كثر الحديث عن إمكانية فكّ ارتباط منظومة PKK، التي تتخذ من (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) في سورية واجهةً للحزب الأمّ الذي يقبع في قنديل بشمال العراق، وقد عزز من تداول هذه الفرضية، في الآونة الأخيرة، أنها جاءت ثالثًا في ترتيب النصائح الأربع التي قدّمها المبعوث الأميركي السابق إلى التحالف، جيمس جيفري، لقوات (قسد) للحفاظ على علاقتها بالولايات المتحدة، وذلك في آخر لقاءٍ له، أواخر العام الماضي، مع مركز ويلسون، بعد أن عاد إلى تقاعده.
بغضّ النظر عن محذور خسارة (قسد) للعلاقة مع الولايات المتحدة، الذي لم يُطرح من قبل، يرى الكرد السوريون أن فكّ الارتباط لم يعد مطلبًا إقليميًا أو كرديًا أو سوريًا فقط، بل باتت تتبناه سرًا عناصر داخل المنظومة السورية التابعة للحزب، ترى فيه ضرورة لا بد منها للحفاظ على المكتسبات الكردية، ويربطون ملفّ الانفكاك هذا بقائد قوات (قسد) مظلوم عبدي، القيادي المتقدم في صفوف العمال الكردستاني، انطلاقًا من غيريته المأمولة على مكاسب أبناء جلدته في سورية. وربما عزز هذه الآمال صمتُ الأخير حيال ملفات كان عليه أن يجاهر فيها بموقفه المؤيد لـ PKK، تأتي في مقدمتها الأزمة الجديدة المستمرة منذ نيسان/ أبريل الماضي، بين قنديل وإقليم كردستان العراق، التي التزم عبدي الصمت حيالها طويلًا، ثم قدم نفسه كوسيط لحل الأزمة، قبل أن يُخيّب كل الظنون وينقلب، قبل أسبوعين، معلنًا اصطفافه إلى جانب قنديل، ومستنكرًا ما سمّاه هجوم بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني BDK على مقاتلي PKK، في منطقة العمادية التابعة لمحافظة دهوك في الإقليم، وذلك بالتزامن مع هجمة الحرق والتخريب التي شنتها مجموعات شبابية مسلحة مرتبطة بقنديل، يطلق عليها “جوانين شورشكر”، على مقار تابعة لأحزاب المجلس الوطني الكردي ENK-S في محافظة الحسكة، ردًا على مزاعم إصابة ثلاثة مقاتلين من PKK بيد البيشمركة في الحادث نفسه، وقد سبق لعبدي التزام الصمت حيال مقتل عنصر من البيشمركة في اعتداء لمقاتلي PKK في قضاء دهوك، في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وكذلك فعل من قبل حيال تفجير PKK لأنبوب النفط الخاص بتصدير نفط إقليم كردستان، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.
مع ذلك، فإن التزام عبدي ومجموعته السورية الصمت، طوال الفترة الماضية، لم يمنع قنديل من الاستمرار في إظهار سيطرتها على الأرض، حيث دأبت منذ نيسان/ أبريل الماضي على دفع شبكاتها لتنظيم تظاهرات شبه يومية، بسبب أو من دون سبب، في كل مناطق سيطرتها شرقي نهر الفرات وغربيه في حلب ومنبج، ساقت إليها الموظفين والمنتفعين والمحتاجين، من العرب والكرد، في معركة لإثبات وجودها، تؤكدها الشعارات المرفوعة والهتافات المؤيدة لحزب العمال الكردستاني وزعيمه، في تناقض بديهي مع مصلحة الكرد السوريين الذين لا يريدون أن تتحول المناطق التي يحكمونها إلى ساحة حرب، بين تركيا وPKK .
على الصعيد السياسي، استمر قائد (قسد) في تأكيد موقفه الحيادي تجاه إيران وميليشياتها التي ترابط على الضفة المقابلة لقواته من نهر الفرات، في انسجامٍ تام مع سياسة PKK في سنجار، على الطرف الآخر من الحدود مع العراق، حيث تتشارك ميليشيات PKK السيطرة عليها مع الميليشيات التابعة لإيران، وفي مقدمتها حزب الله العراقي الذي ترابط مجموعات من مقاتليه قبالة (قسد)، على الضفة الغربية من نهر الفرات في ريف دير الزور. وما تزال منظومة PKK متمسكة بخصوصية قوات (قسد) التي تخفي خلفها مطلبًا إستراتيجيًا لـ PKK، يرمي من خلاله إلى تحويل شرقي الفرات إلى حديقة خلفية لنشاطه حتى بعد انتهاء الأزمة السورية.
إن الأمل بخروج PKK من سورية، وترك الكرد السوريين يقررون مستقبلهم بأنفسهم، تقف دونه قضايا إستراتيجية لا يمكن لـ PKK أن يتخلى عنها بسهولة، في مقدمتها عائدات النفط الذي يتجاوز إنتاجه 80 ألف برميل يوميًا، وفوائد سياسية ودبلوماسية مكنت PKK من لعب دور مهم في كل ما يجري، إضافة إلى الخزان البشري والمادي الذي مثله كرد سورية، بالنسبة إلى الحزب، منذ ثمانينيات القرن الماضي.
إن إعلان منظومةٍ سوريةٍ انفصالها عن الحزب الأمّ من شأنه أن يهدد وجودها كليًا، في ظل سيطرة قنديل الواضحة -بكوادرها وتنظيماتها الكثيرة- على كل مفاصل السيطرة والتحكم العسكرية والاقتصادية شرقي الفرات، والمستعدة لتنفيذ أي أمر تخريبي يصدر إليها دون نقاش. وبالمقابل؛ إن تخلي PKK عن منظومته في سورية يعني نزع مخالبها وقبضتها الحديدية التي ساعدتها في السيطرة، وفتح المجالِ أمام التنظيمات السورية لاستعادة الساحة الكردية، تمامًا مثلما كان عليه الحال قبل عام 2012، حيث لم يكن هناك سوى تأييد ضعيف مترهل للحزب في سورية. ولذلك فإن عملية الارتباط العضوي المباشر والتنسيق القائم في كل المجالات هو مصلحة حيوية للطرفين، ليس بإمكانهما الاستغناء عنها.
إن انسحاب PKK الطّوعي من سورية سوف يفتح عليه بابًا لن يُغلق إلا بانسحابه من إقليم كردستان أيضًا الذي تسعى قيادته للتخلص من عبء PKK الذي بات يهدد سلطتها الشرعية هناك. وتحُول دون ذلك أيضًا حالة الترف الاجتماعي والاقتصادي، وممارسة السلطة التي اعتادتها كوادر الحزب طوال ثماني سنوات من وجودهم في سورية، وهو ما لا يستقيم مع عودتهم مجددًا للعيش في جبال قنديل، حتى مع إيجاد حلّ للأزمة السورية.
وتحول دون الانفكاك نظرة PKK الإستراتيجية إلى الوضع القائم في المنطقة، حيث يرى فيه حربًا عالمية ثالثة سوف تؤدي في النهاية إلى تقسيم خريطة المنطقة التي يطمح إلى حكم جزءٍ منها. ويرى PKK نفسه جزءًا من حلف كبير تقوده إيران، وهو ما يفسر عجز الحكومة العراقية عن تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار الموقعة في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بمشاركة الأمم المتحدة وإشراف ومباركة من الولايات المتحدة.
بين عامَي 2015 – 2016، أعلن PKK إدارته الذاتية، في بعض المناطق من جنوب شرق تركيا، بشكل مشابه تمامًا للحال في شرق الفرات السوري وسنجار العراقية، وقد فشلت كل المحاولات في إقناع الحزب بضرورة تجنيب المدنيين عواقب النزاع المسلح، وأصرّ قادته المقيمون في قنديل على المغامرة بأرواح المدنيين، إلى أن استسلمت آخر مجموعاته في نصيبين، في آذار/ مارس 2016، وهي مرحلة يحاول PKK مسحها من تاريخه.
إن عملية فكّ الارتباط المطلوبة لم تعد عملية سياسية، بل باتت معركة عسكرية بالنسبة إلى الحزب الذي صار يصرّح علنًا بشرعية البندقية، في سبيل تبرير سيطرته على سنجار، ورفض الخروج منها بحجة تحريرها من تنظيم (داعش) حين تركتها قوات البيشمركة والجيش العراقي لمصيرها. ولهذا السبب باتت مكتسبات “روجآفا – كردستان سورية” حقًّا حصريًا له، بل تعدى ذلك إلى ادّعائه بأن التجربة الفدرالية في إقليم كردستان إنما هي إحدى منجزاته، وأصبح يهدد بتدميرها في حال نشوب أي معركة لإخراجه بالقوة.
لم يُسجّل أي نجاح للدبلوماسية مع PKK، طوال أربعة عقود من وجوده، ولم تنجح أي محاولة إخراج سلمية إلا تلك التي قام بها النظام السوري عام 2002، وتشير مجمل المواقف التي تصدر عن الحزب إلى أنه ماضٍ في تنفيذ أجندته، أيًا كانت العواقب.
لقد بقيت في مناطق سيطرة قسد سنتين وقد تعرضت لمشاكل اقتضت مراجعة الدوائر الأمنية والادارية وكان المرجع الاعلى كوادر قنديل وكل أمر حاسم متروك لهم أما الكرد السوريين في الدرجة والثانية ومتروك لهم فقط السيادة.على المكون العربي وقيادات الحزب تمتلك الملف الاقتصادي وقد تذوقت حلاوة السلطة فلن يغادر جماعة قنديل مها كان الأمر وهم الممسكين بالملف الأمني والعسكري وإخراجهم يعني حرب أهلية كردية وعلى الساسة السوريين ايجاد مدخل مناسب لحوار الكرد السوريين الذين يجري تهميشهم واشعارهم بالتنسيق مع الامريكان أن هناك قوى جاهزة لدعمهم أما العرب فلهم شأن آخر خصوصا وأن كثير من عناصر الثورة لا زالت في مناطق قسد