عرفت عمليات المحافظة على السلام بعضًا من خيبات الأمل: إذ عرفت ذروتها عام 1994، عندما انتشر حوالي 80 ألف رجل في البوسنة، بمساهمة الباكستان بـ 10 آلاف، ثم فرنسا 6 آلاف، إلخ. ثم تبخرت تلك القوات في نهاية انتدابها في البوسنة، ولم يعد عددها يتجاوز الـ 25 ألف رجل للقيام بحوالي خمس عشرة عملية حتى عام 1996.

تعرضت الثقة بعمليات المحافظة على السلام للشك، نتيجة المعاناة المنطلقة بين الطموحات المعلنة للدول، والوسائل التي استخدمتها. مما جعل الدول التي فقدت استقرارها السياسي، تعرب عن قلقها، عندما أظهرت عمليات المحافظة على السلام عجزها، ولم تعد تستطيع إخفاء غياب عملية حقيقية كشرطة دولية “أفغانستان، يوغوسلافيا، انغولا، فلسطين”، إذ انتهى تدخلها، في بعض الأحيان إلى الفشل، بسبب نقص الوسائل، أو بسبب عدم رغبة المتحاربين بوضع حد لنزاعاتهم “الصومال، أفغانستان”. فإن انحراف عمليات المحافظة على السلام، باتجاه الفصل السابع، من ميثاق الأمم المتحدة، “غياب موافقة الأطراف”، جرى نقده من قبل الدول التي تشك باحترام سيادتها الدولية، ولقد أصبحت منظمة الأمم المتحدة، تنجح حيثما توجد مصلحة لدول الهيمنة.

لهذا، تعطي منظمة الأمم المتحدة الانطباع بأنها عاجزة عن تنفيذ مهماتها في مجال الأمن الجماعي، لدرجة أن الأمم المتحدة تتألق عن طريق غيابها في كثير من الأحيان في التدخل في بعض الأزمات “أرمينيا – طاجكستان – بنغلادش – سريلانكا – السودان – كولومبيا – البيرو – ايرلندا الشمالية – عمليات السلام في الشرق الأوسط، إلخ”، حيث من المفترض وجوب تسوية الخلافات التي يمكن أن تتحول إلى نزاعات بالطرق الدبلوماسية، مثل “عمليات إجراءات الثقة، باستخدام آليات التخدير، انتشار وقائي لقوات تابعة للأمم المتحدة، فرض مناطق منزوعة السلاح، إلخ”.

“المحافظة على السلام”، تعني حضور الأمم المتحدة على الأرض، وهذه هي عمليات المحافظة على السلام، وتعتمد بشكل مباشر على نشر قوات مع موافقة الأطراف المعنية.

بينما تتضمن “عمليات إعادة السلام” التسوية السلمية للخلافات “الفصل السادس من الميثاق”، وكذلك العقوبات، واستخدام القوة. كما يجب أن يؤخذ بالحساب “المصاعب الاقتصادية الخاصة”، في القرارات المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية، وتأثراتها على أفراد الشعب. وبأن تكون وحدات فرض السلام، مقامة من أجل إجراءات احتياطية، وبأن تكون الاتفاقيات المتوقعة طبقًا لمادة (43) من الميثاق، معقودة في نهاية الأمر، وذلك بهدف أن تستطيع الأمانة العامة للأمم المتحدة، أن تميز على نحو أفضل، العمليات الخاصة بـ “تحديد السلام” و”عمليات فرض السلام” التي تقتضي اتفاق الأطراف. وعند اللجوء إلى القوة، فعلى منظمة الأمم المتحدة “إنشاء قوة رد فعل سريع”.

أما “عمليات تعزيز السلام” فتتم عبر إطالة العمليات التي تؤدي إلى المحافظة على السلام، ويمر ذلك عبر إزالة الألغام، والمساعدات في إجراءات الانتخابات الحرة النزيهة، وجميع العمليات القابلة لأن تُرسّخ السلام “كما الحال في كمبوديا”.

جرى إنشاء إدارة خاصة بعمليات المحافظة على السلام (DOMP) في عام 1992، في نطاق الأمانة العامة، لكن عهد لتخطيط التنفيذ العملياتي، إلى مسؤولين مختلفين، بحيث لم يكن أو يصبح التعاون بين إدارة الشؤون السياسية (DAF) وإدارة عمليات المحافظة على السلام (DOMP)، وإدارة الشؤون الإنسانية (DAH)، مرضيًا، بسبب وجود نظام خاص لكل منها، يتعلق بالإنذار والتحليل. إذ غالبًا ما وقعت أمور التعاون بين الأمانة العامة، والمنظمات المساعدة، والمؤسسات المتخصصة، التي تمتلك وسائل التدخل، في الخطأ الكبير.

أما ما يخص معايرة “القوى الموضوعية بحالة انتظار” فيجري تحديدها، انطلاقًا من مساهمات بلدان عديدة، لكن مداها معرض لأن يكون محدودًا. إذ ستبقى مساهمة البلدان، في حالة من الحالات اختيارية، وتبقى هذه القوات في جميع الأحوال، غير كافية لعمليات فرض السلام، وهي عملياتية تمامًا “عدم كفاية الوحدات الطبية والصحية، غياب الاختصاصات لتصحيح التشوهات من بين المشكلين المختصين” كما يتوجب تحقيق فكرة القيادة المتحركة.

في الوقت نفسه، لم تنفذ المنظمات الإقليمية الدور الذي منحها إياها الميثاق. حيث كان التمني أن يكون التعاون الدولي، قائمًا على أساس لا مركزي، لكن جرى ضمان الأمن الجماعي من قبل سلطة قوية ـ بأيد قوية. فكان أن أصبح ذلك المخطط معكوسًا بطريقة ما. إذ أصبح التعاون الدولي بعدًا رئيسًا في نظام الأمم المتحدة، في حين أن الأمن الجماعي، أصبح لا مركزيًا، أكثر فأكثر.

ولقد سمح الفصل الثامن من الميثاق بإقامة “اتفاقيات أو منظمات إقليمية متخصصة لتسوية الأمور التي تحس المحافظة على السلام والأمن الدوليين، وعلى استعداد للقيام بأعمال ذات طبيعة إقليمية” “المادة ـ 52”.

وليس هذا التفويض إلا جزئيًا من حيث الكفاءة، ويمكن أن يصبح مجلس الأمن أيضًا، وبشكل موازٍ، مسؤولًا يعالج أمورًا في النطاق الإقليمي، ويجب أن يبقى على علم بكل عمل يتم الشروع به أو مواجهته “المادة ـ 54″، وخصوصًا اللجوء إلى القيام بإجراءات من أعمال القمع، والتي لا يمكن القيام بها دون الموافقة منه “المادة ـ 53″، بعبارات أخرى، تراقب منظمة الأمم المتحدة أهلية الانطلاقة الأخيرة للأمن الجماعي.

وجرى إنشاء العديد من الأنظمة الإقليمية. فهناك منظمة الأمن والتعاون الأوربي (OSCE) والتي تقوم بنشاط داخلي للدبلوماسية الوقائية في أوروبا. كما تناقش جمعية الأمم المتحدة الجنوبية ـ الشرقية الآسيوية مشاكل الأمن الإقليمي، على الساحة الإقليمية، وهناك الجماعة الاقتصادية للدول الإفريقية الغربية (CEDEAF) التي أرسلت “قبعات زرق” إلى ليبيريا عام 1990، وقادت جماعة الدول المستقلة، عملياتها الخاصة للمحافظة على السلام، تحت وصاية روسيا. وتلتزم منظمة الدول الإفريقية بالقيام بعمليات تتعلق بحقوق الإنسان في هاييتي، وفي اتصال مع منظمة الأمم المتحدة، وهناك أخيرًا الجامعة العربية.

يجب الاعتراف، أن هذه المنظمات لم تكن مطلقًا أكثر فعالية من منظمة الأمم المتحدة في مجال المحافظة على السلام، لكن ما هو أكثر من منظمة الأمم المتحدة، هو الشبكة الأميركية للأمن، التي تلعب دورًا جوهريًا في أمن العالم “باستخدام حلف الأطلسي، والحضور الأميركي في اليابان، وفي كوريا الجنوبية وفي العديد من الدول العربية، مصر، السعودية، أبو ظبي، البحرين، قطر، عمان، إلخ” بحجة أن الأمم المتحدة محرومة من القوات أو الوسائل التي يمكن استخدامها كقوة. ولهذا فإنها تكلف أو أنها تخضع باسم تكليف من الأمم المتحدة، البلدان التي تمتلك القوة العسكرية الفعالة.

لكن ليس لمنظمة الأمم المتحدة الوسائل لتلبي طموحاتها الاقتصادية والاجتماعية فعلى الرغم من أن كلمة “تنمية” لم تستخدم في ميثاق الأمم المتحدة، إلا مرة واحدة “المادة ـ 55″، فقد شكل التقدم الاقتصادي والاجتماعي مع احترام حقوق الإنسان أحد جوانب “ثلاثة جوانب سحرية” في الميثاق مع ذلك فإن الموازنة الخاصة لهذا المجال، متواضعة جدًا، على الرغم أن موضوع التنمية قد اصبح الموضوع الرئيسي لعمل الأمم المتحدة شكليًا.

هذا مع العلم أن منظمة الأمم المتحدة، تؤدي خدمة للمطالب لكن دون جدوى. إذ تعبر بلدان العالم الثالث عن مطالب اقتصادية تجاه البلدان المتطورة، عند تحديد نتائج الاستعمار، وذلك تحت شعار “التفويض” عن فترة الاستعمار. من ثم تحت شعار “المساواة الاجتماعية”. ويؤكد القرار رقم (1522) (XV) لعام 1960 هدف مساعدة البلدان المصنعة للبلدان النامية، بما يساوي 1% من دخلها القومي الخام.

وفي عام 1961 أُطلق شعار “عقد من التنمية”، لكن دون نتائج ملموسة، وجرى التأكيد أيضًا، على السيادة الدائمة على المصادر الطبيعية من قبل الجمعية العامة في عام 1962 وذلك بالقرار رقم 1803.

ومع وعي العالم الثالث لمصالحه، فقد تجمع في نطاق منظمة الأمم المتحدة تحت اسم مجموعة الـ 77، ومنذ عام 1963، عندما تشكلت في البداية في تلك الحقبة من 77 دولة، لكنها تتضمن اليوم أكثر من 130 دولة. وهناك أيضًا اللجنة الاقتصادية لبلدان أميركا اللاتينية (CEPAL)، حيث يؤكد عالم الاقتصاد راؤول بريبيش RAOUL PREBISCH، وهو عالم اقتصاد أرجنتيني، على عكس المفهوم التقليدي للتجارة الدولية، وذلك بإظهار، أن التبادل الحر، يشجع البلدان الصناعية، ويُهَمِّش بلدان العالم الثالث، المُصَدِّر للمواد الأولية. وهذا التبادل غير المتكافئ عبارة عن تبادل بين منتجات أساس، ومنتجات مصنعة ولهذا فإن هذا التبادل سيصاب بالعطب على المدى البعيد، حيث سترى البلدان الفقيرة مواردها وقد نضبت، في حين لم يعد بالإمكان الحصول على المنتجات الضرورية لتنميتها، بصورة أكثر فأكثر.

وقد نجم إنشاء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (CNUCED) من قبل الجمعية العامة عام 1964، عن هذا التحليل، وقد حدد ذلك المؤتمر أهدافًا طموحة لمساعدة التنمية، من قبل البلدان الغنية، وذلك بتقديم 1% من دخلها القومي الخام سنويًا. كما جرى تنظيم صندوق مشترك لتنظيم أسعار المواد الأولية، لكن بقي كل ذلك حبرًا على ورق، حتى عام 1989، حيث لم يزود بمصادر كافية.

ثم صدر القراران 3201 و3202 في الأول من أيار/ مايو عام 1974 المتضمنان التصريح وبرنامج العمل، المتعلقان بمؤسسة النظام الاقتصادية الدولي الجديد، وحدد هذان القراران، النظام الجديد، على أنه أقيم على العدل والمساواة والترابط، وعلى المصالح والتعاون بين جميع الدول دون النظر إلى نظامها الاقتصادي والاجتماعي من أجل إصلاح عدم المساواة، كما سَيُقَدِّم التصرفات الجائرة الحالية، التي ستسمح بإزالة الهجرة المتزايدة مع البلدان النامية”. وهناك أيضًا القرار رقم 3281 الذي جاء تحت عنوان “ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول”. الصادر بتاريخ كانون الأول 1974، “والذي يؤكد وبكامل هذه المطالب الخاصة للبلدان النامية، ومراقبة نشاطات الشركات متعددة الجنسية، واستقرار أسعار المواد الأولية”. كما حددت اليونيسكو، نظامًا عالميًا للمعلومات والاتصالات عام 1980 مع ذلك بقيت جميع هذه القرارات دون نتائج ملموسة، في مجال الاقتصاد الدولي.

ويبقى تعريف “التنمية”، انطلاقة لدور الكلام المنمق من قبل منظمة الأمم المتحدة، لأن التنمية هي مفهوم تطوري. إذ جرى الحديث، على مدى السنوات الماضية، عن المساعدات التقنية، وعن التنمية الاقتصادية والتنمية الصناعية والثقافية والاجتماعية… الخ. وانتهت الجمعية العامة لأن تقرر في عام 1974 بأن الحق في التنمية، هو حق للإنسان، وحدد تقرير برونتدلاند (BRUNDTLAND) عام 1987 “بأن التنمية الملائمة هي بوضع النقاط على حروف الاعتبارات الخاصة بالبنية”. وأطلق برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) عام 1990 مفهوم “التنمية الإنسانية” كـ “عملية تسمح بسلسلة اختيارات مقدمة للأفراد “للشعب الكامل في وجوده”. وإقامة مؤشر للتنمية الإنسانية، انطلاقًا من معيار يتعلق بمتوسط العمر والمستوى التعليمي، وبالدخل… الخ”. وتترجم بالقدرة الشرائية من أجل السماح بالمقارنة. كما اخترع برنامج الأمم المتحدة للتنمية. مفهوم الأمن الإنساني  عام 1994 وأكد ذلك على أن التنمية، تتضمن خمسة أبعاد مترابطة دون انفساخ، وهي السلام والبيئة والاقتصاد والعدل الاجتماعي والديموقراطية.

مع ذلك يبقى عمل منظمة الأمم المتحدة في مجال التنمية، مثير جدًا، وترجع المساعدة التقنية تحت حماية المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى عام 1949. إذ أُكل بقاعدة خاصة عام 1958، التي أصبحت برنامج الأمم المتحدة للتنمية عام 1965، ويُموِّل ذلك البرنامج بمساهمات إرادية من قبل البلدان الغنية وبلغت 1.5 مليار دولار عام 1995 “وتنفذ بموجبه مشاريع تنمية في بلدان العالم الثالث، موزعة الأموال التي تملكها بين مؤسسات متخصصة وهناك منظمات أخرى عديدة.

وفي النتيجة منظمة الأمم المتحدة، هي اليوم بأزمة، فقد سمحت نهاية الخصومة شرق – غرب لمجلس الأمن، أن يصبح أكثر نشاطًا. ففي حين أنه لم يصوت إلا على قرار واحد في الشهر، خلال الأربعين عامًا الأولى من وجوده، فهذه الوتيرة قد تضاعفت أربع مرات في الفترة 1985 – 1995 باستخدام حق النقض، الذي يدّمر أي فرصة حقيقية لتحقيق العدالة بين الدول.

وتجتاز منظمة الأمم المتحدة اليوم أزمة الشرعية، فلا يمكن للمنظمة أن تقوم بأي شيء، تزعمها في اتخاذ القرارات وكذلك استقلال منظمة الأمم المتحدة تجاه المساهمات المالية والعسكرية للدول. وقوى الهيمنة لا تؤدي خدمة لمنظمة الأمم المتحدة، على نحو خاص، إلا من أجل ما يعود عليها من فوائد بصورة رئيسة. والمحافظة على أمن المنظمة يخدم كسائر قانوني لأمن هذه القوى، كما حدث في حرب الخليج الثانية، وشريطة أن لا يكون الثمن الذي تدفعه قوى الهيمنة مرتفع جدًا، “كما حدث في الصومال”. ويعيق نشاط منظمة الأمم المتحدة  استخدام حق النقض، لما تفعل الولايات المتحدة التي تجمد القرارات غير الملائمة للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. وهناك المصاعب المالية التي تعصف بالمنظمة… وأمور أخرى.