(النظام السوري – حزب الله – المتمردون الحوثيون)

مقدمة
بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، بنى النظام الإيراني جزءًا من عقيدته العسكرية على إنتاج أنواع مختلفة من الصواريخ ذات المدَيات المختلفة (قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى)، كونها تدخل في استراتيجية الردع منخفض التكلفة التي فرضت على خصوم طهران ميزانيات عسكرية باهظة في مجال تطوير منظوماتهم الدفاعية مع كل دولار أنفقته طهران على تطوير صواريخها، وبخاصة الدقيقة منها.

إضافة إلى إنتاج الصواريخ البالستية بعيدة ومتوسطة المدى، ركز النظام الإيراني على إنتاج مجموعة متنوعة من الصواريخ المسماة صواريخ كروز أو الصواريخ الدقيقة التي أدّت دورًا مهمًا في استراتيجية الرعب التي تتوسع طردًا مع ازدياد مديات صواريخ طهران الدقيقة وقدراتها، وعدد الوكلاء الإقليميين الذين سلحتهم طهران بهذا النوع من الصواريخ ونقلت إليهم تكنولوجيا إنتاجها.

تهدف هذه الدراسة إلى وضع شرح توضيحي لاستراتيجية إيران القائمة على تسليح وكلائها الإقليميين بالصواريخ الدقيقة التي أنتجتها محليًا، وسعت لتصديرها ونقل تكنولوجيا صناعتها إلى ميليشياتها ووكلائها الإقليميين، في سورية ولبنان واليمن والعراق، وتوضح ميزات تلك الصواريخ من خلال شرح موثق بالصور والفيديوهات، وتبيّن سبب القلق الإسرائيلي من فاعلية هذه الصواريخ، وما مدى خطرها في حال نشوب حرب في المنطقة.

تمهيد:

في 20 حزيران/ يونيو 2017 في واشنطن العاصمة، أوضح الكشف الذي أعلنته المقاومة الإيرانية في مؤتمر صحافي، عن تفاصيل 42 مركزًا لتصنيع الصواريخ وإطلاقها، منتشرة على الأراضي الإيرانية كافة، وعلى مدار السنوات الماضية، عمد النظام الإيراني إلى تركيز جهده على صناعة الجيروسكوبات الصاروخية التي تمنح الصواريخ ميزات فريدة، وتزيد من مدى دقة إصابتها للهدف. وتحقيقا لهذه الغاية، أنشأ النظام منظمة الجيوفضاء في وزارة الدفاع الإيرانية، وخصص مجموعة من المصانع لإنتاج أجزاء مختلفة من الصاروخ.

في الصورة الآتية توجد هيكلية كاملة لمنظمة الجيوفضاء الإيرانية، حيث ركزت مجموعة الأدوات الدقيقة التابعة لمنظمة الجيوفضاء (مجموعة فجر بحسب الهيكلية التنظيمية) جهدها لإنتاج أجزاء التوجيه والأجزاء الإلكترونية للصواريخ، بما في ذلك جيروسكوب الصواريخ المختلفة في هذه المجموعة. وإضافة إلى ذلك، تعمل مجموعة همت للصناعات، المعروفة أيضًا باسم كود 6000، على بناء القسم الإلكتروني الخاص بتوجيه الصواريخ البالستية.

وتختص مجموعة صناعات كروز، المعروفة باسم صناعات ثامن الأئمة، وهي مجموعة فرعية من منظمة الصناعات الجيوفضائية في وزارة الدفاع، بإنتاج صواريخ كروز. وتشمل المجموعات الفرعية لصناعات كروز مجموعة صناعات فصيحي، ومجموعة صناعات مسلمي، ومجموعة صناعات رحيمي، وتملك معهد أبحاث صناعة لصواريخ كورز. (بحسب الهيكلية التنظيمية).

استراتيجية تسليح الوكلاء الإقليميين:

خلال العقود الماضية، تطورت الاستراتيجية التي يتبعها النظام الإيراني في تسليح وكلائه الإقليميين والميليشيات التابعة له من المنطقة، لتتحول من استراتيجية إرسال الأسلحة والصواريخ المصنعة في مصانع منظمة الجيوفضاء الإيرانية إلى تصدير تكنولوجيا صناعة هذه الأسلحة النوعية إلى ميليشيات فيلق القدس المنتشرة في المنطقة، معتمدًا مبدأ (بدلًا من أن تعطيهم سمكة، علمهم صيد السمك).

وعلى الرغم من الاستهدافات الجوية المتكررة التي تعرضت لها شحنات الأسلحة والمعدات الصاروخية المرسلة من إيران خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه الاستراتيجية عززت عملية تسليح الوكلاء الإقليميين لإيران في المنطقة نوعيًا وبفاعلية أكبر، في حين كان دعم النظام السوري في محيط ما يطلق عليه النظام الإيراني محور الممانعة أبرز نقاط القوة في هذه الاستراتيجية، لأن دعمه ونقل تكنولوجيا صناعة الصواريخ إلى مصانع الجيش السوري شكل جسرًا جيدًا للمضي قدمًا في هذا التوجه.

على سبيل المثال، عام 2014، نقلت وكالة أنباء (فارس) الإيرانية عن قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، أمير حاجي زاده، قوله “منذ سنوات عدة كانت إيران تشتري صواريخها من ليبيا، وكانت قواتها تخضع لتدريباتها في سورية وحصلت في السابق على تكنولوجيا صناعة الصواريخ من كوريا الشمالية، لكن الآن باتت طهران تصدر تكنولوجيا صناعة المنظومات الصاروخية”، مشيرًا إلى أن “مصانع الصواريخ في سورية صناعة إيرانية، وكل صواريخ ذاك البلد صنعت وجمعت بتكنولوجيا إيرانية”.[1]
وفي العام ذاته، قال نائب قائد القوات الجيوفضائية في الحرس الثوري الإيراني، العميد مجيد موسوي إن “سياسات الجمهورية الإسلامية في دعم قوات المقاومة وجبهة المقاومة هي لتمكينهم من تصنيع وإنتاج منتجاتهم الخاصة”.[2]

وفي شباط/ فبراير 2020، أظهرت تقارير مراكز أيحاث غربية أن الصواريخ الايرانية تحتوي على نوع معين من الجيروسكوبات التي عثر عليها في بقايا الصواريخ والطائرات المسيرة التي هاجمت منشآت النفط السعودية في أرامكو، وعُثر على النوع نفسه من هذه الجيروسكوبات داخل طائرة مسيرة إيرانية استولى عليها الجيش الأميركي في أفغانستان، وكذلك في شحنة صواريخ كروز صودرت في بحر العرب متجهة إلى اليمن.[3]

مراحل تطور استراتيجية تسليح الوكلاء الإقليميين:

خلال السنوات الماضية، كانت عمليات الاستهداف المتتالية والمتكررة لمخازن الصواريخ البالستية الخاصة بفيلق القدس الإيراني والميليشيات التابعة له في المنطقة مثل حزب الله اللبناني، في أثناء الضربات الجوية الإسرائيلية، وبخاصة في سورية، وعدم قدرة الحرس الثوري الإيراني على تعويض النقص الحاد في مخازن صواريخ الوكلاء المستهدفة، قد أجبرت الحرس الثوري الإيراني على تغيير سياسته الاستراتيجية المتمثلة في تزويد وكلائه الإقليميين بالصواريخ البالستية.

بموجب السياسة الجديدة، استبدلت بصواريخ فاتح 110 البالستية صواريخ صغيرة وخفيفة ورخيصة الثمن، وفي الوقت ذاته هي صواريخ عالية الدقة وموجهة بالقصور الذاتي وبالأقمار الصناعية -كما يدعي عدد من المسؤولين العسكريين الإيرانيين- ويمكن تصنيعها بسهولة في دول مثل اليمن وسورية ولبنان.

على سبيل المثال، يطلق المتمرد الحوثيون على هذه الصواريخ اسم بدر P-1، وفي مناسبات عدة استخدموها بنجاح وفاعلية ضد قوات التحالف في اليمن والسعودية.

حرب تموز أول تطبيق عملي لاستراتيجية تسليح الوكلاء الإقليميين:

بسبب استحالة نقل الصواريخ الإيرانية البالستية، برًا وبحرًا وجوًا، نحو لبنان، جهزت إيران حزب الله بصواريخ مدفعية من نوع خيبر 1 كانت تُصنع جميعها في مصانع الصواريخ التابعة لوزارة الدفاع السورية وبإشراف خبراء إيرانيين في مصياف – سورية، وذلك قبل بدء حرب الـ 31 يومًا في تموز 2006، بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.

صواريخ خيبر 1 أو إم 302 هي صواريخ مستنسخة في الأساس من الصواريخ المدفعية الصينية نوع دبيلو إس-1، وهي صواريخ ذات عيار 302 ملم، ويبلغ مداها 100 كم، (أي إنها تمتلك مدى أكبر من صواريخ بي إم -21 المعروفة بصواريخ غراد أو صواريخ القصف المساحي التي لطالما استخدمها حزب الله في السابق).

صورة لصاروخ خيبر 1

وقد استخدم حزب الله صواريخ خيبر 1 (31 صاروخًا منها) لاستهداف أهداف عسكرية ومدنية خلال حرب 31 يومًا عام 2006، أصاب معظمها المنطقة القريبة من العفولة والنقاط الجنوبية، ومنها شمال الضفة الغربية، وسقط ثلاثة منها في حيفا وما حولها، لكن المعلومات تشير إلى أن 23% من الصواريخ التي أطلقها حزب الله على إسرائيل، وعددها 3917 صاروخًا (وهي ستة أنواع مختلفة من الصواريخ)، سقط في “مناطق سكنية مدنية”، وليس هناك معلومات وافرة عن عدد الصواريخ التي أصابت مواقع عسكرية مشروعة.[4]

من وجهة نظر عسكرية، فإن الصواريخ التي أطلقها حزب الله على إسرائيل عام 2006، كانت كلها صواريخ مدفعية غير موجهة، أي لا يمكن لحزب الله توجيهها بدقة، لكنه تمكن من إلحاق أضرار بالغة في بعض الحالات المحددة التي وجهها بكميات كبيرة نحو منطقة محددة.

من ناحية أخرى، بالنسبة إلى صواريخ القصف المساحي التي أطلقها حزب الله عام 2006، كان يتعين على خبراء الصواريخ في حزب الله إطلاق صواريخ عدة دفعة واحدة، وتحليل مدى دقتها في إصابة الأهداف، ومن ثم تعديل الإحداثيات بناء على المعلومات الواردة عن أماكن إصابة الدفعة الأولى، وذلك لتحسين دقة الإصابة في الدفعات التالية، لكن في ما يبدو بسبب خطورة الهجمات الإسرائيلية المضادة على أماكن منصات إطلاق الصواريخ، وشح المعلومات الاستخباراتية التي يمتلكها حزب الله حول المناطق المستهدفة التي جمعها كلها من صور القمر الصناعي، والتقارير الصحافية، والمخبرين، أو من خلال المراقبة المباشرة للبلدات القريبة من الحدود، لم يتمكن حزب الله إلا من إطلاق صاروخ واحد في الدفعة الواحدة، ما قلل أكثر من احتمال إصابة أهداف معينة، في ظل افتقار ترسانة حزب الله إلى الصواريخ الدقيقة في ذلك الوقت.

لكن على الرغم من أن استخدام هذه الصواريخ ضد إسرائيل لم يسفر عن خسائر كبيرة ولم يلحق ضررًا كبيرًا بالقواعد العسكرية للجيش الإسرائيلي، إلا أن سهولة نقلها وإخفائها واستخدامها بالنسبة إلى حزب الله جعلته يفضل مزايا هذه الصواريخ على نقاط ضعفها.

المرحلة الأولى (صواريخ فاتح 110):

بسبب الدقة المنخفضة لصواريخ خيبر -1 ضمن ترسانة حزب الله الصاروخية، جهز فيلق القدس الإيراني هذه الجماعة بصواريخ فاتح 110 البالستية قصيرة المدى التي أُطلق خط إنتاجها في مصياف – سورية، وأنتجت بأعداد كبيرة باسم M600 أو صواريخ تشرين، ونُقل عدد قليل من هذه الصواريخ نحو لبنان. لكن حجمها الكبير وصعوبة تخزينها ونقلها مقارنة بصواريخ خيبر 1 كان من العوامل التي أدت بسهولة إلى اكتشافها وتدميرها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.

وفي حالات عدة، دمّر سلاح الجو الإسرائيلي شحنات هذه الصواريخ في أثناء عملية نقلها إلى لبنان، ومن بينها يمكن الإشارة إلى الغارات الإسرائيلية التي نفذت على مواقع قرب مدينة دمشق في أيار/ مايو وتشرين الأول/ أكتوبر من عام 2013، حيث استهدفت هذه الغارات مخازن صواريخ “فاتح 110” كانت ستنقل إلى حزب الله في لبنان.[5]

لكن في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أعلن نائب القائد العام للقوات الجيوفضائية في الحرس الثوري العميد مجيد موسوي، عن وصول أول دفعة من صواريخ فاتح 110 إلى حزب الله اللبناني بنجاح.[6]

نبذة عن صواريخ فاتح 110:

صاروخ فاتح 110 هو نموذج مطور من الصاروخ غير الموجه زلزال 2، بعيار 610 ملم ورأس حربي 600 كجم ويبلغ مداه نحو 210 كيلومترات، وهو صاروخ يعمل بالوقود الصلب وموجه بآلية القصور الذاتي.

أجري أول اختبار ناجح لصاروخ فاتح 110 أرض – أرض في 31 أيار/ مايو 2001 في سمنان، واختبرت منظمة الجيوفضاء الإيرانية بنجاح نسخة معدلة منه تسمى فاتح 110 أ في مجمع بارتشين الإيراني في 6 أيلول/ سبتمبر 2002.

صورة لصواريخ فاتح 110

بدأت عملية الإنتاج الفعلي لصواريخ فاتح 110 في سورية عام 2008، واستمرت حتى عام 2014، وأُنتِجت مجموعة من هذه الصواريخ باسم تشرين أو M600، في حين يعود أول استخدام لهذا الصاروخ من قبل النظام السوري إلى عام 2012، حيث أجرى جيش النظام السوري مناورات عسكرية صاروخية، أطلق خلالها عددًا متنوعًا من الصواريخ من بينها صواريخ جولان 1 و2، وصواريخ ميسلون، وصواريخ فروغ 7، إضافة إلى صواريخ تشرين، كما يظهر في الفيديو أدناه.[7]

فيديو عن الصواريخ التي أطلقها جيش النظام السوري في مناورات عام 2012

لكن أول تطبيق عملي على أرض الواقع لصواريخ تشرين يعود إلى كانون الثاني/ يناير 2013، حيث قام النظام السوري بإطلاق صاروخ من اللواء 155 بمنطقة القلمون مستهدفًا قرية شلخ بمحافظة إدلب، ما تسبب بأضرار مادية فقط من دون سقوط ضحايا، ثم توالت عمليات الإطلاق بكثافة، ووصل عددها إلى 131 صاروخًا (أغلبها صواريخ نوع تشرين) في عام 2013 وحده، وتسببت بمقتل مئات.[8]

المرحلة الثانية (تمدد الاستراتيجية لتسليح كافة الوكلاء الإقليميين):

عام 2017، ومع بدء الانحسار والتراجع التدريجي لداعش في المنطقة، ركز فيلق القدس الإيراني والميليشيات التابعة له، مثل حزب الله، جهدهم على اتخاذ مواقع ومقرات عسكرية لهم بالقرب من مرتفعات الجولان، ونُقل عدد من صواريخ تشرين الخاصة بالجيش السوري إلى حزب الله في سورية، ثم إلى حزب الله في لبنان، وبخاصة بعد فرض سيطرتهم على أغلب المناطق في جنوب سورية.
وفي الحصيلة، أصبح التهديد باستخدام هذه الصواريخ ضد إسرائيل أكبر، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي خلال عشرات من العمليات الجوية إلى استهداف هذه الصواريخ ومنصات إطلاقها معظمها المنتشرة في أنحاء الأراضي السورية كافة، من حمص وحماة إلى دمشق والجنوب، ودُمرت المصانع التي أنتجت هذه الصواريخ ووقودها الصلب في مصانع مصياف والسفيرة.

صحيح أن جدول الاستهدافات الإسرائيلية للأهداف الإيرانية في سورية يعود إلى كانون الثاني/ يناير 2013، إذ نفذت الغارة الإسرائيلية الأولى منذ بدء الثورة السورية عام 2011 على موقع لصواريخ أرض- جو قرب دمشق،[9] إلا أن المعلومات تشير إلى أن إسرائيل قد كثفت في العاميين الماضيين (2018 و2019) بشكل خاص، ضرباتها في سورية، مستهدفةً الأهداف الإيرانية، لتتحول بذلك الأرض السورية إلى جحيم للميليشيات الإيرانية، وهذا ما دفع فيلق القدس إلى توسيع نطاق استراتيجية تسليح الوكلاء الإقليميين بالصواريخ الدقيقة، ولتمتد بذلك هذه الاستراتيجية نحو تزويد المتمردين الحوثيين في اليمن وميليشيات الحشد الشعبي في العراق أيضًا، بصواريخ مدفعية موجهة تسمى صواريخ فجر 4، وهي الصواريخ ذاتها التي يطلق عليها المتمردون الحوثيون اسم بدر بي-1.

صواريخ فجر 4، هي أحدث جيل مطور من صواريخ فاتح 110، وكما يدعي المسؤولون العسكريون الإيرانيون، فإن هذه الصواريخ مجهزة بمنظومة ملاحة ومنظومة توجيه مركبة من آلية توجيه بالقصور الذاتي والأقمار الصناعية (جي بي إس)، وتتمتع بدقة إصابة تصل إلى عشرة أمتار.

صورة لصواريخ فجر 4

وقد اختيرت هذه الصواريخ الصغيرة ذات العيار 333 ملم بنجاح لأول مرة في اليمن في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 ضد معسكر للجيش السوداني[10] الذي كان جزءًا من تحالف عمليات الحزم التي أطلقتها المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين، وبعد يوم واحد من عملية الاستهداف عُرض هذا الصاروخ من قبل المتمردين الحوثيين.

فيديو استهداف المتمردين الحوثيين لمعسكر للجيش السوداني في الساحل الغربي في اليمن بصاروخ نوع بدء بي 1

بعد ذلك، في بدايات عام 2019، بدأت عملية الإنتاج الضخمة لهذه الصواريخ في كل من سورية ولبنان واليمن، ونقل فيلق القدس عددًا كبيرًا من هذه الصواريخ المصنعة في إيران إلى ميليشيات الحشد الشعبي والميليشيات العراقية الأخرى الموالية لطهران، وذلك لاستخدام هذه الصواريخ من قبل وكلاء طهران الإقليميين كلهم، في حال نشوب حرب شاملة في المنطقة. ولذلك، تركز اهتمام الجيش الإسرائيلي على تدمير هذه الصواريخ ومصانع إنتاجها ومخازنها المنتشرة في أرجاء المنطقة.

في المرحلة الأولى، أتى أول استهداف بارز لأربعة مقرات للحشد الشعبي في ديالى وبغداد وصلاح الدين، وتسبب في تدمير مخازن السلاح والصواريخ الموجودة فيها في شهر آب/ أغسطس 2019.[11] وبعد أربعة أيام فقط، شهدنا استهدافًا إسرائيليًا لموقعين اثنين: الأول في الضاحية الجنوبية لبيروت، والثاني هو مقر “الجبهة الشعبية-القيادة العامة” في منطقة البقاع عند الحدود اللبنانية السورية، وهو ما يعد أول هجوم إسرائيلي داخل لبنان منذ حرب عام 2006.[12]

ولاحقًا في 29 ديسمبر 2019، شنت الولايات المتحدة غارات على قواعد عسكرية تابعة لكتائب حزب الله في العراق وسورية، وأكدت حينها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أن الغارات استهدفت منشآت لتخزين الأسلحة إلى جانب مقرات لقيادة العمليات التابعة لكتائب حزب الله.[13]

وفي ما بعد، توالت الاستهدافات الجوية ضد مصانع هذه الصواريخ ومخازنها وشحناتها في المنطقة ليُدمر الجزء الأكبر منها، لكن على الرغم من أن الهجمات الصاروخية الإسرائيلية قد أوقفت مؤقتًا عملية إنتاج هذه الصواريخ وتخزينها في كل من سورية والعراق، يبقى من الملاحظ أن عدد الاستهدافات الإسرائيلية داخل لبنان قليل جدًا مقارنةً بما نُفّذ من ضربات جوية على أوتوستراد تصدير السلاح والتكنولوجيا الصاروخية الإيرانية إلى الوكلاء الإقليميين، وهو ما يعزى إلى عدد من العوامل والمعايير السياسية والأمنية المتعلقة بلبنان.

في 3 أيلول/ سبتمبر 2019، نشرت وزارة الدفاع الإسرائيلية صور أقمار صناعية لموقع سري لإنتاج الصواريخ وتحويلها من صواريخ مدفعية غير موجهة إلى صواريخ موجهة دقيقة في منطقة النبي شيت في البقاع اللبناني.[14] وكما أشارت الصور المنتشرة، فقد جهزت هذه المنشآت القادرة على إنتاج 20 إلى 30 صاروخًا شهريًا بمجمع إنتاج المحركات، وإنتاج المتفجرات والرؤوس الحربية للصواريخ، وورشة صب المواد، وموقع معالجة المواد، وموقع اختبار المنتج، ومجمع لتقييم الجودة، كما يظهر في الصورة أدناه.

وعلى الرغم من عدم تنفيذ أي غارة جوية ضد الموقع المذكور حتى الآن، إلا سلاح الجو الإسرائيلي قد يخطط لشن غارة جوية ضده، وهو هجوم قد يقضي على هذا التهديد المهم في المستقبل القريب.

ما سبب القلق الإسرائيلي؟ وما مدى خطر صواريخ إيران الدقيقة؟

على الرغم من أن قيادة الدفاع الجوي في الجيش الإسرائيلي تستخدم نظام القبة الحديدية الدفاعية منذ 27 آذار/ مارس 2011 لمواجهة التهديدات الصاروخية لحركة حماس والجهاد الإسلامي في جنوب إسرائيل استخدامًا فاعلًا، وأنه يمكن لهذه القبة تدمير صواريخ حزب الله في السماء قبل أن تصل إلى الجزء الشمالي من إسرائيل بسهولة، إلا أن التقديرات العسكرية تشير إلى أنه إذا أطلق حزب الله عددًا كبيرًا من الصواريخ بشكل متزامن، فهناك احتمال ألا يجري تدمير ما يصل إلى 10٪ من هذه الصواريخ التي ستضرب في حينها الجزء الشمالي من إسرائيل[15]، وهذا الأمر يعد سببًا مهمًا وضرورة ملحة لإسرائيل لتدمير شحنات هذه الصواريخ ومصانع إنتاجها في أرجاء المنطقة كلها، وبخاصة في سورية ولبنان.

لذلك في المرحلة المقبلة، ستتركز الاستراتيجية الإسرائيلية المضادة لاستراتيجية تسليح وكلاء طهران الإقليميين على مبدأ تدمير أي هدف أو خطر محتمل، مهما كبر أو صغر حجم خطره، لأن واقع الأمر يقول إن الحماية المطلقة من صواريخ إيران الدقيقة قد أصبحت أمرًا مستحيلًا، وأن هذه الصواريخ دقيقة التوجيه التي يتزايد عددها في ترسانة وكلاء طهران الإقليميين أصبحت تشكل تهديدا أكثر فتكًا بالنسبة إلى إسرائيل.

وهذا الأمر هو ما تؤكده مؤشرات الضربات الإسرائيلية الأخيرة على كل من مطار دمشق الدولي، ومطار التيفور T4 في شهر أيلول/ سبتمبر 2020،[16] إذ تشير الدلائل ونوع الأهداف التي ضُربت، وبخاصة منطقة المدرج وحزام النقل الخاص بقاعدة تياس الجوية، إلى أن إسرائيل تسعى لتوجيه ضربات جوية تهدف من خلالها إلى إيقاف عملية نقل الأسلحة والذخائر من إيران إلى سورية، وذلك لمنع فيلق القدس والميليشيات التابعة له من استخدمها لاحقًا.

في حين تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن الضربات الإسرائيلية أحدثت حفرتين في منتصف المدرج، فضلًا عن إحداث حفرة في مكان تفريغ حمولة طائرات النقل الإيرانية والسورية التي تحمل الأسلحة والذخائر من مطار مهر أباد الإيراني إلى مطار التيفور السوري.

صورة قمر صناعي للموقع المستهدف في مطار التيفور

بطبيعة الحال، لا يمكن إصلاح الأضرار التي لحقت بمدرج قاعدة تياس الجوية بسرعة، ويمكن أن تؤدي عملية الاستهداف الإسرائيلية هذه إلى وقف عملية نقل الأسلحة والذخيرة من إيران إلى هذه النقطة في سورية لأيام عدة، وفي الوقت ذاته تبعث برسالة للإيرانيين أن عيون إسرائيل على سورية، وبخاصة مع إطلاق الأخيرة للقمر الصناعي التجسسي أفق 16 الذي يتمتع بقدرات مراقبة عالية، ووصلت أولى صوره في 26/8/2020، ليظهر صور المواقع الأثرية في تدمر.[17]

خاتمة:

في الحقيقة، تطورت الاستراتيجية الإيرانية القائمة على تسليح الوكلاء الإقليميين لطهران كلهم، وتمددت خلال السنوات الماضية بما يتناسب مع واقع المتغيرات والتوترات الإقليمية والدولية، وذلك في سبيل خدمة أجندة طهران ومصالحها الخاصة، ما ساهم في توسيع استراتيجية الرعب التي تقودها طهران في المنطقة، وشكل تهديدًا لا يمكن إغفاله على الشبكات التجارية والحيوية والعسكرية لإسرائيل، وتهديدًا مباشرًا لجميع القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة.

وعلى الرغم من الصعوبات والمعوقات والتكاليف الباهظة كلها التي واجهت تنفيذ استراتيجية تسليح الوكلاء الإقليميين لطهران، خصوصًا بالأسلحة المتطورة كالصواريخ الدقيقة، إلا أن هذه الاستراتيجية تحتل أهمية بالغة في السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما أن هذه الميليشيات والأذرع العميلة أصبحت تمثل يد طهران الخارجية الضاربة، ولذلك فإن تعزيز قدراتها وخبراتها العسكرية واستقلاليتها في ما يتعلق بصناعة منتجاتها الحربية الخاصة سيزيد من قوة طهران الإقليمية ويساهم في تنفيذ أجندتها الخارجية.


[1] طهران: مصانع الصواريخ في سورية صناعة إيرانية – العربي الجديد – https://bit.ly/30920vV

[2] العميد موسوي: كافة أنحاء الكيان الصهيوني تقع تحت رحمة صواريخ المقاومة الايرانية الصنع- وكالة أنباء تسنيم – https://bit.ly/3j6IFmj

[3] بالصور.. الجيروسكوب يفضح الطائرات المسيرة الإيرانية في ثلاث دول – موقع الحرة – https://arbne.ws/2S4obio

[4] أنواع الصواريخ الأساسية التي أطلقها حزب الله على إسرائيل في أثناء نزاع عام 2006، طبقًا للبيانات التي قدمتها السلطات الإسرائيلية – موقع هيومن رايتس وواتش – https://bit.ly/2HbdRmP

[5] الحرب الباردة بين إسرائيل وحزب الله… على الطريق إلى حرب ثالثة مدمّرة – موقع رصيف 22 – https://bit.ly/336rr3a

[6] إسرائيل قرأت الرسالة: سلاح كاسر للتوازن بيد حزب الله – قناة الميادين – https://bit.ly/3cDBnEb

[7] فيديو عن الصواريخ التي أطلقها جيش النظام السوري في مناورات عام 2012 – https://youtu.be/wK-sBFTB0vU

[8] النظام يطلق 131 صاروخ سكود بسوريا – موقع الجزيرة نت – https://bit.ly/3i7UtUe

[9] أبرز الضربات الإسرائيلية في سورية منذ اندلاع الحرب فيها – موقع انديبندنت عربية – https://bit.ly/369YRiZ

[10] فيديو استهداف المتمردين الحوثيين لمعسكر للجيش السوداني في الساحل الغربي في اليمن بصاروخ نوع بدء بي ١ – https://youtu.be/xBGaEbluNAI

[11] الحشد الشعبي بالعراق يتوعد أميركا ويحمّلها مسؤولية استهداف مقراته – موقع الجزيرة نت – https://bit.ly/30cspZx

[12] الإسرائيليون يردّون على نصر الله بغارة استهدفت “القيادة العامة” – موقع المدن – https://bit.ly/2S3hahC

[13] غارات أمريكية على قواعد لكتائب حزب الله في العراق وسوريا – موقع بي بي سي عربي – https://www.bbc.com/arabic/middleeast-50940196

[14] إسرائيل تعلن كشف موقع لتصنيع الصواريخ تابع لحزب الله في لبنان – موقع انديبندنت عربية – https://bit.ly/3i16GtK

[15] ما يكل أورين – الحرب القادمة في الشرق الأوسط – موقع نون بوست – https://bit.ly/3j7O90g

[16] تكثيف الضربات الجوية لوقف عملية إرسال شحنات الأسلحة من إيران إلى سوريا – موقع انديبندنت فارسي – رابط الموقع

[17] القمر الصناعي الإسرائيلي “أفق 16”.. ما علاقته بالتجسس واستهداف إيران؟ – موقع تي آر تي عربي – https://bit.ly/3i6ipr8