إضافة إلى استهداف حزب الله والجهات الفاعلة المحلية الأخرى التي تدعم نظام الأسد وتضر بالاقتصاد اللبناني، يمكن للتشريع الأميركي الجديد أن يساعد في تعزيز سيادة بيروت.
إن تنفيذ واشنطن الوشيك لقانون قيصر لحمايةِ المدنيين السوريين يدقّ ناقوس الخطر في لبنان، كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا الرصد السياسي. وعلى الرغم من أن المقصد الأساسي من القانون هو معاقبة حكومة بشار الأسد على الفظائع التي ارتكبتها ضد الشعب السوري، فإن النظام لم يكن ليتمكن من البقاء مدة طويلة بما يكفي لارتكاب هذه الانتهاكات، من دون دعم مباشر وغير مباشر من الميليشيات والمسؤولين والشركات اللبنانية.
وثمة ما هو أكثر أهمية من ذلك وهو أن “حزب الله” كان في طليعة الحرب السورية، طوال أعوام، يساعد بشار الأسد في إدارة حملاته الوحشية بكفاءة عالية، من خلال الاعتماد على المقاتلين والموارد من لبنان. كما أن علاقاته (حزب الله) العميقة تستمر مع النظام إلى اليوم، ومن ضمنها قطاع صناعة الوقود والقطاعات الأخرى المستهدفة صراحة بموجب قانون قيصر. وهذا يعطي المسؤولين الأميركيين فرصة لمعاقبة الأفراد والقنوات والأدوات اللبنانية، التي يستخدمها كل من “حزب الله” ودمشق لتعويم نظام الأسد.
والواقع أن الأرض خصبة لمزيد من الضغط على الجماعة وحلفائها داخل لبنان. طلبت الحكومة التي يقودها “حزب الله” في بيروت من صندوق النقد الدولي حزمة مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار، كذلك يفهم المسؤولون المحليون تداعيات تحدي القانون الأميركي والمجتمع الدولي الأوسع، في هذه اللحظة الحرجة. وبناء على ذلك، يجب على واشنطن وشركائها التوضيح بأن البلاد لا يمكن أن تتوقع مساعدة من صندوق النقد الدولي، ما لم تبدأ بقطع العلاقات العسكرية والتجارية الخاصة مع نظام الأسد. وعلى الرغم مما يقوله “حزب الله” للشعب اللبناني، ما يزال بإمكان البلد أن يُنقذ نفسه، من خلال الامتثال للإصلاحات والشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي ومؤتمر باريس وقرارا مجلس الأمن الدولي 1559 و1710. إن قانون قيصر فرصةٌ لتعزيز هذه الحجة، وفي الوقت نفسه هو فرصة لكبح جماح أنشطة التهريب التي يمارسها “حزب الله”، وتعزيز رقابة البلد على حدوده.
من الذي يجب أن يشعر بالخوف؟
يرتبط لبنان بسورية، سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، منذ مدة طويلة. وحقيقة أن الحدود بين البلدين ما تزال غير محددة رسميًا تسمح بعمليات تهريب يومية بلا رادع وتدقيق، وهو ما يجعل تقدير حجم التبادلات المالية بين البلدين أمرًا صعبًا. لكن بعض التفاصيل واضحة، حيث ذكرت (رويترز) في تشرين الثاني/ نوفمبر أن “لدى السوريين الأثرياء ودائع بمليارات الدولارات في البنوك اللبنانية”. وكثير من هذه الأموال غدا محاصَرًا، مع تفكك الاقتصاد اللبناني، ومع فرض البنوك المحلية قيودًا مشددة على السحوبات النقدية بالدولار الأميركي.
قد تخضع بعض هذه البنوك وشركائها والشركات اللبنانية المرتبطة بها لعقوبات جديدة، بسبب المساعدة المادية لنظام الأسد، خاصة إذا كانت تلك البنوك أو الشركات مرتبطة -بأي شكل من الأشكال- بالدعم اللوجستي لعمليات “حزب الله” العسكرية في سورية. ومع ذلك، فإن التأثير الأكثر أهمية لقانون قيصر قد يكون الردع، أي يجب على الشركات اللبنانية (التي كانت تأمل في الوصول إلى السوق السورية من خلال المشاريع التجارية أو إعادة الإعمار) أن تعيد النظر في تلك الخطط.
مهربو الوقود هم مجموعة مهمة أخرى قد تتأثر بهذا القانون. في الوقت الذي لا يستطيع لبنان تحمل خسارة المزيد من احتياطياته من العملات الأجنبية، ألمح رياض سلامة (حاكم البنك المركزي) في الشهر الماضي، إلى أن البلاد تخسر 4 مليارات دولار سنويًا، بسبب “حزب الله” والجهات الفاعلة الأخرى، من خلال عمليات تهريب الوقود المدعوم من الحكومة إلى سورية. تشعر الشركات المشاركة في عمليات النقل والشحن بالقلق والخوف بالفعل، ويعتقد كثيرٌ من السكان المحليين أن قانون قيصر قد شُرّع عن قصد لاستهداف التهريب في كلا الاتجاهين: الوقود المتجه إلى سورية، والأسلحة الواردة إلى لبنان. ولذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين استخدام التهديد بفرض عقوبات قيصر، للضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل تشديد الرقابة على الحدود، واتخاذ تدابير أخرى تساعد في الحد من تهريب الوقود عبر المعابر غير الرسمية.
يجب أن يشعر بعض حلفاء “حزب الله” السياسيين بالقلق من التشريع الأميركي الجديد أيضًا. وعلى الرغم من أن الرئيس ميشيل عون، وجبران باسيل (زعيم التيار الوطني الحر)، ونبيه بري (رئيس مجلس النواب) كانوا حذرين في تعاملهم مع النظام السوري، فقد كان الحلفاء الآخرين أقلّ خجلًا في إعلان دعمهم العسكري للأسد، ومن ضمن هؤلاء الحلفاء “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، ووئام وهاب (رئيس حزب التوحيد العربي). على سبيل المثال، ذكرت بعض التقارير أن وئام وهاب أرسل أفرادًا للقتال إلى جانب النظام، في الأعوام الماضية (قُتل عدد منهم خلال معارك عام 2014 في محافظة السويداء).
تعزيز الحدود وفصلها عن الأسد
باستخدام هذه الانتهاكات وغيرها من الانتهاكات المتعلقة بسورية، كوسيلة ضغط، يمكن لقانون قيصر مساعدة لبنان في تعزيز سيادته وتمكين مؤسساته ضد الجهات غير الحكومية. وخصوصًا، إذا كان التهديد بعقوبات قيصر يقنع المسؤولين اللبنانيين بترسيم رسمي لحدودهم والبدء في تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 بشكل صحيح، عندها سيكون “حزب الله” أقلّ حرية في استغلال المؤسسات الوطنية لدعم نظام الأسد المجاور. وعلى ذلك، سيصبح المهربون أقل حرية في مواصلة الأنشطة التي تضر بالاقتصاد اللبناني، وتجلب الأسلحة الخطرة إلى أراضيه. وعلى الصعيد الإقليمي، من شأن تعزيز سيادة لبنان أن يساعد المجتمع الدولي في ممارسة مزيد من الضغط على “الجسر البري” الإيراني إلى بيروت والحدود الإسرائيلية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمكن الاستفادة من قانون قيصر بطريقتين: الأولى يمكن أن يساعد القانون في تثبيط الجهود لتطبيع العلاقات اللبنانية مع سورية، طالما أن النظام بظروفه الحالية يسيطر على السلطة في دمشق. عندما أثار ناشطون لبنانيون وشخصيات معارضة المخاوف، في الشهر الماضي، من أن تهريب الوقود يضر بالاقتصاد؛ صرّح حسن نصر الله (زعيم حزب الله) بأن الحل الوحيد هو تطبيع العلاقات من أجل التنسيق بشكل صحيح مع سورية لحل المشكلة. فالجماعة تفضّل هذا الحل، لأنها تحتاج إلى إبقاء ما يقدر بـ 120 معبرًا غير رسمي تحت سيطرتها، بدلًا من ترسيم الحدود ووضعها تحت إشراف ورقابة الجيش اللبناني؛ حيث لم يعد بمقدور المواطنين اللبنانيين (والبنوك) تحمّل الأضرار الناجمة عن الحدود الفضفاضة ومشاركة “حزب الله” في سورية.
الطريقة الثانية يمكن لقانون قيصر أن يدفع لبنان إلى تعليق اتفاقاته العسكرية طويلة الأمد وهيئاته التنسيقية مع دمشق. وتشمل هذه العملية “المجلس الأعلى السوري اللبناني”، وهو هيئة أُنشئت بموجب معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، التي وُقعت عام 1991 إبّان الاحتلال السوري. ووفقًا لهذه الاتفاقية (التي لم تُلغَ عندما انسحبت القوات السورية من لبنان عام 2005) فإن البلدين “سيعملان على تحقيق أعلى مستويات التعاون والتنسيق، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها”. كما توفر المعاهدة آليةً لإضفاء الطابع المؤسسي على هذا التنسيق، عبر لجان ثنائية. وعلاوة على ذلك، فإن اتفاقية الدفاع والأمن، الموقعة في وقت لاحق من ذلك العام، تدعو إلى تنسيق وتعاون شاملين بين المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخبارية في البلدين.
إن قانون قيصر أداةٌ قويةٌ لتعزيز الحجة القائلة بأنه لم يعد من الممكن ربط لبنان بالنظام السوري الحالي، على المستويين الاقتصادي والأمني. ومن أجل منع حدوث انهيار اقتصادي شامل، تحتاج البلاد إلى إبعاد نفسها عن محور الأسد-إيران، ومواجهة أي تطبيع مع النظام الحالي في دمشق. إن التهديد بفرض عقوبات قيصر هو إحدى طرق حثّ المواطنين اللبنانيين على إدراك أن الابتعاد الواضح والثابت عن نظام الأسد هو شرط مسبق للمساعدة الدولية.
في الوقت نفسه، يجب على المسؤولين الأميركيين التأكيد أن القانون لا يهدف إلى الإضرار برجال الأعمال اللبنانيين الذين لم يشاركوا في دعم نظام الأسد؛ حيث إن سورية -بالنسبة إلى كثير من الصناعيين والتجار والمزارعين المحليين- هي الطريق البري الوحيد لإرسال بضائعهم إلى بقية المنطقة. تحتاج هذه الشركات إلى أن تطمئن بأن قانون قيصر لا يستهدفها أو لا يهدف إلى إلحاق مزيد من الضرر بالاقتصاد الهش. وتحقيقًا لهذا الهدف، ينبغي لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة أن يوضح بالتفصيل أنواع التجارة المشروعة العابرة للحدود والشحن التي لن تتأثر بالقانون.
اسم المقالة الأصلي | The Caesar Act Comes into Force (Part 2): Pressuring Hezbollah in Lebanon |
الكاتب | حنين غدّار، Hanin Ghaddar |
مكان النشر وتاريخه | معهد واشنطن للسياسات في الشرق الأدنى، The Washington Institute for Near East Policy، 12 حزيران/ يونيو 2020 |
رابط المقالة | https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-caesar-act-comes-into-force-part-2-pressuring-hezbollah-in-lebanon |
عدد الكلمات | 1190 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |