المحتويات

مقدمة

أولًا: احتكار الصفة الوطنية السورية

ثانيًا: التهكّم على المعارضة والتعالي عليها

ثالثًا: القمع والبنية العنيفة

رابعًا: الشباب خط أحمر

خامسًا: شعارات المقاومة والممانعة، بوصفها أداة لتعزيز المنظومة التسلطية

    الممانعة لتسويق الزعامة

سادسًا: خاتمة

سابعًا: استنتاجات عامة

قائمة المراجع

 

مقدمة

قد تكفي الملاحظة الدقيقة والموضوعية لبنية النظام السوري الحاكم، ولسلوكه منذ تسلمه مقاليد الحكم، للاستنتاج بأنه غير قابل للإصلاح (بالمعنى السياسي والاقتصادي والأخلاقي للكلمة)؛ وبالتالي، فإن خيار البقاء أو الدمار كان -وما زال- الاستراتيجية الوحيدة الناجعة بالنسبة إليه.

ومن الواضح أن لا شيء قد تغير في هذه الذهنية، منذ تكوّنها حتى لحظة كتابة هذه الأسطر؛ فمن وجهة نظر النظام أن خياره الأول، المتمثل في شعار الأسد أو نحرق البلد، ما زال ثابتًا بعنادٍ مُلاحظ، منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من أن هذا العناد لا يصبُّ في مصلحته السياسية والاستراتيجية في أحيانٍ كثيرة، وقد عبَّر بشار الأسد عن هذا الثبات في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب، “المُنتخب حديثًا”، حيث يقول: لا خيار لنا سوى الانتصار وإلا لن تبقى سورية، ولن يكون لأبنائنا لا حاضر ولا مستقبل[1]، ونعتقد أن الثبات على هذا المنوال، في الخطاب والممارسة، منذ إطلاق شعار ”الأسد أو نحرق البلد على أقل تقدير، لا يمكن أن ينتج عن ذهنية تنهل -منهجيًا- من الحقل الفكري السياسي، سواء القديم منه، أم المعاصر، بقدر ما تنهل من حقل السلوك اللاإرادي للجماعات العصبوية، ليس على مستوى الفكر والانتماء والسلوك فحسب، بل على مستوى الوهم الذي يُولِّد الإحساس المَرَضِي بالتفوق والتميُّز كذلك؛ وبالتالي، التوَّهم باحتكار القيم جميعها، والسيطرة على الدولة، وتحويل قوتها إلى أداة قمع وتدمير، وضرورة قيادة المجتمع، الذي ينظر إليه بشيءٍ من الاحتقار، ويراه متخلفًا؛ هذا ما جعل من المدرسة والمؤسسات التربوية رموزًا، تُلخص أو تُكثف البنية التسلطية[2]، وهذا ما يجعل من النظرة التحقيرية إلى المجتمع ضرورة حزبية نخبوية ثابتة؛ ليكون الحزب مَطهَرًا”، يتطهر فيه الأفراد من التخلف وتداعياته. وحين يستمر الحزب، بعد عقود من قيادة المجتمع، في نعته بالتخلف؛ فإن ذلك لا يعني سوى تأكيد شرعيّة قيادته لمجتمع قاصر، وعاجز عن إدارة شؤونه بنفسه…هذه هي القسمة بين مجتمع متخلف وتابع، وطليعة تقدمية متحررة، تسبغ على نفسها ما تشتهي من الصفات[3].

 

1)   مفاهيم الدراسة:[4]

  • الجماعة/ المجموعة الاجتماعية (Social group): مجموعة من الأفراد الذين يتفاعلون بأساليب منتظمة بعضهم مع بعض. ويكون المَلمح المُحدد للجماعة وعيَ أعضائها بوجود هُوية مشتركة بينهم.
  • البِنية الاجتماعية (Social Structure): أنماط التفاعل بين الأفراد أو الجماعات. فالحياة الاجتماعية لا تمضي بطريقة عشوائية، بل -في الواقع- إن معظم الأنشطة محددة بنائيًا؛ فهي منظمة بطريقة مضبوطة، سواء أكان النظام مُعلنًا أم مُضمرًا. ويكون البناء الاجتماعي للجماعة بمنزلة العوارض الصلبة التي ينهض عليها البناء، وتربط أجزاءه بعضها ببعض.
  • العصبية: الرابطة التي تتكون استنادًا إلى الالتحام بالنسب، أو بما في معناه. وذلك كما طرحها ابن خلدون في الفصل الثامن من مقدمته.
  • الطائفة (Denomination): الجماعة الدينية التي فقدت حيويتها وقدرتها على التجدد، وأصبحت هيئة مُمأسسة، ينصاع لسلطتها أعداد مهمة من الناس.
  • التسلطية (Authoritarianism): منظومة من الخصائص، تتضمن نظرة ضيقة متشددة، لا تسامح فيها، ولا قدرة على قبول الغموض.
  • القوة (Power): مقدرة الأفراد، أو أعضاء الجماعة، على تحقيق أهدافهم، أو قدرتهم على تطوير المصالح التي يتمتعون بها. وتتخلل القوة جميع جوانب العلاقات الإنسانية. ويمكن النظر إلى العديد من الصراعات التي تدور في المجتمع، بوصفها صراعات من أجل الاستحواذ على القوة؛ نظرًا لأن مقدار القوة الذي يمكن أن يحوزه الفرد أو الجماعة، هو الذي يحدد القدرات على تحويل الأماني إلى واقع.
  • الأيديولوجية (Ideology): منظومة من المعتقدات والأفكار المشتركة التي تُبِّرر مصالح الجماعة المهيمنة في المجتمع. وتوجد الأيديولوجيات في جميع المجتمعات التي تنشأ فيها، وتترسخ، أنساق منهجيّة للتفاوت، وعدم المساواة بين الجماعات. ويرتبط مفهوم الأيديولوجية ارتباطًا وثيقًا بمفهوم القوة؛ إذ تسعى النظم الأيدولوجية لإضفاء الشرعية على تباين القوة بين الجماعات وتفاوتها.
  • القيم: أفكار يعتقنها الأفراد، أو الجماعات البشرية، تتعلق بما هو مرغوب، وملائم، وطيب أو سيّئ.
  • الثورة (Revolution): عملية تغيير سياسي، تنطوي على حركات جماهيرية، تستهدف قلب النظام السياسي القائم، وإحلال نظام جديد. وتختلف الثورة عن الانقلاب، نظرًا لأنها تنطوي على حركات جماهيرية، وحدوث تغييرات جوهرية في النظام السياسي بمجمله. ويشير مصطلح الانقلاب إلى الاستيلاء على القوة، باستخدام السلاح، من قبل أفراد يحلّون بعد ذلك مكان القادة السياسيين، دون أن يُحدثوا تغييرًا راديكاليًا في نظام الحكم، كما يمكن أيضًا التفريق ما بين الثورات وحركات التمرد، التي تنطوي على تحدي السلطات السياسية القائمة، ولكنها تهدف كالانقلاب إلى تغيير أشخاص، أكثر منها إحداث تحولات في البناء السياسي بحد ذاته.
  • المجتمع المدني (Civil society): مجال النشاط الذي يقع بين الدولة والسوق، بما في ذلك العائلة، والمدارس، وجمعيات المجتمع المحلي، والمؤسسات غير الاقتصادية. والمجتمع المدني، أو الثقافة المدنية، هي من المكونات الجوهرية للمجتمعات الديمقراطية الحّية.
  • المنهاج الخفي (Hidden curriculum): أنماط السلوك والمواقف التي يتعلمها الأفراد في المدرسة، لكنها لا تُدرَج في المناهج الرسميّة. وتُعدّ المناهج الخفية “الأجندة غير المعلنة” في العملية التعليمية، التي تنطوي -مثلًا- على جوانب التربية العقائدية، أو الاختلافات الجنوسية.

2)   إشكالية الدراسة

في ظل السياق المذكور الذي يُنظر من خلاله إلى العصبية، واستراتيجية العنف الثابتة، كركائز وجودية للنظام السوري[5]، وبعد التمعُّن في سلوك وخطاب النظام، عندما يستشعر تهديدًا لبقائه في السلطة[6]، تتجه هذه الدراسة إلى طرح، وإثبات، الفرضيتين التاليتين:

أولاً: إن الاستراتيجية الإبادية، على مستوى السلوك والخطاب، ذات “طبيعة بنيوية”، مرافقة لتكوين النظام، أي: إنه لم يعمل على تشكيلها بقدر ما عمل على تطويرها؛ وذلك لكونها تشكَّلت معه، كخاصيّة أصيلة في بنيته وحيثيات ولادته. وما زاد من إيمانه بأهمية هذه الاستراتيجية، أنها أثبتت نجاحها، إبّان التمرد الذي شهدته البلاد نهاية السبعينيات، وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، والذي انتهى بمجزرة حماة عام 1982. عند استشعار أي تهديد، كان يصح لديه القول بالصيغة الديكارتية: “أنا أقتل؛ إذن أنا موجود”. وظلَّت تجربة الإخوان المسلمين (الطليعة المقاتلة) حيّةً، تُستحضر؛ لخلق الرعب اللازم لإرضاء غريزة البقاء، وقد حرص النظام على ألا تندمل؛ لإدامة مفعولها التأديبي[7].

ويبدو أن الحديث عن الإصلاحات لا يتم إلا في إطار السعي للتعكير [التشويش] على وحدة الرأي المعارض؛ لتوسيع الفئة الداعية إلى الحوار والإصلاح، على حساب الفئة الداعية إلى إسقاط النظام، ولكسب المزيد من الوقت الذي يتيح استخدام المزيد من القوة. وتشكّل هذه الذهنية القاعدة المنهجية التي يستند إليها النظام في مقاربة فكرة المفاوضات، والحوار مع معارضيه[8]، وتُفسر هذه “الطبيعة الغرائزية” عدم قدرة النظام على استغلال فرص ثمينة للتهدئة، والسيطرة على الاحتجاجات منذ بداياتها في درعا، حيث كانت الذريعة لفض اعتصام المسجد العمري بالقوة، هي عدم وفاء وجهاء درعا بوعودهم في تفكيك نقاط الاعتصام، على الرغم من أن هذه القوة لم تعطِ المعتصمين مهلة تزيد على ربع ساعة، وكانت هذه المهلة غير واقعية؛ لتنفيذ الاتفاق الذي أُبرم مع وجهاء المدينة، والذي يضمن عودة الهدوء، ووقف الاعتصام، مقابل انسحاب القوى الأمنية من المدينة، وفي اليوم التالي ارتفعت وتيرة العنف، وتجدد سيناريو القتل والقوة المفرطة المبالغ فيها[9]. ومن جملة ما تقود إليه ملاحظة سلوك النظام، منذ عام 1970، وذهنية تعاطيه العنيف مع كل ما يهدد وجوده، استنتاج أن نهج حماة 1982، ليس نهجاً سياسيًّا مرحليَّا، وإنما نهجٌ بنيويّ، ذو طبيعةٍ ثابتة؛ ما يعني أن النظام لا يمكن إلا أن يعود إلى استراتيجيته التدميرية، عند استشعاره خطرًا داخليًّا ما، يهدد وجوده.

ثانيًا: ذهنية النظام السوري التي امتلكت النزعة العنيفة وطوَّرتها، هي -بالضرورة- ذهنية مغلقة وعنيدة، والأهم أنها عصبويّة، وتعتمد على نواة صلبة، عملت بكدٍّ على صناعة عصبيّة أمنية، تتغذى على اجترار أيديولوجياتٍ مقدسة، متعددة الأوهام، وتُسخر العلويّة،[10](بالمعنى العصبوي الخلدوني للمصطلح المذهبي)، والبرجوازية الطفيلية التي تعتاش على امتيازات الفساد، والنهب المنظم، المتشابك مع المنظومة الأمنية الغرائزية، ومع بداية التهديد الأبرز لحياة النظام، في آذار/ مارس 2011 كان بناء، أو إعادة بناء، حامل اجتماعي بقلب، وأيديولوجية طائفيتين، هو المحور الرئيس لاستراتيجية النواة الصلبة[11].

تحاول هذه الدراسة الكشف عن بعض خصائص النظام البنيوية، المستندة إلى نواته الصلبة، والتي ينتج عنها -دائمًا- سلوك ثابت بصورة، تبدو -أحيانًا- غير منطقية، وغير مبررة، عند النظر إليها من منظور السياسة ونظرياتها ومتغيراتها؛ وذلك عبر محاولة تقديم إجابة، أو إجابات، عن السؤاليّن المركزيين التاليين: كيف يفكّر النظام السوري، عند تعاطيه مع القضايا التي يفهمها على أنها مُهددة لوجوده كنظامٍ حاكم؟ وما دور الذهنية العصبوية التي تستخدم العنف والتعالي، في تحديد طبيعة سلوك النظام، بحيث تجعله يتعامل مع هذه القضايا من دون تفكير، أي: بالاستناد إلى تقليد ثابت، وراسخ، ملتصق بقضية وجوده من عدمه؟

 

3)   أهمية الدراسة

تنبع أهمية هذه الدراسة -في اعتقادنا- من الأهمية المتجددة لضرورة فهم الذهنية التي تقبع خلف سلوك النظام إزاء ما يحدث، وتأتي كمساهمة متواضعة في سياق العمل الوطني السوري، الذي شكّلَت الثورة السورية، عام 2011، منعطفًا جديدًا في تشكيله وبنائه، ويمكن تلخيص أهمية الدراسة في النقاط الآتية:

نظريًّا: تقدم مساهمة لفهم طبيعة ومنهجية تفكير نظام سلطوي، يتحكم في المجتمع، في تصوراته ومفاهيمه وتطوره؛ وذلك عبر ملاحظة ومقارنة سلوكه، في فترات زمنية مختلفة من سني حكمه للدولة والمجتمع.

عمليًا: شكّلت الثورة السورية، بما فيها من خيبات وآمال، فرصةً لإعادة قراءة النظام السوري، وتحليل تركيبته الداخلية؛ تمهيدًا لتجاوزه، والبناء على تجربة الصراع معه. وتحمل دراسته -في هذا السياق- أهمية يمكن تحديدها، كما يلي: تساهم الدراسة -بتواضع- في تحديد طرق وخيارات السوريين، في صراع الحرية والخلاص الذي يخوضونه، منذ آذار/ مارس 2011؛ وذلك بما تحمل من منهجية مقارنِة، تساهم في تصوّر وتوقّع مسارات ومآلات الصراع المستقبلية، وفي هذا السياق العملي لا يمكن لأي جهدٍ مشابه أن يدّعي الكفاية، بل تكمن الأهمية في التكامل الذي ينتج عن المراكمة، والبناء على الاستنتاجات.

ولا نبني أهمية هذه الدراسة العملية إلا ضمن هذا المسار التراكمي المأمول، وتزداد هذه الأهمية عند الأخذ في الحسبان حقيقة أن النظام السوري أثبت، في غير مرّةٍ، أنه غير مؤهل لأن يكون شريكًا وطنيًا في إنفاذ حلٍّ سياسيٍّ، ينقذ سورية وشعبها من المآل المدمّر الذي أوصلهما إليه. تكمن علّة ذلك في جوهر بنية النظام وسلوكه، منذ لحظة تأسيسه عام 1970، وحتى الآن، كنظامٍ غير سياسي، يقوم على الاستبداد والإقصاء والتمييز والعنف المنفلت، الذي مارسه بأشكاله المختلفة، عبر مساره الطويل، ليس في الداخل السوري فحسب، وإنما على صعيد الإقليم، وفي المجال العربي والدوليّ أيضًا”.[12]

 

 

4)   أهداف الدراسة 

تتحدد أهداف الدراسة في الآتي:

  • المساهمة في التأصيل النظري؛ لفهم بنيية النظام العصبوية التي تتخذ من العنف منهجًا ثابتًا لا يتغير.
  • ملاحظة أهم السلوكيات التي تتولّد عن هذه الذهنية العصبوية، في أثناء استشعار خطر، يمكن أن يهدد وجود النظام في فترات مختلفة من حكمه، ومقارنة السلوكيات الصادرة في أحوال متشابهة موضوعيًا.
  • المساهمة في تحفيز العقل السوري (خصوصًا الشباب) على البحث النظري، للبدء في مسار ضبط المفاهيم السياسية المشوهة تشويهًا ممنهجًا، مثل: مفاهيم السلطة، والنظام السياسي، والدولة، والمجتمع المدني، والديمقراطية، والوطن، والمواطنة…إلخ.

 

5)   الإطار المنهجي للدراسة

نطرح في إطار السياق السابق أن المنهجية الأقرب إلى الإجابة عن أسئلة البحث، متضمَّنة في حقل دراسة السلوكيات اللاإرادية الثابتة إزاء أي تهديد للحياة، وهي -بالعموم- المنهجية التي سنستخدمها في هذه الدراسة، إضافة إلى تدعيم الفرضيات، بملاحظة ومناقشة أمثلة أنموذجية موثقة على سلوك وردّات فعل المدروس. وبهذا المعنى ربما نقع في خطأ منهجي (وهذا ما يقع غالبًا) إذا اتبعنا المنهجيات المستخدمة في دراسة السياسات، وتوقعها (السياسة عمليات متغيرة بتغير المكان والزمان والمعطيات والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية…إلخ) عند دراسة سلوك النظام، وعند محاولة توقع سلوكه في المستقبل؛ حيث أن نظامًا يقوم على الأجهزة الأمنية، لا يمكن أن يمتلك سياسة”[13]. هذا عمومًا، أما تفصيلًا، فإن الدراسة تستعين بمناهج عدة متكاملة، للإجابة عن سؤاليها، وهي:

  • منهج دراسة السلوك: ويتعلق الأمر -هنا- بملاحظة سلوك النظام إزاء حوادث وقضايا ومفاهيم، تشترك في إطار تصنيفي واحد، ويستند التصنيف الذي اتبعناه إلى أحوال وحيثيات الحدث الموضوعية بالنسبة إلى الحوادث، وإلى الواقع الفكري السائد، والقابل للتطور، في ما يخص القضايا والمفاهيم.
  • المنهج المقارن: وذلك على مستويين اثنين: الأول مقارنة سلوك وخطاب النظام إزاء القضايا المتشابهة في التصنيف، ضمن المسار المنطقي المُحدد للدراسة. والثاني مقارنة المفاهيم الأساسية من منظور النظام، وكما يتشبّع بها النظام فكريًا، ويروج لها إعلاميًا، مع المنظور الحداثي المتطور الذي ينظر إلى المفاهيم ككائنات متطورة لخدمة الإنسانية، وصلت حدًا معينًا من التطور، وما زالت قيد نقاشٍ وتشكيل.
  • المنهج التحليلي:تحليل الخطابات والتصريحات والسلوكيات (والقصص المؤسطرة أحيانًا)، في محاولة لفهم غاياتها وقتَ إطلاقها، وفهم الذهنية التي أنتجتها.
  • منهج تحليل المحادثة:يتفحص هذا التحليل تفصيلات الحديث الطبيعي؛ من أجل اكتشاف المبادئ التي تنظم الكلام، ودورها في إنتاج النظام الاجتماعي، وإعادة إنتاجه.

 

 

6)   حدود الدراسة

تتجنب هذه الدراسة الإشكاليات الناجمة عن الدخول في مسار التتبع التفصيلي للحوادث جميعها؛ الأمر الذي يحتاج إلى فريق بحثي متكامل، ومصادر معلومات ميدانية أكثر تعقيدًا، وعوضًا عن ذلك اتبعنا الخوض في موضوعات وأمثلة أنموذجية يمكن القارئ من خلالها تكوين انطباع عام. وتُحدَّد الدراسة زمانيًا بالفترة ما بين آذار/ مارس 1963، حتى أيار/ مايو 2016، تاريخ كتابة هذه السطور. ومكانيًا لا تتعدى الحدود السورية الداخلية، ولا تتعاطى مع المسائل والحوادث الخارجية إلا في بعض الأماكن، ومن زاوية تأثيرها على أهداف الدراسة فحسب. وتتبع الدراسة المسار المنطقي التالي: يتوزع المحتوى على خمسة محاور أساسية، مضمونها الصفة الوطنية من وجهة نظر النظام، وطريقة التعاطي مع الرأي المعارض، ثم توصيف استراتيجية العنف في التعاطي مع المجتمع والمحيط، ونتطرق إلى طريقة التعاطي مع فئة الشباب؛ لما لذلك من أهمية خاصة، ثم نقدم قراءة في مصطلح المقاومة، بوصفة مصطلحًا ملازمًا لخطاب وشعارات النظام منذ تأسيسه، ونبرر اتباع هذا المسار كونه تصنيفًا موضوعيا، يقود إليه العمل وفق منهجيات الدراسة الموضَّحة سابقًا، ويشكّل وسطًا قابلًا لاستنتاج الأجوبة، ومقاربة الإشكالية المطروحة.

 

7)   صعوبات الدراسة

  • تأتي الدراسة في وقت تعيش فيه سورية والسوريون أحوال حربٍ وقتلٍ وتدمير ولجوء، تترك -مجتمعةً- أثرها، على شكل صعوبة في إنجاز الفصل الضروري بين الذات والموضوع، في هذا النوع من الدراسات، وفي هذا التوقيت.
  • بنية النظام السوري المغلقة، وقلة الدراسات والإحصاءات السابقة، الموثقة والمحكمة التي تخدم أهداف الدراسة.
  • على الرغم من الحرص في أن تركِّز الدراسة على أهدافها، إلا أن طبيعة الموضوع تتطلب التشعب في موضوعات عدة، وحوادث مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالموضوع، وتكمن الصعوبة في استخلاص المعلومات التي تخدم الموضوع، من دون التشعب غير الممنهج، ودون إهمال السياق العام.
  • صعوبات الحصول على الأمثلة الموثقة والمفيدة، والتحقق من صحتها في أثناء المقارنة.

 

أولًا: احتكار الصفة الوطنية السورية

على الرغم من المدلولات العاطفية لمفهوم الوطن، وأهمية الحضور الدائم لهذه المدلولات على المستوى الوجداني والأخلاقي، إلا أن مفهوم الوطن في النهاية مفهوم سياسي، يتجسد في صيغة قانونية هي الدولة الوطنية التي يشكلها الأفراد معًا، في إطارٍ من التشريع، يُحدد الحقوق والواجبات التي للمواطنين وعليهم. والشرط الأوّلي واللازم، لتكون الدولة وطنية، هو شرط الحيادية الإيجابية، إزاء الاختلافات والتناقضات التي يحتويها المجتمع المدني، والتي يكون وسطًا لنزاعاتها الفكرية، واختلافاتها البنيوية، في حين يجمعها الوسط السياسي/الدولة على اختلافها، ضمن صيغة ديمقراطية، تضمن تداول السلطة وتوزيع الثروة.

وعليه يجب تثبيت حقيقة التشويه المعرفي الذي دخل الحياة السياسية في سورية، والذي يقوم على عدم التفريق بين الدولة والسلطة، ثم مقاربة كافة المفاهيم ذات الصلة، ومنها مفهوم الوطنية، انطلاقًا من هذه الحقيقة قبل الولوج في حقل التحليلات والاستنتاجات. إنّ الوطنيّة السليمة الجديرة باسمها مرتبطة بالديمقراطيّة، بمعنى أنّ الوطنيّة الواعية والمخلصة ذات البعدين: العاطفي والفكري، تحتاج إلى مناخ اجتماعي وسلطوي ديمقراطي؛ كي تتفتّح، وتتحقّق، وتستمرّ، وإلا بقيت نزعة عاطفيّة عابرة، تظهر في أحوال معيّنة ثم تختفي. فالديمقراطيّة تُشعر الفرد بأنّه عضو فعّال في المجتمع، ومشارك في مقرّرات الدولة؛ عندئذ يتماهى ومجتمعه، ويتوحّد ودولته، فيصير منها وتصير منه.[14] ومن الطبيعي أن تصبح مصطلحات الوطن والوطنية والسيادة أداةً للمزاودة والمراوغة والتسلطية، عندما تنتفي الحدود بين السلطة والدولة، أو بين النظام السياسي الحاكم والدولة، ويمكن تَلمُّس هذا النوع من المزاودة عند ملاحظة خطاب النظام السوري وسلوكه، اللذين يعكسان طريقة تفكيره ومقارباته؛ فنجد -مثلًا- أن النظام السوري يُقدِّم على لسان رئيسه تشخيصًا للاحتجاجات التي شهدتها سورية، في آذار/ مارس 2011، في أيامها الأُوَل، على أنها فتنة”، وبناءً على هذا التفكير الذي أظهرت سيرورة الحوادث أنه واهم، (ولكن متناغم على مستوى قناعاته وسلوكه)، يُقدّم النظام، ويوضح في خطابه الأول، بعد بدء الحراك في درعا: لا مكان لمن يقف في الوسط، فالقضية ليست الدولة، بل الوطن”.[15]

تقودنا القراءة المتأنية في الذهنية التي أنتجت هذه العبارة، في مثل هذا الوضع، إلى الاستنتاج، أولًا: إنها ذهنية لا تجد فرقًا بين الدولة والنظام الحاكم، الذي احتكر سلطة الدولة وسخّرها؛ فالاحتجاجات لم تكن ضد الدولة السورية، ولم يتم توثيق أي شعار، أو سلوك، ينمّ عن أنها كانت ضد الدولة، لا، بل إنها لم ترقَ إلى مستوى المطالبة بإسقاط النظام في البدايات، بقدر ما أرادت أن ترسل رسالة قوية اللهجة عن أهمية الإصلاح، والبدء جديًا بتنفيذه. وثانيًا: إن هذه الذهنية لا تُميّز بين الدولة والوطن، وبالتالي تؤمن إيمانًا صلبًا، ينبع من طبيعة تركيبها، بأن النظام الحاكم (الجماعة العصبوية) هو الدولة، وأن الاحتجاج، أو الضغط على هذه الجماعة العصبوية، هو ضغط على الدولة، وبما أن الدولة هي الوطن؛ فإن أي احتجاج هو فعلٌ لا وطني وخائن”، وهذا التعبير تجده عند صناع القرار السوري جميعهم، في الدائرتين: الضيقة والواسعة، ابتداءً من العضو البعثي العامل، المؤمن بأهداف الحزب انطلاقًا من فكرة القائد الرمز- الأسطورة، وانتهاءً برئيس الجمهورية، وتُنتج حالة من الاختلال في العلاقة بين المجتمع والدولة، ويبدو أن الحفاظ على هذا الاختلال صفة بنيوية ثابتة، وُلِدت مع ولادة النظام، ولن تتوقف إلا بسقوطه كنظام حاكم. ولا ترقى الدولة -بموجب هذا الخلل- إلى مجتمع سياسي، يعبّر عن المجتمع المدني، ويتساوى أعضاؤه في الحقوق والواجبات، وتغدو مجرد أداة قمع وقهر بيد القوة الغالبة، ووسيلة لإعادة توزيع الثروة وعوامل الإنتاج بين الفئات الاجتماعية، وفق مبدأ الغلَبة والقهر وإرادة الغالب، ونوعًا من ملكية خاصة لهذا الأخير؛ وهذا ما أدى -بالفعل- إلى تطابق الدولة والسلطة العسكرية-الأمنية، الممسكة بزمامها وصيرورتهما معًا دولة البعث”، وأدى -من ثم- إلى شخصنة السلطة، وخصخصة الوطن؛ لتصير سورية كلها سورية الأسد”[16]. ولهذا السلوك البنيوي ما يمهد له، ويثبّت دعائمه في فترة حكم البعث، منذ 1963، حتى ولادة هذا النظام عام 1970، والتي يمكن أن نطلق عليها المرحلة الجنينية للنظام”؛ حيث عمل البعث على تغيير جذري حقيقي في الدولة والمجتمع والاقتصاد.

كانت قد بدأت صيغة نووية للتعاقد الاجتماعي تطفو على سطح الحياة السياسية السورية، بعد الوحدة مع مصر، وأدخل سياسيون مصطلحات واعدة إلى الحياة السياسية، مثل: مصطلح دولة الأمة” الذي استهل به رئيس الحكومة السورية آنذاك، معروف الدواليبي، افتتاح الجلسة الأولى للبرلمان، في كانون الثاني/ يناير 1962،[17] وطُرحت سياسات اقتصادية ولَّادة للحالة الديمقراطية السياسية، لو سنحت لها الفرص في أن تتطور، وتتبلور في تلك الفترة، بعد ذلك تبنت المرحلة الجنينية البعثية -بحماسة فائقة- القبضة الحديدية”، وعممت العنف برعاية الدولة، والصراع الطبقي، كجزء من استراتيجية بناء الدولة التسلطية الشعبوية.[18]

وعمل البعث، بعد عام 1963، على إنشاء جهاز للدولة، يعمل كذراع متين ومضمون للنظام، ومن أولى ميادين الإصلاح التي عالجها البعث، وكانت -بالتالي- تحمل ملامح الأيديولوجية البعثية بأوضح صورها؛ إعادة تنظيم بيروقراطية الدولة؛ بهدف ترسيخ سيطرة البعث على الهيئات والمؤسسات، التي حظيت باستقلالية كبيرة بعد الاستقلال.[19] كانت هذه المرحلة مرحلة تكوّن الذهنية العنيفة التي عاصرها السوريون، في أوضح معالمها المطوّرة، في عدة محطات منذ عام 1970، مرورًا بمجزرة حماة عام 1982، وصولًا إلى قمع الدولة غير المسبوق بعد آذار 2011.

ينظر النظام إلى الوطن، على حد التعبير الذي يستخدمه السوريون، كـ “مزرعة أبوه”، ويبدو أن هذا التعبير دقيق، ومتعمق في ذهنية تفكيره، ليس على مستوى الفكرة فحسب، بل على مستوى مأسسة هذه الحالة كذلك، وليس على مستوى المؤسسة العسكرية والأمنية فحسب، بل على مستوى مؤسسات الدولة المدنية كذلك، خاصة المؤسسة الإعلامية الرسمية، وغير الرسمية، التي تنتمي إلى أفراد العائلة؛ حيث كان الإعلام أداةً للممارسة الغرائزية، وذهب فيها بعيدًا إلى حدٍ لا يُصدّق؛ حيث ساهم في خلق الوعي المطابق مع البنية المتخلفة”، على حد تعبير أحمد برقاوي[20]، البنية التي تؤمن بأن الوطن هو النظام، والنظام هو الزعيم الأوحد، ومن بعده وريثه، وأن الدولة ومؤسساتها في خدمة الوطن الذي يحمل هذا المعنى، فالقائد رمز الوطن، ومن لا يحب الوطن-القائد، لا يستحق العيش فيه”، هذا ما تقوله لافتات عديدة في العاصمة دمشق. لقد صنع الإعلام قائدًا بحجم الوطن، ووطنًا بحجم القائد[21]. والخلاصة أن الذهنية المنبع، المُهيّأة لاإراديًا لأن تكون ما هي عليه، والتي ينهل منها النظام سلوكه وردّات فعله، هي ذهنية تؤمن بالتماهي بين الدولة والوطن والسلطة والقائد الرمز، وهذه الذهنية كانت ثابتة في جميع المنعطفات التي استشعر فيها تهديدًا لبقائه، أو إزعاجًا لسكونه، يراها متعالية، تُمهل ولا تهمل، فالتطاول عليها انتهاكٌ للمقدس، ومساسٌ بأمن الوطن، وتجاوزٌ للحدود المسموحة والخطوط الحمراء.

وقد عبر عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية السابق، عن هذه الذهنية -بوضوح-  في كلمة له، ألقاها في أثناء اجتماعه بأعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق، على مدرج الجامعة، في 18 شباط/ فبراير 2001، على خلفية النقاشات التي دارت في المنتديات التي رافقت فترة ربيع دمشق، ولا سيّما منتدى جمال الدين الأتاسي، الذي كان يحضره مجموعة من المعارضين والمثقفين؛ حيث قال في نهاية كلمته: “إن قيادة “البعث” أعطت “النشطاء” والمثقفين “مهلة ستة أشهر، لكن هناك حدودًا، وأهم هذه الحدود أمن البلد واستقراره “…[22]. لا يشكل المثقفون -عادةً- خطرًا على أمن البلد واستقراره، إلا إذا كان المقصود بأمن البلد أمن النظام وقادته. واقتضت هذه الذهنية -بطبيعة الحال- وأد الهوية الوطنية السورية باستمرار، والقبول بالوطنية والمواطنة على مستوى الشعارات، ورفضها ككيان سياسي حقوقي؛ حيث منعت أيديولوجية النظام وممارسته تشكُّل هوية وطنية سورية في حدود الدولة السورية، وذلك عبر الممارسات التالية:

  • عدم تحول المواطنة السورية إلى أي كيان حقوقي من أي نوع.
  • التعامل مع المواطنين عبر الهويات الجهوية والعشائرية، وحتى الطائفية من جهة، والتأكيد على الهوية العربية، بوصفها أيدولوجية دولة من جهة أخرى[23].

وفي المقابل وجب التنويه إلى أن الهوية السورية الوطنية الجامعة، التي بدأت بالتشكل مع بداية الثورة السورية، لم تلقَ حاملًا سياسيًّا يتلاءم ومضمونها، كونها فرصة نادرة لصناعة الحالة الوطنية، وتُركت أمام احتمالات الضياع والتلاشي؛ بسبب عوامل كثيرة، لا مجال للخوض فيها في إطار هذه الدراسة.

 

ثانيًا: التهكّم على المعارضة والتعالي عليها

سنتبع في هذا المحور منهجية، لا تكتفي بالنظر إلى سلوك النظام تجاه معارضيه، والتي أصبحت واضحة بالملاحظة، ولا سيّما في السنوات الخمس الأخيرة، بل النظر إلى طريقة تفكيره من الداخل، -ضمن تركيبته وبنيته-؛ لفهم الخلفيات البنيوية التي يستند إليها، في صنع آليات تعاطيه مع معارضيه، والذهنية التي تحكم في تحديد خصومه، على المستوى الداخلي السوري.

إن بنية النظام العصبوية، -ولا نقول الطائفية أو الدينية، إلا بمعنى تأثير الدين على العصبية، بمعناها الخلدوني؛ – جعلت من طريقة إدارته الصراع مع معارضيه، في عمقها المنهجي والسلوكي، طريقة أقرب إلى الصراع القبلي العشائري منها إلى الصراع السياسي؛ حيث تغذي العصبيةُ (النعرةَ)، بحسب مصطلحات ابن خلدون، وبها يكون التناصر وتعظم رهبة العدو للقوم” [24]. ولا بدّ للجماعة، التي اتخذت من العنف منهجًا، من خلق عصبية تساندها، أو استغلال عصبية موجودة ورعايتها وتضخيمها، إذ لا بدّ للقتال من العصبية”، بحسب المنطق الخلدوني.

كانت التركيبة الداخلية للنواة الصلبة في النظام دائمًا عشائرية في اعتبارات تشكيلها، بالشكل الذي يضمن الحضور الدائم للعصبية في أدائها وسلوكها وولائها، يقول المؤرخ والباحث الأميركي الفلسطيني الأصل، حنا بطاطو، في دراسة له تحت عنوان “فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم”، نُشرت عام 1999: “تركت الغرائز الأولية تجاه العائلة والعشيرة والطائفة لدى الكثير من العلويين، ولا سيّما كبار السن منهم، أثرها في هيكل سلطة الأسد إلى هذا الحد أو ذاك. كان من العلويين ما لا يقل عن 61.3 بالمئة من الضباط الـ 31 الذين انتقتهم يد الأسد، بين عامي 1970 و1997؛ ليحتلوا المواقع الرئيسة في القوات المسلحة، والتشكيلات العسكرية النخبوية، وأجهزة الأمن والاستخبارات. وكان ثمانية من هؤلاء من عشيرته الكلبية، وأربعة من عشيرة زوجته، الحدادين. كان سبعة من هؤلاء الاثني عشر منتقين من أقرباء الأسد المباشرين، بالدم أو بالزواج، وكان ثلاثة منهم شقيقه رفعت الأسد، وابن عم زوجته عدنان مخلوف، وابن عمته شفيق فياض يقودون، أو ما زالوا يقودون، أهم وحدات النخبة الضاربة، وتحديدًا سرايا الدفاع التي شكلت الدعامة الرئيسة لنظامه، بين عامي 1971 و1984، والحرس الجمهوري الذي أصبح أحد أهم دعائمه الرئيسة، منذ عام 1984 فصاعدًا، والفرقة الثالثة المدرّعة التي كانت تُستخدم، منذ عام 1978، بوصفها قوة احتياطية؛ لقمع أعداء النظام في الداخل ومعاقبتهم، إضافة إلى ذلك، أدى ابن الرئيس البكر، باسل، دورًا رئيسًا في الحرس الجمهوري، منذ عام 1987 وحتى وفاته، في حادث سيارة عام 1994، وأُدخل في برنامج مهم؛ لإعداد الضباط القادة، وفيه يتلقى شباب مختارون -بعناية- تعليمًا متقدمًا، في مجالات متنوعة، على نفقة المؤسسة العسكرية، ويُعَدُّون -بوضوح- ليخلفوا الجيل الحالي من القادة في القوات المسلحة، وتولى ابن آخر من أبناء الأسد، وهو بشار، دور أخيه في الحرس الجمهوري، وأُدخل -مثله- برنامج الضباط القادة”[25].

واستمر بشار الأسد في تعزيز هذه العصبية؛ فما زال أخوه، ماهر الأسد، يرأس الفرقة الرابعة، المعروفة بين السورين، وأطلق لابن خاله، رامي مخلوف، جميع التسهيلات، في سياق الاحتكار المُمنهج والمُشرعَن للثروة،  ويروي الشيخ أنس السويد، شيخ باب السباع، الذي التقى بشار الأسد بعد الثورة، وكان يطلب منه تهدئة المتظاهرين، أن الأسد -بحسب زعمه- قال له: أنا عاقبت عاطف نجيب الذي اقتلع أظافر الأطفال، وعاقبت ابن عمي في اللاذقية، جميل الأسد، وعندما تحركت بانياس عزلت زوج بنت خالتي، والله، عندما عزلته اتصلت خالتي، وعمرها كبير، وعاتبتني، ووعدتها بأن أعيده لمنصبه بعد أن تنتهي الأزمة، واتصلت الوالدة لنفس الأمر…”[26] . في حال كانت هذه الرواية صحيحة، فإن كلام بشار الأسد، بغض النظر عمّا أراد إيصاله، يوضِّح كم من الأقارب عُيّن في مناصب الدولة الحساسة! ويوضِّح أن حديثًا يدور، بين أفراد العائلة الممتدة، حول هذا النوع من التعيين والعزل.

ومن حصيلة الجمع بين هذه العصبية، والأثر الذاتي الذي يتركه خطف الدولة، وقيادة المجتمع (الذي يُنظر إليه على أنه متخلف)، واحتكار السلطة والثروة، في الجماعة العصبوية من تعالٍ وغرور، ووهم بالتفوق والتقدم على محيطهم عامة، وعلى معارضيهم خاصة، تُنتَج النظرة التهكميَّة إلى المعارضين، والتعالي عليهم، من عدّهم أن الشعب “جاهل”، قياسًا على هذه الجماعة، والجاهل لا يجب أن يعمل في السياسة، بل من الخطر أن يعمل في مجالها.

وفي هذا السياق، يروي من كان يومًا الأمين العام لحزب البعث، وسفير سورية لدى الأمم المتحدة، حمود الشوفي، ما ذكره له حافظ الأسد، في جلسة خاصة عام 1970؛ إذ قال له حينها: إن الناس لهم مطالب اقتصادية في الدرجة الأولى”، يتطلعون إلى الحصول عليها، مثل: قطعة من الأرض، أو بيت، أو سيارة، أو ما شابه، وأنه يستطيع تلبية تلك المطالب بشكل أو بآخر”، وأضاف: هناك -فقط- مئة شخص أو مئتان على الأكثر” ممن يعملون جديًا بالسياسة”، أو يتخذون منها مهنة لهم، وهؤلاء سيكونون ضده مهما فعل”، وخلُص إلى أن سجن المزة -أصلًا- مبني من أجل هؤلاء”[27]. أي: إن الأسد يرى أن الناس العاديين لم يُخلَقوا للسياسة، وهم أصغر من مجرد التفكير في العمل في السياسة، وإن حدث وعملوا فيها؛ فالقمع والسجن مصيرهم، وهذا عينه ما عبَّر عنه بشار الأسد، في سياق كلامه عن المعارضة، التي قبل نظريًا بمبدأ التفاوض معها في مسار جنيف (3)؛ حيث يقول: وبما أننا لم ولن نسمح لهم بأخذ سورية في هذا الطريق؛ ليسقطوها في الهاوية؛ فقد طرحنا منذ بداية جنيف3، ورقة مبادئ، تشكل أساسًا للمحادثات مع الأطراف الأخرى، والآن أعتقد أن الكل يتساءل: من هي هذه الأطراف الأخرى، أي: لم نرَ أطرافًا بكل الأحوال هناك، كنا نتفاوض إما مع أنفسنا أو مع الميسّر، والميسّر وفريقه هم ليسوا طرفًا، هم ميسر، هم طرف وسيط؛ لذلك إذا قلنا: لماذا نضع جملة الأطراف الأخرى، هي -هنا- لضرورة الشعر فقط، ولكن لا توجد أطراف أخرى”.، وقال في الخطاب نفسه: وكما قلت الطرف الآخر لم يكن موجودًا، أتى رغمًا عنه، بعد أن فرض عليهم أسيادهم أن يرسلوهم إلى جنيف، وأتوا وهم يصرخون، وحردوا إلى الفندق، ولسنا بصدد تقييم هؤلاء، هم مقيَّمون شعبيًا، وهم أقل من أن نتحدث عنهم، ولكن في الحقيقة لا توجد أي مفاوضات مباشرة، يجلسون في فندق آخر، ولم يكن هناك جدول أعمال، ولا أي شيء مشابه، كان يوعَز إليهم، من وقت إلى آخر من أسيادهم، أن يطلقوا تصريحًا ما، عدا عن ذلك جدول الأعمال الوحيد الذي كان موجودًا لهم، والذي تمت المصادقة عليه من الرياض، هو جدول أعمال الاستيقاظ والنوم والطعام فقط.”[28].

يتجسّد هذا التهكم والتعالي في رفض الاعتراف بجماعات سياسية، أو أحزاب، أو تشكيلات، رغم قبوله، في بعض الأحيان، التفاوض مع أفراد عبر أجهزة الأمن، وكان هذا واضحًا في مرحلة ربيع دمشق والمنتديات؛ حيث لم تعترف السلطة بالأحزاب، وإن كانت تميل إلى التواصل الجزئي مع بعضها عبر الأفراد[29]. وعمدت السلطة السورية، في بدايات الثورة، إلى التفاوض مع المعارضة، والحوار معها بشكل فردي، قبل أن تعتقل محاوريها لاحقًا.

والخلاصة: إن نظامًا يقوم على نواة عصبوية صلبة، لا يمكن أن يتبنى فكرًا حواريًّا بالمعنى السياسي، ولا يستطيع تقبل فكرة التشارك، أو التعاقد، على أساسٍ وطني، ولا ينظر للمعارضة إلا على أنهم مجموعة من الهمّج الذين تجرؤوا على التطاول على أسيادهم”، والسجون بُنيت لهم، فهم من يتجاوز الحدود، ويهدد أمن الوطن، أي: أمن النظام والقائد الرمز.

 

ثالثًا: القمع والبنية العنيفة

سنتناول قضية القمع والعنف، في بنية النظام، في ثلاثة محاور، نرى أنها نماذج بنيوية سلوكية، متكررة بشكلٍ غرائزي، وسنشرحها باستخدام أمثلة أنموذجية موثقة، أولها: القمع والعنف المباشر، وثانيها: العنف بتسويق الوهم، وثالثها: عنف الكمين، أو التسخير والابتزاز، والاستثمار في أخطاء الآخرين.

 

1)   القمع والعنف المباشر

يعرف السوريون جميعهم أن العنف صفةٌ مرافقةٌ لأجهزة الأمن، ويتداولون سردية معروفة بينهم: “إذا دخلت فرع المخابرات، سيقوم العناصر بصفعك مرتين أو ثلاثة، على الأقل، قبل السؤال عن اسمك، وقبل الحديث عن سبب استدعائك”. إن المضامين المحمّلة في هذه العبارة تدل على فهم السوريين -بالخبرة وبالتجربة- أن عنف السلطة أمرٌ بنيوي، ينعكس تلقائيًا على المستوى السلوكي، ولا يرتبط كثيرًا بنوعية الصِّدام، بقدر ما هو حاضر لمجرد الاحتكاك، وهذا يولّد المزاج العام للمجتمع السوري، وهو الذي تعكسه عبارات بسطاء السوريين قبل الثورة، مثل: أنا لا أريد من الدولة شيئًا، أريد فقط أن تتركني بحالي”.

ولم يكن التعذيب، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، سرًا في أي يومٍ من الأيام؛ فالعقل الجمعي السوري يدرك تمامًا هذه الممارسات، ويتناقل السوريون القصص حولها، ولكن بحذرٍ شديد، وغالبًا ما تتخلل هذه الحوارات جملة من قبيل: اخفض صوتك؛ فالجدران لها آذان”. كثيرة جدًا هي الأمثلة الفردية في هذا السياق، ويكفي الاستماع إلى السوريين لجمع الآلاف من قصص السجون، والتعذيب، ومصادرة أبسط الحقوق المنصوص عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[30].

وكانت هذه السلطة الأمنية العميقة هي السلطة الفعلية في سورية، بموازاة السلطة الرسمية التي تستخدم الأدوات الحزبية والسياسية؛ لتكون سلطة اسمية تتموضع كطلاء سياسي أدواتي للسلطة الفعلية، ولا تتخذ القرارات الأساسية[31]. وتتسم طرق اتخاذ القرارات، ضمن هذه السلطة، بالثبات والتقليد، فلا تستطيع إلا أن تكون عنيفة في ردّات الفعل التي تبديها إزاء أيّ تهديد، حتى لو كان العنف لا يصبّ في مصلحتها، بالمعنى السياسي، وحتى لو كان غيرَ ضروريّ؛ فهذا العنف بنيوي “لاإرادي”، ولتوضيح هذه الفكرة نورد مثالًا أنموذجيًّا (مجموعة داريا السلمية، عامي 2003 و2011)، من ضمن مجموعة كبيرة من الأمثلة المشابهة، في تواريخ مختلفة، خلال فترة حكم بشار وحافظ الأسد، حيث لم يكن -قطّ- ما يستدعي العنف أو الاعتقال، حتى عند مقاربتها من منطلقات الذهنية السلطوية الديكتاتورية التقليدية، ومع ذلك كان العنف فيها سيد الموقف، وتصدرت ذهنية السلطة الفعلية (الجهاز الأمني)، وأسلوبها الأوحد في صدارة مشهد التعامل معها.

  • مجموعة داريا السلمية 2003 و2011.

بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، نظَّمت مجموعة من الشباب، في داريا في ريف دمشق، مشروعًا، يصبُّ في أعمال تنمية المجتمع المدني، مثل تنظيف الشوارع، والحث على مقاطعة التدخين، والسجائر الأميركية، ومكافحة الرشوة؛ فاعتقل على إثرها أربعة وعشرون شابًا، وتم استدعاء خمس عشرة فتاة من نساء داريا إلى فروع الأمن، وتمت محاكمة أحد عشر منهم أمام محكمة ميدانية سريَّة، ونالوا أحكامًا بين ثلاث وأربع سنوات[32]. وكان قد خرج قرابة مئة شاب في تظاهرة صامته، صباح يوم سقوط بغداد، رفعوا خلالها شعارات لمقاطعة البضائع الأميركية، ومكافحة الفساد، وتنظيف شوارع المدينة، ولم يمنع تبني هؤلاء منهجية فكرية لا عنفية من ممارسة العنف عليهم، واعتقالهم ومحاكمتهم[33]. وكان هذا النهج السلمي، ونبذ كل أشكال العنف، ناتجًا عن التأثُّر بمدرسة وفكر المفكر الإسلامي السوري “جودت سعيد”، الذي صاغ فكر الاعتدال واللاعنف في واحد من أهم مؤلفاته، صدر منتصف الستينيات، وحمل عنوان مذهب ابن آدم أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي””؛ حيث ناقش فيه علاقة العنف بالإسلام، عادًّا التوحيد مسألة سياسية اجتماعية، وليس مجرد قضية ماورائية[34].

استمر نهج مجموعة داريا السلمي بعد الثورة؛ ومنذ بداية الاحتجاجات، استخدمت لجنة تنسيق داريا استراتيجية اللاعنف، والمبادرات السلمية جدًا؛ حيث حملت الورود في جميع التظاهرات، وفي إحدى التظاهرات تجمع الشباب بالقرب من الأمن والشبيحة الذين توافدوا لقمع التظاهرة، وبدؤوا بوضع قوارير المياه والورود، مع مناشير كُتب عليها عبارة: «كلنا سوريون، لماذا تقتلون»، على خط فاصل بين الطرفين، وبادر أحد الناشطين بالحديث معهم عبر خط الماء والورد، حول سلمية الثورة وأهدافها، التي ليس منها إيذاء الجنود، أو أي شخص كان، وفي الجمعة اللاحقة (جمعة الوحدة الوطنية 17 تموز/ يوليو2011)، أصر إسلام الدباس، على تجاوز خط الفصل، وتقديم الورود -بشكل مباشر- للجنود وعناصر الأمن، وكان يهدف إلى تحقيق نوع من الالتقاء بالأعين بين الشباب، وبين من أتوا لقتلهم وقمعهم، اللقاء الذي يكسر الحواجز النفسية، ويتيح للآخر رؤية ما لا تتيحه الحجب التي تقيمها دعايات النظام، إنه أمر صعب التحقق؛ كون الأوامر تقضي -عادة- بإطلاق النار عن بعد، وعدم إحداث أي تماس مع المتظاهرين، إلا عن طريق السلاح، إسلام اختفى بين عناصر الأمن الذين اعتقلوه، هو والورود التي ذهب لتقديمها لهم[35]، ولا يزال في إحدى زنازين المخابرات الجوية حتى لحظة كتابة هذه السطور. كان الناشط إسلام الدباس سلميًا معاديًا للعنف إلى درجة كبيرة؛ فهو نفسه من كتب المنشور الذي وُزِّع في سورية، وانتشر كثيرًا في داريا بشكل خاص: “أخي العسكري لماذا تقتلنا؟ تذكّر أنك أقسمت على حماية الشعب، وتذكر أنك حين تأتي لقتلنا -هنا- أن أهلك هناك يُقتلون على أيدي جنود آخرين، وطنيتك تأبى عليك أن تقتل إخوانك في الوطن، نحن نمد أيدينا إليك بالورود؛ فلا تقابلنا بالرصاص، ألم يحن الوقت لتبصر الحقيقة؟ آن الأوان ليصحو ضميرك”.

ما زال إسلام الدباس معتقلًا حتى اليوم، واستشهد رفاقه، الصحافي محمد قريطم، وعبد الرحيم شربجي، تحت الأنقاض، وغياث مطر تحت التعذيب، وما زال الناشط السلمي، يحيى شريجي، قيد الاعتقال أيضًا، وآخرون كثر من دعاة النشاط السلمي، لا مجال لذكرهم جميعًا، وقُصفت داريا منذ ذلك اليوم بحوالي سبعة آلاف برميل متفجّر، بحسب المركز الإعلامي في المدينة.

 

2)   العنف بتسويق الوهم

تقود الملاحظة، والتمحيص، والبحث، والربط، والتحليل، في خطاب النظام، ودعاياته وقصصه المتناقلة والإعلامية، إلى استنتاج نوعين من التضليل الممنهج، الأول: خداع داخلي موجّه إلى العاملين ضمن الدائرة الضيقة خارج النواة الصلبة، والثاني خداع خارجي توجّهه النواة الصلبة إلى عموم السوريين وإلى الخارج.

يكفي أن نستمع إلى القصص الأسطورية، التي يقتنع بها الموظفون الرسميون الذين عملوا بالقرب من حافظ الأسد؛ وللاقتراب من فهم طبيعة الخداع الداخلي، وكيفية اشتغاله، يروي أحد الموظفين الذين كانوا -في ما مضى- مقربين من الدائرة الضيقة لحافظ الأسد، القصة التالية (أنقلها كما سردها وبكلماته): “عند وفاة ملك الأردن، الحسين بن  طلال، توجه حافظ الأسد لتقديم واجب العزاء، كان آخر الواصلين، وأول المعزّين، وعندما أنهى مراسيم تقديم العزاء، وبينما هو في غرفته الخاصة، ومن دون وجود مترجم، دخل إلى الغرفة رئيس الولايات المتحدة الأميركية -آنذاك- بل كلنتون، والذي ربطته بالأسد علاقة حب شخصية قوية ومتينة”، وكان من أشد المعجبين بالرئيس حافظ الأسد”، وبما أن الأسد لا يتكلم الإنكليزية، وقف حائرًا، ثم فُوجئ بكلنتون يضمه ويبكي على كتفه”، ويضيف: كأن بل كلنتون قد أراد فقط هذه اللحظة الحميمية مع الأسد؛ لكي يفرغ ما في جعبته من ألم وضغط، على خلفية قصته مع لوينسكي”[36].

بالتأكيد كان حديثٌ من هذا النوع مصدرَ فخرٍ وتباهٍ للمتحدث عادةً، حيث يرسل، من خلاله، وبغض النظر عن مضمونه، رسالة مفادها أنه على تواصل مع رأس الدولة، وأنه من صُنَّاع القرار، وهذا يجعله حريصًا على نشرها أكثر من صانعها، ويتبناها لا وعيه بحرفيتها، وربما بعد المبالغة فيها، والحقيقة أن صُنَّاع القرار الحقيقيين يدركون -تمامًا- أن هذه القصص مُلفَّقة، وغير منطقيّة، وأن الهدف منها بناءُ أسطورة القائد الرمز، وترسيخ فكرة ضياع البلاد عند غياب وجوده وحكمته.

أوردنا هذه القصة؛ لتوصيف عملية دقيقة تصبُّ في تعزيز موقع الأسد، وتنشأ من القناعة العامة بأنه يفوق كثيرًا في براعته أيًّا من مساعديه، وأنه إذا ما حدث له مكروه، فلا أحد من بطانته، أو من خارجها، يتمتع بالمكانة أو بالنفوذ، أو يحظى بولاء التشكيلات العسكرية الحاسمة الضرورية؛ لإبقاء النظام أو البلد موحدًا. وبعبارة أخرى، إن عاملًا مهمًا يُضاف إلى صالحه، هو الخوف المشترك -على نطاق واسع- من أن غيابه قد يكون مصدر قلق جدي لسورية ولشعبها[37].

في سياق آخر مختلف شكلًا، ومتطابق في مضمونه، مع منطق الأسطرة، تفسر بثينة شعبان للقارئ، في كتابها (عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990_2000)، السبب الذي جعل حافظ الأسد يرى نفسه امتدادًا طبيعيًا ليوسف العظمة، وتبرر ذلك وفق الصورة السطحية التالية: العظمة كان وزيرًا للدفاع في عام 1920، أي: قبل ستة وأربعين عامًا من تسلم الأسد ذلك المنصب عام 1966. وحين عُين العظمة وزيرًا للدفاع عام 1919، كان في السادسة والثلاثين من العمر. وحين أصبح حافظ الأسد وزيرًا للدفاع عام 1966، كان هو -أيضًا- في السادسة والثلاثين تمامًا. وموقف حافظ الأسد من الاحتلال الاسرائيلي للجولان مماثل لموقف العظمة من الغزو الفرنسي لدمشق عام 1920…”[38].

يبدو حقيقةً للوهلة الأولى أن الكاتبة تمزح، وخصوصًا أنها توصّلت إلى الاستنتاج من مقارنة عمر الرجلين عند استلام منصب وزير الدفاع أن الأخير امتداد طبيعي/ بيولوجي للأول”! هل يُعقل أن يفكر سياسي دولة بهذا المستوى؟ وهل يُعقل أن يصدق نفسه في ذلك؟ وهل يُعقل أن يتوقع أن هذا التفسير مقبول من الناس؟

أما بالنسبة إلى الخداع الخارجي، فهو صفة بنيوية متأصلة، تقوم عليها أهم استراتيجيات البقاء، تعزز وهم التفوق، وتبرر استخدام القوة، تؤسَّس على الكثير من المكر والقليل من العقل. وتبدو أغلبها سطحية، لا تصمد أمام أبسط أشكال التفنيد والتمحيص. كان هذا النوع من الكذب حاضرًا على مدار حكم النظام، ولكنه كان في أوضح صورة له بداية الثورة السورية، في عام 2011؛ حيث كثُرت السيناريوهات والحبكات.

على سبيل المثال: عرض التلفزيون السوري في 26 آذار/ مارس 2011 مقابلة مع مواطن مصري من حاملي الجنسية الأمريكية، ويعمل في سورية، اعترف بأنه زار الكيان الاسرائيلي سرًا، وأنه يتلقى أموالًا من الخارج، لقاءَ إرسال صور ومقاطع فيديو عن سورية”، ثم ظهر -هذا المواطن- بعد أشهر عدة، في مقابلة تلفزيونية، على شاشة إحدى القنوات الفضائية المصرية، شرح فيها كيف تم إجباره على الإدلاء بهذا التصريح، بعد اعتقاله في الجامع الأموي، بعد حملة الاعتقالات التي تلت تظاهرات 25 آذار/ مارس في دمشق.[39] وفي أثناء البحث يصادفك الكثير من القصص الموثقة في هذا السياق، لكننا اكتفينا بذكر مثال واحد كأنموذج.

 

3)   عنف الكمين (الاستدراج والابتزاز والاستثمار في أخطاء الآخرين)

هو العنف المُغلَّف باللين، القائم على الاستدراج، ثم القنص، وعلى تسخير الأتباع وابتزازهم، والاستثمار في أخطاء الخصوم، كانت تلك وسيلة حافظ الأسد الناجعة؛ لحيازة السلطة المطلقة، ودوامها له، ولذريته من بعده، الذرية التي حافظت على هذا النهج وطوَّرته. طبَّق الأسد هذه الكمائن؛ حيث أطلق أيدي أتباعه ومريديه في الفساد، واتخذ من ذلك حجة عليهم.[40] على سبيل المثال قام حافظ الأسد، بعد تراجع خطر الإخوان والطليعة المقاتلة، بحل سرايا الدفاع، وإبعاد شقيقه رفعت، بعدما أصبح خطرًا شخصيًا عليه. وقد استفاد من كره السوريين -عمومًا- لممارسات هذه السرايا الخارجة، التي ضمَّت أكثر من أربعين ألفًا، وكان لها تابعيات خاصة، من الطيران الجوي، والشرطة العسكرية، والمخابرات، والسجون[41].

ويجد الباحث أن استراتيجية الكمين استخدمها النظام في أكثر من محطة، نورد منها -كذلك – مثالًا مهمًّا، وهو التغاضي عن مشروع الجهاد في العراق، بعد الغزو الأميركي، بل وتشجيع مبُطّن له في الخطاب الديني الرسمي، المقرّب من النظام عام 2003، حيث دعا الشيخ أحمد كفتارو، مفتي سورية، أواخر شهر آذار/ مارس من عام 2003، المسلمين في أنحاء العالم كافة، إلى استخدام كل الوسائل الممكنة في هزيمة العدوان، بما في ذلك العمليات الاستشهادية ضد الغزاة المحاربين الأميركيين والبريطانيين الصهاينة”[42]، وفي 13 حزيران/ يوليو من العام نفسه، ألقى الشيخ البوطي المقرّب من النظام خطبة بعنوان الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة”، قال فيها: إن الجهاد فريضة، ولم تتجلَّ أسباب فريضتها في عصر من العصور كما تجلت في هذا العصر..”، وأضاف: ” أيها الإخوة، موجبات الجهاد تدعو كل مسلم أن ينهض؛ فيؤدي الواجب الذي أناطه الله -عز وجل- بعنقه، ما وَسِعَه السبيلُ إلى ذلك”، ثمّ أردف: “أرض العراق أرض إسلامية، وها هي ذي محتلة… ولكن الشعوب الإسلامية لا يزال فيها خير، لا يزال فيها هياج، ولا تزال تنشد نشيد الجهاد، ولا تزال تبحث عن نافذة، تتسرب منها إلى حيث تجاهد في سبيل الله، على هؤلاء المسلمين أن يتجهوا من أي نافذة فُتحت أمامهم، من أي سبيل فُتح أمامهم؛ ليقاتلوا في سبيل الله، على أن يسيروا على أرض صلبة، وطبق خطة رشد، وألا تكون الأمور سائرة بشكل عشوائي، فيقع المسلمون -من جراء ذلك- في نقيض ما يهدفون إليه”، وقال أيضًا: “لئن كان قادة العالم العربي والإسلامي قد مُسخوا؛ فتحولوا إلى كتل من الذل والمهانة، تتحرك ما بين شعوبها؛ فإن الشعوب لا تزال تنبض بنبضات الإيمان، بنبضات التوجه إلى الأجر العظيم، الذي ادخره الله -عز وجل- للمقاتلين”[43]، ثم بعد كل هذا التشجيع على الجهاد (الاستدراج إليه)، تمّ اعتقال الشباب الذين استجابوا للدعوة، مع بداية عام 2004، بوصفهم إسلاميين جهاديين[44]، وتمّ ذلك على الرغم من الاستثمار في هذه الفكرة؛ من أجل ضمان الحضور الدائم لنظرية المؤامرة، وتأجيل أي مطالب إصلاحية، من منطلق تحقيق الأولويات، كما ورد ذلك -جليّاً- في كلام البوطي ذلك اليوم.

وبالتزامن مع دعوات الجهاد، شبه الرسمية تلك، لمع اسم أحد الشباب الذين تبنوا خطابًا سلفيًا جهاديًا علنيًا، وهو الشيخ الشاب “محمود قول آغاسي”، كان يدرب أتباعه على الأعمال القتالية في مسجد علاء بن الحضرمي، في منطقة فقيرة شمال حلب، تحت سمع وبصر النظام، بل وبتشجيع وتسهيل منه؛ بحيث كان لهذا الشاب دورًا مهمًا ومريبًا في تجييش الشباب وتعبئتهم باتجاه الجهاد، الذي بدأ يجد منفذه إلى العراق، وفي خريف 2003، قامت جماعة عراقية بهدر دم هذا الشاب، بعدّه مصيدة أمنية لمئات الشباب الذين صدَّقوا دعواه؛ فاختفى الرجل؛ ليعود إلى الظهور بعد سنتين، مهذّب اللحية، وإمامًا وخطيبًا سلفيًا إصلاحيًا، تائبًا من الجهاد، لجامع الإيمان في حي حلب الجديدة الراقي، ثمّ اغتيل محمود في 28 سبتمبر/ أيلول 2007، وتبنّت الاغتيال جماعة أطلقت على نفسها اسم “التوحيد والجهاد في بلاد الشام”، تبيّن لاحقًا أنها غير موجودة إلا في إعلام النظام[45]. وعلى المنوال نفسه، ومن الذهنية نفسها، أفرجت السلطات السورية -بعد الثورة- عن مجموعات كبيرة من معتقلي صيدنايا، ممن ينتمون إلى السلفية الجهادية، والذين ربطت بينهم علاقات قوية في السجن، في خطوةٍ لا يمكن فهمها إلا في إطار الرهان على قدرة هذه الجماعات على تفجير الوضع السوري، باتجاه التطرف والعنف.[46]

 

رابعًا: الشباب خط أحمر

بموازاة عملية تبعيث مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية في سورية، تمّ -بإصرار- تبعيث ممنهج ومؤسس للشباب السوري، من خلال منظمات “شعبية”، عملت على خلق شباب بعثي عقائدي موالٍ، وهي:

-منظمة طلائع البعث: تأسست عام 1974، بقرار من القيادة القطرية؛ من أجل تحقيق أهداف “الثورة” في التغيير الاجتماعي، واستجابة للتوجهات النظرية لحزب البعث. و“تربية الأطفال تربية قومية اشتراكية، تستمد مضامينها الفكرية والعقائدية من فكر حزب البعث، ومقررات مؤتمراته القومية والقطرية”.

– اتحاد شبيبة الثورة: منظمة تربوية سياسية أعضاؤها من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و35 سنة، أنشئ بموجب المرسوم التشريعي رقم 23، الصادر عن رئيس الجمهورية، بتاريخ 12 كانون الثاني/ يناير 1970، وبحسب تعريفه، يعمل على بعدين: تربوي وسياسي، ويعدّ الشباب للمساهمة في قيادة الثورة التي يقودها الحزب.

– الاتحاد الوطني لطلبة سورية: أُسس في أبريل/ نيسان 1963، وتزايد النشاط والاهتمام به بعد الحركة التصحيحية، وهو منظمة “شعبية”، تضم طلبة الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة في الجمهورية العربية السورية، والطلبة السوريين الدارسين خارج القطر.[47]

تشترك هذه المنظمات “الشعبية” مع الحزب في الأهداف المُعلنة، حول تنمية وعي الشباب، وإعداده؛ لرفد الحياة السياسية بالقادة، ولكن حصيلة نتاجها تدل على أن هدفها الرئيس يكمُن ضمن المنهاج الخفي، الذي نتج عنه تكوين السكون السياسي في الوسط الشبابي، وليس التنشئة السياسية لهذا الشباب.

وإذا عدنا إلى الدراسات الموضوعية التي تناولت الشباب السوري، قبل الثورة، نجد أنها قليلة جدًا، وتفيدنا بحقيقة ضعف مدارك الشباب السوري السياسية، وضعف رغبته، وخبرته، في التعاطي مع مسائل الشأن العام بالمجمل، يعود ذلك إلى أسباب عدة، تعود -بمجملها- إلى تآكل روح السياسة في المجتمع؛ نتيجة احتقار السلطة المجتمع، وقمعها له، وتلاحظ إحدى الدراسات -قبل الثورة- أن: معظم الشباب السوري يكاد لا يعرف شيئًا عن “قانون الطوارئ” ، وليس عنده أدنى اطلاع عن دستور بلاده، ولا يذكر إلا أسماء عدد محدود من الوزراء، وأعضاء مجلس الشعب، ولا يعرف كثير من الشباب موقع مدينة القنيطرة السورية، كما لا يعرف متى احتُلَّت هضبة الجولان، وهل عادت كاملة إلى سورية، وليس لديهم اطلاع على المكونات البشرية للشعب السوري، ويستغرب قسم كبير، عندما يسمع أن الأكراد يشكلون ما نسبته 10في المئة من هذا الشعب، ولا تعرف الغالبية منهم حقوقهم الطبيعية، وينظرون إلى ما يجري من تجاوزات، لهذه الحقوق، على أنه أمر طبيعي[48]. ولم ينتسب أي شاب لحزب سياسي معارض، أو ينشط في مجالات سياسية معارضة، إلا وكانت أسرته أولى المعارضين له؛ حرصًا على سلامته في هذا الوسط القمعي. كل هذا المشهد لم يكن إلا نتيجة الغريزة الدائمة والثابتة، تجاه الشباب، التي يمتلكها النظام؛ فالشباب خط أحمر، ومقارباتهم يجب أن تنطلق من عقل الحزب وقائده الرمز.  

تأسس، في عام 1999، منتدًى في دمشق، يحمل اسم “منتدى شباب الوطن”، واستمر في العمل -بشكلٍ سري- حتى أوائل عام 2002؛ حيث أُعلن عنه. تميّز المنتدى باعتماده على الشباب بشكلٍ أساسي، وقد نشرت صحافيّة لبنانيّة، عام 2002، حوارًا مع العضو المؤسس، ومسؤول المنتدى آنذاك، حازم نهار، وركّزت على تعريف المنتدى بأنه منتدًى شبابي،[49] وعلى أثر هذا الحوار استُدعي مسؤول المنتدى إلى فرع الأمن السياسي، في دمشق، للتحقيق، وكان يرأسه -آنذاك- المدعو عاطف نجيب. ويقول نهار: من جملة ما قاله عاطف نجيب لي، وأكده في أثناء التحقيق: إن “الشباب خط أحمر”، وقال: إنهم لن يسمحوا لي بـ “تخريب عقول الشباب”.[50].

مع بداية الثورات العربية عامة، تَعلّمنا أن الممكن كان كامنًا في الواقع، ولم نره، وأن من أسمتهم المعارضة بـ “الفاعلين”، ليسوا من جسّد هذا الممكن؛ فمن جسّده كانوا “أناسًا عاديين” و”شبابًا مهمشًا، وميؤوسًامنه”؛ ومع ذلك، لم تتعلم المعارضة السورية من دروس الماضي، ولم تستوعب الطاقات الشبابية الكامنة، والخامات الخلاقة المبدعة، بالشكل الذي يضمن مشاركتها في الحياة السياسية. يقول حازم نهار في هذا السياق: “ما زال الشباب السوري على الهامش، على الرغم من وجودهم الرمزي في بعض التشكيلات المعارضة، وهو وجود منفعل، لا يهشّ ولا ينشّ، فمتى يمكن للشباب أن يطلق مبادراته الخاصة، ويبني تشكيلاته المدنية والسياسية الحديثة، بالاستفادة مما جرى ويجري؟ فمِن دونهم لا مستقبل لسورية والسوريين”.[51].

 

 

خامسًا: شعارات المقاومة والممانعة، بوصفها أداة لتعزيز المنظومة التسلطية

للتمهيد لهذه الفكرة، ومحاولة تلمّس ذهنية تفكير النظام السوري في ملف الصراع العربي الاسرائيلي، نعود إلى ما ذكرناه في سياق هذه الدراسة، نقلًا عن بثينة شعبان، حيث كانت مترجمة الرئيس حافظ الأسد، وضّحت شعبان أن “حافظ الأسد كان يرى نفسه امتدادًا طبيعيًّا ليوسف العظمة”، وفي الحقيقة لم تكتفِ شعبان بمقارنة الأعمار بينهما، بل عزّزت استنتاجها عندما نشرت كلام حافظ الأسد مع وارن كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، حيث قال له الأسد: “…أنا أعرف كيف تبدو المدينة التي شهدت حربًا، فقد زرت ستالينغراد أثناء إحدى زياراتي لروسيا…من الواضح أن ستالينغراد تعرضت لحرب، لكن أبنيتها بقيت صامدة، وبقيت بنيتها التحتية سليمة. ولم تكن تلك حال القنيطرة، فقد دمرها الإسرائيليون دمارًا يفوق الخيال، بطريقة قاسية جدًا ولا إنسانية بتاتًا. قررنا ألا نعيد بناء القنيطرة؛ كي يستطيع كل طفل سوري أن يشاهد ما فعله الإسرائيليون بأرضه…”[52]. وتختم شعبان تعليقها على كلام الأسد، متكلمةً باسم كل السوريين: “من وجهة نظر القارئ السوري، تبدو كلمات حافظ الأسد مشابهة، في روحها وانتمائها، لكلمات يوسف العظمة عام 1920”[53]. في الحقيقة كانت مقارنة حافظ الأسد بين المدينتين سليمة، ولكن، وما دام الكلام حول السوريين وباسمهم؛ فإننا نستطيع طرح التساؤلات التالية وفق المنطق نفسه: هل تعرضت ستالينغراد للدمار نفسه الذي تعرضت له حلب وحمص بعد عام 2011، على يد نظام بشار الأسد الذي يُعَدّ امتدادًا لنظام “القائد الخالد”؟ هل تبدو روح وانتماء امتداد نظام حافظ الأسد، الذي يقصف مدن سورية بالبراميل المتفجرة، مشابهة في روحها وانتمائها لمعركة ميسلون؟ وإذا طرحنا السؤالين السابقين على السوريين كيف سيكون الجواب؟

يمكن الاستنتاج أن ذهنية التعاطي مع أيديولوجية “المقاومة والممانعة” تعزّز الاستعراض وتفرّغ المضمون. وفي العمق لا يمكن لنظام، يتعالى على الشعب والمجتمع، وينظر إليهما نظرة سلطوية، أن يدافع عنهما أو عن حقوقهما أمام أي اعتداء خارجي، لكن يمكن لهذا الاستعراض أن يخدم قضيته الأساسية، وهي البقاء على سدّة الحكم؛ وعليه، لا حديث عن إصلاحات، أو تحسين في الاقتصاد، أو الحريات العامة، أو عن أي شيء يهدد بقاءه ما دامت إسرائيل على الأبواب، ولكن لا بأس من تحقيق مطالب مجتمعات محلية، تبدو على شكل “مكرمة”، وكأنها رشوة بخسة مقابل الولاء، وهذا الخطاب متكرر جدًا في حديث النظام، يقول عبد الحليم خدام -مثلًا- في كلمة له في جامعة دمشق، في فترة ازدهار المنتديات في سورية، وتطرقها لموضوعات كانت ممنوعة بتاتًا، مثل: قانون الطوارئ، والحريات الفردية، والمجتمع المدني: هل هناك أخطاء؟ نعم هناك أخطاء، هناك خلل، هناك فساد. إذا كنا فعلًا موضوعيين، وإذا كنا نستخدم المنهج العقلي العلمي في التحليل، يجب أن نقول: هذه التجربة (يقصد تجربة البعث) قد أصابت في كذا وكذا، وأخطأت في كذا وكذا، لكن هل حدث ذلك؟ ثم جاء الحديث في ثلاث مسائل: الحرية، الديمقراطية، والمجتمع المدني. مع الأسف المسألة الأساسية التي تشغل بال كل طفل في سورية، وكل شيخ، وكل امرأة، وكل رجل، هي مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، أم يجري الحديث عنها، وكأن سورية بلد مرتاح إقليميًا، مرتاح دوليًا. وكأن كل المسائل متوفرة، لكن بقيت مشكلة أن نصدر بيانًا أو لا نصدر بيانًا”.[54]

هذه الطريقة -في العمق- ليست جديدة، بل بنيوية منذ الولادة، ومستمرة، وكان الربط بين مسائل الداخل والخارج حاضرًا وتلقائيًا وسريعًا دائمًا، وهذه الذهنية هي التي طوَّرت صيغة المبالغة من نظرية المؤامرة؛ فمثلًا ربط النظام السوري بين حادثة مدرسة المدفعية في حلب حزيران/ يونيو 1979، وبين نظام الرئيس المصري أنور السادات والمعارضة الخارجية لسورية، بسبب رفض النظام السوري التوقيع على اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني على غرار ما فعل السادات؛ حيث اتهم وزير الداخلية السوري، عدنان دباغ، في بيان رسمي، صدر بتاريخ 22 حزيران / يونيو 1979، الإخوان المسلمين بالتورط في هذه المجزرة، مما جاء في البيان: لقد تحرك هؤلاء بعد اتفاقية سيناء مباشرة، وتصاعدت أعمالهم الإجرامية بعد زيارة السادات للقدس، ثم بعد توقيع اتفاقيات الذل والعار مع العدو الصهيوني، وبدؤوا بمسلسل الاغتيالات في بعض المدن السورية، وفي حلب وفي حماة وفي دمشق، وكان من ضحاياهم أبرياء، يعملون في شتى الأعمال الوظيفية، وفي مؤسسات الدولة المختلفة” [55]. وكان ردّ الإخوان في بيان لهم، وممّا جاء فيه: “من العجيب أن يُتّهم الإخوان بالعمالة لإسرائيل في الوقت الذي يعلم الجميع قتالهم على أرض فلسطين، بينما يتحمل غيرهم عار الهزائم المتلاحقة…أما أن الإخوان يعملون لصالح أصحاب اتفاقية كامب ديفيد؛ فهذا يدحضه أنهم هم الجهة الوحيدة التي ترفض -بصدق وإصرار- أن يكون لليهود دولة، ولو على شبر واحد من فلسطين…ومن الغني عن القول إن الإخوان المسلمين كانوا قد أدانوا -بشدة- ما أقدم عليه الرئيس المصري، أنور السادات، في تعاملاته مع الكيان الصهيوني”[56].

 

الممانعة لتسويق الزعامة

اخترنا هذا المثال في لحظة مفصلية عايشها النظام بعد اغتيال رفيق الحريري، في 14 شباط/ فبراير 2005 في لبنان، وعلى إثرها اتخذ الزعيم الدرزي، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، موقفًا حاسمًا صريحًا معاديًا للنظام السوري، ولم يفت النظام أن في سورية محافظة كاملة ذات أغلبية درزية هي السويداء، ومن المحتمل أن تتأثر بتصريحات جنبلاط؛ فيتطور الإزعاج الذي تسببه تصريحات وخطابات جنبلاط إلى قلق داخلي في وقتٍ حساس، يستشعر النظام مدى جديَّة حوادثه ويدركها. ويمكن رصد التطورات في السرد المختصر التالي:

  • في مراسم تشييع رفيق الحريري ألقى جنبلاط كلمة قال فيها، مخاطبًا النظام في دمشق: “لماذا جعلتم لبنان يكره سورية”، وفي 20 شباط/ فبراير 2005، كان لوليد جنبلاط الدور الأبرز في إطلاق، وقيادة، «انتفاضة الاستقلال»، والعمل على إسقاط إميل لحود وأركان نظامه، والانسحاب السوري الكامل من لبنان.
  • في 20 آذار/ مارس 2006، قال صراحة: لن يرتاح بلد ديمقراطي مثل لبنان، يجاوره نظام ديكتاتوري، وحفنة من العائلية السياسة، تقبض على سورية ومصيرها” [57].
  • في 28 حزيران/ يونيو 2006، زار بشار الأسد السويداء، وألقى كلمة أمام الجماهير، معتليًا شرفة مبنى المحافظة، ركّز فيها على الصمود والتصدي، وقدم وعودًا تنموية لسكان المدينة، وتحدث عن جيل الآباء ممثلاً بالقائد الخالد حافظ الأسد، وبالقائد المجاهد سلطان باشا الاطرش” وكما التقى جيل الآباء؛ فنحن أبناء وأحفاد الثورة والمقاومة، نلتقي اليوم؛ لنحمل الشعلة، ونكمل المسيرة الى الأمام”[58]. إذن أراد أن يلتقي أبناء الثورة، أي: أبناء سلطان الأطرش مع أبناء المقاومة، أي: أبناء حافظ الأسد. وأضاف: هذه الوحدة الوطنية التي نفخر بها ترسل الرسائل المختلفة في كل الاتجاهات، ترسل الرسائل للأعداء والعملاء المأجورين؛ لأن السويداء بلد البازلت، هي صخرة بوجه المخططات المعادية”، وأضاف: “سورية هي صخرة وطنية عصيَّة على الاختراق، والسويداء هي الصخرة الأقوى في هذه القلعة”[59].

ملأت هذه العبارة التسويقية شوارع مدينة السويداء بعد ذلك، وكُتب تحتها من أقوال الرئيس بشار الأسد، وكان من المُلفِت للانتباه، في تلك الفترة، صورةً ألصقها النظام -بكثافة -على جدران المدينة، تجمع سلطان الأطرش (في المنتصف)، مع بشار الأسد وحسن نصر الله (الأمين العام لحزب الله اللبناني) بوصفه “رمزًا من رموز المقاومة”، وفُتحت أبواب المراكز الثقافية الحكومية أمام الشعر الشعبي الذي أخذ يَنظِم قصائدَ جديدة وكثيرة، تمجّد الثلاثة، وتلمّح لـ “خيانة جنبلاط”!

في السويداء لا يُستخدم اسم يوسف العظمة، وإنما سلطان الأطرش، ولكن الذهنية واحدة؛ فليس أفضل من الممانعة والماضي المجيد؛ لاستغلالهما في خلق المجد الشخصي، وإرضاء غريزة البقاء.

يستخدم النظام هذه الذهنية نفسها؛ لمقاربة موضوع الإرهاب، وتتشكل ثنائية “الممانعة والمقاومة” أداة لمخطابة الداخل/ مكافحة الإرهاب، وأداة لمخطابة الخارج، وكلاهما أدواتٌ لضمان البقاء.

 

سادسًا: خاتمة

يؤمن النظام السوري الحاكم، على مستوى الذهنية القابعة خلف سلوكه العنيف، والتي تحدد طريقة تفكيره، بالتماهي بين الدولة والوطن والسلطة والقائد الرمز، ومن أجل تأمين عناصر القوة اللازمة لممارسة قناعاته؛ يستند النظام إلى عصبية مُصنَّعة بعناية، وتخضع لترميم داخلي؛ وذلك باستخدام الأوهام والأساطير بشكل تسويقي ممنهج، تشتغل العصبية وفق مبدأ الغلبة والقهر وفرض إرادة الغالب، وتستفيد من الرابط العائلي والعشائري والطائفي والمصالح الاقتصادية؛ ما يمنح العنف طابع التقليد الثابت والراسخ؛ إذ تشتغل النعرة العصبية على عمليتي إنتاج العنف وإعادة إنتاجه، وتلملم صفوف الذين سيضحون في سبيله باستمرار، وخصوصًا عند استشعار التهديد. ولهذا الفكر العنيف جذورٌ “جنينية”، إن صح التعبير، خلال المرحلة الممتدة بين انقلاب الثامن من آذار/ مارس عام 1963، وانقلاب حافظ الأسد عام 1970، عام ولادة النظام الحالي. أحكم النظام قبضته على عناصر القوة بعد ولادته، واستخدم أنواعًا كثيرة من العنف المادي والمعنوي. لم يفكّر في السوريين كمواطنين، وإنما كرعايا لا يستطيعون ممارسة السياسة، ولا يمكن أن يفهموها، والسجون بُنيت للعدد القليل الذي يتجرأ على ذلك، كما أَولى النظام اهتمامًا خاصًا بتربية أجيالٍ من الشباب المُذعِن، واستخدم -لذلك- مناهج حفيّة، ومنظمات تعمل على التأكد من سكون الحركات الشبابية، ولا مبالاتها إزاء القضايا السياسية، إلا العقائدي البعثي الذي يُمجِّد “القائد الرمز”، وكانت المقاومة ومكافحة الإرهاب شعارين نظريين، سُخّرا لخدمة البقاء على سدة الحكم، وللتسويق للزعامة.

 

سابعًا: استنتاجات عامة

إضافة إلى الاستنتاجات السابقة، والمتضمَّنة ضمن سياق الدراسة، في إطار الإجابة عن أسئلتها، وبعيدًا عن العمل السياسي المحض وتفاصيله الدقيقة، يمكن إضافة مجموعة من الاستنتاجات العامة التالية:

 

  • ضرورة ضبط المفاهيم المشوَّهة

إن ضبابية المفاهيم، واختلاطها، هما مشكلة الفكر، وهما مشكلة الممارسة في كل قضية، يقود فيها الفكر إلى ممارسة. واللغة سبيل الانضباط، أو الانحراف، في الفكر. في سورية حالة فوضى مفاهيم مُمنهجة تحت رعاية سلطةٍ، لا ترى فرقًا بين السلطة والدولة والنظام، وتعُدّ الوطن ملكية شخصية؛ ويبدو -مما سبق- أنّ هذه الذهنية ثابتة ثباتًا بنيويًا، وبالتالي، أي اختراق يقوم به الفكر في مسار التثبيت الدقيق للمفاهيم، هو مسار نحو الحرية. هذه العملية ليست ترفًا فكريًّا بهدف الرياضة الذهنية، بقدر ما هي أداة تغيير، وسلاح ثوري ضد عنف النظام المادي والمعنوي.

وتقوم هذه العملية على مستويين اثنين: الأول يرتبط بالمفكرين المنظرين، والسياسيين المنفذين، ويرتبط الثاني بالرأي العام، وبتكوين ملامح العقل الجمعي السوري السياسي المشترك، وأسس العقد الاجتماعي، ومنهجيات التفكير؛ لمقاربة أكثر دقة لمفهوم الوطن، والدولة، والسلطة، والنظام السياسي، ومفهوم تداول السلطة، والتوزيع العادل للثروة، والمجتمع المدني، وعلاقة الدولة بالدين وبالأيديولوجيات، وضبط مفهوم الوطنية والمواطنة، إلى آخر هذه القائمة. على المستوى الأول يجب العمل على فصل الأيديولوجية عن الذات قدر المستطاع، أو فصل الذات عن موضوع السياسة على أقل تقدير، أي: تناول المسائل تناولًا موضوعيًا، غير عقائدي، بوصلته الوحيدة هي المصلحة الوطنية السورية الجامعة، وخير سورية والسوريين. هذا يُمهد -بالتأكيد- لخطابٍ وطني جامع ملتفٍّ على غريزة النظام الوجودية، وقادر على صناعة أرضية اتفاق سورية صلبة، قوامها جميع السوريين، تحلّ محلّ النواة العصبوية الصلبة التي صنعها النظام لنفسه، وأدار من خلالها البلاد؛ وعليه، يجب التمييز بين المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وتعيين نقاط التقائها بحرفية السياسي وموضوعية العالم. هكذا تصبح السياسة السورية هي حرفة بناء دولةٍ جديدة، بالمعنى الفلسفي والسياسي والاجتماعي والوظيفي للدولة. ولا يتحقق ذلك دون تجاوز النظرة المحلية للفكر والوعي والتوجه، إلى الاستفادة من تجارب العالم والتاريخ البشري، وتكوين وعي كوني، قريب من الواقع، وفاهم له بدقة، وساعٍ إلى تطويره وتغييره.

تُلِحّ مجموعةٌ من المفاهيم على الفكر السوري، وتحتاج إلى ضبطٍ وتحديد، وأخرى تحتاج إلى نحتٍ وتشكيل. ويبدو أن الحقل الدلالي للمفاهيم -كافة- ذو طبيعةٍ واحدة. وإذا ما كان الإنسان هو غاية السياسة؛ فإن الدولة هي ميدان تطبيقها. ونحاول، من خلال الجداول المرفقة، تناول بعض الأفكار وعلاقتها مع بعضها باختصارٍ شديد:[60]

 

 

الجدول (1)[61]

المفهومالمجتمع المدني

(تعبير سوسيولوجي)

الشعب

(تعبير سياسي)

الأمة

(تعبير ثقافي)

الدولة الوطنية

(تعبير عمومي ينتمي إلى نسق متكامل من المفاهيم)

المجتمع المدني___هو الصيغة السياسية للمجتمع المدنيهي المعادل الثقافي والأخلاقي للمجتمع المدنيترتبط بالمجتمع المدني على صعيد اجتماعي وهي شكل وجوده السياسي
الشعبيعاد انتاجه سياسيًا بمفهوم الشعب___هي التعبير الثقافي عن مفهوم الشعبترتبط بالشعب على صعيد سياسي
الأمةهو الواقع الكثيف للأمة والتجسيد العياني لهاهو المعادل السياسي للأمة___ترتبط بالأمة على صعيد ثقافي وهي التعبير القانوني للأمة
الدولة الوطنيةمشروط بوجود الدولة الوطنية، ويشكلان قطبين جدليين في وحدة تناقضيةهو تعبير سياسي عن الدولة الوطنية، ومصدر السلطة، ومصدر الشرعية فيهاهي تعبير ثقافي عن الدولة الوطنية____

 


 

الجدول (2)

العقد الاجتماعيضرورتهإمكانية تحقيقهمضمونهتعبيره القانوني
الخلافالتماثل في الإنسانية والمساواة في المواطنةجدل التماثل والاختلاف الذي يحكم عملية بناء المجتمع المدني والدولة الوطنيةالدستور بصفته تجسيدًا لإرادة الشعب

 

الجدول (3)

المفهومالديمقراطيةالحداثة الليبراليةالإنسانوية

 

الدولة الوطنية الحديثةالمجتمع المدني
الديمقراطية___تشكل حدًا على الديمقراطية وتمنع تحولها إلى مسار لطغيان جماهيريتتطلب المساواة والحرية وبالتالي تتطلب ديمقراطيةهي دولة ديمقراطيةالبيئة المناسبة التي تنمو فيها الديمقراطية وتتطور مؤسساتها وآلياتها
الحداثة الليبراليةتتضمن الحداثة الليبرالية وتتخطاها معرفيًّا وتاريخيًّا، هي الليبرالية مضاف إليها مفهوم الشعب___تشكل جذرًا من جذور الحداثة الليبراليةلا تنفصل عن قضايا الحداثة ذاتهالا ينفصل عن قضايا الحداثة الليبرالية
الإنسانويةشرط لازم لأنسنة الحياة الاجتماعيةساهمت في إنتاج فكر الأنسنة___تقوم على المواطنة والمساواة، بالتالي تعزز الإنسانويةيتأسس على مفهوم الإنسانوية
الدولة الوطنية الحديثةهي مضمون الدولة الوطنية، والمضمون السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي للوطنية.تعطي الدولة الوطنية معناها الحديثعليها يتأسس المواطن وبالتالي يتأسس المجتمع السياسي والدولة الوطنية الحديثة___مشرط بوجود الدولة الوطنية (يشكلان قطبين جدليين في وحدة تناقضية)
المجتمع المدنيالفضاء الطبيعي الذي يتيح للمجتمع المدني أن يعيش وينمو ويتطورأنتجت أسس فكر المجتمع المدني الحديثعليها يتأسس المجتمع المدنيترتبط بالمجتمع المدني على صعيد اجتماعي وهي تشكل وجوده السياسي___

 

 

الجدول (4)

العروبةالقومية العربية (أيديولوجية)
توصيفهافضاء روحي وأخلاقي مشترك

بين العرب، والناطقين بالعربية

مذهب سياسي، مستند إلى

بنية سياسية مغلقة

نتاجهاثقافة تواصلية تبادليةأيديولوجية إقصائية، قامت

بتسييس ثقافة العروبة

طبيعتهامنفتحة على الآخرمغلقة وعنصرية
موقفها من الدولة الوطنيةتقبل وتعزز نشوء دول وطنية

عربية

لا تقبل بالدول الوطنية، بل

بالدول القطرية الموقتة

موقفها من مفهوم الأمةتقبل بمفهوم الدولة/ الأمة

(أمة سورية، أمة مصرية…)

لا تقبل إلا بأمة عربية فقط

 

الجدول (5)

الدعوة الديمقراطيةبسط الفكرة الديمقراطية
لغتهاأيديولوجيةفكرية ومعرفية
خطابهاتبجيلي (يقدم الديمقراطية كسحر

ودواء لكل داء)، وينظر للخيار

الديمقراطي، بمنطق الحتمية العلمية

والتاريخية

واقعي يدرس الواقع واتجاهاته وميوله

وإمكانياته، ويأخذ في الاعتبار طاقات

البشر وإمكانياتهم، والعقبات القائمة

والآليات المناسبة

 

أداتهامناضلين كالأنبياء المخلصين يضحون

بحياتهم من أجلها.

ممكنات واقعية، واستراتيجيات، ومراحل،

وسياسيون، يؤمنون بالتدرج والتفاوض

والتسويات

منهجهاالوعي الأيديولوجيالوعي المقارب

 

  • تطوير القدرة على بناء موقف سياسي سليم

ينجم السلوك عن الطبع: طبع الأفراد، أو طبع الجماعات؛ لذلك، ثمّة فرق بين السلوك والموقف؛ فالموقف يتضمن عنصرًا إراديًا، أي: إنه نتاج التفكير المسبق، في حين يكون السلوك تلقائيًا. صحيح أن المواقف السياسية تتأثر بسياقات طويلة من التأثيرات الثقافية، ولكن الإرادة والتأني المُستند إلى تحكيم عقلي موضوعي، يمكن أن يختصر الوقت، ويجنب السوريين مزيدًا من القتل والدمار؛ فمن دون الموقف الموضوعي العقلي الواعي، المدرك لذاته ولأهدافه، نصبح -في سورية- أمام صراع غابة غرائزي لا ينتهي.

  • الاقتراب الدائم من فهم عميق للمجتمع السوري

إن الإرادة العامة تتجسد في عقد اجتماعي جامع، وبناء دولة جامعة للاختلاف؛ لذلك يجب الالتفات إلى المجتمع: فهمه، احترامه، الاعتراف بثقافته، دراسة ميوله، التقاط عناصر تعدديته الثقافية، وبلورتها في نواة أمَّة سورية.

  • دراسة مؤشر الرأي العام (ميوله وحاجاته)

الرأي العام ظاهرة اجتماعية، يجب أن تلعب دور الرقيب على الممارسات والسياسات التي تدعي التمثيل السياسي، أو تطمح إليه لخير الجماعة. إنه الرأي المعبر عن مجموع إرادات الأفراد، وهذه العملية سيرورة لا تنتهي؛ لأن الرأي العام متحرك، غير ثابت، يخضع للتطورات والمؤثرات التي تدخل على الحدث وتعدله؛ بحيث يتغير الموقف منه. ومن المناسب جدًّا أن تتعامل المؤسسات السياسية السورية، التي بدأت بالتكون بعد الثورة، مع الرأي العام في اتجاهين: التأثر والتأثير، والاستمرار في إطلاق الحوار على المستوى الوطني؛ فهذه الفترة، من عمر سورية، فترة جنينية، تتطلب أكبر قدرٍ من تعددية الأفكار تنافرًا وتجاذبًا؛ ففي هذا تدرّب على التسامح واحترام الآخر، والاعتراف به كذات إنسانية مُكرّمة، لها الحق في الوجود في إطار القانون المعاصر.

  • تنمية الفكر الاستراتيجي

لنتذكّر أننا لا ندخل الحرب من أجل أن نقتل أكبر عدد من الخصم، إنما تُخاض الحروب من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي قامت من أجله الحرب، وتحقيق هذا الهدف من عدمه، هو معيار الربح والخسارة، وليس عدد الجنود الذين قتلناهم، أو الآليات التي أعطبناها؛ من هنا يصبح امتلاك المؤسسات الوطنية التي تطمح لتمثيل السوريين لـ وضوح الرؤية الاستراتيجية”، أي: “مجموع الطرق المستخدمة؛ لحرمان الخصم من وسائل المعركة، و إجباره على التخلي عن الصراع”، بحسب ميشيل فوكو، ضرورة يفرضها العقل والمنطق؛ فالاستراتيجية نقيض الارتجال، والتصريحات الفوضوية والسلوك المهزوز؛ فهي جوهر الفكر المنطوي تحت تنظيمٍ حقيقيّ، و تنطلق من الطموحات الكبرى للجماعة، وتعكس تطلعات المجتمع الذي تُمثله. إن هذا النوع المُنظَّم من العمل السياسي لا يفسح مجالًا لغياب العقل، القادر على توقع الأشياء؛ وبالتالي، لا نقول مثلًا: خدعتنا هذه الدولة أو تلك، أو خاب أملنا في المجتمع الدولي الذي رَاهنَّا عليه، بل نتوقع سلوك الدول والمجتمعات ونبني خياراتنا وفق الواقع والمعقول، ونمارس فن الممكن.


 

  • تنمية القدرة على حساب الاحتمالات

الخوفَ في السياسة غير الخوف المزمن الذي سقط جداره في 2011؛ لأن الخوف، في موضع السياسة، حسابٌ نظري للاحتمالات، إنه تريّث العقل الذي لا يجب التحرر منه، بل يجب التمسك به على مستوى السياسة، وخصوصًا عند التحرر منه على مستوى المجتمع، ويصبح التمسّك بهذا الخوف أكثر أهمية عند المواجهة مع الأنظمة منزوعة الأخلاق، فهو يحفز العقلَ على ترشيد القرارات؛ وبالتالي، على إجراء حسابٍ دقيقٍ للاحتمالات التي لا يمكن ممارسة لعبة السياسة دون إتقان حساباتها. وهذه مسألة ليست سهلة على الإطلاق؛ فهي تتطلب جهدًا معرفيًا عميقًا لفهم إمكانات الخصم، وردّات فعله، والتحالفات التي يمكن أن يعتمد عليها، مثلما تَفترِضُ تقديرًا ذاتيًّا لإمكانات اللاعب الذاتية، واطلاعًا على المناخ السياسي المُحيط به في الداخل والخارج، ومعرفة مسبقة بالبدائل التي يمكن اللجوء إليها عند انحراف اللعبة عن مسارها المتوقع؛ ففي هذا الموضع يكون الخوف عقلنة. إن ضعف السياسة السورية عمومًا، في هذا الصدد، جعلها دائمًا غير قادرة على تحديد العلاقة النسبية بين الرهان والمجازفة، وغاب عندها الحقل النظري الذي يختص في “المعارك الممكنة”، والتمييز بين الهجوم والدفاع؛ وبالتالي، غاب عنها أن نتيجة المعركة دائمًا صفر، بوصف أن ما يخسره طرف معين يربحه طرف آخر.

  • رفع قيمة الفرد

سلوك ومواقف المؤسسات، والعمل الجماعي، يتم وفقًا لسلوك ومواقف الأفراد الذين يشكلونها، وكذلك يتكون السلوك السياسي، متأثرًا بشبكة العلاقات التي تقوم بين الأفراد، وفي مواجهة نظامٍ، يقتل الفردانية لصالح بوتقة العصبية الأيديولوجية والعشائرية، يصبح من الضروري جدًا تنمية الاهتمام بالفرد، وتعزيز هذه الفردانية؛ بحيث نستطيع تكوين تجمعات سليمة وناضجة.


 

  • قلب الثورة للشباب، وعقلها للجميع

إذا كان فعل التغيير قد بدأ؛ فإن الشباب أهم الفاعلين، والأهم أنهم الأكثر إبداعًا وتصالحًا مع آليات العمل الجديدة، والأهم أنهم أكثر قوى المجتمع فاعليةً وطاقة. إن مزيجًا من الخبرة، والاندفاع، والعمل الفكري الذي يصحح نتاج المناهج الخفية، يعطي للحالة روحًا، ويجعل منها قابلة للحياة والاستمرار والإنتاج.

قائمة المراجع

كتب عربية:

  • بثينة شعبان، عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990_2000. ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، كانون الثاني/ يناير 2015)
  • حنا بطاطو، فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم، ترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي، ط1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تشرين الأول/ أكتوبر 2014)
  • ستيفن هايدمان، التسلطية في سورية، صراع المجتمع والدولة، ترجمة عباس عباس، ط1، (بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، تشرين الأول/ أكتوبر 2011).
  • عبد الرحمن بن محمد، (ابن خلدون)، مقدمة ابن خلدون، (بيروت، المكتبة العصرية، 2011).
  • عزمي بشارة، سورية: درب الآلام نحو الحرية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013)
  • مجموعة باحثين، الإخوان المسلمون في سوريا/ ممانعة الطائفة وعنف الحركة، ط3، (دبي، مركز مسبار للدراسات والبحوث، نوفمبر/ تشرين الثاني 2012).
  • مجموعة من الباحثين، الظاهرة السلفية/ التعددية التنظيمية والسياسات، ط1، (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، 2014).
  • مجموعة من الكتاب، استراتيجية سلطة الاستبداد في مواجهة الثورة السورية (الكتاب الأول)، إعداد وتقديم: يوسف فخر الدين، الطبعة الأولى، (مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية بدعم من شبكة حنطة للدراسات والنشر، 2014).
  • مجموعة من المؤلفين، الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي (مصر-المغرب-لبنان-البحرين-الجزائر-سورية-الأردن)، ط2، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، أب/ أغسطس 2014).
  • مجموعة من المؤلفين، خلفيات الثورة دراسات سورية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013).
  • محمد جمال باروت، العقد الأخير في تاريخ سورية، جدلية الجمود والإصلاح، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آذار/ مارس 2012).

كتب أجنبية:

  • Antony Giddens, Sociolog,4th edition (Ploity pressin association with Balckwell, 2001).

دراسات:

  • أحمد برقاوي، عنف البنية المحتضّرة، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية، 12 تشرين الثاني/ أكتوبر 2013.
  • حازم نهار، التنشئة السياسية للشباب السوري، الحوار المتمدن (موقع الكتروني) 28/1/2006.
  • رزان زيتونة، ثورة واحدة لا تكفي، جريدة المستقبل، العدد: 4079، 7 آب 2011.
  • سوسن الأبطح، وليد جنبلاط يغلق الجرح مع سورية، جريدة الشرق الأوسط، العدد: 11434، 19 آذار/ مارس 2010.
  • فكتور الكك، (من الوطن إلى الوطنية فالمواطنة”، مجلة التسامح، العدد 20، (خريف 2007).
  • وحدة دراسة السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، حلب- مقبرة مؤتمر جنيف أم محطّة للعودة إليه؟

[1]   “خطاب الخيارات الحاسمة… الرئيس الأسد: النصر قادم لا محالة.. وكما حررنا تدمر وغيرها سنحرر كل شبر من سورية… لولا أبطال الجيش لما صمدنا ولا بقينا.. ودمـــاء الشـــهداء لن تذهـــب هـــدرًا.. عندما نعمل بصدق وإخلاص للوطن تصبح رقابتكم على السلطة التنفيذية فاعلة، جريدة الثورة، الأربعاء 8/6/2016.”

http://thawra.sy/_archive.asp?FileName=92297957520160608005916

 

[2] كانت أوصاف كـخائن وعميل تستخدم في المدارس على لسان الموجهين ومدرسي مادة التربية العسكرية، من الأعضاء العاملين في حزب البعث، وذلك لمجرد تأخر الطالب عن موعد الاجتماع الصباحي الذي يردد فيه الطلاب شعارات الحزب، ومنها: عهدنا أن نتصدى للإمبريالية والصهيونية والرجعية، ونسحق أداتها المجرمة عصابة الإخوان المسلمين العميلة وقائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد”، أو لأنه تقاعس عن التصفيق عند ذكر اسم الأب القائد.

[3] مجموعة من المؤلفين، خلفيات الثورة دراسات سورية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/أغسطس 2013)، جاد الكريم جباعي، البنية التسلطية للنظام السوري، النشأة والتطور والمآل، ص215.

 

[4] تمّ الضبط العلمي للمفاهيم قبل الدراسة بالاستعانة بعدة مراجع أكاديمية أهمها:

Antony Giddens, Sociolog,4th edition (Ploity pressin association with Balckwell, 2001).

[5] أي الذي يفترض أن النظام لا يستطيع التخلي عنهما، إلا إن تخلى عن وجوده كنظام حاكم.

[6]  أهم المحطات التي نعتقد أن النظام استشعر فيها الخطر بدرجات متفاوتة، وكانت موضع ملاحظة الباحث:

  • فترة الاضطرابات التي حدثت بين عامي 1978 و1982، والصراع مع الإخوان المسلمين.
  • التعامل مع فكرة المجتمع المدني بشكل عام (وخصوصًا النقابات التي أحجمت عن إعلان ولائها للنظام، في أثناء الصراع مع المعارضة الإسلامية، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وحل مكاتبها التنفيذية).
  • الحرب الأميركية على العراق، وما رافقها من ردود فعل في الداخل السوري، والتعامل مع فكرة الجهاد خلال هذه الفترة.
  • فترة ربيع دمشق الممتدة بين عامي 2000 و2005، وما رافقها من منتديات، عمّت أرجاء البلاد.
  • ملف اغتيال الحريري والمحكمة الدولية.
  • الثورة السورية على نظام بشار الأسد التي بدأت سلمية عام 2011، ثم تحولت إلى نزاع مسلح، وما رافقها من حوادث.

 

[7] مجموعة من الباحثين، الظاهرة السلفية/ التعددية التنظيمية والسياسات، ط1، (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، 2014)، ص129.

[8] يقول بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب، بتاريخ 30/3/2011، وكان خطابه الأول بعد انطلاق الاحتجاجات في درعا، والذي قال في بدايته أنه حديث من القلب بعيد عن الإنشاء العاطفي:” علينا أن نتجنب إخضاع الإصلاح للظروف الآنية التي قد تكون عابرة، خلال عشر سنوات تحدثنا في الإصلاح، إصلاحنا اليوم يجب أن يعكس عشر سنوات للخلف وعشر سنوات للأمام، لن يعكس هذه المرحلة ولا الموجة في الخارج ولا الموجة في الداخل، هذه طريقة التفكير التي نفكر بها. ويورد هذا الكلام في إطار التسويق السليم برأيه للإصلاحات التي تم الحديث حولها في اجتماع القيادة القطرية، قبل الخطاب بأيام قليلة. واستبق هذا الكلام بالتعبير عن أنها لم تأتِ استجابةً لضغوط الداخل أو الخارج؛ وبالتالي، لم تكن تعبيرًا عن ضعف الدولة حسب تعبيره حيث يقول: إذا قلنا إنها (أي الإصلاحات) حصلت تحت ضغوط شعبية؛ فهذا ضعف…العلاقة بين الدولة والشعب لا تبنى على الضغوط. انظر: خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في مجلس الشعب، 30/3/2011.

https://www.youtube.com/watch?v=S89q-tVZp0o

[9]  محمد جمال باروت، العقد الأخير في تاريخ سورية، جدلية الجمود والإصلاح، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آذار/مارس 2012)، ص196.

[10] في حديث للملحق العسكري الروسي الأسبق في دمشق، الفريق فلاديمير فيودورف، لقناة روسيا اليوم، ضمن برنامج “رحلة إلى الذاكرة”، في آذار 2015، يقول: كنا ندرك أن مسألة السلطة (يقصد السلطة في سورية) لا تقرر تقليديًّا، وأنها لا تُناقَش -فحسب- في المجلس العلوي الأعلى في الساحل السوري، بل وأن حافظ الأسد -بهذا الشكل أو ذاك- يصغي لرأيه. وحين يسأله المذيع عن كيفية علمه بوجود هذا المجلس يجيب: هل هذا سر أساسًا؟ كنا نعلم فحسب، كما نعلم بوجود هذا المجلس كعلمنا بوجود مجلس الشعب الذي يناقش مختلف المسائل، وذكر في سياق الحديث أن حافظ الأسد كان يصغي إلى رأي هذا المجلس، حتى عندما بدأ يفكر في نقل السلطة إلى ابنه.

انظر: الملحق العسكري الروسي الأسبق لدى دمشق، يكشف خفايا توريث السلطة في سورية عام 2000. (مصدر مسموع) https://www.youtube.com/watch?v=3nnuty6CqgM

 

[11] المصدر نفسه، الملحق (2). يوسف فخر الدين، سورية ثورة مستمرّة، ص164.

[12]  حلب- مقبرة مؤتمر جنيف أم محطّة للعودة إليه؟، وحدة دراسة السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة. https://harmoon.org/archives/464

 

[13]  مجموعة من الكتاب، استراتيجية سلطة الاستبداد في مواجهة الثورة السورية (الكتاب الأول)، إعداد وتقديم: يوسف فخر الدين، الطبعة الأولى، (مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية بدعم من شبكة حنطة للدراسات والنشر، 2014)، الملحق الأول: بكر صدقي، النظام السوري في مواجهة انتفاضة الحرية، ص157.

[14]  فكتور الكك، من الوطن إلى الوطنية فالمواطنة، مجلة التسامح، العدد 20، (خريف 2007)، http://tasamoh.om/index.php/nums/view/24/465

[15] خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في مجلس الشعب، 30/3/2011.

 

[16] مجموعة من المؤلفين، خلفيات الثورة دراسات سورية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013)، جاد الكريم جباعي، البنية التسلطية للنظام السوري النشأة والتطور والمآل، ص198.

 

[17] ستيفن هايدمان، التسلطية في سورية، صراع المجتمع والدولة، ترجمة عباس عباس، ط1، (بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، تشرين الأول/أكتوبر 2011)، ص285.

 

[18]  ستيفن هايدمان، ص318.

[19] ستيفن هايدمان، ص332.

[20] أحمد برقاوي، عنف البنية المحتضّرة، مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية، 12 تشرين الثاني/ أكتوبر 2013.

http://drsc-sy.org/%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D8%B6%D9%91%D8%B1%D8%A9/

[21] مجموعة من المؤلفين، خلفيات الثورة دراسات سورية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013)، جاد الكريم جباعي، البنية التسلطية للنظام السوري النشأة والتطور والمآل، ص235.

 

[22] حوار عن “ثقافة الخوف” في “منتدى الأتاسي”. خدام: لن نسمح بـ”جزأرة” سورية” والعودة الى عهد الانقلابات. 3 من 3، جريدة الحياة، العدد 13996، (10/07/2001) ، ص8.

[23] عزمي بشارة، سورية: درب الآلام نحو الحرية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013)، ص38.

[24]  عبد الرحمن بن محمد، (ابن خلدون)، مقدمة ابن خلدون، (بيروت، المكتبة العصرية، 2011)، ص121.

[25]  حنا بطاطو، فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم، ترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي، ط1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تشرين الأول/ أكتوبر 2014)، ص 406 و418.

[26] السويد يروي تفاصيل لقاءاته مع الأسد، الجزيرة نت، 13/1/2012.

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2012/1/13/سويد-يروي-تفاصيل-لقاءاته-مع-الأسد

[27]  حنا بطاطو، ص386.

[28] “خطاب الخيارات الحاسمة… الرئيس الأسد: النصر قادم لا محالة.. وكما حررنا تدمر وغيرها سنحرر كل شبر من سورية… لولا أبطال الجيش لما صمدنا ولا بقينا.. ودمـــاء الشـــهداء لن تذهـــب هـــدرًا.. عندما نعمل بصدق وإخلاص للوطن تصبح رقابتكم على السلطة التنفيذية فاعلة”، جريدة الثورة، الأربعاء 8/6/2016.

http://thawra.sy/_archive.asp?FileName=92297957520160608005916

 

[29]  مجموعة من المؤلفين، الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي (مصر-المغرب-لبنان-البحرين-الجزائر-سورية-الأردن)، ط2، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، أب/ أغسطس 2014)، الفصل الثامن: سلامة كيلة، الحراك الاجتماعي في سورية في العقد الأخير قبل الثورة، ص349.

[30] ونلاحظ ظاهرة التعذيب والسجن السياسي كانت في عموم المنطقة، وإن كانت سورية هي الأوضح والأشد، وانعكست على الأدب العربي الذي دخل إليه مصطلح أدب السجون”، ولعل رواية عبد الرحمن منيف شرق المتوسط التي كتبها عام 1972 كانت من أوائل الأعمال التي اندرجت ضمن هذا النوع من الأدب، ويقول في تقديم طبعتها الثانية عشرة عام 1998: السجن السياسي لم يوف حقه…ولا يزال الموضوع بحاجة إلى مساهمات الكثيرين، لأن عار السجن السياسي أكبر عار عربي معاصر، وقد يفوق الهزائم العسكرية من بعض الجوانب، لأنه لا يمكن أن يواجه الهزيمة العسكرية، وحتى الهزيمة السياسية، إلا مواطن حر، يعرف معنى الوطن، ويعرف كيف يدافع عنه. وما دام هناك سجن سياسي فسيبقى المواطن مقيدًا، وبعض الأحيان غير معني، لأن الحرية والوطن شيء واحد.

 

[31]  محمد جمال باروت، ص343.

[32]  المجلس المحلي لمدينة درايا، الموقع الرسمي، داريا قبل الثورة.

http://darayacouncil.org  على الموقع الالكتروني:

[33] مجموعة من الباحثين، الظاهرة السلفية/ التعددية التنظيمية والسياسات، ط1، (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، 2014)، ص128.

[34]  للمزيد حول جودت سعيد، انظر الموقع الإلكتروني (بالعربية والإنجليزية):

www.jawdatsaid.net

[35] رزان زيتونة، ثورة واحدة لا تكفي، جريدة المستقبل، العدد: 4079، 7 آب 2011، ص12.

[36]  مصدري هنا هو جلسة خاصة مع المتحدث الذي شغل منصبًا وزاريًا، ويعمل الآن في منصب حساس في إحدى مؤسسات المعارضة، لم نذكر اسمه لعدم فائدة ذلك للسياق المطلوب، وللابتعاد من التشهير.

[37]  حنا بطاطو، ص510.

[38] بثينة شعبان، عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990_2000. ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، كانون الثاني/ يناير 2015)، ص186.

[39]  عزمي بشارة، ص241.

[40] مجموعة من المؤلفين، خلفيات الثورة دراسات سورية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013)، جاد الكريم جباعي، البنية التسلطية للنظام السوري النشأة والتطور والمآل، ص203.

[41]  مجموعة باحثين، الإخوان المسلمون في سوريا/ ممانعة الطائفة وعنف الحركة، ط3، (دبي، مركز مسبار للدراسات والبحوث، نوفمبر/تشرين الثاني 2012)، فادي شامية، الإخوان المسلمون والطليعة المقاتلة والعلاقة مع السلطة، ص212.

[42]  المصدر نفسه، رزان زيتونه، الإسلاميون السوريون وغواية الجهاد في العراق، ص340.

[43]  المصدر نفسه، رزان زيتونه، ص341.

[44]  المصدر نفسه، رزان زيتونه، ص346.

[45]  مجموعة من الباحثين، الظاهرة السلفية/ التعددية التنظيمية والسياسات، ط1، (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، 2014)، عبد الرحمن الحاج، السلفية والسلفيون في سورية من الإصلاح إلى الثورة، ص124.

[46] المصدر نفسه، ص138.

[47]  مجموعة من المؤلفين، خلفيات الثورة دراسات سورية، ط1، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آب/ أغسطس 2013)، جاد الكريم جباعي، البنية التسلطية للنظام السوري النشأة والتطور والمآل، ص227.

[48]  حازم نهار، التنشئة السياسية للشباب السوري، الحوار المتمدن (موقع الكتروني) 28 كانون الثاني/ يناير 2006، نشرت في مجلة الآداب اللبنانية قبل ذلك.

http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=55830&r=0

[49]  لم يتسنّ الحصول على نص هذا الحوار.

[50]  مقابلة شخصية أجراها الباحث مع الكاتب السوري، حازم نهار، في الدوحة بتاريخ 16 أيار/ مايو 2016.

[51]  المصدر نفسه.

[52] بثينة شعبان، عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990_2000. ط1، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، كانون الثاني/ يناير 2015)، ص192.

 

[53] المصدر نفسه، ص192.

[54] حوار عن “ثقافة الخوف” في “منتدى الأتاسي”. خدام: لن نسمح بـ”جزأرة” سورية” والعودة الى عهد الانقلابات. 3 من 3، جريدة الحياة، العدد 13996، (10/07/2001) ، ص8.

[55] موقع اللجنة السورية لحقوق الإنسان، مجزرة مدرسة المدفعية بحلب 16 حزيران/ يونيو 1979.

http://www.shrc.org/?p=6788

[56] المصدر نفسه.

[57]  سوسن الأبطح، وليد جنبلاط يغلق الجرح مع سورية، جريدة الشرق الأوسط، العدد: 11434، 19 مارس 2010.

عن الموقع الالكتروني: http://archive.aawsat.com/details.asp?section=45&article=561589&issueno=11434#.V2CNu_l97IU

[58]  كلمة بشار الأسد إلى مواطنيه في محافظة /السويداء/ في 28 تشرين الثاني 2016.

عن الموقع الالكتروني:

http://www.presidentassad.net/index.php?option=com_content&view=article&id=994:28-2006&catid=298&Itemid=469

[59] المصدر نفسه.

 

[60]  قمت بإعداد هذه الجداول المُلخصة، بالاستناد إلى المفاهيم التي وردت في الوثيقة الفكرية لحزب الجمهورية في سورية.

انظر الوثيقة الفكرية لحزب الجمهورية على الموقع الالكتروني: www.rp-syria.com

[61] كل مربع هو تعريف للمفهوم المقابل له أفقيًّا بدلالة المفهوم المقابل عموديًّا، مثلاً: في الجدول (1) الشعب بدلالة المجتمع المدني (هو الصيغة السياسية للمجتمع المدني) والأمة بدلالة المجتمع المدني (هي المعادل الثقافي والأخلاقي للمجتمع المدني) وهكذا…