نفذت الولايات المتحدة غارة جوية في 25 شباط/ فبراير 2021، في أول عمل عسكري تقوم به إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعد توليه الرئاسة الأميركية، استهدفت ما قالت إنه “ميليشيات مدعومة من إيران” في سورية، وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنه بناء على توجيهات الرئيس بايدن، شنّت القوات العسكرية الأميركية غارة جوية في سورية أسفرت عن تدمير بنى تحتية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران في شرق سورية، عند نقطة حدودية تستخدمها هذه الجماعات، وأوضحت أن التحرك محسوب ومُقنن لعدم تصعيد الوضع العام في كل من شرق سورية والعراق.

لم تُعرف بدقة ما هي الأهداف التي استهدفتها الولايات المتحدة، لكن تم تأكيد حصول الغارة بعد أن أدانت سورية هذا الهجوم الأميركي ووصفته بـ “الجبان”، وقالت الخارجية السورية في بيان “إنها إشارة سيئة فيما يتعلق بسياسات الإدارة الأميركية الجديدة التي ينبغي أن تلتزم بالمعايير الدولية”.

في معلومات أولية أعلن عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الغارة الأميركية دمّرت ثلاث شاحنات ذخيرة قادمة من العراق إلى نقطة حدودية غير شرعية جنوبي مدينة البوكمال السورية، وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن “هناك عدد من القتلى لا يقل عن 17 وفقًا لتقدير أولي، جميعهم من أعضاء الحشد الشعبي” في إشارة إلى تحالف القوات شبه العسكرية العراقية الموالية لإيران.

وصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي في بيان عملية القصف هذه بـ “الدفاعية”، موضحًا أن الضربات “سُمح بها ردًا على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأميركي وقوات التحالف في العراق والتهديدات المستمرة ضد هؤلاء”.

بدت الضربة محدودة النطاق، ويبدو أنها لم تتسبب بأضرار ذات قيمة للميليشيات التابعة لإيران، مما يُقلل من قيمة هذه الغارات عسكريًا، ولا يمكن تصنيفها بأنها قد توصل إلى مرحلة تصعيد قريب، ويُرجّح أنها مجرد رسالة بسيطة إلى إيران، ورسالة ليست قاسية في كل الأحوال.

مصادر أميركية غير رسمية، قالت إن الضربة تهدف إلى إرسال إشارة مفادها أن الولايات المتحدة تريد معاقبة الجماعات المتشددة الموالية لإيران، لكنها لا تريد أن ينزلق الوضع إلى صراع أكبر، وقد اختار الرئيس بايدن أقل الخيارات إحداثًا للعواقب.

ليس من الواضح إن كانت الضربات ستؤثر على الجهود الأميركية الرامية إلى إقناع إيران بالتفاوض على عودة الجانبين إلى الامتثال بالاتفاق النووي، الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018 في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، أم أن هذا الهجوم الأميركي هو رد على وابل من الصواريخ سقطت قبله بأيام على قاعدة تستضيف قوات أميركية شمالي بغداد، وسقوط صواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد، والتي تضم السفارة الأميركية وبعثات دبلوماسية أخرى.

أدانت روسيا الضربة الأميركية في سورية، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن واشنطن لم تخطرها بها إلا قبل 4 دقائق من تنفيذها، ودعا الولايات المتحدة إلى استئناف التواصل مع روسيا بشأن سورية لتوضيح موقف إدارة الرئيس جو بايدن، وأشار إلى أنه -وفقًا لبعض التقارير- فإن الولايات المتحدة لا تنوي الانسحاب من سورية على الإطلاق. كما أدانت الخارجية الروسية الضربة الأميركية وقالت إنها “انتهاك للقانون الدولي وسيادة سورية”، دون أن تعتبر أن وجود شحنات أسلحة وميليشيات إيرانية في سورية انتهاك لهذه السيادة.

تعتبر روسيا إيران موجودة في سورية لمساعدة “الحكومة الشرعية”، وبطلب رسمي منها، للقتال ضد من تصفهم بـ “الإرهابيين”، وهذا التعبير يشمل وفقًا للمنطق الروسي كل أطياف المعارضة السورية، كما تعتبر أن أي تواجد آخر لأي قوات أجنبية في سورية غير شرعي طالما لم يأخذ الإذن رسميًا من النظام السوري.

إيران التي تشتهر دولياً بأنها شبه مارقة، وتستهتر بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وصفت القصف الأميركي بأنه “انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقوانين الدولية”، وحذّرت من أن هذه الخطوة قد تسفر عن تصعيد عسكري وزعزعة استقرار المنطقة، حسب تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة.

وقال زادة “إن هذه الهجمات التي تأتي استمرارًا للاعتداءات المتواصلة للكيان الصهيوني على الأراضي السورية، جرت في الوقت الذي تتواجد فيه القوات الأميركية بصورة غير شرعية في الأراضي السورية منذ عدة أعوام وتقوم بنهب ثرواتها الطبيعية ومنها النفط، والتي تعد حقًا طبيعيًا للشعب السوري”.

من جهته، قال فراس طلاس، رجل الأعمال المنشق المعارض للنظام السوري، ونجل وزير الدفاع السوري الأسبق “درست، وعلى مدى أشهر، أثر الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية والسورية داخل سورية، وكانت الضربات عبارة عن تدريبات على مواقع كرتونية في مناطق فارغة، وأما بعض القتلى نتيجة الخمسين غارة حتى الآن فهم أضرار جانبية ليس إلا، علينا تحليل أسباب هذه الضربات إذا كانت لغير غاية التدريب”.

من جهتها رحبت إسرائيل في تصريحات لوسائل الإعلام بالغارات الجوية، وقال مسؤولون إسرائيليون إن إسرائيل “تشعر بارتياح بالغ إزاء هذا الهجوم، وترى فيه مؤشرًا إيجابيًا بشأن موقف إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إزاء إيران”، وأعربوا عن قناعتهم بأن هذه الغارات بعثت رسالة إلى طهران بشأن ضرورة أن تضبط النفس وتكبح جماح حلفائها في المنطقة.

الأمر اللافت، أنه طالما أن شاحنات الأسلحة المستهدفة دخلت من العراق، فإن هذا يشير إلى معلومات مؤكدة وردت إلى الأميركيين من الجانب العراقي، وهذا بحد ذاته يعتبر تغيّرًا في العراق، التي تربط قيادتها بإيران روابط وثيقة وعضوية، وتتحكم إيران بمفاصل عسكرية وأمنية مهمة فيها، وهذا يدعو للاعتقاد بأن الأميركيين بدأوا بتحقيق نجاحات في العراق لصالحهم على حساب تقلّص نفوذ إيران فيها.

يبدو مفاجئًا للبعض سرعة تحرك الرئيس الأميركي جو بايدن فيما يتعلق بالملف السوري، وموافقته على ضربة عسكرية بعد أسابيع قليلة من توليه السلطة، وهذا يدلّ في الغالب على قلق الرئيس بايدن من التحركات الإيرانية، أو رغبة منه بالتحرك بشكل سريع في كبح النفوذ الإيراني، الذي يُزعج أميركا وإسرائيل في نفس الوقت، وبنفس الشدة، ودليل على أنه مستعد للضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه أن يتحرش بالقوات العسكرية الأميركية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، في سورية أو العراق أو غيرهما، وأن استخدام القوة هو خيار مطروح دائمًا لدى الإدارة الديمقراطية التي تُردد كثيرًا حرصها على استخدام الدبلوماسية في التعاطي مع الأزمات الدولية.

الرسائل الأميركية من وراء الضربة متعددة، ووصلت لأطرافها، فهي من جهة رسالة للإيرانيين، بأنهم تحت مرمى النيران الأميركية دائمًا، وأن الولايات المتحدة سترد على أي تمرد إيراني، لكنها مع الموازنة بين الحفاظ على نهج معالجة الأزمات بدبلوماسية، وعدم الظهور بمظهر الضعيف في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها الجنود الأميركيون، ورسالة أخرى لروسيا، حليف إيران الأهم في سورية، مفادها أن أميركا لن تستثني حلفاء روسيا إن أزعجوها وأنها لا تضع لروسيا أي اعتبار أعلى من المتوقع، كما أنها رسالة للنظام السوري، بأن لا يتحالف مع إيران، وعليه أن يفكك العلاقة معها تدريجيًا وبمدى قريب، وأخيرًا هي رسالة لكل الأطراف الإقليمية والدولية المتواجدة في سورية والمتدخلة فيها، بأن الولايات المتحدة ستبقى اليد الضاربة الأهم في المنطقة وأن القوة العسكرية الأميركية ستبقى مواجدة في سورية والعراق طالما بقيت هاتان الدولتان في حالة فوضى وعدم استقرار، وطالما بقيت هناك قوات عسكرية وجيوش وميليشيات في هذا المجال الحيوي من الشرق الأوسط.

في الغالب الأعم وصلت الرسائل، وسينتبه متلقّوها إلى مضمونها، لكن ليس من المحسوم أن لا يكون هناك رسائل رد من هذه الأطراف، وإن حصل، فإن الشرق الأوسط مرشح لصيف حار، ليعود من جديد ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف الإقليمية والدولية المتنازعة والمتضاربة في المصالح.