تحدثت وسائل إعلام كثيرة خلال الأشهر الأخيرة عن خطوات تجري على أرض الواقع من أجل تطبيع بعض الدول العربية تدريجيًا العلاقات مع النظام السوري تمهيدًا لإعادته إلى الجامعة العربية، ونسيان عقد من نبذ هذا النظام عن المجموعة العربية، وإبعاده عن أي مشاركة عربية – عربية بعد أن استخدم العنف المفرط في قمع ثورة قام بها السوريون لتغيير النظام السياسي، ورفض النظام السوري جميع المبادرات العربية التي طُرحت لحل الأزمة ووقف الحرب والقتل وإحلال السلام في سورية، استندت تحليلات المحللين إلى مجموعة من الخطوات والأحداث التي شهدتها الساحة العربية – السورية.
علّق مجلس الجامعة العربية، في نوفمبر 2011، عضوية سورية نتيجة لضغوط عدة مارستها دول عربية، على خلفية استخدام النظام السوري للعنف المفرط ضد المنتفضين ضده، ورفض هذا النظام لكل المبادرات العربية التي قُدِّمت في ذلك الوقت لحل الأزمة وإحلال السلام، وأغلقت غالبية الدول العربية سفاراتها في دمشق، أو خفّضت علاقاتها مع النظام السوري.
الأردن:
كانت آخر الخطوات العربية التي يمكن تصنيفها بـ |التقارب” مع النظام السوري، هي تلقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مطلع هذا الشهر اتصالًا هاتفيًا من الرئيس السوري بشار الأسد، تناول فيه “العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما”، ونشر الديوان الملكي الأردني أن عبد الله الثاني أكّد خلال الاتصال على “دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سورية واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها”.
الأردن من الدول التي لا تُمانع بإعادة تعويم نظام الأسد عربيًا ودوليًا، بل وسعت عمّان إلى ذلك في أكثر من مناسبة، حيث كان قد حمل معه مبادرة إلى البيت الأبيض في تموز/ يوليو الماضي وعرضها على الرئيس الأميركي جو بايدن، تتضمن تقليص عقوبات واشنطن المفروضة على النظام السوري “بما يخدم المصالح الأردنية”، واقترح مقاربة جديدة للتعامل مع نظام الأسد، تتضمن تغييرًا متدرجًا لسلوكه، وانسحاب القوات الأجنبية من سورية، والاعتراف بالمصالح الشرعية لروسيا في هذا البلد، وفق صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، وفي يوليو الماضي، طالب الملك عبد الله الثاني، خلال اجتماعه مع مسؤولين في مجلس النواب الأميركي، بتكثيف الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة سورية أرضًا وشعبًا ويضمن العودة الآمنة للاجئين.
كذلك قام الأردن نهاية أيلول/ سبتمبر بإعادة فتح المعبر الحدودي الرئيسي مع سورية (معبر نصيب)، وجاء هذا القرار بعد اجتماع في عمان حضره عدة وزراء سوريين مع نظرائهم الأردنيين، لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، بحثوا، بالإضافة إلى افتتاح المعبر، تعزيز التعاون في مجالات بينها التجارة والنقل بين البلدين، وقرروا عودة الخطوط الأردنية للعمل بين عمان ودمشق.
أتى قرار إعادة افتتاح المعبر بعد أسابيع قليلة من لقاء رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني يوسف الحنيطي مع وزير الدفاع السوري علي أيوب في عمان، ناقشوا خلاله تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين، وكُشف لاحقًا أن المقصود مواجهة ومنع عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية – الأردنية، التي كثرت في السنوات الأخيرة، ووجهت أصابع الاتهام لمنظومة النظام السوري ومنظومة حزب الله بالضلوع فيها، كذلك تبع هذا اللقاء لقاء جمع وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي مع وزير نظيره السوري فيصل المقداد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.
التقارب الأردني – السوري يصب في صالح الدولتين على المستوى السياسي والاقتصادي، فالأردن ستجد فيه فرصًا لموارد مالية كانت محرومة منها خلال سنوات الحرب السورية العشر، وخاصة أرباح الترانزيت والنقل البري، فضلًا عن تنشيط الحركة التجارية والسياحية، حيث دفع الأردن ثمنًا اقتصاديًا غاليًا بسبب الحرب السورية وإغلاق حدوده مع سورية.
لاشك أن التقارب مع الأردن أتى بعد ضوء أميركي، سبقه ضوء أميركي آخر لنقل الغاز والكهرباء من مصر عبر الأردن إلى سورية وصولًا إلى لبنان، حيث أُعلن في أيلول/ سبتمبر الماضي عن توريد الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسورية، بهدف التخفيف من أزمة نقص الطاقة في لبنان، والحد من نفوذ إيران و”حزب الله” في سورية عبر قطع الطريق على النفط الإيراني المتدفق إلى لبنان بشكل يكسر القيود الأميركية.
العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري أيام الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2011، والعقوبات التالية التي فُرضت على النظام السوري أيام الرئيس السابق دزنالد ترامب عام 2019 (قانون قيصر) تمنع أي تعاون مع النظام السوري في كل القضايا التي اتفق الأردن عليها مع الجانب السوري، ويمكن تفسير هدف التراخي الأميركي لإغلاق بعض الساحات الخطرة التي تريد الولايات المتحدة أن تُغلقها بهدوء لتتفرغ لمسعاها الاستراتيجي على المستوى العالمي، أو لمنع النفط الإيراني من الورود إلى لبنان كوسيلة للضغط على طهران وحزب الله.
ما يهم النظام السوري من التقارب الأردني هو الجانب السياسي أكثر بكثير من الجانب الاقتصادي، فالمنافع الاقتصادية في النهاية محدودة وجزئية، ولا تستطيع وحدها إحداث فرق في البنية الاقتصادية الهشة والمتردية للاقتصاد السوري، ويرغب في استثمار هذا التقارب سياسيًا إلى أبعد حد، لإقناع الدول العربية الأخرى أن تنتهج نفس النهج، وربما الدول الإقليمية أيضًا في ملحرة لاحقة، ما سينتج عنه برأي النظام السوري إعادة تأهيل ومنح شرعية له، وكذلك استثماره داخليًا لإقناع الحاضنة الشعبية له بأن كل شيء قد انتهى، وأنه منتصر في حربه، وعادت الأمور إلى نصابها كما كانت قبل عشر سنوات، وأن ناظم الأسد هو الشرعي والثابت والباقي، وهو الهدف الأساس للنظام من مجمل الحرب السورية.
كل المؤشرات حول العلاقة الأردنية السورية هي مؤشرات ضعيفة التأثير سياسيًا، وبافتراض أن الأردن يريد إعادة علاقاته مع الحكومة السوري في بعض القضايا الأمنية التي لها علاقة بمنع تهريب المخدرات، أو بقضايا اقتصادية لها علاقة ببحث الأردن عن موارد اقتصادية تدعم اقتصاده الهش، فإن هذه العودة لن تفيد في تعويم النظام السوري على أي مستوى، ولا تعني كثيرًا أن الأردن حريص على عودة علاقته مع النظام، ولا دعمه له، لأنها في النهاية علاقة مصلحية ضيّقة الحدود والتأثير.
مصر:
مصر بدورها تخطو خطوات حذرة نحو الانفتاح مع النظام السوري، خطوات مدروسة وبطيئة ودبلوماسيةلا تريد من خلالها أن تُغضب حلفاء، خليجيين أو دوليين، منها أن استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره السوري فيصل المقداد في مقرّ البعثة المصرية بنيويورك نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبحثا “سبل الوصول إلى حل للأزمة السورية” وفق بيان مقتضب للخارجية المصرية، وهذا الاجتماع بدوره الأول من نوعه منذ نحو عشر سنوات، قال عنه بعض المحللين السياسيين إنه “لقاء استكشافي من القاهرة”، ويُشار إلى أن المقداد التقى أيضًا بأربع وزراء خارجية عرب في نفس المناسبة، هم نظرائه من موريتانيا والأردن وعُمان والعراق.
وقد قطعت القاهرة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق في السنوات الأولى للثورة، وطرحت عدة مبادرات لحل الأزمة السورية، رفضها النظام السوري، ثم اتّخذت موقف وسطيًا ينوس بين طرفي النظام والمعارضة، يُركّز على ضرورة إحلال السلام وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية بعيدًا عن الاقتتال والعنف، ويضمن وحدة سورية ويقضي على الإرهاب، ولم تهتم كثيرًا القاهرة بالتغيير السياسي الجذري أو تغيير النظام أو تطرح وجهة نظر لها في الأمر إلا قليلًا في عهد الرئيس السابق محمد مرسي.
إلى ذلك، وفي ملف العلاقات المصرية – السورية، فقد خطت العلاقات الاقتصادية خطوات لم يكن محسوب لها حساب، بإعادة إحياء مشروع تمرير الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية.
كذلك لابد من النظر بعين الاعتبار إلى العلاقة المتوترة بين مصر وتركيا، حيث تأمل مصر دائمًا أن يكون تقاربها مع النظام السوري عاملًا في تخفيض النفوذ التركي، أو عاملًا لمنح مصر دورًا أكبر في القضية السورية ككل، كندّ إقليمي لتركيا، التي باتت فاعلًا أساسيًا وقويًا في في أي معادلة تُرسم مستقبل سورية أو الحل السياسي فيها، إن لم تكن أساسًا شريكة قوية في صياغته.
لكن بالعموم، تقف مصر حذرة للغاية في الإقدام على أي خطوة نحو التبنّي العملي لعودة سورية إلى الجامعة العربية، رغم عدم ممانعتها الرسمية لذلك، لأنها تعرف أن مصالحها الأهم مع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، وتتشاور في هذا الأمر مع حلفائها، وتحرص على أن يكون التبنّي نتيجة لتوافق هذا الحلف وليس خطوة فردية قد تؤثر على علاقاتها المتينة مع الخليج، كما أنه لا يمكن لها أن تخطو جزء خطوة دون أن تأخذ ضوءًا أخضر أميركي لنصف الخطوة هذه، وعلي، فإن ما يجري من محاولات مصرية في هذا الملف هي قفز كثير بصيد قليل، حيث لا تخرج مصر قيد أنملة عما ترسمه التوازنات الدولية، ولا تتجاوز المرسوم لها من حدود.
السعودية:
الموقف السعودي حذر أيضًا، ففي أوائل عام 2020، سُمح للشاحنات السورية بدخول المملكة، وفي آذار/ مارس انتهى اجتماع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بنظيره الروسي سيرجي لافروف، بالدعوة إلى “عودة سورية إلى الأسرة العربية”، ثم وصل وفد برئاسة وزير السياحة السوري في زيارة إلى المملكة، ورغم أن السعودية أرسلت إلى دمشق رئيس إدارة المخابرات العامة اللواء خالد حميدان في أيار/ مايو الماضي، وقيل إنهما اتفقا على افتتاح وشيك لسفارة الرياض في دمشق، لكن في حقيقة الأمر هذه الزيارة لا تعني أن الجانبين على وئام وود، لأن التعاون الاستخباري غالبًا ما يكون قائمًا ومستمرًا بين مختلف دول العالم، ولا علاقة له بالأمور السياسية، وربما أعطى الإعلام السوري الرسمي الكثير من الإيحاءات التي تُصوّر أن العلاقات بين سورية والسعودية قد عادت إلى بداية مساراتها السابقة، وأن السعودية ترغب بفتح الباب أمام علاقة أوسع، مستغلًا هذه الاجتماعات ليُسوّق للنظام السوري بأنه انتصر، وأن دمشق عادت قبلة لكل العرب.
لكن السعودية تنتهج نهجًا دقيقًا، وتتحرك ببطئ وحذر، ولا ترغب بالتقارب مع دمشق دون حصول تغيير في جوهر استراتيجيات النظام السوري، وهو ما كشفه المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، في أيار/ مايو الماضي، بعدم تغيير موقف بلاده المعلن تجاه العلاقات مع سورية، وقال “إن الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن إعادة العلاقات السعودية مع سورية”، وأشار إلى أن “الهجمات على المدن، واضطهاد السجناء واللاجئين، يجب على دمشق اتخاذ خطوات بشأنها قبل الحديث عن إمكانية إعادة العلاقات معها”، كما أشار إلى أن عودة سورية إلى الجامعة العربية “يتطلب قرارًا جماعيًا من الجامعة، ومعظم الدول العربية لا تزال متحفظة على الوضع في سورية”، وأضاف “لا بد من وجود ظروف ومقومات إيجابية في الواقع السوري تدفع إلى إعادة العلاقات، وطالما لم تتوفّر هذه الظروف فمن الصعب الحديث عن إعادة العلاقات”.
تنظر السعودية بعين الريبة دائمًا إلى العلاقة بين النظام السوري وطهران، وهي تحتاج إلى ما يؤكد أن دمشق ستبتعد عن النفوذ الإيراني، كما تأخذ بعين الاعتبار دائمًا عقوبات (قانون قيصر) الأميركي، التي تمنع أي تقارب مع دمشق، في الوقت الراهن على الأقل.
ووفق هذا المنظور، والمصالح السعودية الإقليمية والدولية، فإنه من المستبعد أن تخطو السعودية خطوة تقارب مع النظام السوري بحجم كبير أو معتبر، لأنها تُردك أنها ستكون سبّاقة لموقف سيتبعها فيه في الغالب غالبية الدول العربية، كما أنها ستقف أمام المجتمع الدولي كدولة عربية رئيسة لتبرر سبب هذا التقارب، في الوقت الذي يرفض فيه الغرب، الأوربي والأميركي، أي تقارب مع النظام السوري أو إعادة تأهيل، أو وقف أو تخفيض للعقوبات والمقاطعة، ما لم يسير في الحل السياسي وفق القرارات الدولية وخاصة القرار الأممي 2254.
الجامعة العربية:
تقف الجامعة العربية كمراقب لا يستطيع الخروج بموقف واضح ومحسوم تجاه عودة سورية إلى الجامعة العربية، فقد أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، خلال مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، في أيلول/ سبتمبر الماضي، بأن الدول العربية لم تتوافق على عودة سورية إلى الجامعة العربية، وكشف أن بعض الدول العربية ترغب في إعادة العلاقات مع النظام السوري، وبعضها يرى أن الوضع ليس ناضجًا بعد لمثل هذه العودة، وأنه “من المبكر الحديث عن الموضوع”.
كذلك قال الأمين العام المساعد للجامعة، السفير حسام زكي، في آذار/ مارس الماضي، إنه قبل الحديث عن عودة سورية إلى الجامعة العربية “ينبغي الرجوع إلى الأسباب التي أدت إلى تجميد عضويتها، وبعد ذلك ربما تُبنى مقاربة جديدة لإيجاد الترتيب الذي يفتح الطريق أمام فك التجميد الخاص بالمقعد السوري”، وأضاف “التوافق العربي الكامل حيال هذه المسألة لا يزال غير متوفر”.
وليس خافيًا أن لبنان والجزائر والعراق وتونس والسودان والإمارات العربية المتحدة والبحرين تؤيد عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، فالجزائر تدعم طرح عودة سورية للجامعة، وأعلن ذلك وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، في آب/ أغسطس الماضي، موضحًا أن هذا الملف يمثل موضوعًا أساسيًا في تحضير القمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر.
كذلك يدعم العراق هذه العودة، ولفت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، على هامش أعمال الدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن العراق “يستمر في جهوده من أجل عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية”. وأعادت الإمارات والبحرين علاقاتهما الرسمية مع النظام السوري أواخر 2018، بينما عيّنت عمان سفيرًا لها في دمشق عام 2020.
الولايات المتحدة:
يبقى محرّك الحدث في سورية هو الموقف الأميركي، وحتى لو كان الموضوع له علاقة بالعلاقات العربية – السورية، وفي هذا السياق، فقد حسمت الولايات المتحدة نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي موقفها، وأعلنت بوضوح أنها لا تُشجّع الآخرين على التطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة ليس لديها خطط للتطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، ولا تشجع الآخرين على ذلك أيضًا.
كذلك نشر “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تقريرًا بعنوان “التداعيات السياسية لتطبيع الدول العربية مع بشار الأسد”، تضمن مجموعة نقاط رُفعت لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كتوصية بما يخص الملف السوري يحذر من مغبة تطبيع العلاقات بين سورية والدول العربية، لأن في ذلك اعترافًا واضحًا بفشل المشروع الأميركي فيها وفي المنطقة، وفق التقرير.
وأكّد التقرير أن أي تقارب عربي – سوري سوف يضر بالمصالح الأميركية في سورية والمنطقة، ويُقر بأن هنالك حلفًا إقليميًا نشأ بقوة من البوابة السورية يتمثل بإيران ومحور المقاومة في العراق وفلسطين من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية، وأن التقارب العربي مع سورية سيغير الكثير من معايير وقواعد المشهد إقليميًا ودوليًا.
وقال إن السماح للرئيس الأسد باستعادة الشرعية مع الخارج سيشكل خطًا استراتيجيًا فادحًا لا يمكن تفسيره، وأنه ينبغي للإدارة الأميركية أن تعمل بجد لثني حلفائها عن اتباع مسار التطبيع الخطير وغير الحكيم وقصير النظر مع النظام السوري.
كذلك أصدرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بيانًا في تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وصفت فيه تطبيع بعض حلفاء الولايات المتحدة مع الأسد بالقرار الخاطئ، بما في ذلك اتفاقات الطاقة، ووقع على البيان السناتور جيم ريش (جمهوري من ولاية أيداهو)، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والنائب مايكل ماكول (جمهوري عن تكساس)، العضو في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب (أضيفت هذه المعلومة بعد نشر الموضوع بيومين).
وأوضح البيان أن الأسد “تسبب في معاناة هائلة للشعب السوري، حيث ذبح مئات الآلاف من السوريين، وارتكب جرائم ضد الإنسانية بمساعدة روسيا وإيران، وبحق، فإن المجتمع الدولي قد تخلص من نظامه بسبب هذه الفظائع، بالإضافة إلى ذلك، أقر الكونجرس قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لمعاقبة أولئك الذين دعموا حملة القتل التي شنها الأسد”.
وأضاف “إنه لأمر مخيب للآمال أن يفقد بعض شركاء الولايات المتحدة، بمن فيهم أعضاء في جامعة الدول العربية، عزمهم على معاقبة الأسد من خلال السعي إلى تطبيع العلاقات، بما في ذلك من خلال صفقات الطاقة التي قد تتضمن مدفوعات لنظام الأسد. لقد أدى الصراع في سورية إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وتطبيع العلاقات الآن لن يؤدي إلا إلى استمرار زعزعة الاستقرار، ونظل ملتزمين بالعمل مع المجتمع الدولي حتى يحصل الشعب السوري على العدالة المناسبة”.
وعليه، فإن الموقف الأميركي لا يدعم التطبيع، وقد يدعم بعض الاتفاقيات التي تخفف الضغوط على التي تؤثر على الشعب السوري نتيجة العقوبات القوية والمقاطعة، لكنّه في الغالب الأعم، وهو واضح في هذا، لن يوافق على تطبيع سياسي مجاني، لا يضمن تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحل السياسي في سورية، وهو الأمر الذي يصرّ عليه الأميركيون في كل تصريحاتهم ولقاءاتهم، مع الروس وغيرهم.
حلفاء النظام:
من جهتها تدعم موسكو عودة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وهو ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف صراحة، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في أبريل الماضي، بأن بلاده تدعم هذه العودة، مشيرًا إلى أن الخلافات صعّبت عودة دمشق للجامعة، وأعرب عن أمله أن تتفهم الدول العربية أهمية عودة دمشق إلى الجامعة العربية سريعًا، وهو بهذا يسعى لمساندة الأسد وإعادة تعويمه وفرضه مجددًا على المستوى العربي ثم الدولي. لكن روسيا تنظر دائمًا بطرف عينها إلى الموقف الأميركي، وتحاول الالتفاف عليه لكن ضمن حدود، فهي تُدرك أنه دون ضوء أخضر أميركي لدول الجامعة العربية، فإن أي عودة لسورية لهذه الجامعة لن يكون ممكنًا.
ورغم أن هذا الموضوع عربي بحت، إلا أنه لا يمكن بحثه وتقييمه دون الأخذ بعين الاعتبار موقف إيران ومساعيها وأهدافها، فالنظام السوري يستخدم إيران كورقة قوة بيده ليخيف بها بعض الأنظمة والحكومات العربية، وقد المح لذلك وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مؤخرًا، على هامش مشاركته في جلسات الجمعية العامة للأمم المتّحدة، بترحيبه بأي تقارب ما بين أي بلد عربي وإيران، وتشديده على أن إيران وقفت إلى جانب العرب، وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتقف إلى جانب سورية، و|يجب أن نردّ الخير بالخير للجانب الإيراني”.
صحيح أن النظام السوري يتخذ من علاقته بإيران علاقة مصلحية، وعلاقته مع موسكو أكثر عمقًا، إلا أنه حاول دائمًا استغلال الورقة الإيرانية لصالحه، فجلب الميليشيات الإيرانية إلى حدوده مع إسرائيل، وحاول التفاوض على رفع العقوبات عنه وإعادة تأهيله مقابل إخراج هذه الميليشيات من سورية، أو إبعادها عن الحدود الإسرائيلية.
لكن تعي الكثير من الدول العربية أن قرار إدخال هذه الميليشيات، والسماح لإيران بالتغلغل في سورية، وقرب الحدود مع إسرائيل، هو قرار بيد النظام السوري، لكن قرار خروجها قد لا يكون بيده الآن بعد أن تغوّلت إسرائيل في المنطقة الجنوبية والغربية من سورية، وبعدما استطاعت التمركز في مواقع متقدمة على الحدود مع إسرائيل والأردن.
بعد 10 سنوات من تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي العربي في سورية، وسحب السفراء منها، لعدم التزام النظام السوري بقرارات الجامعة العربية ورفضه المبادرات العربية، كثيرة هي الدعوات التي تصدر لإعادة سورية إلى الجامعة العربية، وغالبيتها بدعوى تعزيز الأمن الإقليمي العربي، ومصالح الدول العربية، لكنها لم ترتق لأن تتحول إلى فعل ملموس واضح ذي تأثير حتى الآن بسبب صعوبات عديدة تواجه هذه الفكرة.
صحيح أن خارطة المصالح تغيّرت خلال السنوات العشر الأخيرة، وتغيرت التحالفات، وبرزت أزمات عديدة ناتجة عن القضية السورية، كملفات اللاجئين والعقوبات والصعوبات الاقتصادية ومحاربة الإرهاب وصراع القوى الكبرى، والمصالح المتضاربة للقوى الإقليمية، وتراجع قوى المعارضة السورية، وتقلّص الداعمين لها، لكن التطبيع العربي المباشر مع النظام السوري يحتاج لمقومات أخرى، أهمها موافقة الولايات المتحدة، القادرة عبر أذرعها العسكرية والاقتصادية والسياسية أن تُعرقل أي تقارب أو تطبيع، وهذه الموافقة لم تتوافر حتى الآن، ومن المستبعد أن تتوافر على المدى القصير على أقل تقدير.
يسعى النظام السوري بكل ثقله إلى تخفيف عزلته السياسية، والتخفيف من تأثير العقوبات والمقاطعة الاقتصادية، وتعويم نفسه من جديد، كما يسعى إلى محي الصفة العنفية والإرهابية عنه خلال الثورة، ويحاول استغلال أي فرصة للترويج بأنه انتصر وأن الدول بدأت تسعى لقرع أبوابه، وعلى رأسها الدول العربية، لأن هذا برأيه المدخل للترويج الأوسع لشرعيته إقليميًا ودوليًا، لكنّه ينجح بحدود ضيّقة، لا تسمح له بإعلان انتصار ولو متواضع في اختراق هذا الملف، ولم يحقق إلا بعض كسر الجليد، ويبدو أنه سيعصب عليه تحويل آماله إلى سياسة تنفيذية في المدى المنظور، ما لم يقم بتغييرات سياسية وخطوات حقيقية تجاه الحل السياسي المتوافق مع القرارات الدولية والذي يضع بعين الاعتبار مطالب السوريين من جهة، وبنود القرارات الدولية الموضوعة لحل الأزمة السورية من جهة ثانية.