مقدمة

أثارت قضية السلاح الأميركي المتبقي في أفغانستان، بعد الانهيار المفاجئ للجيش الأفغاني دون أي مقاومة ملموسة، وسيطرة طالبان السريعة على كامل الأراضي الأفغانية، العديدَ من التكهّنات حول مصير هذه الأسلحة، في ظل نقص خبرات طالبان وقدراتها المحدودة على استخدامها وصيانتها، ورغبة إيران في الحصول على بعض المعدات العسكرية الأميركية الحديثة لإعادة إنتاجها باستخدام الهندسة العكسية.

وعلى الرغم من أنّ وجودَ فرصةٍ للتفاوض وإبرام صفقات شراء وبيع الأسلحة والمعدات العسكرية، بين طالبان والنظام الإيراني، أمرٌ غير أكيد، فإنّ هذا لا ينفي بطبيعة الحال أن يكون هناك نوع من التعاون العسكري المستقبلي، كاستمرار لطبيعة علاقة الصداقة الممتدة بين الجانبين منذ سنوات، على شكل تقديم خدمات الصيانة والخبرات لطالبان، مقابل حصول طهران على بعض الأسلحة المتطورة التي غنمتها طالبان من الجيش الأفغاني المنحلّ.

يسلّط هذا البحث الضوء عن كثب على مجموعة الإحصائيات المتضاربة للسلاح والمعدات العسكرية التي سقطت غنيمة في يد حركة طالبان الأفغانية بعد انسحاب القوات الأميركية، مبينًا مدى فعالية هذه الأسلحة، ومقدار عمرها التشغيلي، ومدى قدرات طالبان على استغلال هذه المعدات وصيانتها مستقبلًا، ويناقش احتمالية سقوط بعض المعدّات العسكرية الحديثة المفيدة لهندسة طهران العكسية، سواء عن طريق طالبان، أو من خلال العسكرين الفارين والمدنيين الساعين للحصول على مكاسب شخصية.

السلاح الأميركي المتبقي في أفغانستان

بشكل عام، لا توجد إحصاءات شاملة عن كمية الأسلحة الأميركية المتبقية في أفغانستان. وعليه، فإن الإحصاءات والأرقام المنشورة، وإن كانت تحتوي على بعض المعلومات المفيدة، لا تكشف عن بعض النقاط والحقائق الحيوية.

في خضمّ ذلك، يمكن تقسيم الأسلحة الأميركية المتبقية في أفغانستان إلى قسمين: الأول قسم صغير جدًا تزيد كلفة نقله على قيمته الحقيقية، لذلك تركته القوات الأميركية في مطار كابل بسبب ضيق الوقت، وإعطائها الألوية لإجلاء العسكريين ورعاياها المدنيين. أما القسم الأكبر والأهمّ، فيشمل الأسلحة والمعدات العسكرية، التي وضعتها القوات الأميركية تحت تصرف وحدات الجيش الأفغاني، طوال العشرين عامًا الماضية، بهدف تسيير البرامج التدريبية واستكمال مخططات تدريب وتسليح الجيش الأفغاني.

وعلى الرغم من أن تصريحات مسؤولين أميركيين، ومنهم الجنرال ماكنزي قائد القيادة المركزية، تشير إلى أن القوات الأميركية دمّرت جزءًا من المعدات العسكرية التي لم تستطع نقلها خارج أفغانستان، من طائرات وعربات مدرعة وأنظمة دفاع جوي مجهزة بتكنولوجيا متقدمة، فإنّ ما تم تدميره أو إخراجه من أفغانستان، على يد القوات الأميركية أو الطيارين الأفغان الفارين، لا يُشكّل قطرةً في بحر الدعم العسكري المقدر بأكثر من 80 مليار دولار، الذي قدّمه بايدن هديّة لطالبان، بحسب بعض وسائل الإعلام والسياسيين المنتقدين للإدارة الأميركية الحالية.

في المقابل، تتضارب الإحصائيات والأرقام التي تنشرها مصادر متنوعة لفترات زمنية مختلفة، حول الأسلحة الأميركية المتبقية في أفغانستان، فبعضها يشير، بحسب (رويترز)، إلى أن الولايات المتحدة حوّلت بين عامي 2002 و2017 ما قيمته 28 مليار دولار من الأسلحة والتجهيزات العسكرية المتنوعة ما بين المدافع والصواريخ وكاميرات الرؤية الليلية والمسيّرات الصغيرة الاستطلاعية، إلى أفغانستان. في حين يشير تقرير لموقع (دويتشه ولي) إلى أن الولايات المتحدة أرسلت ما بين عام 2002 و2019، 79,970 ناقلة أفراد، و606,725 سلاحًا، و162623 قطعة من معدات الاتصالات، و208 طائرة، و16191 جهازًا خاصًا بالاستطلاع والتعقب، و20.040 قنبلة يدوية، و2520 قنبلة، و1394 قاذفة قنابل يدوية، إلى أفغانستان[1].

وبحسب تقرير مفصّل آخر، نشرته صحيفة the sun daytimes، فإن عدد البنادق الهجومية المرسلة إلى أفغانستان كان 358،530، وعدد الرشاشات 64،363، وعدد مركبات هامفي الأميركية المدرعة 22،147، وعدد طائرات الهليكوبتر، من طراز بلاك هوك، وطراز إم إي 17، وطراز إم دي 350، كان 109، وعدد الطائرات ثابتة الجناحين، من طراز إمبرار وسيسنا 208، وسيسنا أ سي 208، وسي 130، كان 65 طائرة[2].

وبصرف النظر عن الإحصائيات المتفرقة وغير المتسقة لتعداد السلاح الأميركي المتبقي بأفغانستان، من المهم معرفة كمية السلاح الفعلي القابل للتشغيل العملياتي بعد منتصف آب/ أغسطس الماضي، عندما استولت طالبان على معظم أفغانستان، وهو ما تتضارب حوله التقديرات أيضًا لأسباب عدة أهمّها؛ تقليل الولايات المتحدة بشدة لمساعداتها الفنية واللوجستية للجيش الأفغاني، في أعقاب توقيع اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان، في شباط/ فبراير 2020، وهو ما أضر بشكل خطير بكفاءة القوات البرية والجوية للجيش الأفغاني. أما السبب الثاني فيعود لتدمير جزء من هذه المعدات العسكرية في أثناء عمليات الجيش الأفغاني وهجمات طالبان، وانتهاء العمر التشغيلي لبعض الأسلحة وحاجتها للإصلاح والصيانة الدورية، وهو ما لا تمتلكه طالبان من خبرات في الوقت الحالي.

قدرات طالبان المحدودة

بنظرة على الإحصائيات المختلفة أعلاه، نجد أن السلاح الأميركي المتبقي في أفغانستان لا يُمكِّن طالبان من إحداث تأثير في التوازن الاستراتيجي، على مستوى المنطقة. فالسلاح الأميركي المقدّم للجيش الأفغاني كان يستخدم لمحاربة طالبان في حرب غير تقليدية داخل الأراضي الأفغانية، وليس لشنّ عمليات عسكرية خارج حدود أفغانستان وضد دول الجوار.

على سبيل المثال، لا توجد ضمن الإحصائيات المتضاربة أعلاه أيّ إشارة إلى وجود صواريخ دفاع جوي تحمل على الكتف، تمكّن طالبان من تهديد حركة الطيران المدني أو العسكري في الأجواء. حتى إن التقارير المختلفة تتحدث بأن الولايات المتحدة الأميركية تمكنت من نقل 14 منظومة دفاع جوي، من طراز سي رام (بقيمة 144 مليون دولار) إليها وإلى الدول الأخرى. وهذا يعني أن السلاح الأميركي الذي غنمته طالبان لا يحوّلها دفعة واحدة إلى قوّة تستطيع إجراء عمليات عسكرية خارج الحدود، لكنه يمكن أن يُستخدم كأداة للقمع الداخلي ضد المعارضين. حتى إن العدد الكبير من الطائرات الحربية والمروحية التي غنمتها طالبان بعد سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية لا يحوّلها إلى قوة جوية، لأسباب عدّة، أهمّها النقص الشديد في الخبرات البشرية والفنية واللوجستية التي تمكّن طالبان من إدارة هذا الأسطول الجوي وصيانته. وعلى حين أن معظم معدات الطيران والطائرات التي استولت عليها طالبان تحتاج إلى الإصلاح، لا تمتلك طالبان خبرات إصلاحها دون وجود موظفين متخصصين، ولا يمكن لطالبان الإقلاع بها، بسبب فرار أغلب الطيارين وضباط القوى الجوية الأفغانية الذين ينتمي أغلبهم إلى قومية الطاجيك والهزارة، مع عدد أقل من قومية البشتون.

وفي الحقيقة، من المستبعد أن تتمكن طالبان من إدارة أسطولها الجوي المُغتنم، في ظل فرار ما مجموعه 685 ضابطًا ينتمي إلى سلاح الجو الأفغاني، إلى كل من أوزباكستان وطاجيكستان، وحاجة أغلب معدات الطيران والطائرات الحربية والمروحية إلى الإصلاح في الولايات المتحدة وروسيا[3]. ولذلك، لا يمكن لطالبان مع قدراتها المحدودة جدًا أن تستفيد من بعض المعدات العسكرية التي اغتنمتها، كمروحيات (بلاك هوك) الأميركية، أو (إم إي 17) الروسية، وبغض النظر عن المهارات الفنية العالية، التي تتطلبها عملية إصلاح هذه الطائرات، لا يمكن لعناصر طالبان الإقلاع بإحدى الطائرات الحربية، دون تلقيهم تدريبات مبسطة عن كيفية الطيران على الأقل.

وما عدا ذلك من أسلحة غنمتها طالبان، تبقى مجموعة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة كالبنادق والرشاشات الهجومية التي يمكن استخدامها لفترات طويلة، مع الحد الأدنى من الإصلاحات، وهناك عدد من المركبات والعربات التي يمكن استغلالها مع بعض المعرفة الميكانيكية، في متناول طالبان للاستخدام المحلي، في حروب العصابات وعمليات القمع الداخلي.

المعدات العسكرية الأميركية المفيدة للصناعات الدفاعية الإيرانية

منذ بداية تشكيل الجيش الأفغاني ورفده بالتجهيزات والمعدات العسكرية الأميركية، حرصت وزارة الدفاع الأميركية على منع انتقال المعدات العسكرية المزودة بتكنولوجيا عسكرية متطورة إلى الجارة الغربية إيران. وفي بعض الحالات التي كان يتم فيها تسليم بعض المعدات المتطورة للجيش الأفغاني، كانت بعض أجزائها وأنظمتها المهمة تُزال منها لمنع نقلها إلى إيران، بناءً على تعليمات أمنية. لكن في ظل ظروف الفوضى العارمة والشلل الحكومي التام الذي تعيشه أفغانستان، من المحتمل أن تُنقل بعض المعدات العسكرية الأميركية ذات الأهمية، إلى إيران، ويمكن أن تستفيد منها الصناعات الدفاعية والعسكرية الإيرانية، للحصول على التكنولوجيا اللازمة لإنتاج عناصر مماثلة، من قبل عناصر طالبان أنفسهم أو من قبل العسكريين الفارّين، أو بعض المدنيين الطامعين بتحقيق مصالح شخصية.

وفي الحقيقة، لا تعدّ الأسلحة الأميركية المتبقية في أفغانستان ذات فائدة استراتيجية لطالبان، لكن بعضها قد يكون مفيدًا في الهندسة العكسية، ونمذجة وتوطين وتحسين الأسلحة الموجودة في القوات المسلحة الإيرانية، خاصة أن الصناعات الدفاعية الإيرانية اكتسبت خبرات جيدة في هذا المجال، مستغلةً الأسلحة المستوردة من الصين أو الأسلحة الغربية التي ورثتها من نظام الشاه.

ومن بين هذه المعدات العسكرية المفيدة لإيران، يمكن الإشارة إلى المركبات المدرعة MRP، وأنظمة الدفاع الجوي C-RM، والمعدات الفردية، كالقنّاصات وكاميرات الرؤية الليلية، وكاميرات الكشف والاستهداف، والقنابل الموجهة بالليزر، وبعض الطائرة الهجومية والقتالية الخفيفة. وإذا ما استطاعت إيران الحصول على القنابل الموجهة بالليزر من طراز (جي بي يو 58)، إلى جانب كاميرات الاستهداف الخاصة بطائرات سوبر توكانو الموجودة في مستودعات القوات الجوية في قاعدتي قندهار ومزار شريف، يمكن للصناعات الدفاعية الإيرانية، خاصة شركة بارتشين وشيراز للصناعات الإلكترونية، اكتساب التكنولوجيا اللازمة لتصنيع القنابل الموجهة الدقيقة وأنظمة الاستهداف الخاصة بها، بعد سنوات من الأبحاث والتجارب التي لم تُؤت أكلها [4].

خاتمة:

حصلت طالبان بعد سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية على مجموعة متنوعة من التجهيزات والمعدات العسكرية الأميركية الضخمة، منها ما يمكن أن تستفيد منه طالبان في خوض الصراعات الداخلية المستقبلية لتوطيد أسس حكمها، ومنها ما لا تستطيع إدارته وصيانته بشكل دوري، دون اكتساب الخبرات التقنية والبشرية اللازمة. وفي المقابل، في حوزة طالبان مجموعة من المعدات العسكرية الأميركية المتقدمة التي قد تطمع إيران في توطينها وإعادة هندستها عكسيًا، بسبب عدم توفر إنتاج قطعها محليًا، واستحالة الحصول عليها من السوق السوداء.كيف ستتجه العلاقات السياسية والعسكرية بين النظام الإيراني وطالبان، في الفترة القادمة؟ هذا الأمر غير واضح الآن، لكنّ من المحتمل أن تحصل إيران على ما ترغب فيه، من قطع ومعدات عسكرية أميركية حديثة ذات فائدة لصناعاتها الدفاعية والعسكرية، مقابل تقديمها خدمات الصيانة والخبرات لأسطول طالبان الجوي المتهالك. لكن في ما يتعلق بطالبان وعلاقاتها السياسية والعسكرية المستقبلية مع دول المنطقة، ينبغي أن تكون تركيا وباكستان في مقدمة الخيارات المطروحة أمام حكومة طالبان الفتيّة، في مجالات التعاون المختلفة، خاصة العسكرية، ويجب وضع إيران، التي تخشى بطبيعة الحال من قيام حكومة سنّية متشددة تسعى لامتلاك قوة عسكرية على حدودها الشرقية، كخيار أخير.


[1]– حسين آرين: أسلحة طالبان الأمريكية وانتقال المعدات إلى إيران – راديو فردا – https://bit.ly/3D53YhW

[2]– the Sunday times – https://bit.ly/3os17LM

[3]– بابك تقوايي – إحصائيات ومصير طائرات ومروحيات الجيش الأفغاني بعد سيطرة طالبان – راديو فردا – https://bit.ly/3ikR8UL

[4]– بابك تقوايي: هل تبحث جمهورية إيران الإسلامية عن أسلحة طالبان الأمريكية؟ – انديبندنت فارسي – https://bit.ly/3hWhdcl