مقدمة
ربّما يكون النقاش والحوار، وأحيانًا الجدال والصدام، حول العلمانية، من أكثر المواضيع انتشارًا وسخونة، خلال العقدين الأخيرين في البلاد العربية، وازداد ذلك بعد الربيع العربي، ونزول سؤال “أي دولة نريد كمجتمعات وأفراد؟” إلى أرض الواقع؛ بعد أن كان سؤالًا مُحرَّمًا طوال قرون عديدة في هذه المنطقة.
الكثيرون، ومنهم مؤيدون للعلمانية، يتخوّفون من رفض الشارع في هذه الدول؛ فالغالبية تنتمي إلى الدين الإسلامي، والإسلام -كما أخرجه غالبية الشيوخ والفقهاء والمفكرين الإسلاميين في القرن العشرين- هو “دين ودولة”. وقد اختصرها الشيخ يوسف القرضاوي، وهو من هو، عندما قرر أن “الإسلام دين ودنيا، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دعوة ودولة، خُلُق وقوة”، في كتابه (الدين والسياسة، تأصيل ورد شبهات).
هذه المعضلة تواجهها سورية ومصر والعراق وليبيا وكل البلاد العربية، وتكاد الاختلافات في تناولها تنعدم، ما بين تيار إسلامي، منه من يرفض العلمانية، شكلًا ومضمونًا؛ فيكفِّر من يتبعها أو يدعو لها؛ ومنه من يقبل بعض مبادئها بما يقول إنه لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية فلا يشتط في التكفير، لكنه لا يلقي سلاح التكفير نهائيًا؛ ومنه من يريد استبدال شكل العلمانية إلى كلمة “مدنية”، كي يعيد تفصيلها على مقاس رؤيته السياسية؛ ومنه أيضًا تيار غائب إعلاميًا يعترف بالعلمانية كما هي، ويتقبلها إسلاميًا دون غضاضة تُذكر. وما بين تيار يُسمّى تيارًا حداثيًا أو علمانيًا؛ منه من يريد علمانية صلبة وفق النموذج الفرنسي، حيث لا اقتراب من حيث الشكل والمحتوى للدين من السياسة أو الدولة؛ أو علمانية لينة وفق النموذج الألماني، حيث يمكن أن يحكم ألمانيا حزب اسمه يحمل اسم المسيحية؛ أو علمانية طرية وفق النموذج الأميركي، حيث يجب على الرئيس والسياسي أن يطلب دائمًا التوفيق والبركة من الله، بغض النظر عمن هو الله؛ هناك أيضًا من العلمانيين من يريدها علمانية متطرفة، وفق النموذج الستاليني الحديدي، ويريد فعلًا شنق آخر رجل دين، لكن ليس بأمعاء الإقطاعي أو الدكتاتور، بل بأدوات الدكتاتور ومال الرأسمالي، لأنه يرى أن الحل فقط بدكتاتور يفرض العلمانية جبرًا.
التيار المناهض للعلمانية، وخاصة الإسلامي، يحتمي خلف حجة أن الغالبية السكانية من المسلمين، وهم يريدون “للإسلام أن يحكم”، ولذلك لن يقبلوا العلمانية، حتى وفق النموذج الطري. ومعهم يقف أيضًا نسبة غير قليلة من العلمانيين الذين يرون رؤية الإسلاميين نفسها، وهي أن هذا الشارع المتديّن المحافظ المسلم والمسيحي لا يريد العلمانية، وبالتالي لا يرون بأسًا في تقبّل بعض التنازلات انسجامًا مع ضغوط التيار الإسلامي السياسي.
والسؤال هنا: هل فعلًا يوجد هذا الرفض الواسع للعلمانية في الشارع العربي والسوري والمصري وغيرهم من شعوب تنطق بالعربية؟ هل يملك أصحاب هذا الادعاء أيّ أداة إثبات سوى الاستنتاج الخطي الذي تم تمديده من حقيقة أن الغالبية السكانية مسلمة، بالإضافة إلى بعض التجارب والخبرات الشخصية المتنوعة، وبعض الاستنتاجات من مراقبة وسائط التواصل الاجتماعي؟
للإجابة عن هذين السؤالين، علينا أن نعترف معًا أن لا وجود لأي إحصاء او استطلاع رأي يمكن الاعتداد به في أي دولة عربية، في الإثبات أو النفي. حتى الاستطلاعات التي حدثت على نطاق ضيق أجريت في بلاد دكتاتورية أساسًا، وضمن تجييش إعلامي واسع ضد العلمانية والديمقراطية معها؛ فما بالك باستطلاع أو محاولة سبر توجهات شعب أرهقته المآسي الممتدة خلال عشر سنين، مثل الشعب السوري أو الليبي أو اليمني؟
هل الغالبية المسلمة المتدينة تعني بالضرورة أن الغالبية ضد العلمانية؟
باعتبار لا وجود لأي استطلاع يمكن الارتكاز عليه لتقرير هل المسلمين بغالبيتهم ضد العلمانية أو معها أو محايدين. يمكننا قراءة الحقائق التالية خلال العقود الماضية، وفق مسارين: مسار الانتخابات الحرة نسبيًا التي تعطي أقوى دليل على توجه الشارع، ومسار الإعلام والسيطرة الإعلامية. وإضافة إلى ذلك لا بد من الاستعانة ببعض الحقائق والمؤشرات الأخرى التي يمكن أن تغني قراءتنا حول علاقة شعوب هذه الدول بالعلمانية والحداثة عمومًا، وصولًا للإجابة على السؤال الأساسي.
مسار تجارب الانتخابات الحرة
في عام 2012، شهدت مصر أول انتخابات حرة نسبيًا في تاريخ مصر والدول العربية كلّها. وبالرغم من أن المُتداول هو أن المصريين أكثر تدينًا من جيرانهم، وأن حزب الإخوان المسلمين والتيار السلفي وغيرهم من تيارات إسلامية كانوا أكثر تنظيمًا وفعالية ونفوذًا خلال العقود الماضية في مصر من كل الأحزاب الأخرى؛ فإن مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، الذي حظي بدعم غالبية طبقة رجال الدين الإسلامي وإعلامهم ومساجدهم، فاز فقط بنسبة 52 بالمئة تقريبًا. فهل هذه النسبة تقارب التوقعات المطروحة خلال عقود حول قدرة اكتساح الإسلاميين للساحة؟
لنبقى في مصر، وبغض النظر عن الجدالات والصدامات ما بين التيارات المؤيدة أو المعارضة للإخوان المسلمين، يبدو أن الثابت هو خروج ملايين المصريين في صيف عام 2013 مطالبين بتنحي محمد مرسي. ومن المعروف أن الجماهير بقمة غضبها ونقمتها لا يخرج منها للشارع أكثر من 3 إلى 5 بالمئة. فهذه الملايين سواء كانت عشرات، كما قدرتها جهات معارضة للإخوان، أو بضعة ملايين كما قدرتها جهات مؤيدة لهم، إنما تعبّر عن فشل الدعاية الإسلامية السياسية في تعويض فشل الإدارة الإسلامية في تأمين المستوى الاقتصادي والأمني المرجو من قبل الشعب.
لننتقل إلى تركيا، البلد الذي تصل فيه نسبة المسلمين إلى أكثر من 98 بالمئة، وبغالبية من المذهب السني. فبغض النظر عن الخلافات حول كيفية وصول حزب الحرية والعدالة إلى الحكم بتركيا، هل لأنه حزب ذو توجه إسلامي ثقافي أكثر منه إداري أو سياسي، أو لأن الشعب التركي كان قد أُرهق من الحكومات السابقة التي أوصلت الاقتصاد التركي إلى حالة سيئة جدًا؛ نجد أن الثابت أن شعبية هذا الحزب، وشعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ارتبطت بأداء حكومته الاقتصادي، لا بتوجهاته الإسلامية. فمع تلاحق المشكلات التي أصابت الاقتصاد التركي بدءًا من العام 2014، تراجعت شعبية الحزب والرئيس، مما يؤكد أن المعيار بالنسبة إلى الشارع التركي، مثل أي شارع بالعالم، هو معيار الإنجازات الاقتصادية أولًا، ولن تعوِّض العواطف الدينية ما يراه الشارع أو جزء منه فشلًا في إدارة الدولة.
مع التنبيه إلى حقيقة أن حزب الحرية والعدالة لم يتقدم بأي إجراء حقيقي يضرب أسس العلمانية التركية، ولا حتى على مستوى قوانين الأحوال الشخصية. فما زال الزواج -مثلًا- في الدولة التركية زواجًا مدنيًا، بالرغم من أن حرية الزواج الديني مصانة كخيار شخصي لكن ليس كقانون نظام قضائي.
أما في انتخابات تونس التشريعية، فعلى الرغم من أن التونسيين كانوا يخرجون من حقبة الحكم الدكتاتوري ولم يختبروا حكم الإسلاميين بعد، لا في بلدهم ولا في جواره، أي أن الصورة الدعائية ما زالت صورة متخيلة إيجابية، كما رسمها التيار الإسلام السياسي؛ نجد أن حزب النهضة الإسلامي فاز فقط بـ 37 بالمئة من الأصوات؛ وتراجعت نسبة المؤيدين له في 2014 إلى 27 بالمئة، ليفوز الحزب العلماني حزب (نداء تونس) بنسبة 38 بالمئة تقريبًا. مما يؤكد النتيجة التي أوردناها سابقًا.
قد يُقال الكثير حول ظروف كل بلد ممن ذكرنا هنا، وقد يدعي البعض وجود مؤامرات كبرى ضد الأحزاب الإسلامية، وتمويلات خارجية وغير ذلك. إلا أن ظروف هذه الانتخابات والنتائج عمومًا لا يمكن أن تقبل انزياحًا كبيرًا يحوّل أي حالة ذكرناها هنا إلى حالة تقلب النتائج وتثبت تفوقًا كبيرًا للتيار الإسلامي السياسي، المعارض الأساسي، إضافة إلى النظم الحاكمة للحداثة والعلمانية.
هذه النتائج تحققت وقررتها شعوب مسلمة محافظة، بالرغم من أن قوة التيار الإسلامي من الناحية الدعائية ما زالت مسيطرة على المشهد الإعلامي الناطق بالعربية، ومع ذلك فإن النتائج على أرض الواقع كانت كما رأينا.
مسار السيطرة الإعلامية للتيار الإسلامي على حساب التيارات الحداثية الديمقراطية العلمانية
كل الشعوب العربية تلقت شحنًا إعلاميًا مكثفًا ضد العلمانية وحتى الديمقراطية، ومن قبل التيارين الأكبر المسيطرين على الإعلام والخطاب الشعبي، وهما تيار السلطات العربية كلها، والتيار الإسلامي، سواء الإسلامي السياسي أو التيار الديني الإسلامي التقليدي. وهذان التياران أعلنا عداوتهما أو تناقضهما أو رفضهما لمثلث الحداثة بشكل مباشر وغير مباشر، لعدة أسباب أهمها:
- – النظم الحاكمة العربية كلها، ولأنها مبنية سلطويًا بناءً دكتاتوريًا، حاربت الحداثة بمكوناتها الثلاث الأساسية: الديمقراطية والعلمانية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان[i]، لإن هذا المثلث يشكل خطرًا جوهريًا على سلطتها أكبر من خطر الإسلاميين. فقد شهدنا خلال العقود الماضية، منذ مرحلة الاستقلالات عن الاستعمار الغربي جولات صراع بين النظم الحاكمة العربية وبين بعض التيارات الإسلامية. ففي سورية، مثلًا، بالرغم من أن أكبر صدام مسلح حصل ما بين نظام الأسد الأب وبين الإخوان المسلمين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، فإن ذلك لم يعنِ بأي شكل سقوط التحالف الذي أسسه حافظ الأسد مع القوى الدينية، ومنها الإسلامية السنية في سورية، بل ازداد هذا التحالف متانة مرورًا بمرحلة حكم بشار الأسد، وصولًا إلى وقتنا الحالي.
فالنظام الأسدي تعامل مع الإسلاميين كمعارضين وشماعة لقمع الحركة السياسية الحقيقية في الشارع، وبالوقت نفسه تحالف مع إسلاميين آخرين سياسيين وتقليديين، في زيادة وتقوية سلطته السياسية. لكنه لم يحاول يومًا التعامل مع تيارات ديمقراطية علمانية حقيقية ذات رؤى سياسية حتى من باب الشكل والتجميل. وحال النظام الأسدي لم تكن مختلفة عن حال بقية الحكومات العربية كلها، لإنهم أدركوا الفرق الجوهري بين تيار حداثي يستطيع تقديم بديل ثبت نجاحه على أرض الواقع، ويتناسب طرحه مع حاجات الدولة الحديثة؛ وبين تيار ديني حبيس المدونات القديمة والحرب الدعائية الشعبوية باسم الدين، لا يمكنه التعامل مع العصر الحديث ومتطلباته بنجاح وقدرة، لأنه لا يملك حتى تنظيرًا كافيًا لحمل مسؤولية إنشاء وصيانة الدولة.
- – أما التيار الإسلامي، فسواء كان يسعى للسلطة ويرى بهذا المثلث الحداثي التحدي الأهم في محاولته للقفز على السلطة، أو التيار الديني التقليدي الذي يرفض أي تجديد حقيقي لرؤيته الدينية لأنه يعتمد على مدونة تراثية متشددة عمومًا رغم تنوعها، تحفظ له سلطته المعنوية والاجتماعية ومن ثم مكانته الطبقية؛ فقد شنّ حربًا دعائية لا هوادة فيها ضدّ مثلث الحداثة منذ عقود عديدة، وخاصة من مرحلة نهاية السبعينيات التي شاعت تسميتها بأنها كانت بداية “الصحوة الإسلامية”، التي تزامنت مع حرب أفغانستان الأولى ضد الاحتلال السوفيتي، واستيلاء الخميني على السلطة بعد الثورة الإيرانية، وانطلاق الحرب بين قادات التيارين السني والشيعي، ومع بدء ظهور انهيارات الكتلة الشيوعية. وبالتالي فإنه رأى في مثلث الحداثة خطرًا أكبر من السلطات السياسية القائمة، لنفس الأسباب عند السلطات السياسية القائمة، وهو وجود نموذج بديل ناجح لتأسيس الدولة.
كان غالبية الإعلام حتى نهاية التسعينيات مسيطرًا عليه من قبل الحكومات العربية، التي لم تسمح كما هو معروف بحمل أي رسالة مؤسسة على مثلث الحداثة. لكن مع ذلك فقد أفردت كل هذه القنوات الإعلامية حد أدنى للتيار الإسلامي الديني المؤمن بوجوب طاعة الحاكم، ولو كان متغلبًا. هذا إضافة طبعًا إلى سيطرة التيار الإسلامي على أهم أدوات الدعاية في هذه الدول وهي المساجد، وعلى الرغم من المحظورات المفروضة من قبل السلطات السياسية، فإن التحريض على العلمانية والحداثة، من خلال الهجوم الشديد على الغرب بكل ما فيه، كان مسموحًا من قبل هذه السلطات السياسية، بما فيها السلطات العربية الحليفة تاريخيًا للمعسكر الغربي. ومما زاد من قوة هذا التحالف الإعلامي والدعائي الشعبوي ارتكاز التيارين على نشر أفكار ومنهج نظرية المؤامرة.
وعلى الرغم من انتقال العالم كله، حتى الدول العربية، انتقالًا سريعًا ومفاجئًا إلى مرحلة النظام العالمي الجديد، بعد انهيار الكتلة السوفيتية، ومن ثورة الاتصالات والتكنولوجيا وثورة الإعلام الفضائي، وظهور مئات القنوات الفضائية الناطقة بالعربية وذات التمويل غير الحكومي الرسمي (على الأقل من حيث الشكل)، فإن الحقيقة القائمة إلى يومنا هذا هي أن لا وجود لأي فضائية ناطقة بالعربية، وعند كل التوجهات السياسية الحاكمة لهذه الفضائيات، تتخذ من المثلث الحداثي أساسًا لرسالة إعلامية موجهة للشارع العربي أو السوري، بل حتى الفضائيات الممولة غربيًا لم تتصدَ لهذه المهمة.
في المقابل، نجد أن حصة التيار الإسلامي مصانة في كل هذه الفضائيات، بمختلف أحجامها وانتشارها. سواء كانت حصة صغيرة لا تتجاوز بضع ساعات أسبوعيًا، أو كانت حصة أكبر وبتركيز أوضح من قبل الفضائيات، أو كانت محطات دينية من حيث التعريف الرسمي والعمل الإعلامي. على حين لا يوجد أي فضائية ناطقة بالعربي تعطي مساحة منتظمة، ولو بضع ساعات أسبوعيًا، لمناقشة وطرح الرسالة الحداثية بشكل موجّه، باستثناء قناة (الحرة) الأميركية التي أفردت برنامجًا أو اثنين لمثل هذه النقاشات، لكن ضمن إطار غير مدروس، بل يعتمد على شخصية المقدّم التلفزيوني واجتهاداته، فلم تلق الأثر المطلوب، لأنها غرقت في فخ الإسلاموفوبيا، بدلًا من البحث عن رؤية وخريطة طريق.
وفي الحالة السورية، على الرغم من ظهور فضائيات عدة باسم الثورة السورية بعد العام 2011، نجد أن سيطرة التيار الإسلامي عليها أيضًا واضحة عند الجميع. بل إن بعضها كان إسلامي التوجه بشكل واضح ومباشر. وبكل الأحوال لم يكن هذا التوجه غريبًا مع سيطرة التيار الإسلامي، بفضل داعميه الإقليميين، على هيئات ومؤسسات المعارضة السوية بغالبيتها.
أما على صعيد الإعلام الرديف، أي إعلام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، فما زال التيار الإسلامي أكثر سيطرة، لأنه يحظى بدعم أكبر ماديًا وتقنيًا، فضلًا عن نشاط وفعالية الجمهور المؤيد لهذا الاتجاه. بينما بقيت محاولات التيار الحداثي حبيسة التجارب الفردية المحدودة، وغير المرحب بها رسميًا، حتى من قبل هيئات المعارضة السورية ومنصاتها.
إذًا، الشارع العربي والسوري لم يُعرض عليه أساسًا خطاب حداثي حقيقي على نطاق واسع إعلاميًا. فبقيت الطروحات الحداثية حبيسة التناول النخبوي والثقافي بعيدًا عن الشارع، وبأحيان ليست قليلة بقيت تناولًا سرّيًا خوفًا من السلطة السياسية، أو خوفًا من التيار الإسلامي الذي إن لم يملك السلطة السياسية، فإنه يملك سلطة إعلامية تحرض على الأقل على الاضطهاد الاجتماعي والنفسي، ضد التيار الحداثي العلماني؛ كما سمعنا أخيرًا في أول خطبة ألقاها رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي، في مسجد في مدينة إعزاز في شمال سورية[ii].
وعلى الرغم من هذه الحقائق، ومن أن تأثير الإعلام تضاعف عشرات المرات على الشعوب، فإن نجاح الإسلاميين الذي كان مُتخيَلًا لما قبل اندلاع الثورات العربية، تبين أنه قام على توقعات مبالغ بها جدًا، ووهم رسمه الإسلاميون والسلطات السياسية الحاكمة التي استخدمتهم كفزاعة أمام الغرب أساسًا، وأمام شعوبهم أحيانًا أخرى، كما مرّ معنا.
الحالة السورية
لعل الدليل الأوضح يمكن أن نراه في سورية، على عكس ما يقوله كثيرون. حيث من الثابت أن التيار الإسلامي في المعارضة السورية كان الجهة الأكثر دعمًا ماديًا وإعلاميًا ومعنويًا وحتى عسكريًا، من قبل الدول الإقليمية التي تدخلت بالشأن السوري، على الرغم من أن حزب الإخوان المسلمين هو بين الأقدم والأكثر خبرة بين التكتلات السياسية المعارضة للنظام الأسدي، وبالمحصلة استطاع الإسلاميون، بمختلف توجهاتهم، السيطرة على كثيرٍ من منصات المعارضة السورية السياسية والإعلامية. فحتى الفضائيات التي ظهرت باسم الثورة السورية بقيت إسلامية التوجه عمومًا، فضلًا عن الفضائيات التي أسسها إسلاميون سوريون. ومع ذلك نرى بوضوح أن طريق تزعم هذا التيار للمعارضة السورية بقي صعبًا وإلى الآن لم يستطيعوا التفرد بزعامتهم لتيارات المعارضة السورية، وما زالوا في كثير من الأحيان يفضّلون الوقوف بالصف الخلفي وليس بالواجهة، مثلما بدؤوا في المجلس الوطني السوري في بداية الثورة السورية.
ومن ناحية ثانية، فالتظاهرات التي خرجت في أكثر معاقل الإسلاميين المعارضين قوة في سورية، أي في الشمال الغربي، ضد تسلط الكتائب الإسلامية وزعمائها، بالرغم من وقوع الناس بين نيران وقنابل وصواريخ النظام الأسدي وحلفائه وبين سلاح الكتائب.
الناحية المهمة بقراءة الحالة السورية، وخاصة بمنطقة الشمال الغربي حيث تسيطر الكتائب الإسلامية والجيش الوطني الإسلامي التوجه أيضًا، هي منهج قراءة المجتمعات البشرية بهذه الحالات، وهو النظر للحالة التي يعيشها الناس، هل هي بتحسن مطرد أو استقرار، فنحكم بالتالي بأن الغالبية تفضل السلطة القائمة، أو تعيش بحالة متدهورة اقتصاديًا وأمنيًا، فنحكم بأن الغالبية لن تكون متوائمة مع السلطة القائمة.
قد يُقال إن الحالة المتدهورة في مناطق سيطرة الكتائب الإسلامية والجيش الوطني هي بسبب عنف النظام الأسدي وحلفائه والحصار الاقتصادي وانقطاع الدعم الدولي، وبالتالي فالناس لن تُحمِّل السلطة القائمة على الأرض المسؤولية. هذا الكلام صحيح بشقّه الأول، حول أن المسؤولية الأساسية والأكبر عن التدهور الاقتصادي في كل سورية وفي هذا المنطقة تقع على النظام الأسدي وحلفائه، وأيضًا على تراجع الدعم الدولي الإنساني والاقتصادي. لكن الشعوب والمجتمعات أيضًا في خضم الأزمات الكبرى، مهما كانت الضغوط الخارجية، ستحمِّل المسؤولية لصاحب السلطة، وهذا ما نراه بتجارب كل الشعوب بالتاريخ القريب، حيث تيسرت الديمقراطية بشكل كبير أو معقول.
إذًا، يمكننا الحكم بأن نسبة كبيرة من السوريين في هذه المناطق ضد الطرح الإسلامي كسلطة حاكمة، كنتيجة طبيعية لردة فعل أي تجمع بشري. وهذا التوقع لا علاقة له بتدين أو إيمان الناس أو إسلامهم كما قد يُقال، بل هي طبيعة البشر.
وبالإضافة إلى الحالة السورية، يمكننا وضع التوقعات ذاتها حول الدول أو المناطق التي سيطر عليها الإسلام السياسي بمختلف توجهاته وأساليبه، حيث لم يقدم لأي شعب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني بحده الأدنى.
الثورتان اللبنانية والعراقية المُجهضتان 2019
بالتأكيد، لم يحكم الإسلام السياسي لبنان، بل حكمته الأديان والطوائف السياسية كلها؛ كذلك حصل في العراق، وإن كان بشكل مختلف نوعًا ما. لكن ثورتي الشعبين اللبناني والعراقي بمختلف أديانهم وطوائفهم ضد السلطة السياسية بكل طوائفها وأديانها، تحت شعار “كلّن يعني كلّن”، أثبت أن اتهامات الشعوب بأنها مُتخمة بالطائفية والانحباس الديني هي اتهامات ترى السطح وليس العمق الإنساني، وأن شعبي لبنان والعراق كانا على وشك تغيير الحال في هذين البلدين، وبشعارات واضحة المنحى نحو عزل الانتماء الديني أو الطائفي كشكل للحكم. لكن كارثة وباء كورونا أجهضت تلك الثورتين اللتين لم تلقيا بكل الأحوال أي دعم خارجي واضح.
العرب والمسلمون في الغرب
تشير العديد من الدراسات والاستطلاعات في الغرب إلى أن نسبة المسلمين التي تتقبل العلمانية والديمقراطية وتتفاعل معها أعلى بكثير من التقديرات السائدة إعلاميًا، التي يبالغ فيها اليمين الغربي المتطرف، وكذلك يتلقفها التيار الإسلامي لتأكيد قوته الشعبية حتى في الغرب، بالإضافة إلى بعض التيار العلماني المُصاب بالإسلاموفوبيا.
من هذه التقارير، كان تقريرا لقناة CNN الأميركية الذي يؤكد تزايد نسبة المسلمين الأميركيين الذين يتقبلون الليبرالية ويزداد تفاعلهم مع التوجهات الأقرب للحزب الديمقراطي[iii]. إضافة إلى دراسة موسعة للبروفسور جون إسبوزيتو من جامعة جورج واشنطن، بعنوان “إعادة التفكير بالإسلام والعلمانية”[iv]. وهناك استطلاعٌ للرأي، قام به مركز بيو PEW للأبحاث بين المسلمين الذي بلغوا مرحلة الشباب في القرن 21 Muslim Millennials، يؤكد أن نسبة من يرى أن الدينّ مهمّ بحياتهم هي مثل نسبة آبائهم، إلا أن هناك فرقًا واضحًا في آرائهم مقارنة بآراء آبائهم، وهي نسبة متقاربة بشكل معقول مع وسطي آراء جيل الألفية الثالثة في الولايات المتحدة الأميركية. مثلا 66 بالمئة منهم أميل إلى الحزب الديمقراطي مقارنة بـ 47 بالمئة من المسيحيين، و56 بالمئة من الأميركيين ككل، وبما خص الموقف من المثلية الجنسية، نجد أن 60 بالمئة منهم لديهم موقف متسامح مع المثلية الجنسية، مقارنة بـ 44 بالمئة من آبائهم المسلمين، و68 بالمئة من المسيحيين، و74 بالمئة من عموم البالغين الأميركيين[v].
احتكاك السوريين بالدول العلمانية
وعلى الرغم من مأساوية الوضع السوري، واللجوء السوري في دول العالم، لا يمكننا إهمال حقيقة أن أكثر من 3.5 مليون سوري يعيشون في تركيا ذات النظام العلماني، وأكثر من مليون سوري في أوروبا الغربية، إضافة إلى من لجؤوا إلى القارة الأميركية، وهؤلاء قد احتكوا بشكل مباشر ويومي مع النظام العلماني والديمقراطي، على اختلاف الظروف بين هذه الدول. هذا الاحتكاك اليومي، وفرصة أن يلمس هذا العدد من السوريين لمس اليد ما تقدمه الدولة العلمانية الديمقراطية لشعبها، لا بدّ أن يترك أثرًا إيجابيًا لمصلحة الرؤية العلمانية الديمقراطية.
مؤشرات وسائط التواصل الاجتماعي والإعلام لتقدير قبول الناس للعلمانية
حديث التغييرات الكبرى التي أدت إليها ثورة الاتصالات والتكنولوجيا وما أنتجته من إعلام رديف، انفجر على شبكة الإنترنت على شكل مواقع ووسائط تواصل اجتماعي، وهو حديث طويل، وبالرغم من ذلك يمكن الادعاء أن ما تنشره هذه المنصات لا يعكس الحياة الحقيقية للجماعات البشرية وللأفراد، لأسباب عدة أهمها ما يمكن تلخيصه في مجموعتين.
أولًا، بنية منصات التواصل الاجتماعي وأدوات البحث على الشبكة العنكبوتية تستخدم تركيبات معقدة جدًا ومتداخلة من البروتوكولات والخوارزميات البرمجية والهيكلية للتعامل مع المستخدمين، الذين تراهم هذه المنصات/ الشركات كمستهلكين وكبضائع في الوقت نفسه. ما يهمنا هنا هو انتشار خوارزميات تبني نوعًا من قواعد البيانات حول المستخدمين وميولهم، التي لها دافع تسويقي بشكل أساسي، لكنها تتفاعل مع ما يفضله المستخدمون، وما يثير اهتمامهم وتفاعلهم، وإن كانوا لا يتوافقون معه. ومنها خوارزمية[vi] تسمى مرشح الفقاعة Filter bubble التي تقوم بخلق نوع من الفقاعة الافتراضية، بناء على تفاعل المستخدم مع المواقع التي يهمه تصفحها، والأخبار والألعاب والتسوق الالكتروني وكل الفعاليات الأخرى، بحيث تشكل تلك الفقاعة نوعًا من الحبس الافتراضي للمستخدم ضمن مجال محدد من المعلومات والتفاعلات.
هذه البيانات حول ميول المستخدمين تبقى معلومات مُحتكرة من قبل الشركات المالكة لمنصات الشبكة العنكبوتية، وهي تستخدمها لترويج بضائعها ولبيعها أيضًا للشركات الأخرى. وبالتالي فلا جهات غير رسمية يمكنها الادعاء أنها تملك ما يكفي من معلومات عن تفاعل المجتمع مع قضية ما.
ثانيًا، إمكانية الاختباء خلف اسم وصورة وهميين تعطي كثيرًا من الناس إمكانية إظهار آراء وسلوكيات لا يستطيعون إظهارها في الحياة الحقيقية، وهي لا تعكس بالضرورة الموقف أو الرأي الحقيقي للأفراد، وهذه شكوى منتشرة بين المستخدمين عمومًا على كل المستويات، وتؤكدها العديد من الدراسات العلمية[vii]. فإذا أضفنا إلى نتائج هذه الدراسات عاملًا أساسيًا إضافيًا، وهو أن هذه الدراسات تم إجراؤها في الغرب، حيث تعطي الديمقراطية والحرية وسيادة القانون مساحة أوسع للتعبير عن الذات، مقارنة بمجتمعاتنا التي ترزح تحت دكتاتوريات سياسية واجتماعية وفكرية، فإن النتيجة ستكون أكبر بشكل ملحوظ.
وإضافة إلى عدم صدق محتويات منصات الإنترنت في التعبير عن المجتمعات البشرية بشكل عام، فهي أيضًا تبرز أثر الاستقطاب الحاصل بين الناس. فعادة يصبح المستخدمون حبيسي فقاعات افتراضية توافق مواقفهم المسبقة، وفي الوقت نفسه تثير تفاعلهم، ولو كان ضد المحتوى. وقد لاحظت العديد من دراسات مركز بيو الأميركي للأبحاث -مثلًا- أن مناصري الحزبين الأميركيين الكبيرين يزدادون ابتعادًا عن بعضهم على منصات التواصل الاجتماعي، وفي الحياة الحقيقية[viii]. وعلى الرغم من التباين الكبير بين الحالين الأميركية والعربية، وتعقيد الحالة السورية، يمكننا الاستنتاج بثقة أن الاستقطاب الحاصل داخل شعوب هذه المنطقة أكبر بكثير منه في الشارع الأميركي، لأن الفارق الكبير في صعوبة الأزمات والمشكلات التي تواجهها شعوب هذه المنطقة على كل المستويات، مقارنة بالتحديات أمام الشعب الأميركي، سيؤدي حكمًا لاستقطاب أشد وأكثر انتشارًا.
بناء على ما سبق؛ يمكننا القول إن الحكم على تقبّل المجتمع السوري والعربي للعلمانية أو رفضه لها لا يمكن أن يبنى بالاعتماد على قراءات محدودة لهذه المنصات، فضلًا عن أن هذه الآراء تميل إلى التشدد أو التطرف بطرحها، لأن فضاء الإنترنت يبيح ذلك مقارنة مع واقع الحياة. فإذا أضفنا إلى ذلك كمية الاستثمارات من قبل الحكومات والتيارات الإسلامية في محاربة مثلث الحداثة، خاصة العلمانية، على المستوى الإعلامي الكبير والصغير، ودوافع الفريق الإسلامي التي تتفوق على دوافع الطرف الآخر، لأنها تعتمد على واحد من أقوى محرضات السلوك الإنساني وهو الدين، فإننا يمكننا التقرير بأن ما يستنتج من قراءات الإعلام والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي مبالغٌ فيه جدًا.
اختلاط الرؤية عند النخب والمؤثرين بالرأي العام
بسبب عمق وخطورة الأزمات المتلاحقة التي مرّت بشعوب هذه المنطقة منذ الاستقلالات، كانت النخب وجماعات المثقفين تعبّر إلى حد ما عن خيبات الأمل والإحباط أكثر مما عبّرت عن المشكلات والحلول، لأنها أيضًا تعيش ضمن دول دكتاتورية، سياسيًا واجتماعيًا وفكريًا. ومع ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، لم تستطع هذه الطبقات الانتقال إلى مرحلة استيعاب التغيرات الكبرى التي تضرب العالم، وتضرب الدول العربية بشكل أشد، فبقيت أيضًا حبيسة القراءات التقليدية، وأيضًا ضحية منهج التسويق الإعلامي الذي سيطر على سوق الإعلام في المنطقة العربية. ولذلك نجد أن كثيرين وقعوا بفخ التنميط والتعميم السهل، بناء على تجارب وملاحظات وخبرات شخصية، وأحيانًا كثيرة كنتيجة للاشتباكات الفكرية العنيفة التي سادت الساحة خلال العقود الماضية. خاصة مع تزايد توسّع سيطرة رؤوس الأموال الكبيرة على وسائل الإعلام وعلى هيئات البحث والدراسات العلمية. فليس نادرًا أن نجد مفكرين وكتابًا مشهورين يحاكمون كثيرًا من الأمور بناء على تجارب شخصية لهم، أو تراكمات شخصية وربما جماعية من آخرين.
ما هي نسبة من يتقبّلون مثلث الحداثة وخاصة العلمانية في سورية والدول العربية
تجنبًا للوقوع بالأخطاء الممكنة بالقراءة، لمثل هذه السؤال، كما بينّا سابقًا، لا يمكن الجزم بنسبة من يتقبلون مثلث الحداثة، ومن ضمنه العلمانية بشكلها العام، لكن بالتأكيد لا يمكن الجزم بأنها غالبية عالية، مقابل الغالبية العالية المُفترض أنها رافضة.
بناء على بعض ما تم ذكره سابقًا، والذي يمكن تلخيص الحقيقة الأساسية منه وهي أن المجتمعات البشرية بحركتها العامة، والأفراد بغالبيتهم، يتحركون لمصلحتهم وأمنهم، ويتجلى ذلك أساسًا في المصلحة الاقتصادية ثم الأمن والاستقرار، ثم العدالة الاجتماعية، وباعتبار الحقيقة الثانية التي تقول أن ليس هناك نموذج لحكم إسلامي معاصر أو في العقود الماضية أثبت نجاحه بتحقيق الحد الأدنى من المصالح التي يسعى لها الأفراد والمجتمعات؛ يمكننا الجزم أن تقبّل مثلث الحداثة، كشكل أمثل لإنشاء دول ناجحة مستقرة قابلة للاستمرار تؤمن لمواطنيها الحد المقبول من الكرامة الإنسانية بالمعايير الحديثة، ليس بهذه الصعوبة التي ينتشر الكلام عنها.
وإذا تأملنا أو حلمنا بقيام حركة إعلامية ذات خطاب شعبي واضح ومباشر يخاطب الناس، ويحمل هذه الرسالة؛ فإن تقبّل المجتمعات العربية، ومنها السوري، لدولةٍ تقوم على أسس مثلث الحداثة، يصبح ممكنًا، بل يكون حتميًا وقابلًا للنجاح بفرص أعلى بكثير من أيّ طرح آخر يخضع لضغوط الإعلام والأفكار المسبقة، مثل الطرح الإسلامي السياسي، أو طرح الدكتاتور الصالح.
خاتمة
إن المبالغة في حجم رفض الشارع السوري والعربي للعلمانية هي خطأ كبير يرتكبه التيار العلماني والحداثي، واستسلام غير مبرر موضوعيًا لإشاعات إعلامية روّجتها النظم العربية الحاكمة والتيار الإسلامي، وجزء كبير من الإعلام والسياسة الغربية. وبالتالي فإن التراجع للخلف وطرح القبول بتسويات تقوم أساسًا على سلب العلمانية لجوهرها لصالح التيارات الإسلامية السياسية، مثل القبول ببدعة الدولة المدنية التي لا وجود لها إلا بالفضاء الإعلامي العربي، أو القبول بعلمانية مشوهة مستندة للشريعة الإسلامية؛ أو القبول بطروحات خرافة الدكتاتور الصالح في القرن الحادي والعشرين والتخلي عن الديمقراطية؛ سيُسهم في ترسيخ المشكلات والأزمات التي تواجه سورية والدول العربية. بل ربّما نكون منجرفين إلى فخ الدعاية الشعبوية الأساسية التي حمت النظم الدكتاتورية، تاريخيًا وحاليًا، وهي فكرة أن “هذا الشعب غير مؤهل للديمقراطية وحكم نفسه”، إن قبلنا بهذه التنازلات المطروحة على الساحة.
إن العلمانية بدون ديمقراطية هي ترسيخ لدكتاتورية فاشلة، ذاتيًا وموضوعيًا، في القرن الحادي والعشرين، فلا يمكن تكرار تجارب العلمانية الإجبارية مثل التجربة الأتاتوركية أو تجربة بورقيبة، ولا يمكن أيضًا محاكاة التجربة الصينية. أما الديمقراطية بدون العلمانية فهي بطة عرجاء، لا تقوى على السير ولا السباحة، خاصة في دول محافظة متدينة فيها تيار ديني قوي مثل دولنا. والعلمانية والديمقراطية كلتاهما لا تستطيع حماية نفسهما دون الاعتماد على أسس الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
[i] الدولة الديمقراطية العلمانية هي الخطوة الأساسية للحلّ في سورية – مركز حرمون – 05 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 https://bit.ly/3rGGuwV
[ii] الشيخ أسامة الرفاعي سعيًا لسلطة دينية، يخوّن سوريين، ويدعم التطرف الإسلامي. أين الحكمة والدين يا شيخ؟ – فيديو يوتيوب https://bit.ly/3dt2cMO
[iii] “American Muslims growing more liberal, survey shows” – CNN – July 26, 2017 https://cnn.it/3ouLnat
[iv] „Rethinking Islam and Secularism“ – John L. Esposito – ARDA paper series – 2009 https://bit.ly/31qvGbP
[v] ” 5 facts about Muslim Millennials in the U.S.” – Pew Research Center https://pewrsr.ch/3GjxphF
[vi] “Filter bubble” – Axel Bruns, Digital Media Research Centre, Queensland University of Technology, Brisbane, Australia – 29 Nov 2019 https://bit.ly/3Eqmked
[vii] Social media is not real: The effect of ‘Instagram vs reality’ images on women’s social comparison and body image – Marika Tiggemann, Isabella Anderberg – November 16, 2019 https://bit.ly/3GboajE
[viii] How Americans Navigated the News in 2020: A Tumultuous Year in Review – PEW RESEARCH CENTER – FEBRUARY 22, 2021 https://pewrsr.ch/3Im9ksB