وحدة مراجعات الكتب
مراجعة: محمد شمدين
الكتاب: “العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، بين شرعية المطلب ومخاوف التوظيف السياسوي“
تأليف: أحمد عزوز ومحمد خاين
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
مكان النشر: الدوحة/ قطر
تاريخ النشر: 2014
المحتويات
أولًا: تعريف المصطلح، العدالة اللغوية
ثانيًا: المرجعية الفلسفية للعدالة اللغوية
ثالثًا: في باب المواطنة والمسألة اللغوية
رابعًا: التعدد اللساني والعدالة اللغوية
خامسًا: آليات تدبير الشأن اللغوي في الدولة التعددية
سادسًا: الوضع اللغوي في المجتمعات المغاربية
سابعًا: تمظهرات العدالة اللغوية في الفضاء السوسيوثقافي المغاربي
ثامنًا: جوهر الصراع اللغوي في المجتمعات المغاربية
مقدمة
تأتي أهمية هذا الكتاب، لحداثة هذا الحقل المعرفي وتداول استعماله في الشرق الأوسط([1])، وإن اقتبسنا قول دريدا “أن الصراعات السياسية هي في جوهرها صراعات لغوية”، سندرك الأهمية التي يضيفها هذا الكتاب إلى الحقل السياسي.
على الرغم من أن الكتاب يتناول مفهوم العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي (تحديدًا في الجزائر والمغرب)، إلا أنه يمكن إسقاطه على منطقة الشرق الأوسط عمومًا والمشرق العربي (على وجه الخصوص في العراق وسورية)، إذ نواجه صراعات على الهوية لما تمتلكه هذه المنطقة من تنوع لغوي وإثني.
لقد اتبع الباحثان في دراستهما هذه (الكتاب الذي بين يدينا) المنهج التحليلي الاستقصائي، فرصدا مكونات الظاهرة ودرساها في مختلف النواحي([2]).
ينقسم الكتاب إلى تسعة أبواب نظريًا، ولكنه عمليًّا يقع في قسمين: قسم نظري، يعرض فيه النظريات والمفهومات المتعلقة بالمصطلح ومفهوم العدالة اللغوية، والقسم الثاني، قسم تطبيقي يسقط تلك النظريات عمليًا على المجتمع المغاربي.
أولًا: تعريف المصطلح، العدالة اللغوية
العدالة بمدلولاتها الشائعة، هي الوقوف على مسافة واحدة من أفراد المجتمع من دون تحيز لطرف على حساب آخر([3])، فهي “نمط من العلاقة الاجتماعية أو السياسية يجري بموجبه معاملة كل شخص أو جماعة على أساس المساواة، وذلك استنادًا إلى منظومة القيم السائدة في المجتمع، وتقع اللغة ضمن الحقوق الشخصية للأفراد والجماعات التي يضمنها القانون، وهي محاولة أو آلية يتحقق بها العدل بين اللغات”([4]).
كان للجدل الحاصل في مفهوم الدولة أثر في إثارة المناقشات حول مفهوم العدالة وتوسيع نطاقها ليشمل المستوى الجماعي، إضافةً إلى مستواها الفردي([5]).
في نهاية الفصل تعرض الدراسة نتائج من المفروض أن تكون بعد الانتهاء من الدراسة، فالبحث يقوم باستباق النتائج، وذلك يعود إلى تلك الصورة النمطية التي تطغى على المشهد العام.
ثانيًا: المرجعية الفلسفية للعدالة اللغوية
بعد الحوادث السياسية التي رافقت مرحلة ما بعد الاستعمار ومحاولة إنشاء دول قومية متجانسة، وجد جوٌ من غياب التسامح اللغوي([6]). ما دفع إلى الاهتمام بهذا الجانب من العدالة، وفق رؤية ديمقراطية تعددية تعترف بالتنوع.
في هذا البحث يحاول الكاتبـان ربط التسلسل الزمني الطروحات بالظهور الزمني للمصطلح، إذ يعود ظهور المصطلح مع تيار ما بعد الحداثة([7])، الذي يتجاوز مفهوم الدولة الحديثة القائم على مبدأ الأكثرية والأقلية في الانتقال إلى وضعية المواطنة المتعددة.
يرى الكاتب أن مرحلة بناء الدولة ما بعد الاستعمار فرضت على المجتمع (الأكثرية) العمل على إحلال لغة وطنية محل لغة الاستعمار، الأمر الذي دفع إلى تبني لغة (السلطة) لتسيير شؤون الدولة، ما خلق تنافسًا بين هذه اللغة واللغات المحلية الأخرى. وهذا ما أوجد نزاعات في العملية السياسية داخل البلاد. فقد رأت النخب الحاكمة أن اللغة المتبناة ولغة أغلب سكان الدولة هي ضمانة لوحدة الدولة وتماسكها([8]). نتيجة لذلك، ازداد الاهتمام بالعدالة في التعليم وبوجود سياسة لغوية عادلة، مع اهتمام الهيئات وتشجيعها على تبني سياسات لغوية تعددية عادلة. وقد أكد كثير من النصوص أهمية اللغات وأن ضياع إحداها يؤثر في التنوع الثقافي وثراء المجتمع وربطت هذه النصوص بالتنوع البيئي. فالعدالة في التوزيع تشمل جميع المجالات التي تحسن حياة الانسان.
فتجسيد العدالة يكون في مجتمع ديمقراطي يعيش التعددية واقعًا، وتوزع الأعباء فيه على أساس المواطنة والتنظيم الحسن. إضافة إليه، عرض نظرية عدم المساواة أو مشكلة الظلم المسلط على المجموعات الاجتماعية لـ “فان باريس”.
وقد توصل في هذا الفصل إلى استنتاج متعلق بـ”رولز” أن التيار الليبرالي يحقق المساواة في الحقوق بين مواطني الدولة جميعهم إلا أن رولز هنا يناصر الفرد من دون الجماعة([9])، لكن “ويل كيمليكا” سد الثغرة في نظرية رولز بأن هذه الطروحات يمكن أن تحقق المساواة للأفراد والمجموعات.
فالتعددية الثقافية الليبرالية هي أفضل أمل لبناء مجتمعات عادلة وشاملة حول العالم([10])، إلا أن الكاتب بعد عرضه هذه النظريات يرى أن اللغة هي اختيار فردي وليست وظيفة هوياتية للجماعة، ويعود إلى فرض اللغة المهيمنة.
ثالثًا: في باب المواطنة والمسألة اللغوية
في هذا الفصل يحاول البحث توضيح العلاقة بين المواطنة واللغة والعلاقة المتبادلة. وقد استعرض تاريخ المفهومين. أظهر البحث المواطنة بوصفها مفهومًا ضبابيًا متلونًا إلا أنه موضوع سياسي واجتماعي ذو أبعاد ثقافية وإنسانية.
وتوصل إلى أن المواطنة هي انتماء الإنسان إلى دولة بالمعنى الحديث، وعلاقات اجتماعية بين الفرد والدولة والمشاركة في الحقوق والواجبات([11]). فهي الناظم لعلاقة المواطنين في ما بينهم ضمن دائرة الدولة. وهي تستند إلى مبدأ الحرية والمساواة وجوهر العدالة. وعليه، فلزام على الدولة العمل لإيصال شعور الانتماء إلى مواطنيها ومعالجة مشكلات الأقليات. ولا يكون بالقمع أو الإهمال ولا بالانفصال بقدر ما هو بتكريس المواطنة بالحقوق والالتزام والانفتاح والتنوع([12]).
إلا أن غياب هذه النظرة لدى أنظمة المنطقة العربية، وغياب مفهوم الانتماء على أساس المواطنة الكاملة لديها، تسبب في جعل (مواطني) مكونات هذه الدول يلجؤون إلى المعارضة المسلحة أو محاولات الانفصال الدائمة([13]).
فالمواطنة تعترف بمواطنيها جميعهم مهما تعددت لغاتهم وتنوعت ثقافاتهم، وتجمع بين الحقوق من دون تميز([14]). فالعدالة أو مفهوم العدالة لا يُسقط على الحقوق السياسية بل على الحقوق الثقافية أيضًا ([15])، فهذه الخطوات هي الأولى على طريق التنمية- التقدم، فإذا ما أرادت الدولة أن تكتسب شرعيتها ومنزلتها في أنفس المواطنين عليها أن تحقق العدالة اللغوية من خلاله تعامل مواطنيها.
ويستعرض البحث ما يتمتع به مواطنو الدولة التعددية، إذ لكل مواطن ينتمي إلى جماعة لغوية الحق في التعبير، احترام خصوصية أفراد الجماعات اللغوية، ومنع جميع أنواع التهميش والإقصاء بسبب الانتماء اللغوي([16]).
في هذا الفصل، أكد البحث أن حق المواطنة اللغوية لكل جماعة لغوية لا يكون على حساب اللغة الرسمية التي هي لغة مشتركة موحدة لأفراد المجتمع كلهم، وعليه لا بد لأفراد المجتمع كلهم تعلمها واتخاذها قناة تواصل مشترك، فالهدف هو بناء دولة خالية من التنافر والاختلاف([17]). ولا بد من تحديد واضح لوظائف هذه اللغات بين لغات رسمية مشتركة مخصصة للتواصل العام بين أفراد المجتمع ولغات ذات بعد هوياتي.
وهذه السياسة هي وليدة مشروع مجتمعي ومستندة إلى مبادئ الهوية الثقافية الوطنية الشمولية والتنوع الإثني المحلي.
رابعًا: التعدد اللساني والعدالة اللغوية
في هذا الفصل من الكتاب، يُسلط الضوء على اللغات الموجودة جميعها؛ إذ تتمتع بالقدر نفسه من الأهمية، فلا توجد لغة نموذجية مثالية، ولا يوجد مجتمع أحادي، وهذه سمة من سمات المجتمعات كلها.
إلا أن هذا الواقع في غياب سياسة لغوية رشيدة يخلق النزاعات، إذ تفرض إحدى الجماعات لغتها على الآخرين. وهذا الواقع ينتج منه جملة من التحديات التي تهدد سلامة البنية الاجتماعية للدولة.
فالعالم يرفض أحادية اللغة لأن التنوع اللغوي هو الأصل في العالم المتعدد، وأنه من الوهم فرض لغة مصطنعة على الآخرين، وأن الصراع اللغوي هو نوع من الحرب التي تصارع البقاء، إذ تموت اللغة ولا يمكن لناطقيها تعويضها.
كذلك إن من يحاول القضاء على اللغة لسبب ما لا يدركون القيمة لتعدد الألسن ولا للذاكرة التاريخية المختزنة في رموز اللغة([18]). فإن ما تبشر به العولمة ليس هيمنة اللغات الغالبة، وإنما هيمنة نموذج ثقافي مختزن في رموز الاتصال، والهيمنة هي تخلي الجماعات الصغيرة عن موروثها الثقافي لمصلحة الجماعة الغالبة، وفي المقابل فالرأي المنصف هو الاعتراف بالتعددية الثقافية ومن ثم اللغوية، وحمايتها بالتطبيق الصحيح للعدالة والديمقراطية.
عمل عدد من الدول على تشجيع لغات المجموعات الصغيرة للمحافظة على تماسك مجتمعها بعد الهجرات المتكررة كما في النرويج([19]).
فاللغة تحتل منزلة متميزة في هوية الأشخاص والجماعات([20])، ما دفع كثيرين إلى إطلاق حملات لحماية اللغات من الموت، إن انقراض لغة لا يعني اختفاء جهاز اتصال، وإنما ضياع موروث اجتماعي للمجموعة المتكلمة بها، وقد وصفها بعضهم بانقراض فصائل نادرة من الحيوانات والنباتات.
مع ذلك، يرى الكتاب أنه من الصعب تحقيق العدالة اللغوية ميدانيًا. نظرًا إلى وجود تفاوتات عدة بين اللغات، وهناك كثير من التجارب العالمية التي ظهرت فيها ثغرات في تطبيق العدالة كما في السويد وكندا وبلجيكا وروسيا وتركيا وإسبانيا.
خامسًا: آليات تدبير الشأن اللغوي في الدولة التعددية
في هذا الباب يستعرض الكتاب العوامل التي تساعد في تكوين الأمة والمحافظة عليها بالحرية والمساواة والحقوق.
في الوقت الحالي باتت اللغة العامل الأساس في تكوين الأمة([21])، وفي ضوئه أعاد الباحثون صوغ مفهوم المواطنة الذي يعد المعطى اللغوي من مكوناته الرئيسة من حيث:
طرح الأيديولوجية اللغوية
إذ تتحكم في توجيه السياسات العامة والمشروعات التي تتبناها الدولة.
يختلف مفهوم المصطلح بحسب سياقة السياسي أو الاجتماعي، ولكن في المجمل هو: مجموعة الأفكار والتصورات والرؤى والمعتقدات التي ترسخت في الذاكرة الجماعية لدى أمة من الأمم بشأن لغتها([22]). فمن خلال هذه اللغة تتحدد علاقاتها بمحيطها، فهي الوسيط الذي يتدخل في تحديد تصرفات الفرد (الجماعة). فاللغة مؤسسة سياسية تكون في الدساتير معظمها، إذ من خلال الدستور تتحدد العلاقات اللغوية.
وقد استعرض الكتاب تجربة اللغة الفرنسية من حيث تبنيها نموذجًا أحاديًا([23]) في فرضها اللغة الفرنسية على لغات الآخرين ولهجاتهم حتى في مستعمراتها([24]). إذ كانت أيديولوجية التفوق هي السائدة، ولكن بعد الجهد الجبار من الدراسات اللسانية اختفت هذه النظرة من أدبيات الدراسات الاجتماعية والإنسانية على الرغم من استمرارها في السياسة.
الممارسات اللغوية
هي مسح ميداني للهجات واللغات التي تسود المجتمع جميعها مع مراعاة الواقع اللغوي فيه([25])، فهي تعايش لغوي ضمن الإقليم الواحد. وبسبب حساسية الواقع اللغوي الذي من خلاله يسود السلام أو تنشأ الحروب يوجد عدد من العوامل التي يؤثر فيها. وعليه لا بد من تخطيط لغوي واع ومدروس تطرح من خلاله الأسئلة جميعها.
فاللغة ليست ناقلة للثقافة فحسب، بل هي إنتاج لرموز ثقافية وثيقة الصلة بالروح الإنسانية وقيمها، واستعرض الكتاب في هذا الشأن، تجربة “صالح بلعيد” في ضبط العوامل المؤثرة في الممارسات اللغوية، إذ قسمها إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية، وذلك بهدف الارتقاء بالممارسات اللغوية ووضع سياسة لغوية متوازنة، وضرورة أن تخدم هذه السياسة اللغة الرسمية.
السياسة والتخطيط اللغويان
هما القانونان الموضوعان لتهيئة لغة معينة في مجتمعات متعددة اللغات([26]). إذ توضع أسس تدير الشأن اللغوي وتعالج في إطار الدولة الوطنية، وتعمم هذه السياسة في مؤسسات المجتمع.
توضع برامج للغات المجتمع حتى لا تطغى إحداها على أخرى. وأيضًا تكوين واقع لغوي يلائم النظم الحضارية الجديدة. فهذه السياسة ترسخ العدالة بين الجماعات اللغوية المختلفة، وقد وجد الباحث تعقيدًا واضحًا في مثل هذه السياسة([27]) للتداخل اللغوي المتعدد، وبخاصة في العالم العربي الذي يرى أن أكثر أفراده لا يعلمون ماهية اللغة([28])، وما وظيفتها وعدم إدراكهم الخطر والتحديات الجيوسياسية ومخططات العولمة.
فهذا وحده يفرض تساؤلًا عن مدى نجاح الدول العربية في السياسة اللغوية المتبعة في دولها. وفي هذا المجال كانت المجتمعات المغاربية الأولى في التعرض لهذه الظاهرة.
ما التخطيط اللغوي؟
عرض الكتاب عددًا من المفهومات والتعريفات بالمصطلح، وكذلك نماذج عدة للتخطيط اللغوي([29])، وأيضًا التداعيات المرافقة لكل أسلوب. وقد وجد أن النموذج السويسري خير مجسد للعدالة اللغوية وأيضًا النموذج الأفريقي (جنوب أفريقيا) الذي كان الخلاف فيه هو الهوية اللغوية وارتباطها بالهوية العرقية.
سادسًا: الوضع اللغوي في المجتمعات المغاربية
في هذا الفصل يدخل البحث في تطبيق النظريات السابقة ومقاربتها بالواقع من خلال المجتمع المغاربي (في الجزائر والمغرب)، وعرض الواقع اللغوي في البلدين كليهما من خلال الدستور وكيفية التعامل مع اللغتين العربية والأمازيغية، وبالطبع مع اللغة الفرنسية أيضًا، من خلال مؤسسات الدولة المستحدثة للإشراف عليها، فأقرت الدولتان كلتاهما برسمية اللغة العربية ووطنية الأمازيغية، ويقر الكتاب هنا أن الصراع ليس بين العربية والأمازيغية بقدر ما هو بين العربية واللاتينية (الفرنسية) التي دخلت إلى مفاصل الحياة الاجتماعية، إذ توجد لوبيات تحاول إبقاء هيمنة الفرنسية في البلاد.
سابعًا: تمظهرات العدالة اللغوية في الفضاء السوسيوثقافي المغاربي
يستمر البحث في هذا الفصل في التطرق إلى الحالة المغاربية، فيتطرق إلى وضع الجزائر، إذ بسبب طول مدّة الاستعمار الفرنسي تحولت الفرنسية إلى لغة وطنية، والعربية إلى لغة أجنبية، وأثر ذلك في تفكك المجتمع الجزائري وانقسامه على نفسه حيث انقسم إلى جماعات؛ لغة عربية فصحى إسلامية، لهجات محلية أغلبها عربية وأمازيغية مع لهجاتهما والفرنسية، وكذلك الحال في تونس والمغرب.
إلا أن السياسة اللغوية التي انتهجت بعد الاستقلال اتسمت بالقومية وكرست اللغة العربية على حساب الآخرين، ما خلق القضية الأمازيغية التي كانت موجودة من آثار المرحلة الكولونيالية. إذ كانت الثقافة الفرانكفونية هي الأرض الخصبة التي نبتت عليها الهوية الأمازيغية، وقد حصلت حوادث مأسوية في هذا المجال، وبدأ بالانفراج بعد حوادث 1988، حيث بدا التحول في انتهاج سياسات لغوية ديمقراطية وعدّها لغة وطنية، وكذلك في المغرب حيث أنشأ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مع الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية.
يجد البحث من خلال هذه المقاربات أن المغرب والجزائر في الطريق إلى تحقيق العدالة اللغوية من خلال الدستور.
ثامنًا: جوهر الصراع اللغوي في المجتمعات المغاربية
يستعرض الكتاب هنا طبيعة الصراع وأشكاله التي ظهرت بين النخب المغاربية التي انتهجت منحى سياسيًا أكثر منه منحى إثنيًا، بحسب ما قال عبد الله العروي: ” كاذب ومنافق من يدعي أنه يقف من مسألة الأمازيغية موقف المتفرج أو الملاحظ المتجرد، أو الباحث الموضوعي، كل منا بحسب وضعه الاجتماعي وتربيته الأولية”، فالمسألة سياسية في الأساس([30]).
الوقائع التي ظهرت في البلدين هي وقائع سياسية وحزبوية أكثر سواء من التهميش الاجتماعي أو التخويني أيضًا، يتطرق البحث هنا إلى المشكلة التي تواجهها اللغة الأمازيغية إذ ترفض أن تكون لغة بحد ذاتها ما دامت جذورها وكلماتها عربية([31]).
يرى الكتاب أن ما قامت به الدولة (الجزائر والمغرب) حتى الآن، يبعد عن كاهلها المسؤولية من خلال عرض حالة النخب الأمازيغية، إذ يراها تطبق الثقافة الغربية على المغرب([32])، ويأخذ على النخب الأمازيغية مطالبها في الإسراع بتطبيق الاعتراف الدستوري بالأمازيغية أو تجسيده في ميادين العمل([33]).
يفترض الكتاب -أو يضع مسوّغات- أن المجتمع المغاربي غير مؤهل لتحقيق العدالة والمساواة اللغوية في مراحله المتقدمة، ثم إن اللغة الأمازيغية نفسها غير مؤهلة لتكون لغة عالمية تستجيب لمتطلبات العصر.
يقارن البحث بين التجربة الإسبانية في التعامل مع اللغات والأقاليم، حيث تنقسم جغرافيًا ولسانيًا، والمغرب العربي الذي لا تنطبق عليه هذه المقاربة. في هذا الفصل يقع الكاتب في مشكلة التطبيق، إذ يجد صعوبة في تطبيق المفهوم النظري السابق على الواقع، فيقع في خانة مناصرة اللغة العربية على حساب الأمازيغية. ويعرض فكرة تكافؤ الفرص، الأمر الذي سيسمح للغة الأمازيغية بالخروج من نطاقها السياسي والدخول في النطاق الوظيفي للغة، إلا أنه يجد أن اللغة الأمازيغية تفتقد إلى هذه المؤهلات([34]). ويبين الصعوبات التي تواجه الأمازيغية التي لا تمتلك قواعد لغوية، بل لها لهجات متنوعة وتفتقد إلى لغة موحدة.
ويتهم الكاتب الأمازيغية أو الحركة الأمازيغية بالتماهي مع الحركة الفرانكفونية، إلا أنه لم يقدم الدليل على ذلك أو السبب في هذا التوجه، إذ يفترض أن هذه العلاقة سوف تؤثر في علاقة العربية بالأمازيغية، ويكون ذلك سببا في حوادث التفرقة بين أبناء البلد. ويصل إلى نتيجة أن الرابح من هذا الوضع هو اللغة الفرنسية([35]).
تاسعًا: شركاء في وطن واحد
يستعرض هذا الفصل العقد الاجتماعي بين المواطنين في الغرب، ويطرح تعريف روسو للعقد الاجتماعي، ومن خلاله يبين ضرورة وجود لغة للتواصل، وهنا يبرز دور اللغة العربية في التواصل وأهميتها، وما تملكه من خصائص متفوقة على الأمازيغية. ويستند إلى التاريخ الأمازيغي نفسه([36]). فالكتابة الأمازيغية كانت بالحرف العربي([37])، يقع البحث هنا في مشكلة إذ ابتعد عن عنوان الفصل، وذهب إلى الدفاع عن اللغة العربية في مواجهة اللغات الأجنبية([38]).
الخاتمة
يتوجه الكتاب في خاتمته التي من المفترض أن تكون نتائج لدراسته، ولكنها تقع في خانة النصائح أو إرشادات إلى النخبة الأمازيغية أكثر من كونها نتائج للدارسة:
- على بعض الداعين إلى الأمازيغية الكف عن ممارسة الضغوط على العربية([39]).
- على الخطاب الأمازيغي أن يتجنب الاستفزاز.
- على الخطاب الأمازيغي أن يرقى إلى مستوى التطلعات.
- على النخب الأمازيغية فك ارتباطها بالدوائر الأجنبية.
- على الخطاب الأمازيغي أن يحرص على الوحدة الوطنية([40]).
من خلال عرض هذا الكتاب نجد أهمية العدالة اللغوية في خلق هوية وطنية، يتمتع فيها مواطنو هذه الدولة بحقوق المواطنة الكاملة بصرف النظر عن إثنيته أو عرقه، وعلى دول المشرق الغربي كما الحال في المغرب العربي أن تنحو نحو هذا الاتجاه في خلق مواطنة جامعة لمكوناتها المتعددة جميعها.
([1]) أحمد عزوز ومحمد خاين، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، بين شرعية المطلب ومخاوف التوظيف السياسوي، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014)، ص7.
([2]) أحمد عزوز ومحمد خاين، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، ص11
([3]) أحمد عزوز ومحمد خاين، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، ص13
([4]) أحمد عزوز ومحمد خاين، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، ص14
([5]) أحمد عزوز ومحمد خاين، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، ص16
([6]) أحمد عزوز ومحمد خاين، العدالة اللغوية في المجتمع المغاربي، ص21
([7]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص21-26
([8]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص23.
([9]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص29.
([10]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص30.
([11]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص33.
([12]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص34
([13]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص33
([14]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص36.
([15]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص37.
([16]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص38
([17]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص39
([18]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص43.
([19]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص44.
([20]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص45.
([21]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص49.
([22]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص51.
([23]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص53.
([24]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص55.
([25]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص58.
([26]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص63.
([27]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص65.
([28]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص66.
([29]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص67،68،69.
([30]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص84.
([31]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص85.
([32]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص86.
([33]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص87.
([34]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص90،91،92.
([35]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص95.
([36]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص100.
([37]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص101.
([38]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص102، 103.
([39]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص105.
([40]) عزوز وخاين، العدالة اللغوية، ص107.