(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

يواجه الرئيس بشار الأسد تهديدات لا يمكنه إلقاء القنابل عليها، مع اندلاع الاحتجاجات على مستوى المعيشة وظهور الخلافات بين النخبة الحاكمة.

الرئيس بشار الأسد، الذي ربح الحرب الأهلية السورية تقريبًا، يواجه الآن أزمة اقتصادية حادة أفقرت الشعب كله، وسببت انهيارًا في العملة، وأوجدت شرخًا نادرًا في النخبة الحاكمة.

أصبحت الرواتب الحكومية تقريبًا بلا قيمة، اندلعت احتجاجات ضد انخفاض مستوى المعيشة في جنوب البلاد. قيمة الليرة السورية منخفضة جدًا، لدرجة أنه انتشرت منشورات ساخرة على صفحات التواصل الاجتماعية تصوّر العملة السورية كورق للسجائر.

تعاني الحكومة ضغوطًا شديدة للحصول على المال، لدرجة أنها تضغط على رجال الأعمال الأثرياء للمساعدة في دعم الدولة، وهي خطوة دفعت قطب الأعمال السوري إلى انتقاد الحكومة علنًا.

طوال تسع سنوات، استخدم الأسد القوة الوحشية لضرب المعارضة التي سعت إلى إنهاء قبضة عائلته على حكم البلاد الممتد من عقود. ولكنه الآن، بعد أن أنهى معارك كبيرة خلفه، يواجه تهديدات جديدة لا يستطيع أن يلقي عليها القنابل أو الاعتماد على حلفائه القلائل لمساعدته هذ المرة.

انخفضت قيمة الليرة السورية وتضاعفت أسعار السلع الغذائية المستوردة مثل السكر والبن والدقيق والأرز إلى ثلاثة أمثالها

إنّ تجرُّؤ الملياردير، وهو من الدائرة الداخلية للأسد، بطرح نزاعه مع الحكومة على الرأي، دليلٌ على ضعف سلطة الأسد، وإن العقوبات الاقتصادية الأميركية الصارمة التي تدخل حيز التنفيذ الأربعاء من المرجح أن تجعل الأمور أسوأ.

قال داني مكي، المحلل السوري في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “إن مشكلة الأسد هي أنه ليس لديه حل”، وأضاف: “سوف تُخلق أزمة شديدة، وعليه إما أن يتحدث إلى الأميركيين ويقدّم تنازلات لهم، أو أن يتحمّل ما قد يكون انهيارًا اقتصاديًا كبيرًا”.

أدت الحرب إلى اختناق الاقتصاد السوري، حيث انخفض إلى ثلث الحجم الذي كان عليه قبل الحرب، إضافة إلى خسائر تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات.

وتشير أحدث أرقام متاحة إلى أن قرابة 80 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة العاطلين عن العمل بلغت، في نهاية عام 2019، حوالي 40 بالمئة، وزاد معدل البطالة أكثر مع القيود الحكومية للسيطرة على فيروس كورونا.

وأدى انهيار العملة السورية إلى تفاقم الأزمة، حيث كانت قيمة الدولار الأميركي الواحد قبل الحرب تعادل حوالي 50 ليرة سورية، ثم بلغت قيمة الدولار، في السنوات الأخيرة من الحرب، مئات الليرات، ثم بدأت قيمة الليرة الانخفاض في الخريف الماضي، في ارتباط مع الأزمة المالية في لبنان، حيث إن العديد من السوريين يُودعون أموالهم هناك. إضافة إلى أن الضوابط غير الرسمية للبنوك اللبنانية، لتقييد الرأسمال المسحوب، منعَت السوريين الذين يتعاملون مع هذه البنوك من سحب الدولار.

الأسبوع الماضي، انخفضت قيمة الليرة السورية، في السوق السوداء، إلى 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد، وأدى ذلك إلى انهيار القدرة الشرائية لموظفي الحكومة. في المقابل تضاعفت أسعار المواد الغذائية المستوردة، مثل السكر والبنّ والدقيق والأرز، مرتين أو ثلاث مرات.

سوق في أريحا، في محافظة إدلب شمال غرب سورية، آخر جيب في البلاد لا يزال تحت سيطرة المعارضة

وبحسب السيد مكي، وجميل السيد، رئيس الأمن اللبناني السابق الذي التقى المسؤولين السوريين، فإن الحكومة تستهدف رجال الأعمال السوريين، للحصول على الأموال للمساعدة في تمويل رواتب وخدمات الحكومة، ومعظم رجال الأعمال الذين تم الاتصال بهم وافقوا بهدوء، ولكنهم لم يذكروا المبلغ الذي دفعوه إلى الحكومة.

لكن أكثر رجل أعمال شهرةً في سورية -رامي مخلوف، الملياردير الاقتصادي الذي يمتلك حيازات في قطاعات الكهرباء والنفط والاتصالات- رفض، وقد خلق رفضه انقسامًا نادرًا على أعلى المستويات في المجتمع السوري.

وكما هو معروف فالسيد مخلوف هو ابن خال السيد الأسد ورفيق طفولته، وقد استخدم علاقات القرابة تلك لكي يصبح واحدًا من أكثر الرجال ثراءً في سورية.

فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على السيد مخلوف في عام 2008 بتهمة الفساد، وجمدت أصولًا كان يملكها في البنوك الأميركية، ووصفته الوزارة بأنه “أحد مراكز الفساد الأساسية في سورية”، وقالت إنه “جمع إمبراطوريته التجارية، باستغلال علاقاته مع أعضاء النظام السوري”، وإنه “تلاعب بالنظام القضائي السوري، واستخدم مسؤولي المخابرات السورية لترهيب منافسيه التجاريين”.

عندما رفض السيد مخلوف الدفع [إلى حكومة الأسد]، أدارت الحكومة المسامير عليه، وحظرت عقوده، وجمدت أصوله، وسحبت حوالي 180 مليون دولار من الرسوم على سيريتل، المشغل الرئيس لشبكة الهاتف المحمول في البلاد، التي هي كالبقرة التي تدرّ نقدًا للسيد مخلوف.

في المقابل، أعلن السيد مخلوف، عن طريق نشر سلسلة من مقاطع الفيديو على حسابه في (فيسبوك)، أنه يشكو من اعتقال موظفيه، وصوّر نفسه على أنه راع لأجهزة الأمن، ودعا الأسدَ إلى تصحيح الأمور. قال مخلوف في أحد مقاطع الفيديو: “الوضع خطير”. وقال إنه إذا استمر الضغط عليه وعلى موظفيه، فسوف تكون هناك “العدالة الإلهية، لأننا بدأنا منعطفًا خطيرا”. لم تنجح الجهود للوصول إلى السيد مخلوف من خلال حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.

في الشهر الماضي، نشر السيد مخلوف فيديوهات على (فيسبوك) وصف فيها سياسات السيد الأسد بأنها “خطيرة”

ذكر محللون ومساعدون سابقون للسيد الأسد أن حملة السيد مخلوف العامة كشفت عن هشاشة جديدة في الدائرة الداخلية للسيد الأسد، وقال فراس طلاس، وهو شريكٌ سابق لعائلة الأسد انشق في وقت مبكر من الحرب: “يعاني النظام العديد من المشاكل الاقتصادية وغيرها، ولولا ذلك ما تجرأ مخلوف على الظهور في مقاطع الفيديو هذه”.

كعلامة أخرى على الاضطرابات في الحكومة، أقال الأسد رئيس الوزراء عماد خميس، في خطوةٍ قال محللون إنها تسعى إلى تخفيف اللوم عن الضائقة الاقتصادية في البلاد، خوفًا من أن يتذمّر الجمهور في المناطق الهادئة من البلاد، ويؤجج الاضطرابات، واعتقلت قوات الأمن عددًا من المواطنين الذين كتبوا عن الفساد والتدهور الاقتصادي، على وسائل التواصل الاجتماعي.

في نيسان/ أبريل، كتب أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، زياد زنبوع، على صفحته في (فيسبوك) أنه تم فصله، بعد أن تحدث علنًا عن تآكل الطبقة الوسطى في سورية. كتب السيد زنبوع: “لماذا يعاقَب أستاذ جامعي، في وجود المؤسسات والقانون؟ لأنني ارتكبتُ أكبر قدر من الوقاحة: لقد تحدثتُ؟!”

اندلع الغضب بشأن انخفاض سبل العيش، حتى بين أفراد الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، الذين قاتل شبانهم بأعداد كبيرة مع قواته، ليكتشفوا أنهم سيشاركون في فقر البلاد بدلًا من جني ثمار النصر. ذكر رجل علوي له أقارب في الجيش أن انهيار العملة جعل رواتبهم بلا قيمة عمليًا، وفي وقت يحصل الضباط في الجيش على راتب يعادل أقل من 50 دولارًا في الشهر، فإن الجنود يتلقون أقل من ثلث ذلك.

جنود النظام السوري في مدينة القامشلي، سورية، حيث يسيطرون فقط على جيب صغير في الجزء الشمالي الشرقي من سورية الذي يديره الأكراد

قال الرجل، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه لتجنب الاعتقال: “لقد ضحّينا بعشرات الآلاف من أبنائنا ورجالنا، للدفاع عن سورية الموحدة والقوية، وللعيش بكرامة، على الرئيس أن يجد حلًا أو يرحل”.

السيد الأسد، الذي يَظهر أحيانًا في الأماكن العامة مرتديًا بدلات داكنة وربطة عنق رسمية، لم يردّ علنًا على السيد مخلوف، إنما ألقى باللوم على مؤامرات أعداء أجانب -الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها- يقفون وراء مشاكل بلاده.

نادرًا ما عالج الأسد المعاناة الاقتصادية التي تثقل كاهل مواطنيه، لكنه قال، الشهر الماضي، للجنة: إن القيود المفروضة على الأعمال والحركة التي تهدف إلى منع انتشار فيروس كورونا قد حاصرت السوريين، “بين الجوع والفقر والحرمان من جهة، والموت من جهة أخرى”.

تمكّن السيد الأسد من استعادة معظم البلاد، باستثناء بعض الجيوب في الشمال ومعظم الشمال الشرقي، بمساعدة عسكرية سخية من روسيا وإيران. لكن هؤلاء الحلفاء، الذين هم أنفسهم يصارعون في ظل العقوبات الغربية، من غير المرجح أن ينقذوه ماليًا. وقد أثار المسؤولون في كلا البلدين تساؤلات حول كيف سيدفع لهم السيد الأسد مقابل دعمهم.

قال المحلل السوري مكي: “الروس والإيرانيون والحلفاء لن يقوموا بدفع الأموال إلى سورية، إنهم يريدون عائدًا على استثمارهم”.

بشار الأسد مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو (في الوسط) والرئيس فلاديمير بوتين في دمشق، في كانون الثاني/ يناير. كان تدخل القوات الروسية حاسمًا في مساعدة السيد الأسد في كسب الحرب الأهلية

المزيد من الألم يلوح في الأفق، إذ ستفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة شاملة، عن طريق قانون قيصر، يمكن أن تستهدف رجال الأعمال الذين يحتاج إليهم الأسد لإعادة بناء المدن المدمرة.

قانون قيصر، الذي سُمّي على اسم مصور الشرطة السوري الذي انشق وأخذ معه صور آلاف السجناء الذين تعرضوا للتعذيب والقتل في الحجز السوري، يجيز لرئيس الولايات المتحدة معاقبة أي شخص يتعامل مع الحكومة السورية أو مسؤوليها، أو يقدم دعمًا كبيرًا لها. ويستهدف على وجه التحديد أي شخص يقدّم قطع غيار الطائرات، أو يقدّم خدمات لصناعة النفط السورية، أو يشارك في مشاريع هندسية أو إنشائية للدولة، أو الأشخاص المرتبطين بها.

وقال محللون إن التشريع واسع للغاية، لدرجة أن كيفية تطبيقه غير واضحة تمامًا، لكنه خلق بالفعل حالة من الجمود، من خلال شركات المنطقة التي تتطلع إلى فرص للاستفادة من جهود إعادة الإعمار في سورية.

قال خضر خضور، محلل شؤون سورية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: “إذا كنتُ رجل أعمال، ولديّ بضعة ملايين من الدولارات لأستثمرها، فلن أذهب إلى سورية اليوم، إنها مخاطرة كبيرة”.

العنوان الأصلي للمادةSyria’s Economy Collapses Even as Civil War Winds to a Close
الكاتبBen Hubbard
المصدرنيويورك تايمز 15 حزيران/ يونيو 2020
الرابطhttps://www.nytimes.com/2020/06/15/world/middleeast/syria-economy-assad-makhlouf.html?searchResultPosition=1
المترجموحدة الترجمة- محمد شمدين