثماني مدارس (سبع منها للتعليم الأساسي ومدرسة ثانوية)
- مخيم دوميز2: أربع مدارس (ثلاث منها للتعليم الأساسي ومدرسة ثانوية)
- مخيم أكري: مدرسة واحدة للتعليم الأساسي.
- مخيم كويلان: مدرستان للتعليم الأساسي ومدرسة ثانوية
- مخيم باريكا: ثلاث مدارس (ابتدائية وإعدادية وثانوية)
لقد بلغ عدد هذه المدارس 31 مدرسة إضافة إلى رياض الأطفال الموجودة في المخيمات جميعها، وينصب جل عملها على النشاط الترفيهي أكثر من الجانب التعليمي. وعلى الرغم من ازدياد عدد المدارس إلا أن هناك كثافة في أعداد الطلاب في الغرف الصفية.
ثانيًا: المناهج الدراسية
تعد المناهج الدراسية إحدى الركائز الرئيسة للعملية التعليمية، وهي تمثل الهوية الثقافية فتعكس ثقافة المجتمع وواقعه الاجتماعي والسياسي السائد، وهي تختلف باختلاف الأنظمة الحاكمة فتختلف في الأنظمة الاستبدادية التي توجه تفكير الفرد نحو هدف معين ترسخ حكمه الاستبدادي وتربطه بمصالحه وتوجهاته بعكس الأنظمة الديمقراطية التي تسعى لتحرير الفرد وتغذيته بالمعرفة ليغدو خلاقًا مبدعًا.
سعى القائمون على إعداد المناهح في “الحكومة السورية المؤقتة” التي دُرِّست بداية في مخيمات اللجوء في إقليم كردستان العراق، لتغيير مناهج النظام الذي كان وسيلة لترسيخ فكر البعث وهيمنته على المجتمع السوري فأجريت عليها تعديلات من خلال حذف مادة التربية القومية الاشتراكية، وأجرت مؤسسة “شام” تعديلًا بسيطًا على هذه المناهج اقتصر على حذف صور حافظ وبشار الأسد وأقوالهم وأفكار حزب البعث وطروحاته من الكتب الدراسية، وتعديل آخر أجرته مؤسسة “علم” الهيئة السورية للتربية والتعليم للعام 2013-2014، وكانت تعديلات مشابهة للتعديل الأول، وجميعها اقتصرت على حذف صور البعث والأسد وأفكارهما، والاستعاضة عنها بصور وفكر ملائمين للثورة السورية ويرتبطان بها، ولم تعر انتباهها إلى تعديل بنية المناهج وطرائقها وأساليبها وطريقة مخاطبة عقل الطالب وخلق الإبداع لديه.
دُرّست تلك المناهح المعدلة بداية في مخيمات الإقليم إلى أن أوقف التدريس بها بعد رفض الحكومة السورية المؤقتة دفع رواتب المعلمين العاملين في الحقل التربوي في هذه المخيمات، فاستبدلت بالمناهج التي تُدّرَّسُ في الإقليم وهي مناهج كردية، عُرِّبت النسخ المقدمة إلى مدارس اللاجئين السوريين لتتوافق مع ثقافة اللاجئين واللغة التي تعلموا بها في سورية، حيث كان التدريس الرسمي وما زال باللغة العربية، وهذه المناهح هي الأخرى مكثفة تقوم على الحشو المعلوماتي أكثر من استثارة فاعلية التلاميذ وخلق مجالات الإبداع لديهم.
تدرس المواد كافة باللغة العربية من الصف الأول، إضافة إلى مادة اللغة الإنكليزية واللغة الكردية، وتكون باللهجة الكردية البهدينية في محافظة دهوك، واللهحة السورانية الكردية في محافظتي أربيل والسليمانية وهي تختلف عن اللهجة الكردية في سورية، فتشكل تحديًّا أمام التلاميذ وذويهم، وكذلك مدرسي المادة، وهم من مدرسي الإقليم، حيث يقع عليهم العبء الأكبر لتعليم الطلاب، وهي مكتوبة بالأحرف العربية بعكس الكتابة الكردية بالأحرف اللاتينية المتبعة في كردستان سورية التي وضع أساسها الأمير “جلادت بدرخان”([2]).
وتعدّ مادة اللغة الكردية مع مادة الرياضيات من المواد الرئيسة التي يتوقف نجاح الطلاب على تجاوزها، أما باقي المواد فهي ثانوية.
- الصفوف الثلاثة الأولى هي صفوف عبور لا رسوب فيها، ويخضع الراسبون في بعض المواد لدورة تكميلية لترفيعهم إلى الصفوف الأعلى.
- يبدأ تدريس مادة “الحقوق المدنية” من الصف الأول وهي مادة أخلاقية تركز على الأخلاق والتعاملات والحقوق والواجبات ضمن الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة، وتسعى لزرع القيم والمبادئ واحترام الآخرين، ويستمر التدريس بها لكافة المراحل.
- مواد التربية الاجتماعية: تبدأ بصورة مبسطة في المرحلة الابتدائية، وتزداد عمقًا وتكثيفًا للمعلومات في الصفوف العليا.
- مادة التاريخ: تتناول تاريخ المنطقة الكردية وثوراتهم ومعاناتهم وحقوقهم والتعريف بها والشخصيات الثورية والرموز الوطنية إضافة إلى دراسة تاريخ المنطقة. ذلك كله بشكل متدرج في المراحل التدريسية.
- مادة الجغرافية: تتناول دراسة جغرافية المنطقة بدءا من إقليم كردستان ثم جغرافية المنطقة والعالم من النواحي الطبيعية والسكانية والمناخية، وبتدرج في الصفوف الدراسية تباعًا.
- اللغة العربية: تدرس من الصف الأول، وهي مبسطة ولا تعد مادة رئيسة يتوقف عليها نجاح الطالب.
- اللغة الإنكليزية: تبدأ من الصف الأول، أما التدريس الجامعي فيكون معظمه باللغة الإنكليزية.
- وهناك توجه في هذه السنة الدراسية إلى استبدال النسخ الكردية المتبعة في الإقليم أو النسخ التي بدأ التدريس بها منذ العام الفائت بالمناهح العربية التي يجري التدريس بها في المخيمات، تدرس المواد جميعها باللغة الإنكليزية، ويقترح آخرون أن تكون الدراسة اختيارية بين هذه المناهج.
ثالثًا: أحوال اللجوء وأثرها في الطلاب
تزداد صعوبة حماية حقوق الطفل في التعليم في أحوال الحرب واللجوء، ويصطدم بمعوقات كثيرة ومن أهم المشكلات التي تواجه الطلاب والقائمين على متابعة العملية التعليمية مشكلة التسرب الدراسي وهو ما يعانيه كثير من الطلاب في إقليم كردستان العراق، فكثير من العائلات التي لجأت إلى الإقليم اضطرتها أوضاع البحث عن فرصة عمل إلى الاستقرار في المدن وضواحيها وبعض القرى والمزارع، ما دفع الأطفال في سن الدراسة إلى البقاء بعيدًا من مقاعد الدراسة ومساعدة الأهل، فأقرانهم من الأطفال في المخيمات يرتادون المدارس التي أنشئت هناك وفق مناهج توافقهم، أما هؤلاء فهم بعيدون عنها، ولا يستطيع الأهل تأمين وسائط لنقلهم إليها لما له من عبء مادي عليهم، ثم إن مدارس الإقليم لم تستقبلهم بداية إلى أن جرى تدارك الأمر بإصدار قرار يسمح لهم بالدراسة فيها. لكن وعلى الرغم من ذلك بقي الالتحاق بها ضعيفًا فهي مناهج تدرس بالكامل باللغة الكردية وفيها صعوبة على التلاميذ وعلى أهلهم الذين يرغبون في الدراسة بالمناهج العربية على أمل العودة إلى سورية حتى لا تختلف على أطفالهم نوعية التعليم، الأمر الذي دفع بكثير من العائلات إلى الانتقال إلى السكن في المخيمات على الرغم من أوضاعه الصعبة من أجل إنقاذ مستقبل أطفالهم التعليمي.
وهنا تجري إعادة الأطفال إلى الصفوف الأولى على الرغم من أنهم أكبر سنًا، وذلك بعد إجراء سبر لمعلوماتهم من لجان تنتدب من مديريات التربية، فيشعر كثير منهم بالحرج لفارق الحجم والعمر بينهم وبين أقرانهم في الصف، ويؤثر في اندماجهم معهم، ولكنها تعد خطوة إيجابية لتدارك ما فاتهم من التعليم.
وبافتراض مخيمات اللجوء في إقليم كردستان العراق مخيمات مفتوحة يسمح لقاطنيها بالدخول والخروج من دون قيود تذكر والعمل في مناطق الإقليم كافة، فإن غياب الأب والأم في كثير من العائلات عن البيت لضرورات العمل وتأمين المعيشة في ظل الأزمة الاقتصادية في الإقليم وتوقف كثير من المنظمات الإغاثية عن تقديم المعونات والمساعدات “تجاوز عددها بداية 32 منظمة ثم انخفض إلى ما دون العشر منظمات”؛ أثر سلبًا في متابعة تعليم الأطفال من أسرهم، إضافة إلى ظاهرة متابعة مشوار الهجرة مرة أخرى باتجاه أوروبا حيث أوضاع اللجوء أفضل كثيرًا لا سيما بعد هجوم “داعش” على الإقليم واحتلال الموصل وشنكال، وتوجه المنظمات الإغاثية معظمها إلى العمل في مخيمات النازحين من تلك المناطق وفقدان كثيرين لأعمالهم. هذا كله دفع كثيرًا من أرباب الأسر إلى الهجرة نحو أوروبا وانتظار أسرهم للحاق بهم بعد استكمال إجراءات لم شمل العائلة، الأمر الذي دفع كثيرًا من الأسر إلى عدم الاهتمام بمتابعة تعليم أطفالهم وإهمالهم بافتراض أن إقامتهم باتت موقتة، وسيتابعون دراستهم في بلدان اللجوء التي سيتوجهون إليها بلغة ومناهج وثقافة جديدة.
وفي المناطق القريبة من المخيمات حيث توجد أعداد كبيرة من اللاجئين الذين يجد أطفالهم صعوبة في الالتحاق بمدارس المخيم لعدم القدرة على تأمين وسائط النقل المكلفة، يضطر كثير منهم إلى السير على الأقدام في أوضاع سيئة لمتابعة دراستهم.
أما بالنسبة إلى عدد من المدارس التي استحدثت في المدن بعد نزوح أهالي الموصل وشنكال، التي يجري التدريس فيها بالمناهج العربية، فقد التحق كثير من اللاجئين السوريين بها لإتمام تعليمهم وهي الأخرى تعاني كثافة عددية وعدم تجانس مكوناتها وما له من تبعات نفسية واجتماعية، فكل منهم من بيئة وثقافة وعقائد مختلفة، وما ينتج منه من مشكلات الاندماج مع بعضهم والتعلم ضمن أوضاع سوية.
رابعًا: التعليم الثانوي والجامعي
استجابة للحاجات التعليمية للشباب السوري، وحلًا متوسط الأجل لتوفير تعليم جيد ورسمي، وخطوة استكمالية واستجابة لتزايد نسبة الطلاب في المرحلة الثانوية وتنفيذًا لمشروعات دعم التعليم في المخيمات الخاصة باللاجئين السوريين في الإقليم؛ تعاونت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم “اليونسكو” مع حكومة إقليم كردستان العراق على إنشاء ثلاث مدارس ثانوية خطوة أولية لإنشاء مدارس ثانوية في المخيمات كافة التي بدأت في كل من مخيمات دوميز، دارشكران، كوركوسك، ويضم كل منها فصولًا دراسية وقاعات وغرف إدارية ومخابر وملاعب مجهزة بالحاجات واللوازم كلها، يستوعب كل منها ما يزيد على 500 طالب وطالبة في المرحلة الثانوية، إضافة إلى إخضاع الكوادر التدريسية فيها لدورات تعليمية أكاديمية على المناهح والدعم النفسي لتعزيز الرفاهية النفسية للطلاب وتحسين مهارات المدرسين للمقيمين في المخيمات والعاملين، ويتقدم الناجحون في الشهادة الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي إلى المفاضلة العامة للجامعات في الإقليم، ولكن نسبة المقبولين تعدّ متدنية بحسب المقاعد المخصصة لهم بحيث لا تتلاءم مع عدد المتقدمين، فيضطر الباقون إلى الانتظار من أجل الاستفادة من القبول وفق برامج المنح الدراسية.
يعاني المقبولون في الجامعات صعوبة المناهج التي تدرس باللغة الإنكليزية، ما يضطرهم إلى الخضوع لدورات تقوية في اللغة، ما يشكل عبئًا إضافيًّا لنفقات الدراسة ولوازمها ووسائط النقل في ظل أحوالهم الاقتصادية الصعبة.
وترى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين في العراق أن تعليم اللاجئين تضرر كثيرا نتيجة الصراع الناشب، فعلى صعيد التعليم العالي كانت نسبة 1 في المئة فقط من اللاجئين يلتحقون بالجامعات مقارنة بالنسبة السائدة عالميا التي تبلغ 34 في المئة، إذ يؤكد السيد “برونو جودو([3])” أنه بعد العام السادس من الأزمة السورية بات من الضروري التفكير في ما بعد الخط الأول من الاستجابة الطارئة لحاجات اللاجئين السوريين ومنحهم فرصة إكمال دراستهم الجامعية، فالتعليم يعد حجر الأساس ليمكنهم رسم مستقبلهم وبناء مجتمعاتهم، فطرحت مبادرة “ألبرت اينشتاين” التي سُجِّل بموجبها 97 في المئة من إجمالي اللاجئين السوريين في العراق إذ قُبِل 120 طالبًا وطالبة للعام الدراسي 2016-2017 وقبل ما يزيد على 100 طالب وطالبة للعام الحالي 2017-2018، وتغطي المبادرة المعروفة بـ DAFE نفقات الدراسة ورواتب شهرية طوال مدّة الدراسة وتأمينًا صحيًا ومواصلات وسكنًا جامعيًا([4]).
كذلك قدمت منظمة “سبارك” الهولندية مشروعًا لمنح دراسية للطلاب السوريين وتغطية نفقات الدراسة ورواتب شهرية وقبل ما يقارب 130 طالبًا وطالبة في العام الفائت ومثلهم للعام الحالي، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الدراسة الجامعية حلمًا لبقية الطلاب السوريين، فمن لم يقبل في المفاضلة العامة والمنح الدراسية بقي خارج الحلقة التعليمية يحلم بالعودة إلى مقاعد الدراسة.
خامسًا: الكوادر التدريسية في المدارس الخاصة باللاجئين السوريين
يتولى مهمة التدريس في المخيمات كوادر تدريسية يُعَينون من مديريات التربية التي تتبع لها تلك المدارس، وهم بمعظمهم من اللاجئين السوريين المقيمين في تلك المخيمات باستثناء معلمي اللغة الكردية فهم من مواطني الإقليم.
في البداية كانت حكومة الإقليم تصرف للمعلمين رواتب شهرية تقدر بنحو 400 دولار أميركي وتمنحهم منظمة الأمم المتحدة ما يقارب 200 دولارا بوصفهم متطوعين في مجال العمل الإنساني، ولكن الأزمة الاقتصادية التي مني بها الإقليم بعد هجوم “داعش” وانخفاض أسعار النفط عالميا وقطع حكومة بغداد حصة الإقليم من الموازنة العامة، خُفِّض ما يتقاضاه المعلمون إلى أقل من 200 دولار شهريا، وقطعت المنح من الأمم المتحدة ما دفع كثيرين منهم إلى ترك التعليم والبحث عن عمل آخر أو الهجرة إلى الدول الأوروبية، فخسر حقل التعليم بذلك كثيرًا من المعلمين المؤهلين وذوي الخبرة والشهادات العليا فجرت الاستعاضة عنهم بكوادر يجري إخضاعها لدورات تدربيبة على المناهج وطرائق التدريس. ولكن الملاحظ مؤخرا أنه بات يجري تعيين معلمي الإقليم في مدارس اللاجئين نتيجة الأزمة الاقتصادية وبحثهم عن فرصة للعمل وقيامهم بتدريس باقي المواد غير اللغة الكردية وهي مواد تدرس باللغة العربية التي لا يجيدها معظمهم، ويدرسون مواد من غير اختصاصاتهم ما يؤثر سلبا في العملية التعليمية واستفادة الطلاب منهم.
لكن على الرغم من الأوضاع المادية الصعبة للاجئين وضعف الرواتب وتأخر صرفها كثيرا، إلا أن المعلمين معظمهم يتابعون واجبهم لدرء خطر غياب الأطفال عن العملية التعليمية.
نقابة معلمي كردستان سورية
أسست نقابة معلمي كردستان سورية في أربيل في 12/5/2014 وبرئاسة الأستاذ “حسن قاسم” رئيسًا للنقابة، إذ أبلغ اتحاد المعلمين العام في كردستان العراق وكذلك فرع الاتحاد في محافظة أربيل/ هولير من وفد ضم رئيس النقابة وأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد معلمي كردستان سورية، وقد لاقى ترحيبًا واستعدادًا للتعاون والوقوف على مطالبهم. وقدمت النقابة بعض الخدمات كتعيين بعض المعلمين في مدارس الإقليم وقبول الطلاب في مدارسه وزيارات ميدانية على المدارس وأسر اللاجئين والتعرف إلى مشكلاتهم سواء معلمين كانوا أم طلابًا، وكان عد المعلمين في أربيل وحدها بداية التأسيس ما يزيد على230 معلمًا ومعلمة، انخفض إلى نحو 170 بسبب الهجرة أو البحث عن عمل ذا دخل أكبر نتيجة قلة الرواتب وتأخر صرفها، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعلمين في الهيئات المحلية في المخيمات فلكل منها هيئات لمتابعة قضايا المعلمين، ولكن بسبب عدم وجود تنسيق وتعاون مع النقابة بقيت النقابة والهيئات هياكل مؤسساتية غير مفعلة ولم تستطع تلبية مطالب المعلمين وحاجاتهم، فعلى الرغم من المطالبة بتأمين العمل للمعلمين والمطالبة بتوفير الرواتب وتحسينها بشكل دوري لم تلق مطالبهم آذانًا صاغيات.
سادسًا: المنظمات الدولية والمحلية ودورها في العملية التعليمية للاجئين السوريين في الإقليم
يتولى متابعة التعليم وتطويره وتأمين مستلزماته للاجئين السوريين في الإقليم وبالتعاون مع حكومة إقليم كردستان العراق عدد من المنظمات والهيئات الدولية العاملة في المجال الإغاثي والإنساني وحقل التعليم:
منظمة اليونسكو
أنشأت عددًا من المدارس الثانوية في مخيمات دوميز ودار شكران وكوركوسك وجهزتها بكافة المستلزمات وتوزيع القرطاسية والحقائب واللباس المدرسي أو تعويض مالي وتأمين رواتب المعلمين وعدّهم متطوعين للعمل في حقل التعليم.
لجنة الإنقاذ الدولية IRC
أنشأت عددًا من المدارس في المخيمات وزودتها بالمستلزمات كافة ومتابعة الكوادر التعليمية وتأهيلهم من خلال دورات تدريبية على طرائق التدريس ووسائل التعليم واستخدام الأجهزة التعليمية، وتقديم رواتب المعلمين العاملين فيها بوصفهم متطوعين للعمل معها.
منظمة NRC النرويجية
تعمل على متابعة الطلاب من خلال برامج ودورات توعية وإرشاد ونشاط ودورات تقوية الطلبة من ذوي المستوى الضعيف، ويتولى ذلك معلمون غير رسميين يتبعون لها وتصرف رواتبهم، وجرى توزيع القرطاسية على الطلاب جميعهم وإنشاء عدد من المدارس وتجهيزها.
جمعية البارزاني الخيرية
وتشرف على المراكز الثقافية الموجودة في بعض المخيمات ورياض الأطفال، إلى جانب توزيع مساعدات ماليه وعينية إليهم.
منظمة الإغاثة الأولية الدولية الفرنسية NCR
أجرت مسحًا للمناطق التي لا تتوافر فيها مدارس خاصة باللاجئين السوريين في محاولة لتأمين المواصلات لنقلهم إلى مدارس المخيمات ومعالجة مشكلة التسرب الدراسي.
منظمة Save The Children
تهتم بمتابعة الأطفال وحمايتهم، وتنفذ برامج عمل ضمن المدارس من خلال رفد المدارس بكوادر تدريسية يتبعون لها بوصفهم معلمين غير رسميين، تتولى تعيينهم وصرف رواتبهم من أجل رفع مستوى التعليم لدى الأطفال ضعيفي المستوى لتحسين مستواهم إضافة إلى توزيع الحقائب والقرطاسية على الطلاب.
هذا إضافة إلى المنظمات والجهات الدولية التي تقدم المنح الدراسية للطلاب السوريين لاستكمال دراستهم الجامعية وتؤمن نفقات التعليم والمواصلات ورواتب شهرية وتأمينًا صحيًا طوال مدة الدراسة، كمنظمة “سبارك” الهولندية و”برنامج المنح” لمبادرة “ألبرت أينشتاين” DAFE وبرنامج المنح “HOPS“، وهي الأخرى تتحمل نفقات التعليم للمقبولين، ورواتب شهرية وتأمينًا صحيًا طوال مدة الدراسة
سابعًا: ذوو الاحتياجات الخاصة
تعرف هيئة الأمم المتحدة ذوي الاحتياجات الخاصة بأنهم الأشخاص الذين يعانون حالة دائمة من الاعتلال الفيزيائي والعقلي في التعامل مع مختلف المعوقات والحواجز والثبات، ما يمنعهم من المشاركة الكاملة والفاعلة في المجتمع بالشكل الذي يضعهم على قدم المساواة مع الآخرين، وذهبت منظمة الصحة العالمية إلى أن الإعاقة هي مصطلح جامع يضم تحت مظلته المختلفة الاعتلالات والاختلافات العضوية ومحدودية النشاط والقيود التي تحد من المشاركة الفاعلة في المحيط.
وبذلك نجد أن هؤلاء الأطفال ضمن هذه الفئات الذين يوجد منهم كثيرون في مخيمات اللجوء هم حالات خاصة تحتاج أوضاعهم إلى عناية خاصة ومضاعفة من أجل تأهيلهم ومساعدتهم ومحاولة دمجهم بالمجتمع. وفي ظل أوضاع اللجوء الصعبة تعدّ هذه الشريحة الأكثر تضررا لعدم وجود مراكز خاصة بها فبقي كثيرون منهم خارج حلقة التعليم لعدم جدوى اللحاق بالمدارس وعدم الاستفادة منها في ظل غياب كوادر مؤهلة مختصة في التعامل مع هذه الحالات، ففي كل مخيم هناك عشرات من المصابين بمتلازمة “داون” ومن يعانون حالات تأخر نمو وتخلف عقلي والمصابين بالشلل والصم والبكم والمتضررين نفسيًّا لما شاهدوه من هول الحرب الدائرة في سورية، وهم في حالة صدمة وانعزال عن الآخرين، الحالات كلها لا تلقى أي اهتمام أو عناية خاصة.
مقترحات
من خلال بحثنا في الوضع التعليمي للاجئيين السوريين في إقليم كردستان العراق، نتلمس كثيرًا من المشكلات والصعوبات التي تعوق العملية التعليمية ومتابعة تحصيل الطلاب لحقهم في تعليم متساو متوازن، لذلك نقترح بعض الحلول الإسعافية علّها تسهم في عدم انهيار المستوى التعليمي للسوريين في الإقليم:
- عدم الخلط بين المناهج واعتماد منهج واحد، ففي حالة الانتقال إلى التدريس بالمناهج الكردية أو الإنكليزية بدلا من المناهج العربية المعتمدة حاليًّا يؤدي بالطالب إلى التخبط بين هذه المناهج وربما يؤثر فيه بحيث يترك التعليم.
- معالجة مشكلة التسرب الدراسي بزيادة عدد المدارس الخاصة باللاجئين السوريين أو إحداث شُعب صفية خاصة بهم ضمن مدارس الإقليم وتأمين وسائل لنقل الطلاب تتولى تمويلها منظمات دولية أو جهات حكومية.
- زيادة عدد المستفيدين من برامج المنح الدراسية أو المقبولين في المفاضلة العامة وتوفير التعليم الجامعي لأكبر عدد ممكن من الطلاب السوريين.
- إيلاء ذوي الاحتياجات الخاصة مزيدًا من الدعم والعناية وإحداث مراكز خاصة بهم أو رفد المدارس بكوادر مؤهلة قادرة على التعامل مع حالاتهم بغية إدماجهم بالمجتمع.
- تحسين أوضاع المعلمين ورواتبهم وصرفها دوريًا حتى لا تفقد العملية التعليمية مزيدًا من الكوادر المدربة والمؤهلة التي يقع على عاتقها تطبيق العملية التعليمية.
([1]) أعداد اللاجئين السوريين يتجاوز 224 ألفًا في كردستان العر اق، http://almasalah.com/ar/news/27976/أعداد-اللاجئين-السوريين-تتجاوز-224-
([2]) الأمير جلادت أمين عالي بدرخان (1893- 1951) من رواد الصحافة والثقافة الكردية الحديثة، صاحب مجلة هاوار. كان أول من كتب اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية لأنه وجدها أنسب وأكثر توافقا مع الأحرف الصوتية الكردية، وهو أول من ضبط قواعدها ورتبها في كتاب كردي باسم قواعد اللغة الكردية اللهجة الكرمانجية.
([3]) برنامج المنح الدراسية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تتيح للسوريين الحصول على شهادات جامعية في إقليم كردستان العراق، www.uniraq.org
([4]) برنامج المنح الدراسية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تتيح للسوريين الحصول على شهادات جامعية في إقليم كردستان العراق. www.uniraq.org
As long as the road is right, you are not afraid of the road