مقدمة
لا يمكن الادعاء أن زيارة بشار الأسد للإمارات العربية المتحدة[1]، يوم الجمعة 18 آذار/ مارس، بناءً على دعوة رسمية من الحكومة الإماراتية، كانت مفاجأة كبيرة. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا الركون إلى مقولة إنها كانت نتيجة متوقعة للتطورات والأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وفي شرق أوروبا.
بدأت حكومة الإمارات إعادة فتح التواصل مع نظام الأسد رسميًا في نهاية عام 2018، من خلال إعادة افتتاح سفارتها في دمشق، وكانت تلك التحركات خلال فترة شهر العسل الأميركي الإماراتي السعودي، مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض. وقد بُني على تلك التحركات عدد من الاستنتاجات حول قرب إعادة نظام بشار الأسد رسميًا إلى الجامعة العربية والمؤسسات العربية السياسية؛ فهل تُعَدّ هذه الزيارة مجرد امتداد لسياسة جديدة قادتها الحكومة الإماراتية عربيًا، أم أن لها علاقة وثيقة بالتغيرات الزلزالية التي بدأت تجتاح العالم بعد غزو بوتين لأوكرانيا؟
زيارة بشار الأسد للإمارات العربية المتحدة
كانت زيارة رأس النظام الأسدي إلى الإمارات سريعة، وقد استقبله كبار المسؤولين الإماراتيين؛ حيث التقى الأسد الشيخَ محمد بن راشد آل مكتوم (نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي)، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان (وليّ عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة). وكانت البيانات الرسمية الختامية -كما العادة في هذا النوع من الزيارات- مصوغةً بدقة، لتكون عامة وفق ما يصدر عادةً من مثل هذه اللقاءات الرسمية، من حيث تعزيز العلاقات ودعم السلام والأمن والاستقرار.
السوريون بالذات شاهدوا واهتمّوا بموعد الزيارة التي أتت في ذكرى انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، ولهم كل الحق أن يربطوا التاريخين ببعضهما، فهذه الزيارات وتنسيقها لا يأتي بمحض الصدفة، خاصة مع أهمية هذا التاريخ. فمن خلال هذه الزيارة، كانت الرسالة واضحة، حول انتقال حكومة الإمارات إلى موقف داعم لنظام الأسد، وهي موجّهة إلى ملايين السوريين الذين ما زالوا يرون في هذا التاريخ ذكرى تحمل فخرًا بانطلاق الثورة ضد الاستبداد وألمًا عميقًا بعد كل هذه المآسي التي أصابت السوريين.
من المفهوم أن يتعمّد بشار الأسد إرسال هذه الرسالة، لكن السؤال كبير حول المكسب الإماراتي من هذا الموعد، وعلى الرغم من أن لكل دولة الحقّ في أن تصوغ علاقاتها الخارجية بما تراه مناسبًا لمصالحها، فإن موعد الزيارة يضيف إلى الزيارة نفسها ثقلًا كبيرًا بالسؤال.
في كل الأحوال، يبقى لموعد الزيارة دلالة مهمة على المستوى الجيوسياسي بربطها بأزمة الحرب في أوكرانيا، واختلاف مواقف حكومات العالم حول هذه الحرب، وخاصة أن الإمارات العربية المتحدة كانت لها مواقف مفاجئة، إذ امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح القرار الذي قدّمته الولايات المتحدة الأميركية وألبانيا، لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية شباط/ فبراير، امتناعًا توازى مع امتناع الهند والصين، وتزامن مع موافقة روسية على قرار آخر يقضي بتوسيع الحظر المفروض على توريد الأسلحة للحوثيين في اليمن؛ حيث فُسّر الموقف الإماراتي بأنه صفقة سياسية ما بين الإمارات وروسيا، لتبادل الدعم حول هذين القرارين. ويلقى هذا التفسير تقبّلًا، لأن الإمارات، بعد مضي أيام على موقفها في مجلس الأمن، عادت وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب بانسحاب روسي فوري من أوكرانيا، وأدان قرار روسيا بزيادة حالة تأهّب قواتها النووية[2]؛ مع عدم تجاهل أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تملك أهمية قرارات مجلس الأمن الدولي.
في كل الأحوال، تعيد زيارة بشار الأسد للإمارات طرح الأسئلة حول انزياح السياسة الإماراتية وتعقيدات الانزياحات والمواقف السياسية حول سورية وأوكرانيا، من خلال العلاقة مع السياسة الروسية، والعلاقات مع الغرب؛ فعلى المستوى السياسي الدولي، بغضّ النظر عن موقف الحكومات من نظام بشار الأسد، يُعدّ بشار الأسد من بين الزعماء القلائل الذين أظهروا دعمًا علنيًا سياسيًا واضحًا لسياسة بوتين في أوكرانيا، وهو يمثل في الوقت نفسه، ببقائه في منصبه، رمز الحركة الروسية الخارجية خلال العقد الماضي، حيث كان إبقاؤه في منصبه أحد أهمّ غايات التدخل الروسي في سورية، مهما قال السياسيون في تصريحاتهم الدبلوماسية.
وعلى الرغم من أن هناك عددًا من الدول تؤيد، بشكل كامل أو جزئي، الغزو الروسي لأوكرانيا، وهناك دول أخرى ليست ضدّه، فإنّ غالبية الحكومات التزمت الحذر في إعلان مواقفها ضمن هذه الخطوط، بانتظار أن تتضح الصورة وآفاق الصراع. لكن بشار الأسد قرر وضع كل بيضه بسلة بوتين، والقفز بشكل كامل في خندق روسيا في حال توسع الصراع وظهور جبهات عالمية أكثر استقطابًا وصدامًا ما بين الغرب وما بين روسيا. ولذلك، أصدر بشار الأسد -في ثاني أيام الغزو الروسي لأوكرانيا- رسالة واضحة يدعم بها سياسة بوتين وغزو أوكرانيا الذي تسميه القنوات الإعلامية الروسية والسورية “عمليات عسكرية خاصة”، بما يتوافق مع سياسة الإعلام الروسي.
ضمن هذا المنحى، أتى الرد السياسي الأميركي واضحًا، بانزعاجه وخيبته من هذه الزيارة، وهو ضمن مناخ تصاعد الصراع واحتمالات تضخم الصدام الدولي ردّ مهمّ سيؤثر مستقبلًا في واقع التخندقات الجيوسياسية عالميًا.
الانحيازات في الخريطة الجيوسياسية
شهدت المنطقة، خلال السنوات الماضية، تقلبات بالتحالفات والاختلافات، وأحيانًا بالمواجهات السياسية بين دول الإقليم. وربما كان عنوانها، خارج الموضوع السوري، الخلاف الخليجي بين قطر ومعها تركيا، وبين الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومعهما مصر والبحرين. وعلى الرغم من أن انفراجات حصلت خلال السنة الأخيرة على هذه التوترات، وظهر أن الأمور تعود إلى طبيعتها، فإن الواضح أنها ما تزال انفراجات تكتيكية حتى الآن، وليست عميقة واستراتيجية.
اجتمعت حكومتا مصر والإمارات على محورية الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين، في صياغة مواقفهما السياسية الخارجية خلال الفترة الماضية، وما زالت الحكومتان تريان بذلك نوعًا من مسطرة التقييم، لكن بشكل أقل تشددًا. وكان من مظاهر انحسار التشدد في التوتر السياسي الإقليمي ظهورُ إشارات تدلّ على تحسّن العلاقة بين تركيا ومصر، دون حصول خطوات واضحة كبيرة بين البلدين، في حين حصل اختراق كبير بين الإمارات وتركيا، مع لقاءات كبار مسؤولي البلدين. أضف إلى ذلك تحسّن العلاقة مع حكومة إسرائيل الجديدة من قبل البلدين.
من ناحية أخرى، سعت الإمارات أيضًا لفتح قنوات تواصل أكثر قوة مع طهران، بالرغم من التوتر المستمر بين إيران وبين دول الخليج العربي، خاصة على وقع حرب اليمن وتورط إيران هناك بدعم الحوثيين، مقابل التدخل السعودي الإماراتي. وهو بكل الأحوال تقارب مشفوع برغبة سعودية ضمنية في فتح باب الحوار مع إيران، بعد أن أيقنت حكومتا السعودية والإمارات أن الولايات المتحدة لن تتورط في مواجهة كبيرة مع إيران لحماية حلفائها في الخليج العربي.
يعود جزء كبير من هذه الانفراجات السياسية إلى موقف مرتبط برؤية ترامب، خلال رئاسته للبيت الأبيض، والعلاقة المتينة التي بناها هو وصهره جاريد كوشنر مع الحكومتين السعودية والإماراتية، ضمن ما سُميّ “صفقة القرن”. فعلى الرغم من أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015، وتصاعد الموقف خلال رئاسته إلى شفا مواجهة عسكرية، سواء مع إيران أو كوريا الشمالية؛ فإن سياسة ترامب -كما اتضح لاحقًا- كانت سياسة مقامرة تميل إلى الوصول لحافة الهاوية، ثم محاولة فتح الأقنية المباشرة الواسعة مع من كان قبل يومين محلّ تهديد بحرب عسكرية[3].
ومع قدوم بايدن إلى البيت الأبيض، وهو الذي لم يبدِ تلك الحفاوة بالعلاقة مع الحكومتين السعودية والإماراتية، بل اتضح من خلال حركته تفضيله العمل مع الحكومة القطرية؛ ظهرت أسباب أخرى تدعو الإمارات وربما السعودية إلى محاولة صياغة توازن قوى جديد في علاقاتهم الدولية، تضمن على ما يبدو الاقتراب من روسيا والصين أكثر، والاستمرار في محاولة تحسين العلاقة مع طهران، بعد أن وجدوا أن انتظار بايدن لإعادة دفء العلاقات معهما قد يطول إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، وهو انتظار قلق لا يفضّله البلدان.
والآن، مع انفجار الحرب الروسية على أوكرانيا، ووضع العالم كله على حافة الهاوية خوفًا من حرب عالمية ثالثة تؤدي إلى حرب نووية، أو تؤدي، بحسب رؤية بعض المحللين، إلى إفراز نظام عالمي جديد مختلف عمّا ساد العالم منذ تسعينيات القرن الماضي، تعود بموجبه روسيا لتكون قطبًا عالميًا، أصبحت تشابكات وخيارات الدول حول هذه الأزمة شديدة التعقيد، وتصل أحيانًا إلى درجة التناقض، وهو ما قد يرفع السؤال الآتي: هل فعلًا صناع القرار متأكدون مما يفعلون؟
على ما يبدو أن العديد من الدول خارج الحلف الغربي تعلن رفضها للحرب من حيث الشكل، لكنّ هناك عددًا غير قليل من الدول يُبدي ميلًا إلى تفهّم “أسباب بوتين” لشنّ الحرب على أوكرانيا، وبعضها يصرّح بوضوح بأن المسؤولية والذنب يقعان على الغرب لا على روسيا، كما فعلت الصين، وكما أشارت الهند. ومع تزايد احتمالات استمرار الحرب فوق أوكرانيا لفترة طويلة، من المرجح أن تتضح الانحيازات الدولية ما بين روسيا وما بين الغرب أكثر مع مرور الوقت.
وإذا أضفنا إلى كل ما سبق الأنباءَ المتداولة، بخصوص رفض أو تحفظ الإمارات والسعودية على طلب الإدارة الأميركية زيادة الإنتاج النفطي[4] لتعويض النقص في السوق نتيجة العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، فإن الصورة تزداد تعقيدًا وربّما تكون فوضوية.
ضمن هذه الظروف، تتخذ زيارة بشار الأسد للإمارات بعدًا أكبر من كونها فتح نافذة له للعودة إلى الجامعة العربية، والاعتراف به عربيًا كرئيس “شرعي” لسورية. بل تأخذ هذه الزيارة معنى المكافأة لموقفه من الحرب الروسية، الذي تجاوز الدعم السياسي والدبلوماسي إلى إرسال آلاف المقاتلين السوريين للقتال مع الجيش الروسي في أوكرانيا.
ويمكننا الحكم بأن الانزعاج الأميركي من زيارة بشار للإمارات يعود بشكل أكبر إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، والتحفظ الإماراتي السعودي على زيادة إنتاج النفط، أكثر مما يعود إلى موقف إدارة بايدن من نظام الأسد. بالنسبة إلى الإمارات وروسيا، يشكّل نظام الأسد ممرًا خلفيًا مريحًا للعلاقات ما بين روسيا، وأيضًا إيران، وما بين دول الخليج العربي تحت وقع العقوبات الغربية.
صورة العلاقات الدولية حول سورية وأوكرانيا
ضمن هذه القراءة السريعة، نجد أن مواقف الدول حول سورية وأوكرانيا، أمام السياسة الروسية، تأخذ الجهة نفسها من الخندق، من حيث الدعم أو العداء والطيف ما بين الحدين.
وأكثر الانزياحات وضوحًا، في مواقف الدول تجاه روسيا، تظهر في منطقة الشرق الأوسط عند الإمارات العربية المتحدة والسعودية (الشكل 1)، إضافة إلى موقف الهند والبرازيل.
لا يمكن الادعاء أنّ هذه التغيرات بالعلاقات السياسية تعود فقط للحرب الروسية على أوكرانيا، بل تعود بداياتها إلى مرحلة تولّي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، والذي بدأ في ضرب كثير من الاستراتيجيات الأميركية الكبرى.

(الشكل 1) تمثيل لوني لمواقف حكومات بعض الدول من السياسة الروسية عمومًا، وخاصة في سورية وفي أوكرانيا.
هل هو نظام عالمي جديد؟
كانت الحرب والصراع فوق سورية بين هذا العدد من الدول أوضح وأوّل أشكال الحرب المتحكّم فيها عن بعد Proxy War؛ وأول نتائج انهيار منظومة النيوليبرالية الاقتصادية العالمية والأزمة المالية العالمية 2008-2009. فكان تدخّل إيران وروسيا ودول الخليج العربي وتركيا، إضافة إلى تدخل روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل، تدخلًا فاق بحجمه حجم سورية وما تملكه تحت وفوق الأرض والبحر، على مقياس مصالح ومطامع الدول، التي اعتدنا أن تدور حول الثروات الطبيعية أو الحجم أو التورط بنزاعات كبرى. لقد كانت هذه الحرب وما زالت حربًا فوق سورية، وليست على سورية[5].
كذلك حال الصراع فوق أوكرانيا حاليا بين روسيا بقيادة بوتين وبين الغرب بقيادة بايدن الرئيس الأميركي. هي حرب تتجاوز أوكرانيا كدولة وتتجاوز ما يُشاع حول التخوف الروسي من انضمامها لحلف الناتو.
لكن الحرب الأوكرانية وضعت العالم أمام ضرورة اختيار طرف والاصطفاف معه ضد الطرف الآخر، وكما يبدو هي أحد أهداف بوتين؛ فحجم الصدام العسكري في سورية بين القوات الروسية العسكرية مع الآخرين أقلّ بكثير من الصدام المباشر في أوكرانيا؛ كذلك موقع سورية أبعد جغرافيًا عن أوروبا.
تعارض العديد من الدول الانزياحَ للحد الأقصى في الوقوف مع أو ضد أحد الأطراف في أوكرانيا، لكن تطورات المواجهة ربما تزيد من الضغوط لاختيار أحد الطرفين روسيا والغرب. وهنا سيظهر السؤال: إلى أي حد يمكن للدول الكبيرة نسبيًا أن تنزاح بمواقفها؟
هنا، يظهر ضعف رهان بوتين على خلق استقطاب عالمي قاسي يجبر من لديه مشكلات مع الغرب عمومًا ومع الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، على الانزياح إلى موقف مناوئ للغرب. فالصين -بالرغم من أنها تسير في خط دعم غير مباشر لروسيا- تمارس هذا الدعم، من باب ابتزاز الغرب أولًا سياسيًا، ومن باب الاستفادة من أن ترسيخ موقعها أمام روسيا كصاحب اليد الأعلى وليس شريك الند للند. القراءة نفسها تنطبق على موقف الهند أيضًا، وهي الدولة التي تزداد أهمية ويثقل موقفها السياسي تبعًا لحجم اقتصادها المتنامي. أضف إلى ذلك أن علاقات الهند والصين ليست جيدة، بل تميل إلى تكون متوترة بشكل مستمر، فمواقفهما السياسية أيضًا مرتبطة بضرورة عدم ترك ساحة الغرب أو روسيا خالية للجار اللدود.
لا يبدو أنّ سعي بوتين لإقامة “نظام” عالمي جديد، تكون به روسيا قطبًا مقابلًا للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أو الصين، يملك مقومات النجاح؛ لإن روسيا لا تملك من مقومات القطب العالمي سوى قوتها العسكرية، والقوة العسكرية، على أهميتها، لا تضمن للدولة أن تصبح قطبًا عالميًا. فالعامل الأهم هو القوة الاقتصادية ثم السياسية ثم تأتي القوة العسكرية.
من ناحية ثانية، سياسة الصين، كقطب عالمي اقتصادي، يفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة للقطبية العالمية، لا تنسجم بعمق مع السياسة الروسية. فعلى الرغم من مرور ثلاثة عقود على تحسّن العلاقات الروسية الصينية، فإن الثقة بين الطرفين لا ترقى لتأسيس تحالف استراتيجي يستطيع مواجهة التحالف الغربي؛ فضلًا عن أن قوة الصين الاقتصادية مرتبطة بشكل جوهري بالقوة الاقتصادية الغربية، وضمن هذه الساحة لن تجد الصين في روسيا أي تعويض اقتصادي يوازي الساحة الغربية.
إلى أين تسير المنطقة وخطوط الرجعة؟
السؤال هنا: هل أبقت الإمارات العربية المتحدة خط الرجعة مفتوحًا، بعد استقبالها بشار الأسد وتقاربها مع روسيا سياسيا ونفطيًا؟
لا تميل السياسة الغربية والأميركية عمومًا إلى الانقلابات المفاجئة في علاقاتها، فضلًا عن أهمية دول الخليج العربي التي لم تتراجع في الرؤية الأميركية الاستراتيجية. لكن مع تصعيد الإمارات للأزمة مع الغرب بهذا الشكل في الأمم المتحدة، ثم في سوق النفط بالتشارك مع السعودية، والآن في تعقيد خرائط الفرز السياسي بين الدول حول الازمة الأوكرانية سيجعل المستقبل غامضًا لحد كبير، بالنسبة إلى الخليج العربي.
فحتى إيران برئاسة “رئيسي”، وهو السياسي الإيراني المُعرَّف على أنه من الجناح المتشدد داخل إيران، لم تبرز هذه الدعم للحرب الروسية، مع أن النظام الإيراني لا يمكن أن يتخلّى عن علاقاته الممتازة مع الكرملين ومع الحكومة الصينية، مهما قدّم الغرب من مغريات في الملف النووي الإيراني.
والسؤال هنا: هل تملك روسيا قوةً تضمن استقرار الخليج العربي، الذي شهد أكبر حربَين خلال العقود الثلاثة الماضية، وإنْ حاولت الإمارات العربية المتحدة فتح قنوات أكثر مرونة مع إيران؟
من الواضح لأي صانع قرار سياسي، ضمن هذه التعقيدات والتشابكات الدولية، أنه ليس من الحكمة لأيّ من الدول خارج خندقي المواجهة في أوكرانيا، روسيا والغرب، أن ينزاح بموقفه إلى مصلحة أحد الطرفين انزياحًا كاملًا، والأكثر وضوحًا أن الانزياح الأقرب لسياسة الكرملين يشكّل مقامرة غير مضمونة النتائج.
الانعكاسات على الحالة السورية
كما ذكرتُ سابقًا، من المفهوم أن يقفز بشار الأسد بسرعة في مركب سياسة الكرملين. لكن ربما يكون من الصعب فهم الموقف الإماراتي، الذي يتجاوز مجرد زيارة دبلوماسية عادية، ويتجاوز أيضًا أسلوب فتح الأقنية الخلفية بالعلاقات مع الدول الأخرى.
في كل الأحوال، هذه الزيارة -مع أهميتها الإعلامية ومحتوى الرسائل السياسية التي أرسلتها في المنطقة وإلى دول العالم- لن تغيّر كثيرًا في ميزان القوى حول سورية. وبالواقع، الأمر الأكثر حسمًا وتأثيرًا في مستقبل ما قد يحصل بسورية بات يرتبط إلى حد بعيد بنتائج غزو أوكرانيا وما قد يتمخض عنه.
ليس من الواضح إلى الآن نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا كيف ستكون، حتى بوتين وبايدن لا يعرفون النتائج بشكل شبه مؤكد. لكن السائد سياسيًا هو أن الغرب لا يريد إلحاق هزيمة مخجلة ببوتين، وفي الوقت نفسه، لن يقبل أن يحقق انتصارًا كبيرًا في أوروبا الشرقية[6].
في كلّ السيناريوهات، من المؤكد أن بوتين لن يتردد في استخدام أوراقه في سورية، للضغط على الغرب، أو على تركيا إن اضطر، في حال واجهته مصاعب خارج التوقعات. وفي حال حقّق بعض الانتصار، لن يتردد بعكسه على الموضوع السوري لتحقيق ما فشل به خلال سبع سنوات من التدخل المباشر في سورية. وإلى الآن، الأمر ليس واضحًا هل سيستخدم الغرب وبخاصة الإدارة الأميركية سورية لزيادة الضغط على بوتين في أوكرانيا أم لا! وما مدى المناورة التي يمكن أن يلجؤوا إليها في سورية، خصوصًا أنّ عيون بايدن مركزة أيضًا على مفاوضات الملف النووي الإيراني، واعتبار الوجود الإيراني ضرورة أخرى على مكتب بايدن.
الأسئلة كثيرة ومعقدة، ويصعب التكهن بالنتائج، خاصة مع وجود حالة عجز كاملة في صفوف مؤسسات وهيئات المعارضة السورية على أخذ المبادرة والتقدّم للاستفادة من هذه الظروف السياسية، لمصلحة تحقيق أكبر قدر من الأرباح، بدلًا من استمرار انتظار نتائج الصراعات الدولية فوق سورية وفي العالم. بشار الأسد اختار سلّته، وقرر القفز في حقيبة بوتين، لكن المعارضة السورية ما زالت تترقب أو ربما لا ترى أهمية ما يحدث.
[1] وكالة سانا – “الرئيس الأسد يلتقي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي” – 18/03/2022
[2] الجزيرة – “صوتت ضدّ روسيا بعد أن امتنعت مرتين.. لماذا تغير موقف الإمارات من الحرب في أوكرانيا؟” – 02/03/2022
[3] علاء الخطيب – “ترامب بين كوريا الشمالية وإيران والخيار النووي” – 31/07/2019
https://www.infosalam.com/geopolitics/studies/trump-iran-nkorea-nuc
[4] الغارديان – “White House faces oil standoff with Saudi Arabia and UAE as prices soar” – 13/03/2022
[5] علاء الخطيب – “الصراع الدولي والأزمة السورية: الأسباب والنهايات”- 01/09/2018
https://www.infosalam.com/syria/syria-studies/international-struggle-syria
[6] علاء الخطيب – ” القيصرية الروسية هل تعود للتمدد؟ طبول الحرب على حدود أوكرانيا”- 16/01/2022