المحتويات
مقدمة
البدايات
دور المؤسسة الأمنية والجيش
دور المؤسسة الدينية ورجال الدين
القسم الأول
القسم الثاني
دور مؤسسات الدولة الأخرى الاقتصادية والإعلامية والتربوية والتعليمية
خاتمة
مقدمة
خمسون عجاف مرت على الشعب السوري مكبل اليدين، معصوب العينين، أصم الأذنين، مقطوع اللسان يتحكم فيه وفي مقدراته ومصيره مجموعة صغيرة همها البقاء على رأس السلطة بأي ثمن، وقد نجحوا في ذلك حتى الآن، هذه المرحلة السوداء من تاريخ سورية وشعبها وهذه السيطرة المطبقة على سورية الوطن والشعب لم تكن وليدة مصادفة، بل نتيجة تخطيط محكم أصبح من خلاله الشعب السوري مسلوب الإرادة يسهل التحكم فيه وفي مصيره، ولعل كثيرًا من السوريين على مختلف مشاربهم وكثيرًا من المتتبعين للشأن السوري يتساءلون من أوصل سورية إلى هذه الحالة؟ وما هي الأدوات التي استخدمها حافظ الأسد للسيطرة على المجتمع السوري والدولة السورية؟ وكيف استطاع فرد واحد تسخير سورية بالكامل لمصالحه الخاصة ومصالح عائلته؟ وفي هذه الدراسة سأجيب عن هذه التساؤلات بالتفصيل معتمدًا على حقائق أصبحت جلية للعالم كله، ومن أهم هذه الحقائق عدّ سورية مثالًا صارخًا للاستبداد ومرجعًا أساسيًا للدكتاتوريات في دول العالم الثالث، بل يمكن القول إن حافظ الأسد سجل اسمه في التاريخ الحديث بوصفه مؤسسًا لمدرسة نموذجية من نوعها، باختراع منهج فريد ابتكر من خلاله طرائق وأساليب للسيطرة على الشعوب، فالنموذج الأسدي استطاع التحكم في سورية وسوقها إلى حيث يريد في خلال خمس عقود من الزمن، وبرع في التحكم بالشعب السوري بأكمله عبر طرائق مدروسة بعناية فائقة استخدم من خلالها مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية لتنفيذ مخططه، ونجح في ذلك إلى حد بعيد إلى أن قامت الثورة على وارثه في السلطة، وهنا سأفند بالتفصيل الأساليب والطرائق التي استخدمها الأسد للوصول إلى أهدافه، وسأتطرق في البداية إلى البذور الأولى التي نثرها الأسد في المؤسسات الرسمية والمجتمع السوري وصولًا إلى تحكمه في مفاصل الدولة والمجتمع بأدوات عدة، سأبحث في أداتين أساسيتين كان لهما التأثير الأكبر في نجاح الأسد في مهمته وهما: الجيش والأمن، والمرجعيات الدينية في دمشق وحلب، إضافة إلى الأدوات الأخرى التي ساعدت الأسد نسبيًا في سيطرته على الدولة السورية والمواطن السوري.
البدايات
منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في 8 آذار/ مارس 1963 وعودة الرائد حافظ الأسد إلى صفوف الجيش السوري وترفيعه إلى رتبة لواء من دون المرور بثلاث رتب يفترض أن يمر بها كل من يريد الوصول إلى هذه الرتبة الكبيرة، بدأ اللواء حافظ الأسد مخططاته للسيطرة على سورية وكان تركيزه في البداية منصبًا على المؤسسة العسكرية والأمنية من ناحية ومن ناحية أخرى على إحداث تغيير ديموغرافي حقيقي في العاصمة دمشق وضواحيها، وساعده كثيرًا في مخططه تكليفه من صلاح جديد بمنصب قائد القوى الجوية والدفاع الجوي، إضافة إلى مهمة توسيع شبكة مؤيدي أنصار حزب البعث في القوات المسلحة، كان حافظ الأسد أذكى من صلاح جديد ومحمد عمران من ناحية التصريح العلني بالطائفية، وكان أشد منهم طائفية، يمارس طائفيته أفعالًا لتكون الدرع الذي سيحتمي به في المستقبل، إذ بدأ يحث شباب الطائفة العلوية على التطوع في الجيش ضباطًا وصف ضباط وأفرادًا للسيطرة عليه وقُبلَت آنذاك أعداد كبيرة منهم في الكلية الحربية، ولم يكتفِ الأسد بذلك بل عمل على رفد أجهزة المخابرات السورية بعدد كبير من الضباط وصف الضباط والأفراد من الطائفة العلوية وبلغت نسبتهم في هذه الأجهزة في 2011 أكثر من 90%، وعمل حافظ الأسد منذ تسلمه السلطة رسميًا في سورية على تشجيع هجرة أبناء قرى الساحل إلى مدينة دمشق وضواحيها لإحداث التغيير الديموغرافي هناك، وباتت دمشق منذ عام 1980 محاطة بطوق بشري استخدمه على أكمل وجه وارثه في السلطة بشار الأسد لقتل الشعب السوري الثائر، وبعد خروجه سالمًا من أحداث الإخوان المسلمين تنبه الأسد الأب إلى ضرورة الاهتمام بالمؤسسة الدينية ورجال الدين ولهذا بدأ باستقطاب مشايخ دمشق وحلب وكوّن منهم درعًا دينيًا واستخدمهم أداة طيعة للتقرب من الشعب السوري والسيطرة عليه، ولم يغفل الأسد عن الاهتمام بكثير من مفاصل الدولة الأخرى كالاقتصاد والتربية والتعليم ومناحي أخرى ساعدته في السيطرة على الحكم بكل تفاصيله درجة إلصاق اسم سورية بالأسد فأصبحت سورية الأسد.
دور المؤسسة الأمنية والجيش
يعد الجيش والقوات المسلحة في أي دولة من العالم الثالث البوابة الرئيسية للسيطرة على الشعب وهذا ما تنبه إليه حافظ الأسد منذ تعيينه قائدًا للقوى الجوية والدفاع الجوي إذ هندسَ الجيش تنظيميًا بالتعاون مع رفيق دربه صلاح جديد قبل أن يغدر به بما يتلاءم مع مخططه في السيطرة على المؤسسة العسكرية باختبائه وراء الطائفة العلوية وتبنيه لشبابها وإدخالهم الجيش والأمن لاستخدامهم دروعًا بشرية أمام من تسول له نفسه محاولة إزاحته عن السلطة، ونجح في ذلك نجاحًا منقطع النظير وأصبحت الطائفة العلوية ورجالها أداة شكلت خط الدفاع الأول عن الأسد الأب والابن وأصبحت نسبة الضباط من الطائفة العلوية في الجيش في 2011 تتجاوز 80% من التعداد العام للضباط، وأصبح تعيين قادة التشكيلات والوحدات والقطعات يخضع للمحاصصة الطائفية المدروسة، وإذا أردنا أن نوضح ذلك لا بد من التطرق إلى البنية التنظيمية للفرقة أو اللواء في الجيش السوري التي تتكون من قيادات عدة هي: قائد الفرقة/ اللواء، ونائب قائد الفرقة/ اللواء، ورئيس أركان الفرقة/اللواء، وضابط أمن الفرقة/ اللواء، هذه المناصب يجب أن يشغل واحدًا منها حتمًا ضابط من الطائفة العلوية وفي كثير من الأحيان يشغل هؤلاء منصبين اثنين أحدهما ضابط الأمن والباقي يُسند إلى ضابط من باقي مكونات الشعب السوري، وهذا يجعل قرارات هذه التشكيلات مراقبة ومتحكمًا فيها بدقة تحت السيطرة التامة، وهذا يفسر عدم انشقاق تشكيلات أو قطعات أو وحدات كاملة عن الجيش السوري في أثناء الثورة السورية، عمد حافظ الأسد منذ البداية إلى السيطرة على المفاصل الرئيسية في الجيش السوري ومن أهمها سلاح الجو وسلاح الدفاع الجوي، وحرص على تسليم قيادة القوى الجوية والدفاع الجوي إلى الضباط المقربين جدًا إليه، وعمد إلى إبعاد كثير من الطيارين بل تصفية كثير منهم في مهمات قتالية غير متكافئة كما حدث في حرب لبنان 1982، حين خسر سلاح الطيران السوري (98) طائرة حربية في يوم واحد في معركة غير متكافئة، وكان يقود هذه الطائرات خيرة طياري سلاح الجو السوري من مختلف الطوائف باستثناء الطائفة العلوية، وباتت القواعد الجوية السورية تحت سيطرة مطبقة من المقربين إلى الأسد الأب ومن بعده الابن، وكلف الأسد الأب منذ تسلمه السلطة محمد الخولي -أحد أهم المقربين إليه ورفيق دربه وأحد أعمدة الحكم الأسدي- بتأسيس جهاز مخابرات خاص بهذا السلاح أطلق عليه (إدارة المخابرات الجوية)، وعين علي مملوك نائبًا له ثم نقله في ما بعد إلى إدارة أمن الدولة، وتعاقب على الجهاز كل من إبراهيم حويجه وعز الدين إسماعيل ومن ثم عبد الفتاح قدسيا الذي عين في ما بعد رئيسًا لشعبة الأمن العسكري وخلفه جميل الحسن وأخيرًا غسان إسماعيل، هؤلاء جميعًا من الطائفة العلوية، ولم يتسلم أي ضابط من باقي الطوائف أي منصب في قيادة هذا الجهاز، وهذا يفسر الأهمية الخاصة للطائفة العلوية في المنظومة التي يتحصن بها الأسد وعائلته، حمل جهاز المخابرات الجوية على عاتقه أخطر العمليات الأمنية الخارجية والداخلية وكان الذراع الضاربة والطويلة لحافظ الأسد ووارثه في تخطيط خطف المعارضين له وتنفيذه أو اغتيالهم خارج سورية ومهمات خطف الطائرات المدنية، وعلى الرغم من تسميتها شاركت إدارة المخابرات الجوية بشكل رئيسي في قضايا أخرى غير الاستخبارات الجوية وتدخلت في كل مفاصل الدولة والمجتمع، وقد شاركت بدور نشط في قمع الإخوان المسلمين في الثمانينيات، وظهر الدور الإجرامي لهذا الجهاز جليًا منذ بداية الثورة السورية إذ لم يسلم من بطشه ناشطو الثورة وكل من خرج على الأسد بل كانت معتقلات هذا الجهاز -وبخاصة فرع التحقيق الموجود في مطار المزة وفرع المنطقة الموجود قرب حرستا- مسالخ بشرية يُقتل فيها الإنسان لأتفه الأسباب بعد أن يتلذذ سجانوه بتعذيبه بطرائق جهنمية، كثير منها يستحق شهادة براءة اختراع.
أما الجيش ومؤسساته ابتداءً من وزارة الدفاع إلى هيئة الأركان وباقي تشكيلات القوات المسلحة فقد أُسندت مهمات قيادتها إلى المقربين وأصحاب الولاء المطلق للأسد والأدوات الطيعة له كمصطفى طلاس في وزارة الدفاع وحكمت الشهابي في هيئة الأركان ومن بعده علي أصلان وغيرهم، وكان هؤلاء واجهات مسلوبة القرار ينفذون أوامر حافظ الأسد، وحرص الأسد على تشكيل وحدات رديفة للجيش تمثلت في سرايا الدفاع التي أسسها رفعت الأسد وأعيد تشكيلها لتسمى سرايا الصراع وليقودها عدنان الأسد ابن شقيق حافظ الأسد بعد خلاف الأخوين ورحيل رفعت عن سورية، وأسس علي حيدر القوات الخاصة، والفرقة الرابعة التي يقودها فعليًا ماهر الأسد، وشكّل الحرس الجمهوري وأُسندت مهمة قيادته كليًا إلى ضباط من الطائفة العلوية فقط، فضلًا عن قيادة الفيالق والفرق والألوية البرية التي سيطر على قيادة القوة الضاربة منها إبراهيم صافي وشفيق فياض وتوفيق جلول وعلي حبيب وغيرهم من رفاق الأسد الأب وأعمدة حكمه.
وللسيطرة الأمنية على الجيش طُوِّر المكتب الثاني 1969 وسُمّي الجسم الجديد شعبة الأمن العسكري التي قادها علي دوبا مدّة طويلة -وهو أحد أهم أعمدة النظام وأكثر المقربين إلى حافظ الأسد، بل يُعدّ رجل الظل له- وتناوب على قيادتها ضباط جميعهم من الطائفة العلوية ومنهم آصف شوكت صهر عائلة الأسد، وكانت مهمته متابعة التشكيلات العسكرية بكل مفاصلها وبخاصة الضباط، وبهذا جرى التحكم في الجيش السوري بقبضة فولاذية عسكريًا وأمنيًا، وهذا ما شاهدنا نتائجه في أثناء الثورة السورية، إذ تحول الجيش من الدفاع عن الوطن إلى الدفاع عن نظام حكم ومن حامٍ للشعب السوري إلى قاتل لهذا الشعب، وهذا يؤكد نجاح الأسد وزمرته الحاكمة في تسخير مقدرات الدولة -وعلى وجه الخصوص الجيش السوري- للدفاع عن كرسي حكمه، وكما هي باقي الأجهزة الأمنية السورية لم يقتصر عمل جهاز الأمن العسكري على الجيش فحسب، بل وصلت يده إلى كل مفاصل الدولة والمجتمع السوري قبل الثورة وفي أثنائها وكان له دور إجرامي رهيب في ترويع الشعب السوري، وكان لمعتقلاته التي أحدثها في فروعه المنتشرة في كافة محافظات القطر -وبخاصة الفرع (السرية 215) وفرع فلسطين- صدى أليم في ذاكرة السوريين وعقولهم.
أما باقي المؤسسات الأمنية تأتي في المرتبة التالية بعد جهازي المخابرات الجوية وشعبة الأمن العسكري على الرغم من أهميتها في ضبط الأمن الداخلي من كافة النواحي، فشعبة الأمن السياسي مكلفة بمراقبة الأحزاب السياسية وطلاب الجامعات والهيئات التعليمية والتدريسية في المدارس والمعاهد والجامعات، وإدارة أمن الدولة مهمتها مراقبة مؤسسات الدولة بمختلف مستوياتها، إضافة إلى مهمة ضبط الاختراقات الخارجية للبلاد وإدارة ملفات الجاسوسية، أما إدارة الأمن الجنائي فتعد ذراع الأسد الطويلة للتغلغل في المجتمع السوري بمختلف طبقاته وتنفيذ مهمات مراقبة السلوك الشخصي للشخصيات الوافدة إلى سورية وبخاصة العربية منها، وهذا يفسر العلاقة الغريبة والوثيقة بين الأسد الأب والابن ومعظم دول الخليج العربي، ويتابع الأمن الجنائي -وبخاصة فرع مدينة دمشق- الحياة الشخصية لكبار الشخصيات في الدولة من ضباط ووزراء ومسؤولين في الحزب وتوثيق حركاتهم وهفواتهم، بل في حال الضرورة تلفيق ما يمكن أن يدينهم أمام المجتمع لاستخدامه أدوات تهديد عندما يفكر أحد هؤلاء بالتغريد خارج بيت الطاعة.
ولعل أهم هذه الأجسام الأمنية وأكثرها ولاءً وسريةً ما عمد الأسد إلى تأسيسه، وهي شبكات تجسس مرتبطة به شخصيًا عبر شخصيات موثوقة جدًا ومن الدائرة الضيقة جدًا ولا علاقة لأجهزة الأمن بها، زرعها في مختلف مؤسسات الدولة وبخاصة المؤسسات الأمنية والجيش، هذه الشبكات لا تعرف بعضها، وعناصرها يمكن أن يكونوا ضابطًا برتبة صغيرة أو كبيرة أو حتى صف ضابط، زُرع هؤلاء في مختلف الفروع الأمنية وتشكيلات الجيش وقطعاته ووحداته ويقدمون تقارير دورية عما يجري في مكان وجودهم وتقارير فورية في حال حدوث أي طارئ.
دور المؤسسة الدينية ورجال الدين
منذ نجاحه في الاستيلاء على السلطة لعب حافظ الأسد على وتر الدين ولهذا استقطب رجال الدين والحركات الدينية المؤثرة في المجتمع لاستخدامهم لمصالحه ونجح في ذلك إلى حد بعيد، واستطاع (تدجين الدين) عبر الحركات الدينية ورجال الدين وأصبح هؤلاء أدوات في يد الأسد وأجهزته الأمنية، ولهذا أطّر الأسد الدين برجالاته ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية ولسهولة السيطرة عليها قسم العمل مع هؤلاء إلى قسمين:
القسم الأول
تمثل في المؤسسات الدينية غير الرسمية مثل (مدارس كفتارو ومجمع أبو النور وتنظيم القبيسيات ومعاهد الأسد لتحفيظ القرآن)، وهذا القسم رُبِط بمكتب خاص في القصر الجمهوري جرى التحكم من خلاله في هذه المؤسسات، ويترأسه مفتي الجمهورية أحمد كفتارو ومن بعده محمد سعيد رمضان البوطي، وخلق من هؤلاء نموذجًا محدثًا (موديرن) من الإسلام وجمع في هذه المؤسسات الشباب والشابات والسيدات السوريات ودجنهم درجة السيطرة حتى على حياتهم الشخصية، وحصن الأسد الأب هذه الأجسام بسياسة إبعاد أجهزة مخابراته عنها وحصر مسؤوليتها في مكتب القصر الجمهوري وحده، إذ أعطيت الأوامر لهذه الأجهزة بعدم التدخل في شؤون هذه المؤسسات، بل لا يستطيع أحد في هذه الأجهزة مهما علا شأنه استدعاء أي قيادي من هذه التنظيمات، ويقتصر دور أجهزة المخابرات على المراقبة ورفع تقارير دورية عن سير عملها، سيطر الأسد من خلال هذا المكتب على علماء الدين ونجح في تدجين كثيرين منهم بسياسة الترغيب والترهيب، وحصر اتصال هذا المكتب بهذه التنظيمات في شخص واحد وهو أحمد كفتارو أو رمضان البوطي، وفي بعض الأحيان في شخصيات نافذة في المجتمع من علماء الدين.
القسم الثاني
يتمثل في المؤسسات الرسمية في الدولة مثل وزارة الأوقاف ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي والمديريات التابعة لهذه الوزارات، ورُفدت المؤسسات الدينية الرسمية بعدد من أعضاء حزب البعث ورجال المخابرات من خلال المرسوم الذي أصدره حافظ الأسد سُمح فيه بدخول أعضاء حزب البعث إلى كلية الشريعة – جامعة دمشق من دون أي شروط، وهذا ساعد كثيرًا في السيطرة على منابر الخطابة الرسمية وتوجيهها بما يتلاءم مع سياسة الأسد أيضًا من خلال بعض ضعاف النفوس والمنتفعين والفاسدين الذين سلمهم منابر المساجد خصوصًا في دمشق وحلب، وربط هؤلاء بأجهزة المخابرات التي أعطتهم بعض الميزات مثل مهمة سيارة أو رخصة حمل سلاح فردي واستخدمتهم بذلك خير استخدام بما يتلاءم مع مصالح الأسد وعصاباته، واستطاع بهذا تدجين شرائح واسعة من المجتمع السوري وإقناعهم بسياسات الأسد بل تأييده والدفاع عنه، وساعد رجالات الدين الذين استخدمهم الأسد الأب والابن كأحمد حسون وغيره من المنتفعين في إظهار نظام الأسد حاميًا للدين المعتدل الذي يمثله أغلب الشعب السوري، حتى أن كثيرًا من رجال الذين انشقوا عن الأسد كانوا جاهزين ومحضرين بسرعة للارتماء في أحضان أول ضابط مخابرات قابلوه من الدول العربية والإقليمية والدولية، وكان لهذه المؤسسات دور كبير في السيطرة على عقول أغلب الشباب السوري المتمثل في طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، وأصبحت منابر هذه المدارس والجامعات لا تقل أهمية عن منابر تنظيمات حزب البعث كطلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة واتحاد الطلبة.
استطاع الأسد زرع الفتنة والفرقة بين مكونات الشعب السوري بسياسته الطائفية التي مزقت النسيج الاجتماعي السوري، ولم يقتصر أسلوب الأسد في السيطرة على المجتمع السوري على التوجيه الفكري الديني وغيره، بل عمل الأسد ومخابراته على التلويح بعصى التهديد والوعيد لترويع الشعب وبخاصة المثقفين منهم وزجهم في السجون بتهمة الإرهاب أو انتمائهم إلى تنظيم الإخوان المسلمين، خصوصًا بعد أحداث الثمانينيات وزرع الرعب في قلوب هؤلاء لإبعادهم عن العمل السياسي وحتى الاجتماعي الذي يمكن أن يشكل خطرًا على الأسد وحكمه.
بهذه الأساليب وغيرها لم يكن أمام أغلب المجتمع السوري سوى القبول بالأمر الواقع الذي فُرض عليهم خوفًا من بطش مخابرات الأسد واتبعوا طريق التدين الذي رُسم لهم، وأصبحت مقولة “الله يطفيها بنورو” وجملة “العين ما بتقاوم مخرز” جملًا دارجة في المجتمع للهرب من هذا الواقع المر، وما حدث في بداية الثورة السورية من اصطفافات أكدت نتائجنا عن استطاعة الأسد ومخابراته إيجاد طريق جديد للتدين في سورية امتزج مع العقيدة البعثية، فظهر رجال الدين كأنهم موجهون سياسيون في حزب البعث بل فاقوا هؤلاء إجرامًا بالتغطية على القتلة والمجرمين، بل تبرئة ساحتهم من المجازر التي ارتكبها الأسد وعصاباته والتدمير الممنهج للبلدات والقرى والمناطق الثائرة الذي عمل عليه جيش الأسد ومخابراته.
اعتمد نظام الأسد في سياسته مع باقي مكونات الشعب السوري ورجال دينهم الأسلوب نفسه بفوارق بسيطة تتلاءم مع عقيدة هذه الأديان والطوائف، وجرى التركيز كثيرًا على زرع الخوف في نفوس هذه الطوائف من الجماعات الإسلامية، وبخاصة في أثناء الثورة السورية وعملت أجهزة مخابرات الأسد على افتعال كثير من الأحداث ومنها التفجيرات في أحياء الأقليات من الشعب السوري لترويع هذه الطوائف وإجبارها على الالتفاف حول الأسد خوفًا من انتشار الفوضى وبطش الجماعات الإسلامية، معتقدين أن الأسد ونظامه هو المخلص الوحيد لهم، وعلى الرغم من النجاح الجزئي للأسد في مسعاه هذا؛ استوعب كثيرون من أبناء الطوائف السورية الخديعة وخرجوا على الأسد وانضموا إلى الثورة السورية.
وبهذا استطاع الأسد بحرفية تامة السيطرة على المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية في البلاد واستطاع بذلك السيطرة على رجال الدين وطلابهم ومريديهم وجزء كبير من الشعب السوري، وتخديرهم بأحاديث وآيات قرآنية جُيرت لخدمة الأسد ونظامه معتمدين على مقولة كارل ماركس في مقدمة كتابه أصول فلسفة الحق “الدين أفيون الشعوب” وهذا أيضًا عنوان لأهم مؤلفات المفكر والفيلسوف المصري عباس محمود العقاد.
دور مؤسسات الدولة الأخرى الاقتصادية والإعلامية والتربوية والتعليمية
لم يترك الأسد شيئًا للمصادفة، بل سخّر كل مفاصل الدولة والمجتمع لمصلحته ومصالح عائلته، ولم يقتصر ذلك على الجيش والأمن فقط بل امتدت يده إلى كافة مؤسسات الدولة الرسمية واستفاد منها بالحد الأقصى في نهب الشعب السوري وترويضه وتغييبه والتحكم في مقدراته، وفي المجال الاقتصادي سُلِّمت إدارة المؤسسات العامة المنتجة -كإدارة التبغ والتنباك والنفط والفوسفات وشبكات الهاتف النقال وغيرها- إلى الدائرة الضيقة من المقربين جدًا إلى الأسد مثل محمد دوبا مدير عام الشركة السورية للنفط، ومحمد مخلوف مدير مؤسسة التبغ والتنباك (الريجي) ومن ثم مدير عام المصرف العقاري، ورامي مخلوف مدير عام شركة سيرياتيل للاتصالات الخلوية، وحصر إنتاج هذه المؤسسات وفوائدها في أشخاص، وعلى الرغم من أنها تصنف بوصفها مؤسسات قطاع عام كان المستفيد الوحيد -من مئات ملايين الدولارات التي حصلتها- أرصدة الأسد وأرصدة رجالاته في البنوك العالمية، وعمدت مخابرات الأسد إلى تدجين تجار دمشق وحلب وربطهم بهذه الأجهزة من خلال منحهم بعض التسهيلات في أعمالهم ومشاركتهم في كافة أعمالهم التجارية، وعلى الرغم من الكوارث الاقتصادية التي مرت بها البلاد وأدت إلى انخفاض دخل الفرد إلى نسب غير مسبوقة في تاريخ سورية؛ كان هدف الأسد واضحًا للعيان وهو تجويع الشعب السوري وفق سياسته الاقتصادية ليرمي له الفتات بعد كل ضائقة اقتصادية، ليجبر الشعب على التسبيح بحمد القائد الملهم ومكرمة الرئيس الحكيم والمنقذ الوحيد للكوارث التي حلت بالبلاد والعباد من خلال استخدامه للبروباغندا الإعلامية التي برع في تنفيذها عبر وسائل إعلامه التي لم تتوقف يومًا عن تمجيده وتبجيله وإظهاره بطلًا وطنيًا وقوميًا مدافعًا عن حقوق المستضعفين حاميًا البلاد والعباد ومقاومًا شرسًا للمخططات الصهيونية في المنطقة، حتى أصبح كثير من المستفيدين من حكمه يرونه زعيمًا للأمة العربية، بل ذهب أحد أعضاء مجلس الشعب إلى أبعد من ذلك حين قال للأسد الابن جملة رددها وتندر بها السوريون كثيرًا “قليل عليك يا سيادة الرئيس حكم سورية والوطن العربي لازم تحكم العالم”، وكما هي باقي مؤسسات الدولة ركز الأسد على وزارة التربية ووجه إلى إدراج مناهج جديدة لكافة مراحل التعليم تخدم توجهه الخاص لإنشاء جيل يمكن التحكم فيه بسهولة، ولهذا أسس ما يسمى طلائع البعث ومنظمة اتحاد شبيبة الثورة، وأدرج مادة التربية العسكرية في المدارس، وأخضع طلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية لمعسكرات صيفية يفرز فيها الطلاب بحسب مستوى ولائهم للحزب والدولة، ليركز على المميزين منهم لاستقطابهم والسيطرة عليهم، ولم يكن التعليم العالي أقل أهمية في مخططات الأسد من باقي مؤسسات الدولة إذ حرص على تدجين طلبة الجامعات وفق رغباته ومن يرفض أو يتقاعس يستخدم معه أساليب كثيرة أقلها إيقاف التخرج بسبب إحدى المواد النظرية وغالبًا ما تكون هذه المادة هي (القومية) التي يدرِّسها الرفاق الحزبيون الموثوقون لدى أجهزة الأمن.
خاتمة
بهذا كله وبرضى وتواطؤ عربي ودولي استطاع الأسد قيادة سورية طوال عقود وسخر كل مقدراتها وإمكانات شعبها لمصالح عائلته درجة إلصاق اسمها باسم عائلته فأصبحت (سورية الأسد) واختصر سورية الوطن به وبعائلته ونجح في فرض أحد أبنائه خليفة له على الرغم من عدم امتلاكه الإمكانات الشخصية والقيادية التي كان يمتلكها والده، وعلى الرغم من بطشه وفاشيته وإجرامه بحق الشعب السوري استطاع السيطرة على مفاتيح التحكم فيه وبخاصة رجال الدين والتجار، واستطاع تفكيك المجتمع ابتداءً من العشيرة إلى العائلة بإبعاد رؤساء العشائر وكبار العائلات وخلق طبقة منتفعين من هذه العشائر والعائلات ومنحهم صلاحيات كبيرة في حل مشكلات الناس وأغرقهم بالفساد المالي والأخلاقي وبهذا غابت المعايير الاجتماعية والأخلاقية الحقيقية عن المجتمع واستُبدلت بها معايير المصلحة الفردية، ولهذا شاهدنا وقوف هؤلاء المنتفعين إلى جانب الأسد الابن في حربه على الشعب السوري بل دافعوا عنه دفاعًا مستميتًا لأنهم على قناعة تامة بأن سقوط الأسد يعني سقوطهم معه وعودتهم إلى مكانهم الطبيعي في المجتمع، وبذلك سيخسرون كل الميزات التي حصلوا عليها من الأسد ومخابراته، وبهذا لم يترك الأسد شيئًا للمصادفة وعمل من دون كلل أو ملل على دراسة المجتمع السوري ونقاط ضعفه واستطاع الولوج -بالترهيب تارة والترغيب أخرى- إلى هذه المفاصل ليستخدم معه سياسة القطيع ويسوقه إلى حيث يشاء وقد نجح في ذلك إلى أن وقع وارثه في عدد كبير من الأخطاء الكارثية أوصلت الشعب السوري إلى مرحلة الانفجار الكبير.
كل ماتفضلت به صحيح هذا بعد استلامه وزير دفاع بدأ باللعبة الطائفية ولكن استند في بداية عمله على غباء صلاح جديد وعبد الكريم الجندي والمير ولكن لانصاف هؤلاء لم يكن يفكروا بالطائفية بقدر ماكان تفكيرهم منصب على القضية الفلسطينية واخلاصهم لها بينما الاسد بخيانته ودنائته استطاع ارضاء اسرائيل من خلال بيعه للجوالان قبل استلامه وهذا دفع اسرائيل وبريطانيا وامريكا لمساعدته في استلام السلطة وتطويع اخيه وشلة من العلويين ليلتفوا حوله وقام بحركته الخيانة والغدر الحركة التصحيحية ومع ذلك المسؤلية بالدرجة الاولى والاخيرة تقع على عائق طلاس وشهابي والاحمر ومشارقة وغيرهم ممن التفوا مع نظام الاسد هم من ثبتوا حكم الاسد كما إن صمتنا على النظام لمدار 40 سنة ايضا ثبت حكمه اكثر
بارك الله بك اخي سيادة العميد ابو محمود وكخطوط عريضة استوفى الشرح وبالتفاصيل هناك قسم كبير قد اغفلته على سبيل المثال ان حافظ الاسد كان يتصل بكل ضابط استخبارات شخصيا ويملي عليه انه موضع ثقته وباب مكتبه مفتوح للضابط كل لحظة. هنا يشعر الضابط بالانتعاش وينفش ريشه ويتفادى بالتجسس ليتواصل مع حافظ
واضيف انه مدعوم من اللوبي الصهيوني واتفاق ببيع الجولان وتوطين الفلسطينيين بسوريا منذ عام 1973 وماحرب تشرين الا مسبحة يلوّح بها كما لوّح مع حزب الشيطان بالممانعه والمماتعة… كل ذلك لاكتساب درجة متقدمة في المحفل الماسوني وحصل عليها ولم يسبقه احد بالدرجة في سورية الا راتب الشلاح رئيس غرفة تجارة دمشق لأن آل الشلاح هو من اصل يهودي. ولاتنسى ان الاخوان المسلمين ساهموا بدعمه واعطوه ذريعة لبناء صرح مخابراتي كبير ومتين. حيث ان الطليعة المقاتلة كان عددها في كل سوريا لايتجاوزوا 150 مقاتل وكان بالامكان القبض عليهم. لان الكثير من قادة الاخوان اللذين كانوا مقيمين خارج القطر زودونا بمعلومات تفيد باسماء مقاتلي الطليعة وتواجدهم وتحركاتهم وانا شخصيا كنت ضابط صغير واوفدت والتقيت البعض منهم بالاردن وبالسعودية وفرنسا واستلمت منهم المعلومات بمغلفات يفتحها رئيس فرع حماه انذاك المقدم يحيى زيدان….. وكانت الكارثة بمجزة حماه وغياب الاعلام… فزرع الخوف في قلوب السوريين واصدر المرسوم 49/1982 القاضي بحكم الاعدام لكل من ينتسب او يتواصل مع الاخوان… فتشتت البشر الى ان صار الابن يُخبر عن اباه واخاه والعكس.
وهناك الكثير الكثير… الى ان جعل من سورية مزرعة حيوانات يمتلكلها آل الاسد… ونحن كشعب منافق دجال والخوف يقطع الجوف تعودنا الانبطاح بدون كلسون وصرنا نتسابق لاهثين لنجند انفسنا بخدمة الامن والاستخبارات ونفتري على بعض… نبصم بالدم… جعلنا من المغولي من آل الاسد الهاً ونبياً….. الى ماوصلنا اليه… عشرة سنوات بعمر الثورة فقدنا كل شيء… فقدنا اهلنا وفلذات كبدنا… فقدنا الاحياء والاحباب فوق الارض وفقنا البنية التحتية ولم نحقق اي شيء من اهداف ثورتنا… لم نستطع اخراج قائد لثورتنا… كلنا ابطال وزعماء والكثير منا تسلق الثور وتصدر المشهد السياسي او العسكري وكانت الثورة له ثروة لانه رخيص وبلا قيم… تاجروا وباعوا واشتروا بدم الشهداء وقوت الشعب… هم مندسين بيننا ابتنوا (يجمعنا الدولار الاخضر، ويفرقنا الدم الاحمر) لايريدون حلا للحفاظ على مكاسبهم… هم شاطرين بالتنظير… هم ثوار فيسبوك…. هم لصوص… هم فاقدي الدم والضمير….
املنا بالله كبير بالنصر… وسوريا اولا وفوق الجميع