المقصود معروف: إنه وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد محمد جواد ظريف، الذي يُتحفنا -من حين لآخر- بتصريحاتٍ لا تدلّ إطلاقًا على أنه رجل ظريف، بل تؤكد افتقاره إلى أي ظرف، من أي نوع كان، وتُرغم سامعيه -وأنا منهم- على الكلام للفت نظره إلى هذه النقطة؛ لعلّه يبدأ بقول أشياء لا تثير اشمئزاز من يخاطبهم من العرب، أو يتصدّى لهم في المجال الدولي، بطريقته التي تشبه ما كان يفعله المصارعون، في إحدى مناطق الريف السوري، حينما كانوا يغلبون، إذ يبادرون إلى رفع إحدى ساقيهم، ووضعها على جسم الذي غلبهم ويربض فوقهم، قبل أن يقولوا له: “قوم بقا عنّي، ما شايف إني غلبتك؟!”.
قال ظريف، في آخر تصريحاته، غير الظريفة على الإطلاق: إن إيران لا تتدخل في شؤون العرب، وإنها تريد بناء قوة مشتركة معهم، لحمايتهم من “الأعداء”، وليس لديها مطامع في بلدانهم، وتريد الدفاع عنهم حبًّا بهم، ولوجه الله تعالى.
على من تتلو مزاميرك يا ظريف؟! هل تعتقد حقًا أن العرب بُلهاء إلى الحد الذي يتنكرون فيه لأعينهم التي ترى تدخّل بلادك بالقوة العسكرية والعنف المذهبي في بلدانهم وشؤونهم؛ ولآذانهم التي تصخب فيها تصريحات جماعتك من قادة “الحرس الثوري” الذين يتباهون، جهارًا نهارًا، بصورة يومية، بأن لهم مئة ألف مقاتل في سورية ومثلهم في العراق، وبأن المئات من جنرالاتهم وجنودهم قُتلوا في معارك قادوها، واستهدفت طوال عشرة أعوام ونيف الشعبَ السوري، في أكثر مناطق عيشه بعدًا عن ساحات السياسة والحرب؟ وهل تُنكر أن لبنان محتلٌّ، من أقصاه إلى أدناه، بفصيل من الحرس الثوري تسمونه “حزب الله”، أطلق من القذائف على الشعب السوري ما يعادل ألف ألف ضعف ما أطلقه منها على “العدو” الإسرائيلي، وبدلًا من إنجاز ما وعد به، من تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والقرى اللبنانية السبعة المحتلة، احتلّ مناطق واسعة في سورية، بعدما “حرّرها” من شعبها وطرده من دياره إلى منافي يعاني فيها سكرات الموت جوعًا ومرضًا وبردًا، قنصًا وقصفًا، في واحدةٍ من أكثر أشكال الغزو والتدخل “الأخوي” فظاعةً وفتكًا، التي تعرّض لها طوال تاريخ منطقتنا!
منذ عام 1982، عندما أعلن الخميني تصميمه على تصدير الثورة، يتعرّض الوطن العربي، في مشرقه وخليجه، لغزو عسكري/ مذهبي إيراني، يتستر تارة بالصراع بين إيمانكم وكُفر بقية المسلمين، وطورًا بتحرير فلسطين، الذي قرّر برلمانكم أنه يجب أن يتم خلال الأعوام العشرين القادمة، وهي مدة طويلة جدًا، بالمقارنة مع ما قرّره أحد جنرالات حرسكم الثوري لتحريرها، إذ قال إن تحريرها لن يستغرق أكثر من سبعة دقائق ونصف الدقيقة! ثم صحح له جنرال آخر بقوله: إن فترة التحرير لن تتخطى الدقائق الخمس، وها هي قواتكم تقاتل في كلّ أرض عربية، وتدمّر مجتمعاتنا بلا رحمة: من العراق إلى سورية ولبنان واليمن، وتهدد بقية الدول والمجتمعات المجاورة، بينما يقصفكم “العدو” الصهيوني، بجميع أنواع الصواريخ والقنابل، ويدمّر مواقعكم السورية واحدًا بعد الآخر، دون أن تُطلقوا، طوال أكثر من عامين من “التحرير”، غير قذيفة واحدة يتيمة عليه، تقصّدتم أن تنفجر في أحد وديان جبل الشيخ، كي لا تقتل أحدًا من مستوطني الجولان المحتل، فتواجهون عندئذ العواقب الوخيمة التي كانت ستحلّ بكم، لو أنكم استهدفتم إحدى المستوطنات التي يربو عددها على ثلاثين مستوطنة، لكن جنرالاتكم لم يروها، لذلك أمروا بقصف “تحريري” لمنطقة خالية من المستوطنين!
لا تستخفّ بعقولنا، أو بعقول الإيرانيين الذين يهتفون في شوارعكم: “لا غزة ولا لبنان، روحي فدا لإيران”. ألا تسمعهم، سيد ظريف؟! إنهم مواطنوك الذين يذكرونك بأنّ أولويتك يجب أن تكون لهم، وأن عليك إقامة توازن، ما بين غزواتك الخارجية للعرب وبينهم، كشعبٍ يعاني الأمرَّين في كلّ جوانب حياته، ومع ذلك وضعته سياسات نظامك في مرتبة ثانوية، بينما تضع احتلال وغزو البلدان العربية المجاورة في رأس أولوياتها، على حساب لقمة الشعب وكرامته!
إذا أردت حقًّا أن تقيم كتلة قوية تجمع بين إيران والعرب، فالطريق إلى ذلك يقترحه الشعب الإيراني: قصر سياساتكم على داخلكم الوطني، وترك العرب بحالهم؛ لأن ذلك سيخدم شعوبهم التي تحرمُها نظمها من حقّها في المشاركة السياسية، وفي ثروات وطنها، وتكتم أنفاسها بذريعة درء خطركم عليها وعلى أوطانها، وتسوّغ، بما تفعلونه في العراق وسورية ولبنان واليمن، تبعيتها لواشنطن، وارتهانها لها، وتعاونها معها ضد مواطنيها ومجتمعاتها، ودورها في الحرب الكلامية التي تتبادلون فيها جميع أنواع التهديدات، في حين تطلق واشنطن يدكم في جواركم العربي، بعد أن سلّمتكم بعض بلدانه، وتتفرج عليكم بارتياح، وأنتم تغزونها وتعيدون تركيبها بما يتناسب ومشروعكم القومي المغطى بقش طائفي متهتك، لا يفعل أعداء العرب ما يحدّ منه أو يكبحه، لأنهم هم الذين خططوا لدوركم في حقبة ما بعد السوفييت، وكسر العرب، ويرحبون بما حققتموه من إنجازات ضدهم، هي مصلحة أميركية بقدر ما هي مصلحة إيرانية!
أخيرًا، هل يُعقل، سيّد ظريف، أنك لا تعي، أو لم تلاحظ بعد، عِظم الخدمات التي تقدمونها لمن تدّعون محاربته من النظم العربية، ومقدار الضرر الذي تلحقونه بشعوبٍ تدّعون الوقوف إلى جانبها؟
معلّم ظريف، هل تقبل رجائي بأن تُقلع عن تظارفك، لأنه يُحرج جماعتك، ويثير اشمئزاز سامعيك من العرب!