وحدة مراجعات الكتب
مراجعة: طلال مصطفى
الكتاب: الانفجار السوري الكبير (الحرية والكرامة بين مخالب المفترسين)
تأليف: منير شحود
الناشر: ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع
مكان النشر: تركيا
تاريخ النشر: 2017
المحتويات
المعارضة السورية ومحاولات الانتظام السياسي
اليسار وعلمانيته على هامش “الربيع العربي”
لا شك في أن هناك كثيرًا من الكتب والدراسات التي تناولت الثورة السورية من زوايا سياسية واجتماعية وأيديولوجية عدة، لكن ما يميز هذا الكتاب “الانفجار السوري الكبير” لمنير شحود عن الدراسات السابقة منهجية السيرة الحياتية التي اعتمدها الكاتب في سرد ذكريات وحوادث ومواقف سياسية مستمدة من الواقع المعيش للثورة من خلال مشاركته لعدد من الحيثيات والمواقف السياسية المرتبطة بالثورة، حيث التجربة والتصورات الشخصية السياسية للكاتب متضمنة في فصول الكتاب كلها، إن كان من حيث التسلسل الزماني أو المكاني، أو التداخل بين القضايا الشخصية والقضايا السياسية الكبرى التي تحدث في سورية، من خلال الانتقال من المواقف الجزئية الصغيرة إلى المواقف الكبرى في فهم ما يحدث في سورية في سنوات الثورة، من خلال المؤشرات التي تعكسها الذاكرة المعايشة للحوادث لدى الكاتب، بمعنى تسجيل للحوادث اليومية كما عايشها الكاتب، وفي أوضاعها التاريخية، وضمن تسلسلها الزمني إلى حد ما، معتمدًا على الأسلوب الاستقرائي في قراءة علمية لبعض الحيثيات السياسية الجزئية التي ربما يتجاهلها بعض الكتاب والمحللين السياسيين في قراءاتهم السياسية للحوادث السياسية والتاريخية الكبرى، خصوصًا أولئك الذين يعتمدون المنهجية البنيوية للاستنتاج والوصول إلى مفهومات وموضوعات نظرية على الصعيد السياسي، وإلى مسوّغات لكثير من المواقف والحوادث السياسية في سورية. إضافة إلى الأسلوب الاستنباطي من خلال الملاحظة المباشرة بسبب مشاركة الكاتب لعدد من المواقف السياسية بما فيها المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في الأشهر الأولى من الثورة.
في تقديمه للكتاب، يؤكد شحود حتمية موت الأنظمة الاستبدادية ولو بطرائق مختلفة، فتتعدد الأسباب لكن الموت واحد لهذه الأنظمة في التاريخ، من النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، ونظام الجنرال فرانكو في إسبانيا، نظام بينوشيه في تشيلي، أنظمة الدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية، نظام طالبان في أفغانستان، نظام صدام حسين، النظام الصيني، ومع الثورات العربية سقط نظام كل من ليبيا وتونس ومصر، ودخول اليمن وسورية في حروب دامية ما زالت مستمرة حتى الآن. ومن ثم ينهي هذا التقديم بالحديث عن نظام البعث الاقصائي الاستبدادي الشمولي، وكيف عششت مختلف العصبيات المذهبية فيه.
إرهاصات وتصدعات
تضمن الفصل الأول الانطباعات الأولية لبعض أصدقاء الكاتب في بلدته “الدريكيش” من خلال طرح السؤال الآتي عليهم: في ما لو حدثت ثورة في سورية كما هو الحال في تونس ومصر وليبيا، كيف ستكون مساراتها؟. ويأتي الجواب من أحد أصدقائه: “ستسيل دماء كثيرة، لأنهم لن يتركوا السلطة إلا بالقوة، وسيقاتلون حتى النهاية” وهذا ما حصل من اليوم الأول للثورة، إذ جوبهت بالرصاص وبشعار “الأسد أو نحرق البلد”.
يروي الكاتب أخبار اندلاع التظاهرات في درعا، وبعض الاعتصامات في مدينة دمشق، واستمرار التظاهرات في أيام الجمعة، ورفع شعار “الله سورية حرية وبس” ثم في ما بعد الانتقال إلى شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”. ثم يسرد الكاتب مذكراته الشخصية التي تتضمن أحلامه بالثورة والتغيير، إذ فُصل الدكتور شحود من الجامعات السورية لمعارضته لفساد النظام السوري واستبداده منذ عام 2006، والاستدعاءات الأمنية المتكررة لهذه الأسباب، ومنها مناقشته لأحد أبواق النظام من الإعلاميين اللبنانيين (ناصر قنديل) وهنا جاءت اللحظة التي كان يحلم بها كما عبر عن ذلك، لحظة الثورة السورية على الاستبداد ومن أجل الحرية والكرامة، وليعود إلى حالة الإحباط واليأس في ما بعد، وتحديدًا بعد أسلمة الثورة وعسكرتها.
ألاعيب الاستبداد
تضمن الفصل الثاني ألاعيب النظام الاستبدادي في خداع الناس واللعب على عواطفهم الدينية والقومية.. إلخ، ابتداء من المؤتمر الصحافي لمستشارة بشار الاسد بثينة شعبان 24 آذار/ مارس 2011 ووعودها بالإصلاحات السياسية والاقتصادية المعيشية، وتعليلها حدوث التظاهرات بمؤامرة طائفية، وانتشار المسلحين المواليين للنظام في شوارع المدن السورية وبخاصة اللاذقية.
يسرد شحود وقائع عيانيه عن الحوادث التي حصلت في حمص التي تتمتع بانتماءات طائفية متعددة، وعن إطلاق النار من موالي النظام على المتظاهرين في أكثر من حي في مدينة حمص وبالتفاصيل الدقيقة زمانيًا ومكانيًا، وتكرر ما حصل في مدينة حمص في مدينة اللاذقية أيضًا.
من ذاكرة الحدث
يتحدث الكاتب في الفصل الثالث عن وقائع عيانيه للتظاهرات عاشها في مدينة اللاذقية، وقد شعر بالابتهاج والتحدي، وعودة روح الشباب اليه بعد أن قضى عمره في الخوف والتنكيل من الأجهزة الأمنية كما هي الحال لدى السوريين معظمهم، والدليل على ذلك أنه انتعل حذاءه الرياضي واتجه إلى مكان المتظاهرين. إن اللحظة التي كان يحلم بها منذ سنوات مضت قد أصبحت حقيقة ترى بالعين مباشرة، ووصف مسارات تصاعد الاحتجاجات، وصولًا إلى المطالبة بإسقاط النظام، وظهور تجليات بعض العنف الطائفي في وسائل الإعلام، وعدم القدرة على السيطرة على الشارع الشعبي المتظاهر لعدم وجود قيادة سياسية موحدة للانتفاضة. ثم يسرد قصص أعمال العنف في بانياس وقرية البيضا، وادّعاء النظام أن الانتفاضة حركة سلفية، وقراره بالقضاء عليها بالحل الأمني من خلال الجيش والأمن والشرطة واللجان الشعبية (الشبيحة)، ومن ثم وصل الكاتب إلى قناعة شبه مؤكدة باستحالة إصلاح النظام من الداخل، وألا صوت للعقلاء فيه، وأنه (النظام) يفضل التعايش مع نقيضه السلفي الذي يستحضره بوصفه فزاعة كلما هبت عليه رياح الانتقادات الغربية، أو احتج الشعب على فساده واستبداده.
زياراتنا لأماكن التظاهر
في الفصل الرابع يسرد الكاتب عددًا من تظاهرات السوريين وأسماء الجمع التي أطلقها المتظاهرون في المدن السورية بالزمان والمكان المحددين، وكيفية اجتياح الجيش هذه المدن بهدف إخماد التظاهرات، وتقليل بعض المعارضين من خطر المجموعات الإرهابية بهدف استعجال سقوط النظام بذريعة خطر بقاء النظام ذاته، وهو حق يراد به باطل.
في أواخر تموز/ يوليو 2011 ينتقل الكاتب مع عائلته إلى دمشق للإقامة بعد توجسه من إمكان العودة إلى اللاذقية بسبب الأجواء العدائية والأذى الذي يمكن إلحاقه به وبأسرته من الشبيحة استنادًا إلى معارضته للنظام، ليسرد الوقائع السياسية اليومية التي كانت تحصل في العاصمة، وبعضها بمشاركته الشخصية، ووصفه لبعض التظاهرات من خلال حضوره الشخصي مع بعض أصدقائه من وفود المعارضة التي كانت تزور بعض التجمعات والتظاهرات في ضواحي دمشق، وهنا يسرد بعض الوقائع التي تشير إلى بعض السلوكات الطائفية من بعض الشباب المتظاهر، وعلى سبيل المثال هجوم بعض المراهقين على منصة التظاهرة في حي القدم عندما تقدم الدكتور عارف دليلة لإلقاء كلمته، لأنه ينتمي إلى الطائفة العلوية، وفي الوقت نفسه يصف الحفاوة التي استقبل بها في حي برزة والشعور المتبادل بالمحبة لهؤلاء الناس، والأثر العظيم الذي بقي في نفسه، وأيضا الخطاب الوطني لبعض الشخصيات المعارضة في حي القابون وسرديات أخرى في أحياء ضواحي دمشق.
جدلية الأسلمة والعسكرة
في ظل غياب القادة الوطنيين أو تغييبهم، وبعد أشهر من التظاهر ذي الطابع السلمي العام، كان من الصعب إقناع الذين يتعرضون للقمع باستمرار سلمية الثورة، حيث إذا ما علمنا “أن من بقي في الشارع كان من الفئات الشعبية التي يمكن دفعها إلى التضحية من خلال دوافع عقائدية دينية يسهل التلاعب بها” هكذا وصف الكاتب المرجعية السياسية المعرفية لأسلمة الثورة وعسكرتها، ويسرد الكاتب صورة عن العسكرة والتمويل وعملية انتقال المبادرة من المنشقين عن الجيش إلى المسلحين المدنيين الذين اتخذوا لأنفسهم رايات إسلامية، مؤكدًا أن السياسيين المعارضين في الصف الأول كانوا مطلعين على حقائق تمويل الثورة وعسكرتها، ولكنهم سكتوا عنها في الإعلام من أجل ألا يغضب الثوار على الأرض على حد توثيق الكاتب من أحد الناشطين في مدينة حمص.
المعارضة السورية ومحاولات الانتظام السياسي
يصف الكاتب سمات المعارضة التقليدية السورية بأنها غير قادرة على القيام بالنشاط المعارض في ظل الاستبداد، فضلًا عن تكلفته المرتفعة، والخوف من اتخاذ خطوات جريئة في الداخل قد تعرضهم للاعتقال والسجن، شخصنة العلاقات بين رموز المعارضة، وتآمر بعضهم على بعض، وعدم تجاوز الخلافات الشخصية، غياب التقاليد الديمقراطية داخلها، وعدم الوعي العميق للتطورات السياسية الثورية الحاصلة في القاع المجتمعي السوري بعد اندلاع الاحتجاجات التي جعلت هذه المعارضة محض هياكل من الماضي، ما سهل للدعاة الدينيين والمشايخ أن يطفوا على السطح.
ثم يتحدث عن الإعلان عن المجلس الوطني في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 بعد مرور نصف عام على اندلاع الانتفاضة السورية، وافترض شحود أن الاعلان عن المجلس الوطني من المفارقات التي تدل على دورة جديدة من الصراع الخارجي على سورية، والتدخل في شؤونها الداخلية، مقتدين بالنموذج الليبي، إذ جُل آمالهم (شخصيات المجلس الوطني) كانت تنحصر في التدخل الخارجي، بناء على ظن أن النظام اقترب من السقوط، وهكذا ارتهن المجلس لمصالح الداعمين عوضًا عن بناء الأساس السياسي في الداخل.
ويرى شحود أن المتنفذين في المجلس معظمهم، الذين تسنى له التعرف إليهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة لم يكونوا في مستوى التحديات الوطنية المتمثلة بإدارة صوغ مشروع الدولة في سورية.
القضايا المتفرقة
يتحدث الكاتب في الفصل السابع عن بعض القضايا المتفرقة، عن الإعلام الرسمي، بوصفه إعلامًا دعائيًا لعصر الأيديولوجيا المرتبط بأنظمة الاستبداد، مقابل الإعلام الثوري الذي اتسم بداية بالفوضوية والارتجال وقلة الخبرة من خلال الاعتماد على شهود عيان شبه مجهولين. وكيف تجاهله في ما بعد تفجيرات جبهة النصرة في سورية، وتحميل النظام المسؤولية عنها.
وهكذا خلطت الأوراق بين حركات شبابية لديها الأمل بالتغيير نحو دولة ديمقراطية وبنادق حركات التطرف لتشوه كل ما يتعلق بالثورة.
وأما عن رأيه في فشل الإضرابات التي جرت الدعوات إليها بالتوازي مع التظاهرات، يعود إلى عدم التنسيق والتحضير الجيد، وبسبب جبن رأس المال، إذ لم يغلق محل واحد في مركز مدينة دمشق التجاري في الحريقة، في الوقت الذي كان الإضراب فيه قد عم مدينة دوما بالكامل.
يوميات دمشق
في الفصل الثامن يتحدث الكاتب عن يوميات دمشق وعن بعض التفاصيل الحياتية الجزئية للعائلة، ليعود إلى الحديث عن لقائه ببعض السفراء الأجانب (الأميركي، الفرنسي) في مكتب أحد أصدقائه وفي ما بعد في منزله مع بعض الشخصيات المعارضة بصورة دورية، وقد استنتج من خلال هذه الاجتماعات عدم وجود رؤية واضحة لسورية المقبلة، والتركيز على إسقاط النظام من خلال الدعم الخارجي، والأكثر ألمًا التعريف بنا من خلال انتماءاتنا الطائفية بوصفنا أقليات.
طائفيه وطوائف
أما في الفصل التاسع فتحدث الكاتب عن الجهد الذي بذلت من النظام لتخويف الطائفة العلوية لتحتمي به، وحتى يضمن لنفسه الاحتماء بها عند الضرورة، وهذا ما حصل عندما جيّش النظام أتباعه من الأقليات السورية وبخاصة الطائفة العلوية تحت راية الخوف من الخطر الإسلامي المتطرف، وكيف حول أبناءها معظمهم إلى جنود يرتزقون منه ويشدون أزره. أما موقف المعارضين من الطائفة العلوية فهو موقف لا يحسدون عليه، لأنهم فقدوا حاضنهم الاجتماعي المحدود أصلًا، وهُجروا من أماكن سكنهم، أو اضطروا إلى الصمت، أملًا في النجاة من التهديدات. وهكذا حُييد العلويون معظمهم، المعارضون للنظام تاريخيًا أيضًا.
محطات 2012-2014
يتحدث الفصل العاشر عن خيارين: الاحتمال الأول هو الحرب الأهلية بين قوى النظام وحلفائه من جهة، والمسلحين الذين ينضون تحت مسمى الجيش الحر وطلائع الجهاديين من جهة أخرى. والاحتمال الثاني هو التفاوض من خلال اقتناع الأطراف الدولية بأن الحل السياسي هو الحل الوحيد. وتابع الكاتب انطباعاته عن بعض الشخصيات السياسية من خلال الاجتماعات التي حصلت معهم (كمال اللبواني، فواز تلو، جورج صبرا وغيرهم)، وهي انطباعات صادمة إلى حد ما لدى الكاتب، أما ما مهد للقطيعة السياسية بين الكاتب شحود وبعض الأصدقاء المعارضين في دمشق عندما بدأ الحديث عن التسليح وعدم الإصغاء لاعتراضاته على هذا التحول، وبعد أن تبخرت الوعود والآمال بتأمين عمل للكاتب شحود وتعذر العمل السياسي الفاعل، كان لا بد من العودة إلى المنزل في اللاذقية بأسرع وقت على حد وصفه.
ويتحدث عن انطباعاته عن مؤتمر المنبر الديمقراطي السوري في القاهرة في 12 نيسان/ أبريل 2012، والتنوع السياسي للحضور المقبول، وعدم الارتهان لنفوذ الدول الداعمة على حد علم الكاتب، ثم انتقاله مباشرة إلى مؤتمر المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية في 1 نيسان/ أبريل 2012، وفشل هذا المؤتمر.
وأخيرًا يصل إلى القطيعة السياسية مع الأصدقاء، وعلى الرغم من هذه الخيبات كلها يشعر بالراحة لعدم ارتهانه سياسيًا لأي جهة سياسية، فقد حافظ على مواقفه وقناعاته التي بناها على أسس المصلحة الوطنية.
يعود شحود ليتحدث عن لقائه مع السيد كوفي عنان، بصحبة كل من السيد حبيب عيسى وفايز سارة، وعن تشاؤم كوفي عنان تجاه موقف النظام، إذ لم يرَ في الأمر أكثر من صراع مع مجموعات إرهابية، وعن مؤتمر جنيف 1 في أواخر حزيران/ يونيو 2012، ومن أبرز مقرراته اقتراح تشكيل حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات.
وعن العودة إلى البيت في اللاذقية والاستقبال الاستفزازي من الجيران بسبب معارضته للنظام، وعن محاولة الحوار معهم كأبناء نجباء لمقولة حزبهم: “أنا بعث وليمت أعداؤه”. ومن ثم الاستدعاء إلى فرع الاستخبارات الجوية في اللاذقية في أثناء جني محصول الزيتون، وعن شعوره بعدم الخوف كما كان يحصل في الاستدعاءات السابقة.
في 7 أيار/ مايو 2013 حصلت مجزرة قرية البيضا ومدينة بانياس من الشبيحة الموالين للنظام، ويسرد في الهامش عددًا من المجازر في حمص المتبادلة بين الشبيحة والتكفيريين انطلاقًا من فتاوى طائفية بغيضة، ويسرد تجربته في العمل الإسعافي والإغاثي مع الهلال الأحمر للأسر المنكوبة في قرية البيضا وبانياس.
في 11 حزيران/ يونيو 2013 أُعلِنَ تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بعد وصول المجلس الوطني إلى طريق مسدود، يقابل بعدم الاعتراف به من الفصائل المقاتلة وتشكل الجبهة الإسلامية في سورية في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 وصعود متزايد لدور الجهاديين من تنظيم داعش والنصرة الإرهابيين.
وفي 22 كانون الثاني/ يناير 2014 عقد مؤتمر جنيف 2 وفشل في إنجاز حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات كما أقر في جنيف 1، لأن توافقا سياسيًا أميركيًا روسيًا لم يحصل.
شباط/ فبراير 2014 واعتداء الجيران على عائلته ومنزله وانقسام المخفر إلى فريقين فريق يريد حل المشكلة وفريق كان متحفزًا للانتقام من المعارض كما وصفه جيرانه المعتدون الموالون للنظام.
وعن الانتخابات الرئاسية التعددية في سورية في 3 حزيران/ يونيو 2014 التي كانت صورية بالمطلق ومن ثم عودته إلى الدريكيش محوطًا باليأس والإحباط.
الفصل الحادي عشر
عرض الكاتب مواقف الدول الفاعلة في الملف السوري معظمها بدءًا من “إسرائيل” التي التزمت الصمت المطبق في الأحيان معظمها، مع استمرار التنسيق الأميركي والروسي معها وبخاصة في ما يتعلق بالطلعات الجوية وقصفها لبعض مواقع حزب الله الإستراتيجية في سورية.
أما الموقف الأميركي، فقد اكتفت أميركا بمطالبة الأسد بالتنحي من دون تقديم أي وعود للمعارضة بالتدخل، إذ بقي الدرسان العراقي والأفغاني ماثلين أمام الادارة الأميركية كما عبر الكاتب. باستثناء الموقف الجدي للضغط على النظام والتخلص من سلاحه الكيماوي بعد هجومه بالأسلحة الكيماوية على الغوطة في 21/8/2013.
أما الموقف الروسي، فقد تجسد بالوقوف إلى جانب النظام سياسيًا وعسكريًا، والاستمرار في دعم النظام عسكريًا من خلال القواعد العسكرية في سورية حتى الآن، إضافة إلى استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مرة وإفشال القرارات الدولية المتعلقة بالنظام السوري كلها.
أما الموقف التركي، فقد تميز بالتهديدات المتعددة للنظام السوري من دون أن تجد صدى لها على أرض الواقع ولم تخرج تركيا عن مقتضيات العلاقة مع الحلف الأطلسي، ودعمها للإخوان المسلمين، والمساهمة في إدخال كثير من الجهاديين عبر حدودها مع سورية والتبدل في الموقف التركي في إثر فشل محاولة الانقلاب في 15/ تموز/ يوليو 2015، والميل إلى التنسيق مع روسيا وإيران في ما يخص الملف السوري متوجًا باجتماعات آستانة.
الموقف القطري، تميز في البداية بتقديم النصائح للنظام للقبول بالإصلاحات والحل السياسي السلمي، وعندما فشلت عملت على دعم المعارضة من خلال جمعها في الدوحة في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر 2011، ولكن استطاعت تركيا جمعها في إسطنبول وإعلان المجلس الوطني. ولاحقًا دعمت المعارضة بالتنسيق مع تركيا.
أما السعودية، فقد بقي موقفها غائمًا في المراحل الأولى من الثورة السورية، وتمثل الموقف في البداية في الدعم الإغاثي للمهجرين السوريين، وحصل أول دعم سعودي رسمي في تشكيل الائتلاف الوطني السوري.
أما الجامعة العربية فقد تمثل الموقف الرسمي في مبادرة الجامعة العربية في خريف عام 2011، ومن ثم تحويلها إلى مبادرة عربية دولية في شهر شباط/ فبراير 2012.
أما موقف الاتحاد الأوروبي، فلم ينفصل عن الموقف الأميركي عمومًا، والدول الفاعلة في المواقف السياسية تجاه النظام السوري كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
نساء الثورة والحياة
يتحدث الفصل الثاني عشر عن مشاركة النساء السوريات على اختلاف توجهاتهن في فاعليات الثورة، علمانيات ومتدينات، يساريات ويمينيات، سواء على صعيد الكلمة أم الفعل الثوري، كما في التنسيقيات، أو تقديم الدعم اللوجستي على الأرض، وتراجع هذا الدور بعد الانتقال إلى الصراع المسلح.
ويعدّ الكاتب اختطاف المحامية رزان زيتونة ورفاقها من المؤشرات الرئيسة في انتهاء الفاعليات الديمقراطية المدنية وابتلاعها من أعداء الحرية، لما للمحامية رزان من رمزية في الثورة السلمية وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والدفاع عن المعتقلين.
اليسار وعلمانيته على هامش “الربيع العربي”
يشير الكاتب إلى ارتباط مفهوم اليسار الستاليني بصعود الأنظمة الدكتاتورية والحزب القائد وزعيمه، الأمر الذي شوه صورة اليسار الحقيقي بوصفه قوى ديمقراطية تغيرية باتجاه التقدم، ولم يختلف يسار البعث بشقيه السوري والعراقي عن صورة الأحزاب اليسارية التي بقيت خارج السلطة، يتجلى الاختلاف في أن سلطة البعث قمعت أخوة العقيدة واعتقلتهم بكل قسوة فحسب.
وهكذا تحول مفهوم اليسار من رافعة للتقدم الاجتماعي إلى تيارات معزولة عن مجتمعاتها، التي التجأت إلى ملاذها الديني الجاهز فرارًا من سطوة الاستبداد، بل بعضها ما زال متحالفًا مع النظام السوري الاستبدادي.
أما اليسار المعارض للنظام الدكتاتوري، فكان فاقدًا لنفوذه في الأوساط الشعبية، وهدفًا لكل من الأنظمة الحاكمة والقوى الإسلامية، ما يفسر ضعف تأثير القوى اليسارية في الحراك الشعبي مقارنة بالقوى الإسلامية على حد تفسير الكاتب.
خاتمة
ينهي الكاتب شحود بـ خاتمة يوجز فيها انطباعاته السياسية والفكرية عن الثورة السورية وعن الربيع العربي عمومًا، وعن قضايا وطنية وفكرية ملحة في هذه المرحلة.
من الملاحظ بعد هذا العرض المكثف لما تضمنه الكتاب أن الكاتب قد نجح إلى حد كبير في نقل صورة موضوعية إلى عن الثورة السورية والحيثيات السياسية التي جرت في هذه المرحلة التاريخية. إن الموضوعية النسبية التي اتسم بها الكاتب لن تكتمل بالطبع إلا بتعليقات أولئك الذين عاصروه في نضاله، وبخاصة الشخصيات السياسية (الأصدقاء) المذكورة في الكتاب.
إن استخدام الكاتب منهجية السيرة الحياتية في هذه الدراسة لا يعني أنه قد أطلق العنان ليكتب ما يشاء، أو لم يكن موضوعيًا وأمينًا في نقل ما جرى، فالمذكرات الشخصية هي عملية انتقائية يسرد فيها الكاتب ما يراه مهمًا من الحوادث العامة والخاصة للثورة، من دون الإخلال بالصورة العامة التاريخية للحوادث.