المحتويات

مقدّمة

أولًا: القيم

ثانيًا: التصعيد بين «ترامب» وإيران

ثالثًا: موقف «ترامب» من الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ

رابعًا: الصراع السوريّ

ختامًا

 

 

مقدّمة

خلال السنوات الستِّ الدامية المنصرمة في منطقة الشرق الأوسط، كان لبعض وسائل الإعلام دورٌ مؤثّرٌ بعمق، نتيجة ما تتمتّع به من قدرةٍ عابرةٍ للحدود في الوصول إلى جمهور مشاهديها، ولتعبيرها عن آمالٍ، وهواجسَ، وأوهامٍ عامّةٍ أطلقها الصراع الناتج عن تزامن الثورات الشعبيّة المطالبة بالحرّيّة مع إدارة الرئيس الأميركيّ باراك أوباما الذي تمسّك حتى نهايةِ حكمه بسياسة الاقتصاد في صرف قوّة الولايات المتّحدة؛ وهي السياسة التي حفّزت دولًا إقليميّةً كبرى (تركيا، وإيران) وأخرى دوليّة (روسيا) على الصراع من أجل مدِّ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بينما تجد دولٌ أخرى صغرى نفسها في حال الدفاع عن النفس.

وإذ نشهد وصولَ رئيسٍ يمينيٍّ شعبويٍّ إلى البيت الأبيض الأميركيّ، ونشهد تداعيات تصريحات، هذا الوافد الجديد، وسلوكه، وإسهامه في الدفع بالاضطراب العالميّ خطواتٍ أخرى إلى الأمام، يصبح من الضروريّ إجراءُ دراساتٍ لمواكبة الإعلام، صاحب التأثير في الرأي العامّ في منطقة شرق المتوسّط لهذا المستجدِّ الدوليّ؛ لما في ذلك من فوائدَ، منها؛ التعرّف إلى توجّهات الأطراف التي تتبع لها هذه المنابر الإعلاميّة، والتعرّف إلى أفكارها التي يتعرّض جمهور الأطراف المتصارعة لتأثيرها.

واستجابةً لهذه الضرورة العامّة التي نوقن بها، اخترنا العمل، في تقرير الرصد الذي بين أيديكم، على قياسِ أهمِّ الموضوعات في تغطية موقعَي الجزيرة والمنار للرئيس الأميركيِّ المنتخب «دونالد ترامب» وتحليلها، والاختلاف في تناول كلٍّ منهما لهذه الموضوعات، عبر أخذِ عيّنةٍ عشوائيّةٍ بسيطةٍ للمنشورات الموجودة في قسمي الأخبار/ المعرفة في موقع الجزيرة، وعيّنةٍ عشوائيّةٍ بسيطةٍ لتلك الموجودة في موقع المنار (لا يوجد في المنار تمييزٌ في البحث بين ما هو خبرٌ، وما هو مقالٌ)، وبلغ حجمُ هاتين العيّنتين: (102) صفحة  ويب من «الجزيرة»، و(133) صفحة ويب من «المنار»؛ حيث حصرنا اهتمامنا في المدة الزمنيّة ما بين 1 كانون الثاني/ يناير 2017 و3 آذار/ مارس 2017([1])، كما حدّدنا المجتمع الإحصائيّ  بنتائج البحث الناتجة عن كتابة الكلمات المفتاحيّة الآتية: ترامب، ترمب([2]).وقد درسنا ذلك باستخدام أدوات بحثية منهجية([3])، ساعدتنا في رصد الموقعين، واستخلاص معلومات مفيدة للتحليل السياسي؛ من دون أن يكون هدفنا إنتاج بحث علمي (وان وجد أي من قرائنا أن في تقريرنا مقاربة أولى لبحث علمي، فذلك ناتج عن حسنات استخدام الأدوات المنهجية، وليس عن هدف مسبق حددناه لأنفسنا يحاسب التقرير بمقياس تحقيقه أو عدم تحقيقه).

وقد اخترنا هذين الموقعين، لأنَّ كلًّا منهما يعبّر عن محورٍ من المحاور الإقليميّة المتصارعة على سورية؛ فبينما يعبّر موقع قناة المنار عن إيران وتحالفاتها، بوصفه موقع القناة الفضائيّة الإعلاميّة المركزيّة لـ «حزب الله» التابع لإيران، يعبّر موقع قناة الجزيرة عن اتّجاهات السياسة القطريّة وتحالفها مع الإخوان المسلمين وشخصيّاتٍ قوميّة. مع رؤيتنا بأنَّ الموقعَين لا ينشران إلّا ما يعبّر عن سياستهما، وأنّهما يرسمان السياسة الإعلاميّة بصورةٍ مركزيّةٍ لكتّابهما. وكان السؤالان اللذان رافقانا، وحاولنا الإجابة عنهما باستخدام القياس والتحليل، هما: فكيف تناول هذان المُعبِّران «ظاهرة» ترامب؟  وما الاختلاف بينهما في هذا التناول؟

 

المجالات الأربعة كثيرة الأهمّيّة

 

1

صورة 1: نسبة التغطية في الموقعين كليهما لموضوعاتٍ مرتبطةٍ بـ «ترامب» (تمثّل الدائرة مساحة التغطية في الموقعَين كليهما للفئة الموافقة لها).

 

أظهرت نتائج بحثنا، الموضّحة في (الصورة 1)، بالاعتماد على برنامج MAXQDA، اشتراكَ الموقعَين في ترتيب الأهمّيّة لموضوعات تغطيتهما عن الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، وهي بحسب الترتيب: موضوع القيم، والصراعات القيميّة التي زاد «ترامب» من حدّتها، وموضوع العلاقة بين «ترامب» وإيران؛ وبعدهما نجد موضوعَ موقف «ترامب» من القضيّة الفلسطينيّة. أمّا تغطية موضوع «ترامب» والصراع السوريّ، فكان ترتيبه الرابع من حيث مساحة التغطية في الموقعَين كليهما.

وقرّرنا أن نتابعَ رصد هذه الموضوعات، ومقاربة التفاوت في اهتمام الموقعَين بها، وتفسير النتائج التي نتوصّل إليها. مع علمنا أنّ هذا التحديد سيسهّل، ويضبط عمليّة المقارنة والمسح، وذلك بحسب ترتيب الاهتمام الذي استخلصناه من الموقعَين.

 

أولًا: القيم

وهي التي برزت إعلاميًّا من خلال صدام وسائل الإعلام الأميركيّة مع «ترامب» بصورةٍ مباشرةٍ، كأن تقدّمه بوصفه «منتهكًا» مسلّماتٍ قيميّةٍ عالميّةٍ– غربيّةٍ متجذّرةٍ بقوّةٍ في الساحة الثقافيّة والسياسيّة والإعلاميّة العالميّة؛ حيث يجري التأكيد -على سبيل المثال- على أنَّ التعدّدية، وحماية المهاجرين، ورفض التمييز، هي قيمٌ عالميّة، في حين إنّ «قيم ترامب» هي شذوذٌ عنها.

وقد رسمنا هذا المضمار في أربع فئات (كودات)، هي:

  • القيم التي جاء بها، أو عبّر عنها «ترامب» ناتجةٌ عن مخاض الثقافة والقيم العالميّة– الغربيّة. وهي الفئة التي ظهرت في موقع المنار فقط (13 تكرارًا مقابل صفر تكرار في الجزيرة).
  • الحياديّة في تناول الصراع القيميّ بين «قيم ترامب»، والقيم العالميّة.
  • التركيز على القيم التي تظهر أنّها معاديةٌ للإسلام في سياق خطاب/ قرار «ترامب».
  • التركيز على الصراع بين «قيم ترامب» والقيم العالميّة، مع تبنٍّ من جانب الموقع للقيم العالميّة ضدَّ قيم ترامب.

2

صورة 2: نسبة التغطية في الموقعَين كليهما لفئات المجال القيميّ

 

يُظهر لنا الرسمُ البيانيّ (الصورة 2) المساحةَ التي تناول فيها موقعا الجزيرة والمنار مضمار القيم. حيث نجد أنّ «قناة المنار» عنيت بصورة أكبر من الجزيرة بالصراع القيمي بين “قيم – ترامب” والقيم العالمية المسلّم بها. في حين نجد أن النصوص تبدو حيادية في مقاربتها الصراع بين قيم ترامب والقيم العالميّة – الغربيّة.العالمية، تظهر في “الجزيرة” أكثر منها في (المنار».

ويُظهر تقدّم موضوع صراع «ترامب» مع القيم الليبراليّة، وإن حاكاه كل منهما بأسلوبه ولأهدافه، في اهتمام الموقعَين، وتأكيدهما على صواب الأولى نسبيًّا، على الرغم من حمولتهما الأيديولوجيّة الإسلاميّة؛ كيفية إرخاء العولمة بظلالها على كلِّ مُشترِكٍ في المجال السياسيِّ، من خلال فرض موضوعاتها، ومصطلحاتها، ومن ثمَّ ثقافتها على موضوعاته، وثقافته المحلّيّة. ويمكن عدُّ هذه النتيجة إثباتًا جديدًا لصدقيّة هذا الرأي النظريّ؛ حيث يركّز مُعبِّران عن الإسلام السنّيّ والإسلام الشيعيّ اهتمامهما -في الدرجة الأولى- في تغطيتهما، وتعليقهما على نتائج انتخاباتٍ أميركية (حيث تبدو هذه الانتخابات وكأنها انتخابات لرئاسة العالم) على القيم الديمقراطيّة الغربيّة، بما فيها حقوق المهاجرين. وهي دليلٌ جديدٌ أيضًا على صحّة أنّ الديمقراطيّة والعلمانيّة وشرعة حقوق الإنسان هي في مصلحة المجتمعات الضعيفة.

وتجري عمليّة التأثير العميقة سابقة الذكر بآليّاتٍ عدة، منها «السوق»، والإعلام، وأحيانًا الحروب، ما يولّد شعورًا لدى السياسيّين بأنّ إطار عملهم لم يعد محدودًا بمحليّته، إنّما هو مؤثّرٌ ومتأثِّرٌ بإطارِ السياسة العالميّة، ما يدفعهم إلى تلبية شروطها. وهو ما يحصل عندما يقتنع السياسيّ، والإعلاميّ المشتغل بالشأن السياسيِّ، بأنّ منطقة الشرق الأوسط، والمتحدّرين منها، متضرّرةٌ من القيم التي يبشّرُ بها «ترامب»، كما هو الحال في موضوع المهاجرين. وأصبح معلومًا في نطاقٍ واسعٍ قراره بحظرِ دخول مواطني سبع دول شرق-أوسطيّةٍ إلى الولايات المتّحدة (سورية وإيران والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن).

 

ثانيًا: التصعيد بين «ترامب» وإيران

وقد حللنا هذا المجال وفق أربع فئاتٍ هي:

  • التركيز على ردّات الفعل الإيرانيّة المتشدّدة على “ترامب”؛ حيث تركّز النصوص على العلاقة من بوّابة القوّة الإيرانيّة، والردود الإيرانيّة، هذه الردود التي تبدو قويّةً وصلبةً ومهدّدةً، مثلًا التهديد بشنِّ حربٍ أو ضرباتٍ عسكريّة. ونلاحظ في الصورة أدناه (صورة 3) أنَّ تكرار هذه الفئة أكبر لدى المنار منه لدى الجزيرة.
  • التركيز على ردّات الفعل الإيرانيّة المعتدلة على «ترامب»؛ حيث تركّز النصوص على تناول العلاقة الإيرانيّة بإدارة «ترامب» من زاوية الردِّ الإيرانيِّ المعتدل الدبلوماسيّ الذي يركّز –على سبيل المثال- على القانون الدوليّ. وفي الصورة (3) نجد أنَّ هذه الفئة حازت التغطية الوسعى بين الفئات جميعها، وذلك من جانب موقع المنار.
  • التركيز في مواقف «ترامب» شديدة العدائيّة تجاه إيران؛ حيث تركّز النصوص في تهديدات «ترامب» بوصفها غضبًا يمكن أن يتحوّلَ إلى حربٍ. وفي الصورة (3) نجد أنّ هذه الفئة ممثّلةٌ بصعوبة.
  • التركيز على مواقف «ترامب» العدائيّة تجاه إيران، ولكن أقلّ شدّةً قياسًا بتلك المصنّفة في البند السابق، ويمكن وصفها بأنّها «صرخاتُ حربٍ»؛ حيث تركّز النصوص في قدرة «ترامب» على تنفيذ تهديداته المعتدلة، بمثل أن يفرض عقوباتٍ اقتصاديّةً على سبيل المثال، أو إعادة النظر في الاتّفاق النوويّ.

 

3

الصورة 3: مجال العلاقة بين «ترامب» وإيران

 

ويبيّن الفرق في التغطية بين الموقعَين تركيز السياسة الإعلاميّة لـ«المنار» على «القوّة الإيرانيّة»، لضبط تفاعل جمهورها مع الضغط الأميركيّ المتصاعد، وإشاعة الشعور بالاطمئنان لقدرة إيران على «الانتصار» أمام التحديات الجديدة، وبحسب «المنار» فإن إيران انتصرت في التحدّيات السابقة.  وإذ تبالغ «المنار» في هذا الشأن، كما تخفي أنّ سبب اطمئنانها هو معرفتها بأنّ الوضع الدوليّ لا يسمح بحربٍ أميركيّةٍ مع إيران حتى الآن، فإن «الجزيرة» بدورها تبالغ في تركيزها على تهديدات «ترامب» بصورةٍ توحي بأنّه قادرٌ على أكثر ممّا تسمح به الظروف الدوليّة المتوتّرة، والحرب في سورية والعراق.

ثالثًا: موقف «ترامب» من الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ

ركّزنا في هذا المضمار على أربع فئاتٍ أساسيّة، هي:

  • الموقف السلبيّ من «الفلسطينيّين» عمومًا، وتُتفرع هذه الفئة إلى فئتين:

الموقف سلبيٌّ من الفلسطينيّين، وسلبيٌّ من الإسرائيليّين. الموقف سلبيٌّ من الفلسطينيّين، وإيجابيٌّ من الإسرائيليّين.

يجب أن نوضّحَ أنّ هذه الفئة تتناول موقف «ترامب» من زاويةٍ فلسطينيّةٍ أوّلًا.

  • الموقف السلبيّ من إسرائيل فقط (أي من دون أن يرافقه موقفٌ ما من الفلسطينيّين، أو يستلزمه، أو ينتج عنه، سواء كان سلبًا أم إيجابًا).
  • الموقف الضبابيّ تجاه أحد الأطراف بصورةٍ واضحةٍ (بمثل حال انتظار ردٍّ أو قرارٍ من ترامب).
  • الموقف الإيجابيّ من إسرائيل وحدها (أي من دون أن يرافقه، أو يستلزمه، أو ينتج عنه موقفٌ ما من الفلسطينيّين سواء كان سلبًا أم إيجابًا).
  • الموقف الإيجابيّ من إسرائيل، والسلبيّ من الفلسطينيّين.

 

4

صورة 4: مجال «ترامب» والقضيّة الفلسطينيّة

 

تُظهر لنا البيانات في (الصورة 4) أنَّ التغطية في الموقعَين معظمها، في ما يتعلّق بالعلاقة بين «ترامب» والصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، ركّزت في موقف «ترامب» الإيجابيّ من إسرائيل، ومن ثمّ السلبيّ من الفلسطينيّين عمومًا. وتَظهر هذه النتائج متوافقةً مع حرص كلِّ طرفٍ من الطرفين على الظهور أمام جمهوره بوصفه «حامل راية القضيّة الفلسطينيّة»، وبالتحديد الجمهور «العربيّ السنّيّ» الذي ما يزال حزبُ الله يمنّي النفس بعكس اتّجاه العلاقة مع قطاعٍ منه، بعد أن وصل إلى العداء الشديد مع أغلبيّته. ولهذا الهدف، يبقى «الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ» مجالًا خصبًا للحزب للاستثمار السياسيّ، ولكن في حقيقة الأمر، لكونه فقط يقع على خطّ التجاذب الإيرانيّ الإسرائيليّ الحادِّ، وسنجد الأمور تختلف بشدّةٍ، لو وصل هذان الطرفان إلى تطبيع علاقتهما. مع العلم أنّ مقارنةً أوليّة، وعبر الملاحظة، للمرحلتين الزمنيّتين قبل الثورة السوريّة وبعدها، وللمساحة التي تفردها «المنار» لمتابعة «الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ»، وتلك التي تفردها لمتابعة «الصراع السوريّ» بعد اندلاع الثورة، تفضي إلى إدراك حجم تراجع الموضوع الأوّل.

ومن السهل ملاحظة ارتباط شدّة اللهجة في متابعة الطرفين لهذا الملفِّ وغيابها بالحدث السوريِّ، والصراع الدائر هناك. فبعد أن كان الأمينُ العامُّ لحزب الله، حسن نصر الله، قد دفع بعناصرَ من حزبه إلى القتال في سورية دفعًا مباشرًا، بصفة مستشارين ومدرّبين لـ «الحوثيّين» في اليمن، وركّز جهده كله في الصراع مع المملكة العربيّة السعوديّة، عادت إيران إلى الحديث عن تدمير إسرائيل، وعلت أصوات من بين ميليشياتها (حركة المرتجى) تقول: إنّها أنشأت ميليشيا لـ «تحرير الجولان»، بينما تحافظ «الجزيرة» على خطابها «المعتدل» في هذا الشأن، فتدين دعم اليمين الإسرائيليّ الرافض للتسوية مع الفلسطينيّين، وتركّز في الحقوق الفلسطينيّة.

ولكون المدة التي حدّدناها لبحثنا انتهت على مشارف ما ينذرُ بتغييرٍ في تغطية المنار لما له ارتباطٌ بالصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، بما فيه سياسة الرئيس الأميركيّ، فإنّنا نكتفي بالإشارة إلى هذا الاحتمال، بينما نثبت أنّ هذه التغطية كانت في مدة البحث «خافتة الصوت» مقارنةً بما كانت عليه قبل الصراع في سورية.

 

رابعًا: الصراع السوريّ

بالتدقيق لاحظنا اهتمامًا كبيرًا من جانب الموقعَين، في مضمار الصراع السوريّ، بموقف «ترامب» من النظام السوريِّ، فركزنا -في دورنا- اهتمامنا بهذا الموضوع؛ وبغرض تبيّنّه في الرؤيتين، قسّمناه إلى ثلاث فئاتٍ أساسيّةٍ هي: الموقفُ الضبابيُّ من النظام، والموقف السلبيُّ من النظام، والموقفُ الإيجابيُّ من النظام. وكلُّ فئةٍ قُسِّمت –بصورةٍ متماثلةٍ– إلى الفئات الفرعيّة الآتية ([4]):

  1. الموقف (ضبابيٌّ، سلبيٌّ، إيجابيٌّ) بسبب أزمة اللاجئين والاتّحاد الأوروبيّ.
  2. الموقف (ضبابيٌّ، سلبيٌّ، إيجابيٌّ) بسبب القوى الإسلاميّة.
  3. الموقف (ضبابيٌّ، سلبيٌّ، إيجابيٌّ) بسبب إسرائيل.
  4. الموقف (ضبابيٌّ، سلبيٌّ، إيجابيٌّ) بسبب تركيا والسعودية والحلفاء التقليديّين السنّة للولايات المتّحدة (بما في ذلك مصر).
  5. الموقف (ضبابيٌّ، سلبيٌّ، إيجابيٌّ) بسبب إيران وحلفائها.
  6. الموقف (ضبابيٌّ، سلبيٌّ، إيجابيٌّ) بسبب روسيا.

 

5

صورة 5: مجال موقف «ترامب» من النظام السوريِّ.

 

وكانت نتائجنا، وكما هو موضّحٌ في (الصورة 5)، أنّ الموقعَين كليهما يقولان –بتكرارٍ- إنّ موقف «ترامب» من سورية ا يزال ضبابيًّا. وبيّنت النتائج ثلاثة تكراراتٍ في نصوص الجزيرة تحمّل السياسة الروسيّة مسؤوليّة الضبابيّة، وهي نسبةٌ ضئيلةٌ، بينما كان هناك ثمانية تكراراتٍ في نصوص «المنار» تحمّلها للجهاديّة السنّيّة، وهو ما ينسجم مع ادّعاءاتها بأنّ الصراع في سورية، ومنذ اللحظة الأولى للتظاهرات السلميّة، هو حربٌ ضدَّ «التكفيريّين». وفي هذا المجال نجد أيضًا -كما في «المجال القيميّ» سابق البحث- أنَّ هناك اهتمامًا من قبل «المنار» بالإيحاء بأنّ هناك مشتركاتٍ بين هذا التحالف والغرب. بينما تعمد «الجزيرة» إلى الإيحاء بوجود مشتركاتٍ بينها وبين الغرب، والتركيز على القيم، كما أسلفنا، مع تشديدٍ على قيم «الديمقراطيّة» و|(الحريّة» و«حقوق الإنسان»، التي تقدّمها بوصفها أهداف ثوراتِ المنطقة، ومُثُل الشباب العصريّين الذين تدافع عنهم.

مع العلم أنّ الترتيب المتأخّر للصراع في سورية في تغطية الموقعَين للرئيس الأميركيّ في مدة بحثنا، يعود أوّلًا إلى قلّة تصريحاته وخطواته العمليّة في هذا الخصوص، بينما تدلُّ المساحة التي يفردها الطرفان للموضوع السوري على أنّه الأوّل في قائمة اهتماماتهم العامّة. ويعود إلى شيوع اعتقادٍ -لم يحدث ما يؤكّده- بأنّ الرئيس الأميركيّ الجديد سيغيّر سياسة بلاده جذريًّا تجاه سورية. بينما في الواقع يستمرُّ «ترامب» حتى الآن في سياسة سلفه تجاه سورية التي استقرّت منذ نهاية 2012، وإن رافقته دائمًا حدّته اللفظيّة المتناسبة مع يمينيّته الشعبويّة. فإدارة «ترامب» ما زالت حريصةً على عدم سقوط سلطة الأسد بعد أن انهار جلُّ نظامه السياسيّ؛ في الوقت الذي ما زالت فيه حريصةً على عدم انتصار أيٍّ من الأطراف المتصارعة، حتى لا يصبح المنتصرُ صاحبَ القول الفصل في مستقبل سورية، وحتى يبقى استنزاف خصومها؛ وما زالت تعدّ حزب الاتّحاد الديمقراطيّ، الذراع السوريّة لحزب العمّال الكردستانيّ الناشط في تركيا، والمتعاون مع سلطة الأسد وإيران، الحليف الميدانيّ المهم كثيرًا الذي تدعمه عسكريًّا؛ وما زالت تدعم مفاوضاتٍ «استكشافيّةً» تعمل في ضوئها على تكريس سطوتها على مستقبل سورية، في الوقت الذي تنتظر فيه نضجَ تسويةٍ ترضيها.

 

ختامًا

ركّزنا اهتمامنا في ورقتنا على معرفة المجالات التي يجدها الموقعان الإعلاميّان الرئيسان في المحورين الإقليميَّين المتقاتلَين في بلدانٍ عدّة في الشرق الأوسط، والموضوعات المهمة في متابعتهما للرئيس الأميركيّ الجديد دونالد ترامب. واستخدمنا تحليلَ هذه المجالات لمعرفة جوانبَ من الاختلاف في تناول كلٍّ منهما لها، وعملنا على مقاربة بعض أسباب كلٍّ منهما. وكانت هذه المجالات هي: القيم، وصراع «ترامب» مع إيران، وموقفه من الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، وموقفه من الصراع في سورية و«النظام السوريّ».

ولعلّ أهمَّ استنتاجاتنا، هو أنّ الموقعَين لم ينجُوَا من تأثير العولمة في فرض موضوعاتها، ومصطلحاتها، ومن ثمَّ ثقافتها في موضوعاتهما وثقافتهما المحليّة، حيث حاكى كلٌّ منهما «القيم الغربيّة» بالجوانب التي عدّها منسجمة مع ما يقدّمه، بوصفه حقيقة الصراع الجاري تحديدًا في سورية. وسيكون من المفيد إجراءُ أبحاثٍ علميّةٍ لهذا الاستنتاج، ودراسة مدى تأثير العولمة، وآليّات هذا التأثير في معبِّرَين أيديولوجيّين؛ واحد عن الإسلام الشيعيِّ، والآخر عن الإسلام السنّيِّ، بل إنّ أحدهما، وهو موقع قناة المنار، يمكن عدّه مُعبِّرًا عن «الجهاديّة الشيعيّة» أيضًا.

وقد بيّنت الموضوعات المشتركة الاهتمامات العامّة المشتركة في المنطقة، وكانت متمحورةً معظمها في تأثير خطاب الرئيس الأميركيّ الجديد، وسياسته في المنطقة، وفي المُتحدِّرين منها. وتبيّنّا أنّ الموضوعات «القيميّة» العامّة، يجري التركيز في تناولها من قبل المُعبِّرَين الإعلاميَّين على صلتها بمنطقة الشرق الأوسط، بينما عبَّر التفاوت في الاهتمام، أو موضوعه، عن وظيفةٍ سياسيّة؛ بمثل تركيز نصوص موقع قناة المنار في «قوّة إيران»، بينما تركّز نصوص موقع قناة الجزيرة في «ترامب» بصفته الرئيس المنتخب لأقوى دولةٍ في العالم.

 

([1]) وهي مدة تمتدّ منذ ما قدّرنا بملاحظتنا، أنّها بداية ذروة جديدة لاهتمام الإعلام بمواقف الرئيس المنتخب، لقرب الاحتفال بتنصيبه، وصولًا إلى اليوم السابق لبدئنا بالعمل على الورقة.

([2]) لهذا الغرض استخدمنا، بمقدار حاجتنا، برنامج MAXQDA.

([3])- منها أننا قمنا باستخدامنا التكرارات البسيطة والنسب المئوية مُظهرة بشكل بياني بغية المقارنة، كما استخدمنا اختبار “كاي مربع” (Chi Sequare) لدراسة الفرق بين قيم التكرارات لمتغيرين اسميين أو أكثر، وذلك عند مستوى معنوية 5%؛ بغية الوصول إلى نتيجة تفيد بوجود فرق ذو ذي دلالة إحصائية أو لا.

([4]) يمكن الملاحظة أنّنا أضفنا فئة فرعيّة للموقف الضبابيّ–تظهر في الصورة- هي «الموقف ضبابيّ)) بسبب المعارضة السوريّة والجيش السوريّ الحرّ، وكان تكرار تلك الفئة يساوي صفرًا في الفئات الأساسي الأربع جميعها. وهو ما يعني أنّ أيَّ موقف لـ«ترامب)) -حدث تناوله في الموقعين- لم يدنهما.