لو أنه تمكّن من “سفّ” تراب سورية، لما قصّر. ولو اتسع “كرشه” لكل لقمة يأكلها السوريون، لما تردد في انتزاعها من أفواههم، غير أن إنسانيته وقناعته منعتاه من الاستيلاء على أكثر من قرابة أربعين شركة ومؤسسة ودائرة ومركزًا ومحيطًا وبحرًا ونهرًا، وسهلًا وجبلًا… إلخ. كما منعه تواضعه من أن يُفصح عن حجم ممتلكاته، وأصولها وفروعها، واكتفى بالحضور في كل مكان وعلى كل لسان، وبمد يده إلى جيب كل سورية وسوري، طوال نيف وعقدين، غيّب نفسه خلالهما عن أي شأن له علاقة بسورية الوطن والشعب، حيث كانت له سوريته الخاصة التي سانده من رعاهم من “فقرا” المخابرات في احتلال سورية العامة بواسطتها، وعلى شفط عافيتها، تحقيقًا لهدف نبيل هو إنزال قدر من التهالك والتهافت بها، تعجز بسببه عن الوقوف في أي وقت على قدميها، أو في استرداد وعيها بذاتها، بينما يمعن “الفقرا” في مساعدته على إرعابها، كي لا تقوم لها قائمة.
لكن سورية ثارت “من حلاوة الروح”، كما يُقال، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فما كان من “الشيخ رامي”، وقد أدرك عمق الاحتجاج، إلا أن استجار بـ “الجوكر” الإسرائيلي، وأخبره أنه لن يكون آمنًا إن تخلى عن جماعته في دمشق، صناديد “مقاومة وممانعة” العدو الصهيوني في طهران وضاحية بيروت الجنوبية، الذين يصدون عنها خطر قيام سورية حرّة، وأعلن “الشيخ” خوفه منها على نظامه ومستوطني الجولان، وخوفه من أنها لن تتعايش مع من يحتلون الجولان وفلسطين. هذه الاستجارة، قال رامي إنها أزعجت رأس النظام بشار الأسد، فأمره بالتنحي جانبًا وبعدم التدخل في حرب “الجيش العقائدي” على الشعب، والتفرغ لتطبيق القسم الثاني من تقسيم “العمل الوطني”، الذي يتمثل في “تعفيش” ما بقي لدى الشعب من أدوات ومدخرات وموارد وثروات وممتلكات، حتى ما لديه من “طناجر” وصحون وملاعق الألمنيوم المستهلكة، وفوارغ علب حليب الأطفال، إن صدف وكانوا من أولاد “الأثرياء” الذين لم ينسوا بعدُ عادة جلب الحليب الذميمة لأطفالهم، على أن يفيد من سانحة تتاح كل ألف عام، هي القضاء الممنهج على الشعب في كل قرية وحي ومدينة وشارع وزاروب، بجهود مئات آلاف المعفشين المدربين من جند “القائد الخالد”، الذين سيضيف إليهم آلاف العاملين في مؤسساته، المتخصصين في “تعفيش” أكبر قسم يمكن تعفيشه من دخول المشاركين في (سيرياتل) وبقية شركات “البر والإحسان”، التي لا تعود ملكيتها الحقيقية إليه، بل إلى الشريف العفيف، والطاهر الزاهد، بشار الأسد وشركاؤه، ممن قال السوريون يومًا إنهم كانوا من بيت مخلوف وصاروا من آل مخالف!
اليوم، يشكو “الشيخ” من تغوّل “الفقرا” عليه، ومطالبته بالتخلي عن “جنى عمره”، الذي يراوح في تقدير متواضع بين عشرة وثلاثة عشر مليار دولار، شابَ بعض لحيته في الكدّ لجنيه، وسال منه عرق يشغّل طاحونًا، وليس من العدل، كما اكتشف، أخذها منه، لأن ذلك “ظلم لا يقبله عز وجل”، مع إشارة بإصبعه إليه، كي لا يخطئ أحد في هويته: “سيادة الرئيس”. هل أدرك الشيخ رامي اليوم أن الظلم ما إن يبدأ حتى لا تكون له نهاية، فكيف إذا كان من يعتمده لصوص وقتلة محترفون، مكانهم سجن القلعة وليس القصر الجمهوري، من أمثال مشغّله السابق، الذي يريد استعادة ما سمح له بسرقته من الشعب، ليس لأنه فقير، لا سمح له، بل لأنه لا يريد أن يدفع شيئًا للوطن من “جني عمره”؟! وهل يعتقد “الشيخ” أن “الفقرا” (هؤلاء صنف خاص من البشر، يختلف عن الفقراء اختلاف الليل عن النهار!) يريدون انتزاع شركة (سيرياتل) منه، دون علم أو قرار من ابن عمته، متناسيًا أنه لا قرابة في قضايا المصاري، التي تفرغ منذ تولى الرئاسه لجمعها والاسمتاع بعدّها، كما قال أحد مستشاريه السابقين، ولن ينصف “الشيخ” أو يستمع إلى استغاثاته، لمجرد أنه يستجير به!
أوحى “الشيخ” في شريطه الأول أن عدوه قريب من الرئيس، وها هو يقصره على الذين اعتقلوا موظفيه، ويطالبونه بالتخلي عن رئاسة (سيرياتل) من الأجهزة، واكتشف أن عليه قصر خلافه عليهم، حرصًا على النظام، أي على ابن عمته، الذي يحذره من انهيار اقتصادي، إذا استمرت الحملة عليه، ومن امتداد عقابيله إلى “فقرا” جمعية “البستان” وميليشياتها، التي تشعر امتداد أيدي ” فقرا” الأمن إلى مصدر عيشها، بأمر من الذي أخذت تميد به كرسي الرئاسة، وصار موضوع بازار دولي حول مصيره: سيد السفاحين والمعفشين، بشار الأسد، الذي لن تدوم رئاسته، ما دام لم يعد قادرًا حتى على ضبط من كان ظله: “رامي الحرامي!”.
تتفكك العصابات من داخلها، رغم ما تبدو عليه من صلابة وتكوّر على زعيمها، فيفتك أقوياؤها بضعفائها، ليستولوا على حصتهم من المسروقات. عندئذ، تصمت اللغة وتتحدث المسدسات، وما شابه من وسائل الغدر والفتك.
“شيخ” رامي و”ثيادة الرئيث”، سورية بانتظار خطوتكما المقبلة!