أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة

833 قتيلًا سقطوا على الأرض السورية هذا الشهر بسبب أعمال العنف، أو بعبارة أدق هذا ما استطعنا رصده. يشكل المدنيون نسبة 42 في المئة من هذا الرقم، ومنهم 96 طفلًا نسبتهم 28 في المئة من مجموع القتلى المدنيين، و103 نساء نسبتهم 30 في المئة من مجموع القتلى المدنيين. وهذه النسبة الأخيرة مرتفعة جدًا عن المعدل العام للقتلى من النساء، نتيجة غارات طيران التحالف الدولي على ريف دير الزور.

66 في المئة من مجموع القتلى سقطوا في محافظة دير الزور، وفي ريفها الشرقي تحديدًا، حيث العمليات العسكرية ضد بقايا داعش هناك، لكن نسبة القتلى من المدنيين كانت عالية جدًا هذا الشهر قياسًا إلى باقي الأشهر، بسبب ارتكابات طيران التحالف على ما ذكرنا أعلاه.

لقراءة تقرير المرصد عن الثلث الأول من شهر آذار/ مارس 2019 

أما إدلب التي تأتي ثانيًا في ترتيب المحافظات من حيث عدد الضحايا، فسقط على أرضها 124 قتيلًا نسبتهم 15 في المئة من إجمالي قتلى الشهر، وكان ثلثاهم من المدنيين الذي طالتهم قذائف قوات النظام في تصعيدها العسكري غير المسبوق، وخرقها المتكرر للهدنة الروسية التركية هناك، وكذلك نيران الطيران الروسي.

ارتفاع عدد القتلى في حلب إلى 68 قتيلًا كان بفضل المفخخات التي حصدت منفردة بحدود 56 في المئة منهم. أما قتلى حمص فمعظمهم من العسكريين (35 قتيلًا) ومن قوات النظام تحديدًا، حيث سقطوا في البادية الشرقية بمواجهات مع مقاتلي داعش الموجودين هناك.

يُلاحظ أن سلاح الجو تفوق في حصد الأراح هذا الشهر، لكن الرقم الملفت هو قتلى المفخخات والألغام الذي وصل إلى 138 قتيلًا هذا الشهر، نسبتهم 17 في المئة من إجمالي القتلى، وهذه نسبة غير مسبوقة في هذا الصراع.

نختم في ملف الضحايا بالإشارة إلى بعض الأرقام التي أوردتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقاريرها لهذا الشهر، فقد وثقت الشبكة مقتل 223161 مدنيًا خلال الثورة، 92 في المئة منهم قتلوا على يد قوات النظام، كما وثقت مقتل 1109 شخص من الكوادر العاملة في المجال الإنساني، و3035 مدنيًا قتلوا على يد قوات التحالف منذ بدء عملياته في أيلول/ سبتمبر 2014.

قبل مغادرة ملف الضحايا نشير إلى أننا لم نشأ أن نعتمد أرقام الوفيات من الأطفال في مخيم الهول أو في الطريق إليه، لصعوبة التثبت من أسباب الوفاة. علما بأن الرقم تجاوز الـ 140 قتيلًا، غالبيتهم العظمى من الرضع وحديثي الولادة.

في المشهد الميداني كان الحدث الأبرز هو انتهاء الحرب الرسمية على تنظيم الدولة الإسلامية شرق الفرات، حيث تمكنت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من طائرات التحالف من القضاء على وجود التنظيم المتشدد في منطقة الباغوز، آخر معاقله شرق الفرات، ونظريًا آخر معاقله في سورية. وأقول (نظريًا) لسببين؛ الأول لأن الجميع يعرف أنّ ثمة وجود وازن لمقاتلي التنظيم غرب الفرات، في منطقة تمتد من شمال شرق تدمر إلى بادية دير الزور الجنوبية، وهي المنطقة التي ما زالت خرائط توزع السيطرة والنفوذ تشير إليها باللون الرمادي، ولا تقل مساحتها عن 4000 كم مربع، وقد حاولنا فهم طبيعة هذا الوجود وأبعاده من أشخاص عارفين وموثوقين من أبناء المنطقة، بعيدًا من الإعلام والمواقع، فقيل لنا أنها منطقة وعرة جدًا تحوي جبالًا ووديانًا وكهوفًا طبيعية ضخمة، ويوجد فيها أعداد ضخمة من مقاتلي التنظيم، وتُستخدم الكهوف لتخزين الأسلحة والمعدات، ويصعب جدًا السيطرة عليها، إضافة إلى أن قوات النظام والقوات التابعة لإيران، والتي تحيط بالمنطقة من الجوانب كلها، لا تحاول أبدًا مهاجمه المنطقة، وثمة حالة تعايش وتقبل مريب مع هذا الوضع، رغم أن مقاتلي داعش ينصبون الكمائن ويقتلون أفرادًا من قوات النظام بشكل شبه يومي، وما الرقم المسجل في جدول الضحايا رقم (1) عن القتلى من العسكريين في محافظة حمص إلا ضحايا كمائن داعش من قوات النظام، إضافة طبعًا إلى جزء مما هو مسجل في محافظة دير الزور. وقد قيل لنا أن الدواعش معظمهم هناك من أبناء المنطقة، يعيشون حياتهم الطبيعية من دون لفت الأنظار، لكنهم يتحركون عندما يتطلب الأمر، وعددهم بالآلاف. لذلك رأينا أن أرجحية السيطرة على تلك المنطقة هي لداعش، وأبقينا على تلك النسبة (2.2 في المئة) باسم داعش في الرسم البياني الذي يوضح نسب السيطرة[1].

أما السبب الثاني لقولي (نظريًا) فهو أن مقاتلي التنظيم يوجدون في أماكن عدة متفرقة على شكل خلايا نائمة، ضمن مناطق البادية بصورة خاصة، شمال السويداء مثلًا، وفي بادية السخنة، ومنطقة حميمة. وفي ريف إدلب وريف حلب الغربي. إضافة طبعًا لمناطق شرق الفرات حيث أعلن الانتصار عليهم. ويبدو أن التنظيم استطاع استيعاب حالة فقدان الأرض، وانتقل إلى حالة سرية جديدة، حالة حرب العصابات، وسنرى ترجمة هذه الحالة على شكل اغتيالات وتفجيرات وكمائن قد تمتد لسنوات.

أختم هذه الفقرة عن الحرب على داعش بلفت النظر إلى حالة الرضى المريب عن وجود داعش بالطريقة التي ذكرناها أعلاه، بل عن الدعم والتسهيلات التي يقدمها النظام أحيانًا لهذه الجماعة، كتسهيل نقلها إلى أماكن محددة، قرب السويداء أو ريف إدلب مثلًا، وعدم قصفها ومهاجمتها والصمت عن وجودها وسيطرتها على منطقة تحيط بها قوات النظام. والتفسير لدينا هو أن في بقاء هذا التنظيم مصلحة أكيدة، ووظيفة مهمة في خدمة النظام ودعم فكرة بقائه، أما من يُقتلون من عناصر النظام على يد داعش، فهذا تفصيل صغير لدى النظام أمام قضية البقاء في السلطة.

على المدى المنظور خلفت الحرب الأخيرة على داعش مشكلتين كبيرتين؛ الأولى مخيمٌ  هائل الحجم لنازحي الحرب، هو مخيم الهول جنوب الحسكة، يحوي حاليًا ما يزيد عن سبعين ألفًا أغلبيتهم العظمى من النساء والأطفال، يعيشون حالة مزرية بسبب نقص الرعاية والخدمات، ما يتسبب بموت بعضهم، خاصة من الأطفال حديثي الولادة؛ والثانية هي مقاتلو داعش من الأسرى، والذين ترفض دولهم استعادتهم، وليس ثمة صيغة واضحة للتعامل معهم، ولا تستطيع قسد الإبقاء عليهم، ولا تستطيع محاكمتهم. والولايات المتحدة ترفض فكرة إنشاء محكمة خاصة لهذا الغرض، وتفضل استعادتهم من قبل دولهم. وهؤلاء قنبلة موقوتة إذا أسيئت معالجة مشكلتهم. ويبدو أن ثمة مساومات مع الحكومة العراقية لمحاكمتهم في العراق، وقد عرضت الولايات المتحدة مبلغ ملياري دولار على الحكومة العراقية لتشجيعها على حمل هذا الملف.

في الشأن السياسي يمكننا الإشارة إلى الحدث الأبرز هذا الشهر، وهو قرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، حيث وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل منذ حزيران/ يونيو 1967، والتي ضُمت رسميا إلى إسرائيل بقانون من الكنيست عام 1981.

الخطوة لاقت رفضًا وإدانة من الجميع، فأعضاء مجلس الأمن جميعه، باستثناء الولايات المتحدة، عدوها خطوة غير قانونية، وذلك في جلستهم الاستثنائية التي عقدت لهذا الغرض في 28 الشهر الجاري. كما أدانها القادة والمسؤولون العرب جميعهم بشكل فردي، وبشكل جماعي في قمتهم التي عقدت اليوم، الأحد 31.03.2019، إضافة إلى قادة الدول الأوروبية وممثلي الاتحاد الأوروبي وآخرين.

[1] راجع فقرة خرائط النفوذ، المشهد الميداني.

لقراءة تقرير المرصد عن الثلث الثاني من شهر آذار / مارس 2019