نيت روزنبلات/ ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
في عام 1979، صنّفت الولايات المتحدة سورية كدولة راعية للإرهاب، ووضعتها في أول قائمة من نوعها على الإطلاق، إلى جانب ليبيا والعراق واليمن الجنوبي السابق. سورية هي آخر دولة من هذه القائمة الأصلية ما تزال مُصنَّفة على هذا النحو اليوم، وهي مكانة قانونية تساعد في دعم نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي بدأ بسيطًا عام 1979، ثم كبُرَ بعد غزو العراق، وتوسع مرة أخرى، ردًا على حملة القمع التي شنتها الحكومة السورية ضد الاحتجاجات عام 2011، ثم نمت مرة أخرى، بعد إقرار قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، في كانون الأول/ ديسمبر 2019. لكن التفكير في سورية من خلال منظور الإرهاب ومكافحة الإرهاب اليوم يحجب، بقدر ما يكشف، كثيرًا عن مصالح الولايات المتحدة وصانعي قرار الحكومة السورية، بعد عشرة أعوام من اندلاع حرب أهلية مدمرة قتِل فيها مئات الآلاف، وهُجّر ملايين [خارجيًا]، وملايين آخرين داخليًا، على حين يعاني نصف البلاد الآن انعدام الأمن الغذائي، حيث يقدّر أن نصف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين (18 و25) عامًا قد فقدوا صديقًا أو قريبًا لهم في الصراع.
من الواضح أن حكومة بشار الأسد تريد البقاء بأي وسيلة ضرورية. قبل عشرين عامًا، في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، أدانت الحكومة السورية تنظيم القاعدة، ووعد الأسد بالعمل مع إدارة بوش لمحاربة الإرهاب المستوحى من السلفية الجهادية. اليوم، يدعم نظام الأسد الإرهاب بجميع أشكاله، سواء كانت تمارسه الدولة ضد شعبها، من خلال علاقات طويلة الأمد مع مجموعات مثل حزب الله اللبناني، أو حتى عبر شراكات مناسبة مؤقتة مع مجموعات مستوحاة من تلك الأيديولوجية التي دفعت الإرهابيين إلى مهاجمة الولايات المتحدة في 11 أيلول/ سبتمبر. إلى حد ما، يوفر هؤلاء الإرهابيون عمقًا استراتيجيًا لنظام يائس كي يتمسك بالسلطة. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، تستند هذه الشراكة إلى تكيف مؤقت عوضًا عن استخدام استراتيجي للقوة.
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، طرح عالم الاجتماع، تشارلز تيللي، تشبيهًا مثيرًا للتفكير، وصف فيه الدول القومية الحديثة بأنها “وسائل ابتزاز حماية جوهرية تتمتع بميزة الشرعية”. لم يكن تيللي يعرف مدى ملاءمة تشبيهه لسورية اليوم، إلا أنّ تأملاته في ذلك الوقت دعمت الاتجاه الأكاديمي في دراسة الثورات والحروب الأهلية، نحو “إعادة الدولة إلى الداخل”. في ذلك الوقت، ركزت الأبحاث حول موضوع الثورة في الغالب على ما كان يحدث مع المتمردين (أي كيف كانوا ينظّمون أمورهم، وما هي الظروف التي نجحوا فيها؟). لكن الدول كانت معقدة أيضًا، وكانت ردودها حاسمة في تحديد مسار الانتفاضة. هل تقدم الدولة تنازلات للمتظاهرين أم تطلق النار عليهم؟ هل ستحدث الانشقاقات في أجزاء من الدولة، مثل الجيش، أم ستبقى متماسكة؟
هناك نقطتان تستحقان التفكير فيهما، من أجل فهم سورية كدولة صنفتها الولايات المتحدة راعية للإرهاب: الأولى أن التفكير في سورية كوسيلة ابتزاز للحماية مغلفة بكل الزخارف القانونية والمؤسسية والمادية للدولة يُعطي رؤى أعمق في صنع قرارها الاستراتيجي من التفكير بمعزل عما تحصل عليه من دعم الجماعات الإرهابية؛ والثانية أن فائدة التصنيف الأميركي، من منظور سياسي عملي، تؤدي إلى فوائد محدودة، ولكنها ليست ضئيلة للولايات المتحدة.
أولًا، سورية مؤهلة لتكون وسيلة ابتزاز حماية الجوهري، على طريقة تيللي. ليس عليك أن تذهب بعيدًا في مناقشة أمر سورية، قبل أن تجد نفسك تقارن عائلة الأسد الحاكمة بعائلة كورليوني Corleone، صاحبة الجريمة الخيالية في ثلاثية “العرّاب”. إن كون المقارنة تافهة للغاية أمرٌ معبر وكاشف. على مدى العقدين الماضيين، كان الجدل بين مراقبي سورية أقلّ حول مدى ملاءمة هذا القياس/ التشبيه، وكان أكثر حول الأسد أهو فريدو كورليوني أم الخليفة/ الوريث القاسي (غير المتوقع) مايكل كورليوني.
بعد عشرة أعوام من الحرب الأهلية السورية، أصبح نظام الأسد في أمسّ الحاجة إلى الموارد والدعم في الدوائر الانتخابية الاساسية، ويتبع مخططات في جميع الأماكن التي يمكن أن نتفاهم بها مع مؤسسة إجرامية منظمة. في الآونة الأخيرة، وصفت مجلة (إيكونومست) سورية بأنها “دولة مخدرات”، حيث قدّرت صادرات المخدرات العام الماضي بما لا يقلّ عن (3,4) مليار دولار، أي أكثر بسبعة وعشرين ضعفًا من أكبر الصادرات القانونية للبلاد: زيت الزيتون. وتوصل تقريرهم إلى أن الدولة السورية قد لا تكون متورطة بشكل رسمي، لكنها تفرض عقوبات على إنتاج وتجارة المخدرات غير المشروعة، الكبتاغون، لأنّ عائدات المخدرات تساعد في دفع رواتب الجنود التي لا تستطيع الحكومة تحملها بطريقة أخرى.
المخطط الأكثر بشاعة هو ابتزاز عائلات المعتقلين في نظام السجون السوري. تعتمد الحكومة السورية على ملايين الدولارات من الرشاوى لتوليد الموارد لتعويض شبكة من المسؤولين الأمنيين لا تستطيع تحملها بما يكفي من نفقتها. وبناء على أكثر من ألف مقابلة مع عائلات لديها أفراد “اختفوا” قسرًا عن طريق جهاز الأمن السوري، قدر تقرير لرابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا أنّ من قابلوهم دفعوا ما مجموعه (2,7) مليون دولار كرشاوى وأجور مرتبطة بذلك (أي للحصول على معلومات عن أحبائهم، أو للحصول على زيارة، أو للإفراج عن أحد أفراد الأسرة). ومن خلاصة نتائجها بالنسبة لـ (250,000) مواطن سوري تم اعتقالهم أو إطلاق سراحهم منذ عام 2011، تقدر الرابطة أنه تم دفع حوالي (900) مليون دولار لهذا المخطط الابتزازي، منذ عام 2011.
إن النظر إلى الحكومة السورية كمشروع إجرامي نموذجي يساعدنا في فهم أفضل لوقت تعاونها مع المنظمات الإرهابية، وتحت أي ظروف. توصلت إحدى الدراسات المقنعة حول “العلاقة بين الجريمة والإرهاب” إلى أن التعاون بين الجريمة المنظمة والإرهاب، من الناحية التنظيمية، عندما يحدث، يعتمد على التكيف التكتيكي أكثر من المواءمة الاستراتيجية. يسعى المجرمون المنظمون إلى استغلال الثغرات داخل المنظومة (System) لصالحهم. ومن ناحية أخرى، تسعى الجماعات الإرهابية إلى تغيير منهجي، وتريد تقليص قدرة الدول التي يقيمون فيها على الحكم؛ وتسعى الجماعات الإرهابية أيضًا لتقديم نفسها كبديل عن الحكومة. قد يتعاون الطرفان، لكن هذا التعاون محدود، ويمكن أن يتحول أيضًا إلى مواجهة. تُعدّ حملة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد أهداف الحكومة السورية في عام 2020 مثالًا على كيفية تحوّل تعاون المصلحة بين الدولة السورية وجماعة إرهابية تعمل على أراضيها إلى مواجهة.
ثانيًا، من وجهة نظر الولايات المتحدة، هناك بعض التطبيقات العملية لتصنيف سورية دولةً راعية للإرهاب، لها فائدة لأغراض الأمن القومي الأميركي. يسمح هذا التصنيف للولايات المتحدة وحلفائها بمتابعة الإجراءات القانونية ضد الأشخاص والمنظمات، وحتى الحكومة السورية نفسها، عندما تكون مسؤولة عن تمكين الهجمات الإرهابية. على الرغم من أن القضايا الجنائية نادرًا ما تؤدي إلى إدانات، ولا تؤدي القضايا المدنية إلى تعويضات، فإن ذلك لا ينزع الشرعية عن عملية تسليط الضوء على هذه القضايا. أيضًا، يمكن أن يساعد التصنيف في فرض التغيير على الحكومة السورية. في حين أنه يمكن الجدال حول مدى تأثير ذلك على سلوك النظام الآن، لكن في حالة تغيّر الحكومة السورية في المستقبل، يمكن استخدام العقوبات المتعلقة بالتصنيف كورقة مساومة لتأمين المصالح الأميركية، من ضمن ذلك المساءلة عن الجرائم الدولية.
في الختام، إن معاملة سورية كدولة راعية للإرهاب تعزز مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، ولكن ليس كثيرًا، ولا تزال الفوائد المحدودة لتصنيف دولة مثل سورية كدولة راعية للإرهاب مفيدة، بشرط ألا نتوقع كثيرًا منها. إن استمرار الولايات المتحدة في العلاقات الدبلوماسية مع سورية وإيقافها لأعوام عديدة، على الرغم من إعلانها دولة راعية للإرهاب، يشير إلى أن هذا التصنيف ذا فائدة دبلوماسية. ومع ذلك، فإن التصنيف لا يساعد كثيرًا، من الناحية التحليلية، في فهم عملية صنع القرار الاستراتيجي للحكومة السورية. وأخيرًا، من الواضح، من تاريخ سورية على مدى ما يزيد عن أربعين عامًا، بكونها دولة راعية للإرهاب، أنّ العواقب المترتبة على تصنيفها على هذا النحو ليست كافية، ولإحداث تغيير جوهري، يجب أن يكون هناك ما هو أكثر بكثير من ذلك.
(*) – الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز
اسم المقال الأصلي | Does treating Syria as a State Sponsor of Terrorism advance or hold back US national security interests? |
الكاتب * | نيت روزنبلات، Nate Rosenblatt |
مكان النشر وتاريخه | المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 7 أيلول/ سبتمبر 2021 |
رابط المقال | https://bit.ly/3lb5N5u |
عدد الكلمات | 1339 |
ترجمة | وحدة الترجمة – أحمد عيشة |
*- نيت روزنبلات: زميل في برنامج الأمن الدولي الجديد لأميركا، وطالب دكتوراه بجامعة أكسفورد، ومستشار مستقل للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يستخدم أساليب مختلطة لفهم الصراع المحلي وديناميكيات التنمية في الأجزاء الهشة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عاش وعمل وأجرى أبحاثًا ميدانية في تركيا وسورية والعراق ولبنان والمغرب والكويت والإمارات العربية المتحدة.