اسم الكتاب: سورية الأخرى؛ صناعة الفن المعارض

اسم المؤلّف: ميريام كوك

المترجم: حازم نهار

مراجعة: وحدة الأبحاث الاجتماعية في مركز حرمون

دار النشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 

مكان النشر: الدوحة- قطر

تاريخ النشر: كانون الأول/ ديسمبر 2018

المحتويات

الفصل الأول: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية

شعارات، شعارات في كل مكان

الفصل الثاني: أدبنا حبيس الوطن

الفصل الثالث: لا شيء اسمه أدب النساء

في الفصل الرابع: انتقاد بالتكليف

الانتقاد المُكلَّف

فانتازيا الاختيار

الفصل الخامس: عروض معارضة

الفصل السادس: تصدير أحلام

الفصل السابع: خفف الوطء

 

هناك سورية أخرى، يعيش فيها المعارضون الوطنيون، وهم يسعون إلى إيجاد متنفس، يعبرون فيه عن وجودهم وإبداعهم في ظل ظروف لا يستطيع أن يتخيلها معظم الأجانب”.

بهذه الكلمات تفتتح الأكاديمية الأميركية (ميريام كوك)[1] مقدمة كتابها “سورية الأخرى” الذي سنرى فيه تفاصيل الحياة الثقافية، وتعقيدات العلاقة بينها وبين السلطة الحاكمة في سورية حافظ الأسد؛ لتكون شهادة من الخارج وإلى الخارج، ما دامت الأوضاع التي يعيش فيها المثقفون لا يمكن تصورها من قبل “الأجانب” أغلبهم.

أقامت (كوك) في سورية، في الفترة بين خريف 1995 وربيع 1996؛ أي: في ظل حكم الرئيس الأب حافظ الأسد. تعرفت كوك على الوسط الأدبي، وأولت اهتمامًا خاصًا “بحكم تخصصها” إلى الأديبات النساء: (كوليت خوري، وألفة الإدلبي، ونادية خوست، ونادية الغزي، وملاحة الخاني).

لكن الوسط الثقافي السوري لا يقتصر على الأديبات فقط؛ إذ إن معرفة الأحوال في سورية لا يمكن فهمها من دون الغوص في إشكاليات العلاقة بين الفنون “للمتخصصين هنا في هذا الميدان” والسلطة السياسية الحاكمة.

على هذا، وفي طريق تعرفها إلى الأدباء، التقت بالشاعر والمسرحي السوري “ممدوح عدوان” الذي لفت انتباهها؛ لتخصيص وقت للاهتمام بالأفلام والمسرح ومؤلفات الرجال، وليس فقط النساء؛ لكي تفهم ما يجري في سورية فهمًا حقيقيًا. ثم أشار عليها المخرج السينمائي “محمد ملص” بضرورة قراءة أدب السجون: (إبراهيم صموئيل، وغسان الجباعي)؛ لأن أهمية قراءة من هذا النوع، بحسب تعبير عدوان، تكمن في أن “سرديات السجون تعكس حياتنا اليومية”.

هنا، نرى الرغبة الكبيرة لدى المثقفين السوريين في خروج روايتهم عما يجري في سورية إلى الرأي العام العالمي والمتخصصين، في ظل التعتيم السلطوي وفقدان الوسائل لإيصال صوتهم الحر المعارض لاستبداد نظام حافظ الأسد.

تقول كوك: عندما سقط جدار برلين، أوغل الاستبداد الذي دام مدة طويلة في عدائه للمعارضين … انهارت الاشتراكية في شرق أوربا[2].

صحيح أن انهيار المنظومة الاشتراكية قد أثر إيديولوجيًا في المنتمين إلى الفكر الشيوعي الاشتراكي حينئذ، لكننا لا نرى مع “كوك” أن سقوط تلك المنظومة أسهم في تغول السلطة بالقمع ضد معارضيها من هذا الطيف؛ فالنظام لا يأبه بالمعارضين ولا بالظروف الدولية. لقد كان جلّ المعتقلين قبل سقوط المنظومة الاشتراكية من اليسار، إضافة إلى نجاح النظام في مساواته بالقمع  التيارات المعارضة جميعها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما.

وفي معرض حديث “كوك” عن تعقيدات العلاقة بين النظام والمثقفين، تقول:

بقي المثقفون السوريون في حالة حذر دائم في الأعوام الثلاثة والعشرين التي تلت الاستقلال، عام 1946، بسبب سلسلة الانقلابات. بعد ذلك منح القانون العرفي لعام 1963، المعزز في عام 1970، السيطرة المطلقة للحكومة على الإنتاج الثقافي وتوزيع المعلومات.

في عام 1969، أدرك حافظ الأسد الأهمية الرمزية التي تتمتع بها الصحافة، حين أرسل دباباته إلى مكاتب جريدتي البعث والثورة ومحطة البث في دمشق، وطرد كبار المحررين فيها، ونصب أماكنهم من يدينون له بالولاء. لقد كانت السيطرة على الصحافة تعني السيطرة على البلاد.

تلا ذلك سلسلة المحرمات: السياسة، والإيديولوجيا، والدين، والمجتمع، والاقتصاد، ولا سيما كل ما يتعلق بسورية والشرق الأوسط. ومنعت الرقابة تداول أي كتاب يحتوي على إشارة إلى العلويين، أو إلى أي اختلاف طائفي، ولهذا السبب تم فعليًا سحب جميع الدراسات الغربية عن سورية المعاصرة.[3]

بعد ذلك، تطاولت الرقابة على الصحافة في لبنان عام 1976، إبان التدخل السوري في الحرب الأهلية لمصلحة المسيحيين الموارنة.

هنا، تسرد الكاتبة قصة “سليم اللوزي” ناشر مجلة الحوادث الذي هرب إلى لندن، وعاد وقت وفاة والدته، لكن النظام السوري قتله، وأذاب يده اليمنى بالأسيد[4].

مع تغول دكتاتورية الأسد الأب في الحياة السورية، واستغلال كل ما يمكنه “الدين” للوصول إلى فكرة عبادته، شهدت سورية سنوات من العنف المباشر وغير المباشر؛ فنسبت كل المنجزات إلى شخصه، ودمر مدينة كاملة وقام بمجزرة كبيرة بحق أهليها من المدنيين “حماة”، بسبب حربه ضد الإخوان المسلمين، ثم نسيان السجناء المعارضين في سجونه التي لم تسلم- هي الأخرى- من المجازر “سجن تدمر”.

لقد اختار الكثيرون الخروج من سورية: (أدباء، ومثقفون، وسجناء سابقون) لكن الأكثر إثارة للاهتمام، كما تقول كوك، هم الآخرون الذين اختاروا البقاء، وحاولوا صنع شيء، حتى لو قادهم ذلك إلى أن ينطفئ ذكرهم في زنازين السجن الرطبة.[5]

فبالنسبة إليهم، إن الكفاح الحقيقي في الداخل.

الفصل الأول: الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية

تختبر “ميريام” في هذا الفصل الشعار المتداول من قبل السلطة في سورية: “الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية”؛ لتصل إلى أن المنتوج الثقافي- بصورة عامة- يشكل عقدة واضحة من حيث إشكالية علاقته بالسلطة السياسية والأمنية المسيطرة في سورية.

إن الفن الذي تشجعه السلطة الحاكمة، هو: الذي يكون تحت السيطرة، ويخدم أهدافها في التوغل في مقدرات الحياة اليومية وتفاصيلها، أما ما يخص الأصوات المعارضة فتلك مسألة أخرى؛ إذ لا حدود لما هو ممنوع ومسموح، وهذه سمة عامة للأنظمة الاستبدادية في حالاتها العالم ثالثية.

وتفرد الكاتبة هنا تصورات الكاتب التشيكي “فاتسلاف هافيل”، الذي أصبح رئيسًا في ما بعد، عن الأنظمة الشمولية. ويصح توصيف “هافيل” على حال النظام الدكتاتور في سورية حافظ الأسد.

تتلاعب الدولة ذات النظام الديكتاتوري بالشعارات والرموز، وتعتمد خطابًا تتفشى فيه الأكاذيب، ويغمره النفاق.  يكون الفرد فيه في أسمى درجات التحرر عندما يكون قابعًا في أدنى درجات الانحطاط، ويكمن تطوير الثقافة في قمعها، ويصبح الجدب في حرية التعبير هو أسمى صور الحرية، ويغدو الاحتلال العسكري مساعدة أخوية.

التحليل السابق يقدم صورة لظاهرة عبادة الأسد. لقد وضع النظام بالمعاني والرموز، التي تكرس ظاهرة عبادة الرئيس في المجتمع، القواعد الرئيسة للسلوك، في ظل ثقافة سياسية ينعدم فيها تصديق الخطاب بشكل سافر.

لم يكن المراد هو التصديق الحقيقي “لتلك الشعارات”؛ بل أن “يؤمنوا بهذه الشعارات الخادعة كلها، كان عليهم أن يتصرفوا كما لو أنهم يؤمنون بها، أو في الأقل أن يتقبلوها بصمت، أو أن يتعايشوا مع أولئك الذين يعملون معهم؛ لذلك كان عليهم أن يعيشوا الأكذوبة… ومن خلال هذه الحقيقة الواقعية، كان الأفراد يعززون النظام وينفّذونه ويصنعونه … ويصبحون هم النظام”.[6]

في ظل هذا الوضع السياسي القمعي المسيطر، كان الفنان السوري في تخصصاته المختلفة، يحاول أن يقدم خطوة في طريق تعزيز وجود حراك وانتفاضة شعبية، ولم يكن يعرف متى تأتي تلك اللحظة التاريخية.

هنا، يبدو كتاب (كوك) كأنه نبوءة بثورة 2011، حين تحاول لاحقًا- في متن الكتاب- أن تبرز غير مرة مهمة “تعرية” النظام من قبل الفنانين، بحيث تتراكم على مدى عقود حتى تشكل سردية مضادة لدكتاتورية عاتية كدكتاتورية حافظ الأسد.

هنا، تتم الإحالة إلى قصص “إبراهيم صموئيل، وعبد السلام العجيلي”.

تقول: “على الرغم من معرفتهم أنهم يستطيعون أن يثوروا على النظام، يفضل معظم الناس الصمت، فالإذعان للنظام هو الأسهل مهما يكن ذلك مؤلمًا”[7].

تتالى النقد تجاه السلطة الحاكمة، حتى ولو كان في إشارات مبطنة، من قبل الفنانين والمثقفين وبعض الأكاديميين، مثل: “أحمد برقاوي” الذي- ترى الكاتبة أنه- أكد فكرة “هافيل” حول تواطؤ السوريين الذين يعرفون أنهم ليسوا أحرارًا، لكن سلوكهم يوحي “أنهم يصدقون خطاب السلطة الذي يخبرهم أنهم كذلك”.

لقد كانت الرقابة اعتباطية إلى حد بعيد؛ إذ حتى لو التزم الكاتب القواعد غير المعلنة، وتمت الموافقة رسميًا على ما كتبه، فربما يجد نفسه تحت الرقابة بمفعول رجعي[8].

 

شعارات، شعارات في كل مكان

تكون الثقافة، من منظور الدولة، أسلوبًا للسيطرة الاجتماعية، فإدارة المعاني وبناء منظومة الرموز لخدمة الإيديولوجيا التي لا تهدف إلى تقديم المعرفة، وإنما إلى تنصيب/أو تعديل/ أو تحويل الموضوعات الاجتماعية.

كان على النظام أن يسيطر على منظومة الرموز الموجودة لدى السوريين؛ كي تزدهر العبودية؛ لذلك كان على المثقفين أن يلجؤوا إلى الفن؛ للهرب من هذا الغزو، وتحدي الدولة في الوقت نفسه.

تبرز (كوك) هنا سخرية الكتاب والشعراء من خطاب النظام الكاذب وولعه بالشعارات، كما محمد الماغوط في كتابه “سأخون وطني”، أو حسان عباس وأحمد معلا في “دليل المواطنة”، وأشعار فرج بيرقدار، وكلها تتحدث حول القمع والحرية والحقيقة والكذب.

 الفصل الثاني: أدبنا حبيس الوطن

في هذا الفصل نبحر مع الكاتبة في عالم الأديبات السوريات “وهو كان هدف زيارتها إلى سورية لمقابلتهن”.

نرى هنا لقاءاتها مع الأديبة غادة السمان في بيروت، والشاعرة هدى النعماني، وكوليت الخوري، ونادية الغزي التي رأت أن نظام الأسد ساهم في التعتيم على الأدب السوري والنسوي منه خاصة، ما أدى إلى خروجهن من سورية؛ لذلك تحول الأدب المكتوب في سورية إلى أن يكون “حبيس الوطن”.

 الفصل الثالث: لا شيء اسمه أدب النساء

تعود الكاتبة في هذا الفصل إلى القرن التاسع عشر؛ لترى إلى الصالونات التي كانت منتشرة آنذاك، في ذروة نشاط المثقفات السوريات، واللقاءات التي كانت تتم “ماريا مراش، وماري عجمي، وزهراء العابد”.

ترى الكاتبة: أن هناك عددًا من المحاولات لدى الكاتبات في بداية تسعينيات القرن الماضي لإعادة إحياء ذلك النشاط، فبرزت الكاتبة “ملاحة الخاني” التي أعادت الصالونات إلى الحياة عن طريق صالون “أرابيسك”.

بعد ذلك تجول الكاتبة في أعمال كل من”ألفة الأدلبي” و”نادية خوست”.

في الفصل الرابع: انتقاد بالتكليف

تعود الكاتبة إلى تحليلات سياسية ثقافية عدة حول سورية؛ لتبرز فكرة أسمتها “الانتقاد بالتكليف”.

بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، أصبح على الفنانين والكتاب السوريين أن يمشوا على حبل أقصر، وغدت المطالبة بالحريات المدنية جزءًا من الأجندة الليبرالية للدولة. مع ذلك كانت تعد المطالبة بهذه المبادئ جريمة في بعض الأحيان.

كيف يمكن للأفراد أن يعملوا مع الدولة محافظين على مسافة كافية تفصل بينهم وبين آلة البروباغندا الرسمية؟

تستشهد الكاتبة بتحليل “ليزا وادين” في كتابها عن سورية “السيطرة الغامضة”: “كانت الدولة السورية تدعو بشكل دوري الشعراء وأساتذة الجامعات والفنانين وكتاب المسرح إلى مساعدتها في إنتاج الرأي العام، وتغذية عبادة الأسد”.

تقدم تجربة النحات “مصطفى علي” دليلًا لفهم هذه العلاقة المعقدة بين السلطة والفنان؛ فقد قام علي بصنع منحوتات الخط العربي الضخمة من الرخام لقصر الشعب “قصر حافظ الأسد”، وطلبت منه وزارة الثقافة صنع جوائز مهرجان دمشق السينمائي.

في لقائها معه، يبرز علي فحوى منحوتاته التي يوجد فيها الكثير من الضباع وهي “ترمز في المنتج الثقافي السوري إلى السلطات القمعية التي تدوس على ظلال الناس وتسكتهم وتشلهم عن الحركة[9][10]“.

وتؤكد الفنانة هالة فيصل أهمية اللوحة والرسم في معارضة السلطة، إذ تقول: “أرسم لأن الكتابة واضحة جدًا. الفن أكثر غموضًا، وفهمه أكثر صعوبة”.

الانتقاد المُكلَّف

يعد الانتقاد المكلف مشروعًا رسميًا متناقضًا لرسم واجهة ديمقراطية. وكما الانتقاد المرخص، يتم تشجيع الانتقاد المكلف في أوقات الأزمات والاختناقات السياسية والاقتصادية.

هنا، تحدد السلطة مقدار الانتقاد المسموح به وحدوده من أجل المحافظة على حالة التشرذم أو الخضوع واللامبالاة عند الشعب.

كذلك، فإن الانتقادات التي تطاول النظام دون الرئيس، تُصنف ضمن ما أسمته “وادين” الانتقاد المرخص أو المأذون به، وهو ما يضمن تحرير قليلًا من الضغط وتخفيف حدته.

تتشابه تحليلات “كوك” المستندة إلى الكثير من تصورات “وادين”، مع تحليلات كبار المنظرين السوسيولوجيين، مثل: “بارسونز” و”هابرماس” اللذين نظّرا لآلية الاشتغال على تفريغ شحنات النسق من التوتر عن طريق ميكانيزمات “تنفيسية”،  تخفف الضغط، وتمنع النسق من الوصول إلى حد الانفجار. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن حاول تكريس عدم وجود خيار آخر غير الشكل الذي تمارسه السلطة؛ فيقع الأفراد وقتها أسرى لـ “يوتوبيا سلبية”، على حد تعبير هابرماس.

الانتقاد المُشترى، هو: آلية صمام أمان تسمح بما يدعوه السوريون “التنفيس”، وهو تلك اللحظة التي يتشارك فيها الجميع رفضهم ووعيهم الظلم الواقع عليهم؛ فهو يوفر لهم شيئًا من التنفيس الممتع للضغط المحقون في النفوس. لكنه بالمقابل ينبه إلى وجود وعي جمعي للظلم الموجود.

في هذه النقطة، يبدو أن ما حدث في عام 2011 كان نتيجة تراكم الوعي في زمن “التنفيس”؛ إذ وعى السوريون أن هناك ظلم وجور يعرفه الجميع، من دون أن يتكلموا عنه، أو يخوضوا فيه قبل الإتيان بسلوك مضاد له.

إن الانتقاد المكلف، هو: تلاعب النظام الميكافيلي الانتهازي بالمعارضة؛ فالدولة تضغط على معارضيها للاستمرار بسلوكهم المعارض لتقوم بمحاولة احتوائه.

هذا ينتج إرباكًا لدى المعارضين، أو الذين هم على درب الخروج عن خطاب الدولة. فالسماح لهم بالانتقاد يجعلهم مربكين: هل هم يقومون بذلك بدافع ذاتي أم بتواطؤ من قبل السلطة، وهذا يشمل المنتجات الفنية التي ينتجها الفنانون والأدباء.

إن الانتقاد المكلف، هو: آلية ضبطية تتحكم الدولة من خلالها في الساحات من خلال الحفاظ على شروط الإنتاج الثقافي في حالة من الشك وعدم التناسق، وإبقائه دائمًا مرتبطًا بالحكومة. كما أنه يتيح “كما يرى ميشيل فوكو” إنتاج الأجساد المطوَّعة بوسائل أقرب إلى سياسة الإكراه؛ فالأوامر المتناقضة والجوائز الاعتباطية تضمن الطاعة التي تصل إلى حد العبودية.

تنشر وزارة الثقافة كتاب المعارض، والسجين السياسي، غسان الجباعي: “أصابع الموز”، لكنها لا توزعه ولا تروّجه داخليًا، وإنما تسوّقه في معارض الكتب العربية؛ لتلميع صورة زائفة للاستهلاك الخارجي عن سورية ديمقراطية تحترم الحقوق المدنية.

أو أن تنتج فيلمًا، مثل: “نجوم النهار”، لكنه يمنع من العرض في الصالات السورية طويلًا قبل الإفراج عنه.

المسرح هو أقل الألوان استخدامًا من قبل السلطة؛ لأنه الأبسط، وينسى بعد العرض، لكن التلفاز والصحف هي الأخطر بالنسبة إلى الحكومة؛ فتدفع للحديث عن أزمات مرضي عنها “كالفساد لبعض الشخصيات أو غيرها من نقد دون الخطوط الحمر”.

فانتازيا الاختيار

يتعامل المثقفون مع تناقضات النظام من خلال مبادرات شكلانية، توحي بوجود اختيار ما. لكن التغلب على هذه المعضلة يكمن في تصديق خطاب النظام، والتظاهر أن الاختيار حقيقي، كما يرى “سلافوي جيجك”.

لكن مع ذلك، يجب أن يتحرك المعارضون والمثقفون في لعبة الاختيار وغيابه في المساحة الضيقة، وذلك بتقديم مطالبهم وتحدياتهم.

الفصل الخامس: عروض معارضة

تسرد الكاتبة هنا تجربة الكاتب المسرحي سعد الله ونوس في عروضه وكتاباته المسرحية “الفيل يا ملك الزمان” و”منمنمات تاريخية”، وكذلك ممدوح عدوان في مسرحيته “الغول” وكيف يمكن للمعارضة أن تطرح نفسها من خلال التمثيل.

في هذا المضمار، تذكر الكاتبة دور المسرح سياسيًا، كما تجلى عند ممدوح عدوان: “لا يكفي أن نصف زنزانة السجن، لا بد من أن نقدم عن كثب مشهد انكسار الروح، ولا يكفي أن نوصف آلة الطغيان، بل لابد من أن نرفع الغطاء عن تقنية الطغيان كي نكتسب القدرة على مقاومتها ونحوّل إحباطنا إلى تفاؤل”.

الفصل السادس: تصدير أحلام

تناقش “ميريام” فذ هذا الفصل عددًا من الأفلام التي برأيها تتضمن نقدًا كبيرًا لنظام القمع، مثل فيلم: “صعود المطر” لعبد اللطيف عبد الحميد، وفيلم “الكومبارس” لنبيل المالح، وأفلام “الليل” وأحلام المدينة” و”حلم” لمحمد ملص.

 الفصل السابع: خفف الوطء

فتفرد الكاتبة هذا الفصل للحديث عن تجربة أدب السجن، وخاصة تجربتي “غسان الجباعي” و”إبراهيم صموئيل”. فأدب السجون السوري “يوفر منظارًا إلى الحياة تحت الحكم الاستبدادي”.

وفي فصل الكتاب الأخير، الرحيل عن دمشق: تتحدث عن تسلم بشار السلطة عن أبيه حافظ، بعد موته عام 2000، وخيبة الأمل بالديمقراطية وبمساحة الحرية من قبل المعارضين والشعب.

وتختم “كوك” كتابها بهذا: “ليس من السهل الاستمرار في المقاومة عندما تتأرجح حلقة العنف بشكل أهوج ومفاجئ مثل أفعوانية الملاهي”.

[1]مؤلفة الكتاب (ميريام كوك) هي أكاديمية أميركية متخصصة في دراسات الشرق الأوسط والعالم العربي. تعنى في كتاباتها بالأدب العربي الحديث وإعادة تقييم الأدوار النسائية في المجال العام، وهي أستاذة الأدب العربي والثقافة في جامعة ديوك.

 [2] ميريام كوك، سورية الأخرى: صناعة الفن المعارض، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص25.

[3] المصدر السابق، ص30.

[4] المصدر السابق، ص31.

[5] السابق، ص41.

[6]السابق نفسه، ص47.

[7]السابق نفسه، ص49.

[8] السابق نفسه، ص53.

[9] السابق نفسه، ص112.

[10] السابق نفسه، ص112.