نستعرض في هذا الملفّ أهمّ الأحزاب السورية التي كانت ناشطة قبل الثورة السورية، بغض النظر عن مدى التصاقها وقربها من النظام الحاكم في دمشق، وبغضّ النظر أيضًا عن عملها سواء أكان علنيًا أم سريًا، وبغض النظر عن مستوى وحجم فاعليتها في المجتمع السوري، المجتمع الذي حُرم عمليًا من الحياة الحزبية أربعة عقود قبل الثورة. والهدف من هذا العرض هو تسليط الضوء على التجربة الحزبية قبيل الثورة، وعلى أيديولوجيا كلّ حزب، وتطوّر مساره، وخلفيات قياداته، ليفيد ذلك في معرفة مَن قام من هذه الأحزاب بدور معارض ثوري خلال الثورة، ومن تراجع واختفى منها.

يمكن تقسيم الأحزاب السورية قبل الثورة إلى قسمين:

القسم الأول: أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” التي كانت تعمل تحت سقف النظام وبرعايته، وتخضع لإملاءاته وشروطه، وتحصل -بشكل مباشر أو غير مباشر- على تمويل منه، وتُصدر صحفها برقابته، ويُكافَأ قادتها بميزات عينية، وبحصص غير فاعلة في بعض وظائف الدولة ومناصبها، وكانت في بعض الحالات ملكيّة أكثر من الملك، في مستوى مدحها لإنجازات النظام ومكرماته الوهمية.

القسم الثاني: الأحزاب المعارضة، التي كانت تنشط سريًا في غالب الأوقات، ويُعتقل قياديوها أو يُهدَّدون، وتُمنع من ممارسة العمل في المجتمع، بل تُمنع الوحدات الحزبية الصغيرة حتى من عقد اجتماعات، ويُطارد الأعضاء من قبل الأجهزة الأمنية، ويضطرون إلى التخفي سنوات في بعض الحالات، أو يعمل بعضها خارج سورية بعيدًا عن ساحة التأثير الرئيسية والحقيقية.

أ – أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية (الحاكمة)

1 ـ حزب البعث.

2 ـ الحزب الشيوعي.

3 ـ الاتحاد الاشتراكي.

4 ـ الوحدويون الاشتراكيون.

5 ـ الاشتراكيون العرب.

6 ـ الحزب القومي السوري.

ب – أحزاب المعارضة:

أولًا ـ الإخوان المسلمون.

ثانيًا ـ التجمع الوطني الديمقراطي، ويضم خمسة أحزاب هي:

1 ـ الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي.

2 ـ الحزب الشيوعي (رياض الترك).

3 ـ حزب البعث اليساري (إبراهيم باخوس).

4 ـ الاشتراكيون العرب.

5 ـ حزب العمال الثوري.

أ – أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية (الحاكمة):

1 – حزب البعث العربي الاشتراكي:

تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في نيسان/ أبريل 1947، من خلال مؤتمرٍ عقدَه في دمشق، شارك فيه شباب مثقفون سوريون، وكان اسم الحزب في ذلك الوقت “حزب البعث العربي”، ولم تكن كلمة الاشتراكية قد دخلت اسمه بعد.

ورث حزب البعث أفكار التيار القومي العربي الذي كان ناميًا بين الحربين العالميتين، والذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر، وعبّر عن نفسه بالمناخ السياسي الذي أوجدته حكومة فيصل بن الحسين، بعد إعلانه ملكًا على سورية قبيل الانتداب الفرنسي عليها عام 1920.

بلور حزب البعث مبادئه من خلال شعارات ثلاث هي (الوحدة العربية، الحرية، الاشتراكية)، وقد أعلن هذه الشعارات مجموعة من المثقفين السوريين، على رأسهم ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وصلاح الدين البيطار. ومبادئ الحزب برمّتها مبادئ قومية تنادي بالوحدة العربية أساسًا، وأقرّ المؤتمر الأول دستور الحزب، وهو إطار رئيسي لهذه المبادئ.

انتشر الحزب في البلدان العربية الأخرى، عن طريق الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في جامعة دمشق، وصار له نواة في معظم البلدان العربية، وخاصة الأردن والعراق ولبنان.

اعتُقل ميشيل عفلق زعيم الحزب، بعد الانقلاب العسكري الأول في سورية الذي قام به حسني الزعيم، ثم أفرج عنه، وعيّن فيما بعد وزيرًا للتربية والتعليم. وفي عام 1952، اتّحد حزب البعث العربي (ميشيل عفلق) مع الحزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني، وصار اسم الحزب “حزب البعث العربي الاشتراكي”، وكان اتحادًا ناجحًا بين حزب النخبة المثقفة أي حزب البعث العربي، والحزب الجماهيري أي العربي الاشتراكي، مما أعطى للحزب دعمًا كبيرًا وزاد انتشاره في سورية وفي البلدان العربية الأخرى، خاصة من خلال مقاومته للأحلاف العسكرية (حلف بغداد، مبدأ أيزنهاور للفراغ في الشرق الأوسط) ومن خلال قوته في البرلمان السوري، بعد انتخابات 1954 في سورية (فاز بـ 17 مقعدًا في البرلمان من 143 مقعدًا) وقوته الجماهيرية، وأخيرًا تحالفه مع الثورة المصرية بقيادة عبد الناصر، وصولًا إلى الوحدة السورية المصرية عام 1958 وقيام الجمهورية العربية المتحدة.

حلّ الحزب نفسه في سورية فور قيام الوحدة السورية – المصرية، وتولّى بعض قيادييه مناصب عليا في الجمهورية العربية المتحدة، وبقي يعمل في البلدان العربية الأخرى، وما لبث أن دب الخلاف بين الحزب وعبد الناصر؛ فأضعف ذلك حكومة الوحدة، وأدى -مع أسباب أخرى عديدة- إلى حصول انفصال سورية عن مصر في أيلول/ سبتمبر 1961، ثم أعاد الحزب تنظيمه في سورية، لكن الموقف من الانفصال قسم الحزب إلى قسمين، أحدهما بقيادة عفلق والثاني بقيادة الحوراني، ثم ما لبث القسم الأول، بالتعاون مع الفئات الناصرية، أن تولى السلطة في سورية (ثورة آذار 1963) وانفرد بها بعد أشهرًا، وكان الحزب انتصر قبل شهر في بغداد (شباط/ فبراير 1963) وتولى السلطة هناك، فحكم بذلك قطرين عربيين متجاورين.

بقيت الخلافات قائمة داخل الحزب بين القوميين التقليديين واليساريين، ثم بين المدنيين والعسكريين، وامتد الخلاف إلى الحزب في بغداد، وفي خريف العام نفسه (1963) سقط حكمه في بغداد، وبقي وحيدًا في دمشق، وتأثرت تنظيماته بما جرى في العراق وبالظروف المحيطة في البلدان العربية، وتعمّق الانقسام الداخلي، فقامت مجموعة من الحزب (من اليساريين) بانقلاب (23 شباط 1966) وتولت السلطة في دمشق، وأعلنت السير في طريق تحقيق الاشتراكية، وتعاونت مع الاتحاد السوفييتي، إلا أن هزيمة 1967 بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على مصر وسورية والأردن، أضعفت الحزب وزادت خلافاته، فقام الفريق حافظ الأسد بحركته العسكرية، وتولّى السلطة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، وعدّل مسيرة الحزب ومواقفه من الدولة والسلطة وسياساته الخارجية، وتراجع عن عدد من الشعارات (المتطرفة) التي كان يطلقها قادة الحزب، وأصدر دستورًا في سورية، كرّس فيه قيادة الحزب للدولة والمجتمع، وما زال الحزب يحكم سورية حتى الآن.

عاد حزب البعث في العراق، وتولى السلطة عام 1968، وجرت تصفيات عديدة في صفوفه انتهت إلى حكم صدام المطلق للعراق تحت مظلة الحزب، وانتهى هذا الحكم بفعل الاحتلال الأميركي لبغداد في نيسان/ أبريل 2003.

شارك حزب البعث في الأردن في عديد من الانقلابات، وفشلت جميعها، وتولّى بعض قادته هناك مناصب وزارية في فترات قصيرة، نتجت عن مصالحة وطنية أردنية، كما هو الحال عام 1957 أيام حكومة سليمان النابلسي.

ما زالت لحزب البعث فروع في معظم البلدان العربية، تحت ظل قيادة واحدة هي القيادة القومية، ويقوده في كل قطر قيادة تسمى القيادة القطرية، وهناك مشاريع تبحث الآن منها إلغاء القيادة القومية، واستبدالها بلجنة تنسيق بين تنظيمات الحزب في البلدان العربية، وفك الصلات التنظيمية بين هذه التنظيمات، ويقتصر التنسيق على القضايا الأيديولوجية والسياسية، على ألّا يتعدى التشاور والاستفادة من الخبرات، والتعاون في مجالات أخرى.

وصل عدد أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية إلى أكثر من مليوني عضو، وكانت تنص المادة الثامنة من الدستور السوري على أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع، من خلال جبهة وطنية تقدمية تضم أحزابًا أخرى، وقد تدخلت تنظيمات الحزب وأعضاؤه في كل صغيرة وكبيرة بإدارة الدولة، مما دعا القيادة في صيف (2004) إلى اتخاذ قرار بفصل الحزب عن الدولة في الأمور الإجرائية، واقتصار دوره على وضع السياسات والإشراف على تنفيذها، إلا أن واقع الحال يشير إلى استمرار تدخل الحزب ونفوذه، ويتخذ عديدًا من الإجراءات الإصلاحية تتناول هيكلية الحزب والدولة والعلاقة بينهما، وفصل السلطات، والحريات الأساسية، وقانون الأحزاب والسياسات الاقتصادية الجديدة وغيرها، ويقال إن هذا المؤتمر سيكون بداية لتحوّل جدي في مسيرة الحزب والدولة في سورية.

2 – الحزب الشيوعي السوري:

احتفل الحزب الشيوعي السوري عام 2004 بالذكرى الثمانين لتأسيسه، وهو أقدم حزب شيوعي عربي، بل أقدم حزب عربي ما زال يعمل في الساحة السياسية. وعندما تأسس الحزب عام 1924 كان حزبًا لبنانيًا سوريًا، وبقي كذلك حتى خمسينيات القرن الماضي حيث استقل الحزب اللبناني. وقد اختير خالد بكداش أمينًا عامًا للحزب عام 1935، وبقي في هذا المنصب حتى وفاته.

ساهم الحزب في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وتوسعت قواعده في مطلع خمسينيات القرن العشرين، وخاصة من خلال النضال ضد الأحلاف العسكرية (حلف بغداد) والمشاريع الأميركية (مشروع أيزنهاور لإملاء الفراغ في الشرق الأوسط) وتلازم ذلك مع نهوض حركة التحرر العربية، واستطاع أمينه العام خالد بكداش أن يفوز في الانتخابات التي جرت عام 1954 نائبًا عن دمشق، وكان أول نائب شيوعي عربي يفوز بالانتخابات الشعبية.

لم يوافق الحزب على الوحدة السورية المصرية، بالصيغة التي جاءت بها، فتعرض للحلّ، ولوحق أعضاؤه وأدخلوا السجون والمعتقلات، وتعرض الحزب لمحنة حقيقية. وبعد حكم البعث لسورية عام 1963 بسنوات، شارك الحزب الشيوعي في السلطة بشكل غير رسمي (بطريق تعيين بعض قادته وزراء) ثم ما لبث أن دخل في الجبهة الوطنية التقدمية التي أسسها حزب البعث عام 1972، وكان دخوله في الجبهة مدار خلاف داخل الحزب، أدى إلى انقسامه في العام نفسه، حيث انفصل عنه فريق كبير بقيادة رياض الترك، الذي اعتُقل بعد سنوات، وأمضى حوالي عشرين عامًا في السجن.

تعرّض الحزب لانقسام آخر عام 1983، حيث تزعم خالد بكداش أحد الفريقين المنقسمين، وتزعم يوسف الفيصل الفريق الثاني، واعترف حزب البعث بكلا الفريقين، وأدخل ممثلًا واحدًا لكل منهما في قيادة الجبهة، ووزيرين لكل حزب في الحكومة وأربعة نواب، وما زال الحزبان شريكين في الجبهة حتى الآن.

بعد وفاة خالد بكداش، تولت زوجته وصال فرحة قيادة حزبه، وبقي يوسف فيصل أمينًا عامًا للحزب الثاني، إلا أن هذه الانقسامات المتكررة أضعفت الحزب، وأدت إلى أن يخرج منه كثيرٌ من أعضائه حتى أصبح عدد التاركين للحزب أضعاف الباقين فيه، والذين لا يتجاوز عددهم على أي حال بضعة آلاف.

كان كلٌّ من الحزبين المنضمين للجبهة يُصدر جريدةً خاصة به، حيث صدر عن الحزب بقيادة يوسف الفيصل جريدة (النور) الأسبوعية، وصدر عن الحزب الآخر بقيادة وصال فرحة في ذلك الوقت، ومن بعدها ابنها عمّار بكداش (صوت الشعب)، وهي أسبوعية أيضًا، بينما لم يسمح للحزب الثالث بقيادة رياض الترك إصدار صحيفة، وانضم هذا الحزب إلى تكتل المعارضة المسمى (التجمع الوطني الديمقراطي)، وقد أسس موقعًا على الإنترنيت باسم موقع (الرأي).

3 – الاتحاد الاشتراكي العربي:

يمثل الاتحاد الاشتراكي العربي الفكر الناصري، ويعتبر نفسه وريثًا لثورة عبد الناصر، وكان معظم قادته عند التأسيس من البعثيين السابقين الذين اختلفوا مع حزب البعث على موقفه من انفصال سورية عن مصر عام 1961.

تأسس حزب الاتحاد الاشتراكي العربي عام 1964، أي في العام الثاني لتولي حزب البعث السلطة في سورية، وكان تأسيسه ردة فعل على استئثار حزب البعث بالسلطة من جهة، ومناداته بإعادة الوحدة بين مصر وسورية من جهة أخرى، وكان المفكر جمال الأتاسي على رأس المؤسسين، وقد استطاع صهر تشكيلات سياسية سورية ذات توجه ناصري أو أقسام منها في حزب واحد اسمه “الاتحاد الاشتراكي العربي”، وهذه التنظيمات هي (حركة القوميين العرب، حركة الوحدويين الاشتراكيين، الجبهة العربية المتحدة، الاتحاد الاشتراكي السوري.. وغيرها).

انشقت على الحزب بعد عام من تأسيسه حركة الوحدويين الاشتراكيين، ثم بعد عامين من ذلك التاريخ خرج فصيل منه بقيادة محمد الجراح (ناصري إسلامي).

وبقي الحزب في المعارضة حتى عام 1972، حيث شارك في تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث، إلا أن الاتحاد الاشتراكي انسحب من هذه الجبهة بعد أشهر، لخلافه مع حزب البعث حول المادة في الدستور التي تعطي قيادة الدولة والمجتمع لحزب البعث مسبقًا. وبقي منذ ذلك الوقت في المعارضة، إلا أن شريحة منه اجتمعت عند خروج الحزب من الجبهة، وانشقت عن الحزب واحتفظت باسمه، وانتخبت فوزي الكيالي أمينًا عامًا، وانتسبت إلى الجبهة الوطنية بقيادة حزب البعث، واعترف بها النظام السياسي. وفي عام 1980 حصل انشقاق آخر، أطاح بفوزي الكيالي، وانتخب أنور حمادة، ثم إسماعيل القاضي أمينًا عامًا، وبعد عام أطاح صفوان قدسي بالجميع، وصار أمينًا عامًا للحزب معترفًا به في الجبهة، ومشاركًا فيها وفي الحكومة وفي مجلس الشعب، وكان الحزب يضم بضع مئات من الأعضاء والمناصرين فقط.

أما الاتحاد الاشتراكي بقيادة جمال الأتاسي، فقد بقي مستقلًا، ثم شكّل مع أحزاب أخرى “التجمّع الوطني الديمقراطي” المعارض، الذي شكل لاحقًا العمود الفقري للمعارضة السورية (كما سنرى في أحزاب المعارضة).

4 ـ حزب الوحدويين الاشتراكيين:

كما حال الاتحاد الاشتراكي، فإن معظم مؤسسي حزب الوحدويين الاشتراكيين هم من البعثيين السابقين حتى من كان أمينه العام “فايز إسماعيل”.

تأسس الحزب عام 1961 بُعيد الانفصال بين مصر وسورية، كرد على عملية الانفصال، وقد أعطى لنفسه اسمًا في هذا الإطار أي (الحركة الوحدوية الاشتراكية) هذا الاسم الذي تطور إلى الطليعة الوحدوية الاشتراكية، ثم إلى حركة الوحدويين الاشتراكيين، وأخيرًا إلى حزب الوحدويين الاشتراكيين الذي ما زال يحمله الحزب حتى الآن.

 حاول هذا الحزب منذ تأسيسه، على مختلف مسمياته، أن يجمع بين الفكر القومي (البعثي) والفكر الناصري، ويزاوج بين الوحدة والاشتراكية. وقد انتسب إلى الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة برئاسة حزب البعث عام 1972، وما زال فيها، يشارك في قيادتها وفي الحكومة ومجلس الشعب، وما زال فايز إسماعيل أمينه العام، منذ تأسيسه حتى اليوم. ويضم الحزب بضع مئات من الأعضاء والمناصرين.

انشق عنه فريقٌ بقيادة أحمد الأسعد عام 1988، وسمّى نفسه الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي، وقد قُبل هذا الحزب في الجبهة أيضًا وما زال فيها.

5 ـ الاشتراكيون العرب:

الاشتراكيون العرب (بمختلف فصائلهم التنظيمية) هم ورثة الحزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني، قبل الاتحاد مع حزب البعث العربي (عام 1952)، ومعظم محازبيه من مدينة حماة السورية، المدينة التي قاد أكرم الحوراني الحركة السياسية فيها منذ ما قبل الاستقلال حتى تسلّم حزب البعث السلطة في سورية عام 1963.

تأسست حركة الاشتراكيين العرب عام 1961، وبعد تسلّم حزب البعث السلطة في سورية عام 1963، ترك أكرم الحوراني سورية، والتجأ إلى الخارج، وبعد تولي الرئيس حافظ الأسد السلطة في سورية عام 1970، ودعوته لقيام جبهة وطنية تقدمية؛ استجاب بقايا تنظيم حزب الحوراني بقيادة عبد الغني قنوت، وانضم الاشتراكيون للجبهة الوطنية التقدمية عام 1972، وشاركوا في قيادتها وفي الحكومة ومجلس الشعب، ثم ما لبثت الحركة أن انقسمت إلى بضعة أقسام:

الأول : حركة الاشتراكيين العرب، بقيادة عبد الغني قنوت الذي بقي أمينًا عامًا لها حتى وفاته عام 2000. وقد تولى الأمانة العامة بعد وفاة قنوت، أحمد الأحمد، وما زالت الحركة عضوًا في الجبهة الوطنية التقدمية ممثلة في قيادتها وفي الحكومة ومجلس الشعب، وصدرت عنه جريدة (اليقظة) الأسبوعية، ويتبعه مئات من الأعضاء والمناصرين.

الثاني: حزب العهد، بقيادة غسان عبد العزيز عثمان، وقد أخذ هذا الاسم عام 2004، وصدر له جريدة أسبوعية هي صحيفة (آفاق)، وشارك في الجبهة الوطنية التقدمية وفي الحكومة ومجلس الشعب، ويتبعه مئات من الأعضاء والمناصرين.

الثالث: حركة الاشتراكيين العرب، وكان أمينها العام عبد الغني عياش (من أحزاب المعارضة سيأتي الحديث عنها لاحقًا).

6 ـ الحزب السوري القومي الاجتماعي:

أسسه أنطوان سعادة (لبناني) عام 1932، وهو حزب لبناني سوري، ينادي بإقامة سورية الكبرى (سورية الحالية، لبنان، الأردن، فلسطين، العراق) وكان في المراحل اللاحقة لتاسيسه متعصبًا قوميًا ومتأثرًا بالفكر النازي في أوروبا، وتتلخص فلسفته بدمج المطالب المادية مع المطالب الروحية، وهو ما سمّاه (المدرحية).

اتهم باغتيال العقيد عدنان المالكي البعثي (كان مسؤولًا عسكريًا كبيرًا) عام 1955، وشنت عليه السلطات السورية حملة بعد ذلك، فأخذ يعمل تحت الأرض، وكان قبلها قد قتل رياض الصلح (رئيس وزراء لبنان)، ثم حاول القيام بعملية انقلابية في لبنان لكنها فشلت. ونتيجة هذه المحاولات جميعها، أعدم مؤسسه أنطون سعادة كما أُعدم وسُجن آخرون من أعضائه.

انتعش من جديد في ثمانينيات القرن الماضي، وكان مقربًا من الرئيس حافظ الأسد الذي قبل الحزب عضوًا مراقبًا في الجبهة الوطنية التقدمية، وأصبح له أعضاء في البرلمان، ويشتهر الحزب بنظامه الحديدي، وبالتزام أعضائه وصلابتهم.

ب – أحزاب المعارضة:

أولًا ـ الإخوان المسلمون:

تأسست جمعية الإخوان المسلمين السورية في مدينة حلب عام 1944، وأسست دارًا للطباعة، وأصدرت صحيفة (المنار) اليومية، كما أسست معهدًا مدرسيًا في دمشق باسم (المعهد العربي الإسلامي)، وأنشأت شركة نسيج حلب.

عقدت جمعية الإخوان المسلمين مؤتمرًا عامًا عام 1946، وحددت مبادئه بما يلي (تحرير الأمة وتوحيدها، وحفظ عقيدتها على أساس الإسلام وإصلاح المجتمع، ومحاربة التفرقة بين الطوائف والأديان) وهكذا فقد كانت تدعو إلى أممية إسلامية، وإلى حكومة تعتمد الدين الإسلامي مصدرًا للتشريع، وتنادي بدولة إسلامية، إلا أن الحركة لم تكن تمتلك برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا واضحًا، ولذلك نادت بالأهداف الأخلاقية أكثر من مناداتها بالبرامج السياسية.

تعاونت جمعية الإخوان المسلمين مع القوى الوطنية في سورية ضد الأحلاف الغربية، ووافقت على التعاون مع الاتحاد السوفيتي، وخاضت انتخابات فرعية عام 1955 بدمشق، ضدّ مرشح حزب البعث (رياض المالكي) وكان مرشحها هو الشيخ (مصطفى السباعي) ولكنها فشلت، ثم تعرضت لمضايقة النظام السياسي لها أيام الوحدة، وانتعشت مجددًا أيام الانفصال، ونجح لها بعض النواب.

مع مجيء حزب البعث للسلطة عام 1963، بدأ يلاحق الإخوان المسلمين، وقد استخدم هؤلاء العنف ضد السلطة، كما استخدمته السلطة أيضًا ضدهم عام 1964، ثم بدأ الإخوان المسلمون يعملون تحت الأرض، وحملوا السلاح (أو على الأقل جناح منهم) ضد السلطة عام 1980، وقاموا بعمليات إرهابية، انتهت بأن تغلب النظام السياسي وقوى الأمن عليهم، فقُتل بعضهم، واعتُقل الآخر، وهرب القسم الثالث خارج البلاد.

أقر الإخوان المسلمون برنامجًا سياسيًا لأول مرة في تاريخهم، في كانون الثاني/ ديسمبر 2004، ونشروه من خلال مؤتمر صحفي عقدوه في لندن (حجمه 142 صفحة) وهو عبارة عن مشروع متكامل لحل المشاكل السورية، طالبوا فيه بدستور مدني (الإسلام فيه مصدر من مصادر التشريع وليس المصدر الوحيد)، ويتضمن الاعتراف بالحريات الديمقراطية والتعددية، وأن صندوق الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة للتداول السلمي للسلطة الذي أكدوا عليه، ونادوا بنبذ العنف، وأقرّوا موقفًا ليبراليًا تجاه قضايا المرأة، وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق حيادية للتحقيق في أحداث حماة، وهم على صلة الآن بأحزاب المعارضة الأخرى، ويحاولون إعادة التواصل معها.

في ذلك البرنامج، غيّر الإخوان المسلمون أهدافهم ومنطلقاتهم ومناهج عملهم ومواقفهم من الدولة والسلطة والآخر والسلطات وفصلها والمرأة والحريات والعملية الديمقراطية، وعاملهم كثيرٌ من المعارضين على أنهم حزب جديد غير الحزب الذي كان، يُقدّر البعض عدد أعضائه ومناصريه بالآلاف، ويقدرهم بعض آخر بعشرات الآلاف.

ثانيًا ـ أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي:

وتضم خمسة أحزاب هي:

1 ـ الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي:

أسسه جمال الأتاسي (وكان قد شارك في تأسيس حزب البعث) وبقي أمينًا عامًا حتى وفاته عام 2000، فانتخب حسن عبد العظيم أمينًا عامًا له. ولا تختلف مبادئه كثيرًا عن مبادئ حزب البعث، إلا انه أكثر ميلًا إلى التيار الناصري.

شارك في محادثات تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972، ثم اختلف مع حزب البعث حول قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع؛ فانسحب من الجبهة، وقد حدث فيه انشقاق لصالح البقاء في الجبهة، ثم انشق المنشقون مرات عدة، وما زالوا ممثلين في الجبهة.

الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي هو أقوى أحزاب المعارضة، ونشط في المجتمع السوري، وتزعم “التجمع الوطني الديمقراطي” الذي يضمّ هذه الأحزاب، وقد سُمي أمينه العام حسن عبد العظيم ناطقًا باسم التجمع.

نادى الحزب، من خلال برنامجه وبرنامج التجمع الوطني الديمقراطي، بإقامة نظام ديمقراطي في سورية، يعترف بالحريات والتعددية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات وإلغاء الأحكام العرفية ومكافحة الفساد، ويتواصل مع منظمات المجتمع المدني في سورية، ومع لجان ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ويقوم بنشاطات سياسية عديدة في هذا المجال. أصدر جريدة غير علنية تعبّر عن آرائه.

2 ـ الحزب الشيوعي (جناح رياض الترك):

انشق عن الحزب الشيوعي السوري عام 1972، نتيجة خلافات حول المسألة القومية، والعلاقة مع الاتحاد السوفيتي، والموقف من القضية الفلسطينية، ونادى بعدم الاشتراك في الجبهة الوطنية التقدمية التي أسسها النظام. وما لبثت السلطة أن اعتقلت معظم قياداته، وأبقوا في السجن سنوات طويلة (بقي بعضهم حوالي عشرين عامًا) وقد انتسب للتجمع الوطني الديمقراطي عام 1982 وما زال فيه، وأصدر مشروع برنامج جديد في مطلع 2005، تمهيدًا لعقد مؤتمر لإقراره، ينادي فيه بالحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة والتعاون مع القطاع الخاص وفصل السلطات ودمقرطة الحياة السياسية السورية، أي إنه اتجه اتجاهًا أكثر ليبرالية. له موقع إلكتروني يعبّر عن آرائه، باسم موقع (الرأي)، وله جريدة غير معلنة.

3 ـ حزب البعث الديمقراطي:

وهو الجناح اليساري من حزب البعث الذي رفض العمل مع الرئيس حافظ الأسد بعد توليه السلطة عام (1970). وقد سجن قادته عشرات السنين، وهرب قسم كبير منهم خارج البلاد، وما زالت تنظيماته ملاحقة في سورية، حالها كحال عدد ضخم من المعارضين السوريين من تنظيمات وأحزاب أخرى.

4 ـ حزب الاشتراكيين العرب:

وهو جناح منشق عن حركة الاشتراكيين العرب، التي تعترف السلطة بفصيلين منها، وكان أمينه العام هو عبد الغني عياش.

5 – حزب العمال الثوري:

هو فصيل يساري انشق عن حزب البعث عام 1964، مهتديًا بآراء المفكر ياسين الحافظ وبعض الساسة العراقيين مثل حمدي عبد المجيد، وكان أمينه العام هو طارق أبو الحسن.

وبالخلاصة، كانت جميع الأحزاب السورية غير فاعلة في المجتمع، ولم يكن لها أي دور في الحياة السياسية، فالدولة كانت أمنية بامتياز، بل حتى استخدم النظام حزب البعث كتغطية لدولته الأمنية، وافتقدت سورية قانونًا للأحزاب ينظم الحياة الحزبية، مما كان يمكن أن يسمح بتأسيس الأحزاب، وتنظيم نشاطها وإصدار صحفها، وافتتاح مقرات لها، ولعب دورها الطبيعي والتقليدي في الحوار والرقابة وتفعيل الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها، لكن لم يكن هذا الأمر من أولويات النظام، بل كان هدفًا يُحارب ضدّه، فغابت الحريات، والأحزاب، وأيضًا الصحف والمطبوعات الحزبية الحقيقية التي تتبع لها، وغابت التنافسية السياسية، وكذا الرقابة على أداء النظام السياسي وعلى أجهزة الدولة وإداراتها، وضمرت القوى والتيارات السياسية وغاب المجتمع المدني، كما غاب الشباب عن الحياة السياسية كليًا، واستبدل النظام كل ذلك بقانون للطوارئ والأحكام العرفية، ومنع التجمع والاجتماع، والنشاط الثقافي والسياسي وغيرها، ورسم سياسات سورية الداخلية والخارجية وفق أهوائه، ووفق ما يضمن له الاستمرار، وفقط الاستمرار حتى لو على حساب كل شيء.