مقدمة
بدأت التخمينات بخصوص هوية الرئيس الإيراني المقبل بعد حسن روحاني، منذ أن تحدث المرشد الأعلى الإيراني في 22 أيار/ مايو 2019 عن رغبته في مجيء ما سماه بحكومة “حزب الله الثورية الشابة”، على الرغم من أن هناك بضعة أشهر تفصلنا عن بدء الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2021.

منذ ذلك اليوم، ذهب طيف من الإصلاحيين إلى الحديث بأن الحكومة المقبلة التي يتطلع إليها خامنئي ستكون من تيار المحافظين أو الأصوليين الشباب، وبخاصة بعد رفض ترشح أغلب مرشحيهم لمجلس النواب الحادي عشر من جانب مجلس صيانة الدستور، في حين ذهب عددٌ من الأصوليين إلى الحديث عن أن إحدى الصفات التي يمكن إضافتها إلى الرئيس الثوري الشاب، أن يكون رئيسًا عسكريًا، أو يمتلك مرجعية عسكرية على الأقل.

وفي الحقيقة رغبة العسكر في إيران (الحرس الثوري الإيراني) في الاستيلاء على مؤسسات السلطة الأساسية والمهمة ليست وليدة اللحظة، فهي تمتد ثلاثين عامًا. أحد التصورات التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني وجود عدد من شخصياته العسكرية في مجلس النواب أو تسلّق أحد قادته العسكرين سدة الحكم، ما سيساعده في حل مشكلاته بصورة أفضل، فضلًا عن حصوله على الدعمين الاقتصادي والسياسي اللامحدودين، مع هيمنته الآن على مقاعد مجلس النواب الحادي عشر أغلبها، وسعيه الممتد سنوات لوصول أحد قادته العسكريين إلى سدة الحكم في إيران.

لذلك تبدو فكرة وصول أحد القادة العسكريين أو الشخصيات ذات المرجعية العسكرية إلى مقعد رئاسة الجمهورية (رأس السلطة التنفيذية في إيران) جذابة بالنسبة إلى الحرس الثوري الإيراني ومناصريه، وبخاصة بعد هيمنة هذه القوة الأمنية والاقتصادية الكبرى على مقاعد مجلس النواب الحادي عشر أغلبها.

من هم المرشحون العسكريون (أو ذوو المرجعيات العسكرية) لمنصب رئاسة الجمهورية في إيران؟

في 25 حزيران/ يونيو 2020، نشر موقع تابناك الإيراني قائمة تضم ١٠ مرشحين أصوليين محتملين لرئاسة الجمهورية، ستة مرشحين منهم تسلموا مناصب في الحرس الثوري وقوات الباسيج وهم:

  • – محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس النواب الحالي، وقائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني سابقًا
  • – علي لاريجاني، رئيس مجلس النواب الإيراني سابقًا (مدة 12 عامًا الأخيرة)، ومستشار خامنئي وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، ونائب رئيس هيئة الأركان العامة في الحرس الثوري منذ عام 1982 حتى عام 1992.
  • – اللواء محسن رضايي، أول قائد لوحدة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، والقائد العام للحرس الثوري سنوات عدة، والأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام عام 2007.
  • – برويز فتاح، رئيس مؤسسة مستضعفان منذ 22 تموز/ يوليو 2019، والرئيس السابق للجنة إغاثة الخميني، والمدير التنفيذي السابق للمؤسسة التعاونية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
  • – مهرداد بذر باش، رئيس ديوان المحاسبات في مجلس النواب الحادي عشر، ونائب رئيس المؤسسة التعاونية للحرس الثوري الإيراني.
  • – عزت الله ضرغامي، الرئيس السابق لمصانع حسن باقري التابعة للحرس الثوري (المختصة بإنتاج صواريخ فجر)، والرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون.

أضيفت في ما بعد شخصيات أخرى إلى قائمة مرشحي الحرس الثوري الإيراني للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021 وهي:

  • – سعيد محمد، أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني منذ عام 1987، تسلم مناصب إدارية وتنفيذية عدة في المؤسسة التعاونية للحرس الثوري، وهو الرئيس الحالي لمقر خاتم الأنبياء.
  • – العميد حسين دهقان الذي تولى مناصب عدة في الحرس الثوري، كقائد لقوات الحرس في سوريا ولبنان عام 1983، وقائد قاعدة ثأر الله، والقائد العام للقوات الجوية في الحرس الثوري عام 1990، ووزير الدفاع الإيراني السابق عام 2013، والمستشار الحالي للمرشد الإيراني للشؤون العسكرية.

إضافة إلى هؤلاء المرشحين العسكريين، يوجد عدد من الشخصيات الأصولية التي يمكن أن تحظى بدعم الحرس الثوري الإيراني، كما تحدث عدد من وسائل الإعلام الإيرانية، ومنهم:

  • – سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، ومسؤول ملف المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني ما بين 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2007 و5 أيلول/ سبتمبر 2013
  • – محمد قمي، رئيس منظمة الدعايات والإعلانات الإسلامية، وعلي نيكزاد، وأمير حسين قاضي زاده، نائب رئيس مجلس النواب الإيراني، محمد مخبر، رئيس هيئة تنفيذ أوامر الإمام، وعلي رضا زاكاني، رئيس مركز أبحاث مجلس النواب الإيراني.

توجد بعض الشخصيات ذات المرجعية العسكرية ممن عملوا سنوات مع جناح المعتدلين والإصلاحيين، يمكن أن تكون من المرشحين المحتلمين الذين يمكن أن يدعمهم الحرس الثوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومن بينهم يمكن الإشارة إلى محسن مهر علي زاده، أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني وقادته في مدينة مراغة في محافظة أذربيجان الشرقية من عام 1979 إلى عام 1984، ومحافظ أصفهان في حكومة روحاني الحالية.

إن هذه القائمة الطويلة من الشخصيات العسكرية أو ذات المرجعية العسكرية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في إيران تزيد من احتمال وصول أحد العسكر إلى سدة الحكم، الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة في المستوى الداخلي والسياسة الخارجية الإيرانية في الوقت ذاته.

ما إشكالات وصول العسكر إلى سدة الحكم في إيران؟

في السنوات الماضية لم يُغفِل الحرس الثوري الإيراني نقطة مهمة، وهي إيصال قادته العسكريين إلى المناصب السياسية الحساسة، وبخاصة بعد هيمنة هذه القوات على الواجهة الأمنية والعسكرية في إيران، وعمد بتشكيل الهيئة السياسية للحرس الثوري الإيراني -أحد أهم الهيئات في هذه القوات- إلى إيصال عدد من قادته المنتمين إلى هذه الهيئة إلى المناصب السياسية المهمة في البلاد.

وبالفعل أدّت هذه الهيئة السياسية دورًا مهمًا في تأمين القوات السياسية الداعمة لتوجهات الحرس الثوري، ومن بينهم يمكن الإشارة إلى حسين شريعتمداري، مسؤول صحيفة كيهان، وعلي لاريجاني رئيس مجلس النواب الإيراني السابق، وعزت الله ضرغامي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وعدد من القادة العسكريين الذين تركوا قواعدهم العسكرية للدخول في غمار الساحة السياسية.

النقطة الجديرة بالملاحظة، في ملفات تلك الشخصيات العسكرية المرشحة لرئاسة الجمهورية، هي نشاطها السياسي الممتد سنوات الذي طغى على صور رتبهم العسكرية، وهذا الأمر ساعدهم كثيرًا في تشكيل صورة عن مرجعياتهم العسكرية أمام الرأي العام الإيراني. وعلى الرغم من وجود قائمة طويلة من العسكريين المتأهبين لخوض السباق الرئاسي في إيران، هناك عدد من الإشكالات والعقبات التي تقف في طريق وصول العسكر إلى سدة الحكم في إيران.

أولًا: التاريخ الحافل بالخسارات المتتالية والمتكررة للمرشحين العسكريين

لعل الإشكالية والعقبة الكبرى التي تقف في طريق وصول العسكر إلى سدة الحكم، هي حالات الفشل المتتالية والمتكررة التي واجهت العسكريين الإيرانيين الذين تقدموا للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في إيران في العقود الماضية.

لم يستطع أي قائد عسكري في الحرس الثوري الإيراني الوصول إلى منصب رئيس السلطة التنفيذية في إيران منذ عام 1979 وحتى اليوم، على الرغم من هيمنة قادة هذه المؤسسة العسكرية والاقتصادية والأمنية الكبرى على عدد من المناصب الحساسة والمفصلية في إيران.

صحيح أن الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، شارك في الحرب العراقية الإيرانية وكان أحد أعضاء الحرس الثوري في حينها، لكنه من وجه نظر قادة الحرس الثوري الإيراني كان عضوًا في المليشيات التي شاركت في هذه الحرب فحسب، فضلًا عن أنه لا يعد من قادة الحرس المتوسطين أو الرفيعين، ولم يرتدِ الزي العسكري الرسمي لهذه القوات أبدًا.

وفي ما يبدو، شكلت هذه العقبة عقدةً وهاجسًا كبيرًا لدى الحرس الثوري، دفعته إلى تقديم قائمة طويلة من قادته العسكريين، لإيصال أحد الشخصيات ذات المرجعية العسكرية التي يدعمها للترشح إلى منصب الرئاسة الإيرانية.

الجدول الآتي لبعض المرشحين العسكريين المحتملين للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، ممن فشلوا في عدد من الدورات الرئاسية الماضية

إن الخسارات المتكررة والمتتالية لهذه الشخصيات العسكرية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في الدورات الرئاسية الإيرانية الماضية، شكلت اعتقادًا لدى المرشحين العسكريين الإيرانيين أغلبهم أن الناخبين الإيرانيين قلقون من رئيس عسكري، وهذه المخاوف ازدادت لدى شرائح المجتمع الإيراني كافة بعد الدور المحوري الذي أداه قادة الحرس الثوري الإيراني في عمليات القمع الممنهجة والدموية لانتفاضات الشعب الإيراني الممتدة من انتفاضة عام 2017 حتى انتفاضة تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 (انتفاضة البنزين).

ثانيًا: صعود حظوظ الإصلاحيين مع وصول بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة

شكل فوز بايدن -نائب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما- في معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة فرصة سانحة لإيران للخروج من عنق زجاجة سياسة الضغط الأميركية القصوى التي كان يتبعها ترامب ضد إيران، ووجهت ضربات قاسية للاقتصاد الإيراني، وخفضت تخفيضًا غير مسبوق من معدل صادرات النفط الإيرانية، وقيمة العملة الوطنية الإيرانية.

في الحقيقة إن عامل الانتخابات الرئاسية الأميركية سيكون له انعكاسات سلبية مؤثرة في احتمال وصول رئيس عسكري إلى سدة الحكم في إيران، ففي حالة انتخاب ترامب مجددًا، كان النظام الإيراني سيتجه نحو الانكماش (مجلس نواب عسكري ورئيس عسكري)، للمحافظة على حكومة موحدة متماسكة (خالية من الانشقاقات) في ظل ما يواجهه من عقوبات أميركية مشددة نتجت منها أزمات مستعصية على الصعيد الداخلي والإقليمي، لكن مع مجيء شخصية مثل بايدن يعرفها الإيرانيون جيدًا وكانت قريبة من المفاوضات الأميركية الإيرانية والاتفاق النووي، سيحتاج النظام الإيراني اليوم إلى رئيس يمتلك خبرة في المجال السياسي والدبلوماسي، كمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الحالي الذي تحدث في إحدى مقابلاته التلفزيونية عن علاقة صداقةٍ قديمة ومتينة تربطه بجو بايدن.

صحيح أن بايدن سيزيد حظوظ الإصلاحيين في الوصول مجددًا إلى كرسي الرئاسة في إيران، لكن العقبة الرئيسة أمام الإصلاحيين هي مجلس صيانة الدستور الذي قد يستبعد مرشحيهم الرئاسيين أغلبهم، فاتحًا الباب واسعًا أمام المرشحين العسكريين أو الأصوليين المدعومين من الحرس الثوري فقط، كما فعل في الانتخابات النيابية الحادية عشرة التي شهدت أدنى نسبة مشاركة في العقود الأربعة التي تلت انتصار الثورة في إيران.

إن التراجع الحاد في نسبة المشاركة في الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات النيابية الحادية عشرة، قد يعني أن الناخبين في الانتخابات الرئاسية المقبلة أغلبهم سيكونون من الإيرانيين الموالين للنظام والمهتمين بالمؤسسات العسكرية، ما سيسهل عمل الحرس الثوري الإيراني والشخصيات العسكرية ومساعيهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة مشاركة أكبر مقارنة بالماضي، ومن ثم تحقيق هدفهم في الوصول إلى سدة الحكم في إيران.

لكن إن استطاع أحد المرشحين الإصلاحيين النفوذ من عملية الفلترة التي يعمل عليها مجلس صيانة الدستور، ستذهب آمال الحرس الثوري في الوصول إلى رأس السلطة التنفيذية في مهب الرياح، ما لم تجمع هذه القوة الاقتصادية والأمنية والعسكرية الكبرى على البدء باستثمار انتخابي ضخم وواسع النطاق لدعم مرشح قوي يمتلك حظوظًا أكبر بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ثالثًا: مرشحون عسكريون غير موثوق فيهم

بالنسبة إلى الحرس الثوري الإيراني، فإن وجود تاريخ وسجل عسكري لدى المرشحين المحتملين كلهم، لا يعني الوثوق فيهم أو الاعتماد عليهم اعتمادًا مطلقًا. فعلى سبيل المثال، علي لاريجاني، أحد المرشحين العسكريين المحتملين، يمتلك سجلًا عسكريًا، وعلى علاقة جيدة بقادة الحرس الثوري أغلبهم، لكنه في المجال السياسي يمتلك حلقته الخاصة به، وله علاقات جيدة مع فريق روحاني، ويمتلك هو وفريقه خلافات سياسية عميقة مع بعض التيارات الموالية للحرس الثوري.

وبعض الشخصيات العسكرية حديثة الظهور، مثل حسين دهقان تمتلك مشكلات أخرى، كتاريخها وسجلها في العمل مع حكومة محمد خاتمي الإصلاحية، وسعيها الدؤوب للظهور بوصفها شخصية معتدلة من الناحية السياسية، فضلًا عن الشكوك التي تدور حول دهقان ومدى قدرته على حشد الناخبين وتشكيل كادره الخاص.

من ناحية أخرى، هناك حالة من عدم الثقة ومخاوف عدة تدور حول شخصيات عسكرية مثل عزت الله ضرغامي، وبرويز فتاح. عزت الله ضرغامي شخصية سياسية قليلة الخبرة وتمتلك علاقة جيدة مع تيار محمود أحمدي نجاد، إضافة إلى عدم امتلاكه شعبية كبيرة أمام الرأي العام الإيراني، بسبب عمله في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني سنوات. أما عن برويز فتاح فقد بدأت المخاوف تدور بشأنه منذ أن أقدم على فتح قضايا فساد تتعلق ببعض الشخصيات المحسوبة على التيار الأصولي.

خاتمة:

تدرك قوات الحرس الثوري الإيراني أن ترشح قادتها العسكريين السابقين أو وصول أحدهم إلى رئاسة الجمهورية سيكون في خدمتها، لكن هذا الأمر لا يعني أبدًا سيطرة هذه القوات على مفاصل السلطة التنفيذية كلها في إيران سيطرة مطلقة.

لذلك، في ظل التكهنات الانتخابية، هناك عدد من المرشحين العسكريين أو ذوي المرجعيات العسكرية من المحسوبين على الحرس الثوري الإيراني، لكن ليس من المؤكد أن يكون هذا المرشح أحد قادة الحرس الثوري المعروفين.
وانطلاقًا من ذلك سيكون جدول أعمال الحرس الثوري الإيراني للانتخابات المقبلة هو العثور على مرشحه الرئيس الذي يمكنه تحقيق تطلعات هذه القوة، ومنافسة الإصلاحيين في حال عبور أحد مرشحيهم من قنوات مجلس صيانة الدستور.

بطبيعة الحال، فإن العثور على هذا المرشح الرئيس، لا يمكن أن يقتصر على القائمة الطويلة من الشخصيات العسكرية أو قادة الحرس الثوري، ومن الممكن في ظل هذه المتغيرات أن يسعى الحرس الثوري إلى تشكيل حكومة عسكرية بدلًا من بحثه عن رئيس عسكري. فوجود حكومة عسكرية يرأسها رئيس غير عسكري، تخضع لسيطرة الحرس الثوري خضوعًا كاملًا، ويمكن من خلالها جلب قادته العسكريين إلى صفوفها، قد تكون فكرة جذابة وفاعلة أكثر بالنسبة إلى الحرس الثوري الإيراني.