بسبب تعقيد موضوع “علمانية الدولة في سورية الجديدة” وتفاصيله الكثيرة، وبسبب ما يتصل به من إشكالات وحساسيات واختلافات وخلافات، فقد كان من المتعذر إعطاء الموضوع حقّه من النقاش خلال ساعتين ونصف، وبمشاركة ثلاثة عشر متحاورًا في كل مجموعة من المجموعتين. لذلك تمت قسمة كل مجموعة إلى اثنتين، ومناقشة الموضوع على مدى خمس ساعات من قبل كل مجموعة.

يبدأ الاختلاف والخلاف في موضوع العلمانية من المصطلح، إلى التعريف، وصولًا إلى كل ما يتعلق به من تفاصيل. وسنسعى في ما يلي إلى إبراز أهم ما أتى عليه المتحاورون، منطلقين من الأسئلة الرئيسة التي طرحتها الورقة الخلفية، وجرى النقاش بموجبها.

قبل عرض ما جاء في النقاش من أفكار، يجدر بنا التنبيه إلى بعض الملاحظات:

  • – العَلمانية صفة تُلحق بالدولة وليس بالأفراد، أما الفرد فقد يكون مؤيدًا أو نصيرًا للعلمانية، لكن تجاوزًا سنطلق عليه في هذا التقرير صفة (عَلماني).
  • – بسبب تعدد واختلاف الآراء ووجهات النظر، كان من الصعب تصنيفها ضمن مجموعات منسجمة، لذلك رأينا أن نضعها في هذا التقرير متفرقة كما هي.
  • – توخينا الحيادية في كتابة هذا التقرير، ونقلنا أبرز الآراء، كما جاءت دون تدخل، لذلك يلاحظ عدم الانسجام، وأحيانا التعارض، بين فكرة وأخرى.
  • – الآراء الواردة قد تكون لفرد واحد، وقد تكون لعدد من الأفراد، وبعضها قد يكون محل إجماع.
  • – قد نجد بعض التكرار في بعض الأفكار، بسبب ملاءمتها لكلا الموقعين.
  • – ما لم نستطع تصنيفه، تحت أحد الأسئلة الرئيسة الستة الواردة أدناه، وضعناه تحت عنوان: سابعًا: متفرقات.

أولًا: حول ماهية العلمانية وأنماطها وتعددها ونطاقها:

ليس ثمة تعريف جامع مانع للعلمانية:

البعض تحدث عن فصل الدين عن الدولة.

> والبعض تحدث عن فصل الدين عن مؤسسات الدولة.

> والبعض تحدث عن فصل الدين عن السياسة.

> والبعض (قلة قليلة) تحدث عن إقصاء الدين عن الدولة والمجال العام.

> والبعض أشار إلى فصل المرجعية الدينية عن المرجعية السياسية.

> والبعض قال إنها الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية.

> البعض رأى ضرورة أن نضع تعريفنا الخاص للعلمانية، كما نريدها، وكما تناسب مجتمعاتنا.

– بالرغم من القواسم والسمات المشتركة، أجمع المتحاورون على أنه لا يوجد نمط واحد من العلمانية، بل هناك علمانيات مختلفة، واختلافها يعود لظروف النشأة، وتأخذ الشكل الذي يتلاءم مع تلك الظروف.

– العلمانية الصلبة مرفوضة من الجميع، والنقاش دار حول العلمانية اللينة.

– الأغلبية فضلت الحديث عن حيادية الدولة، لأنها أوسع من العلمانية، وتشمل المعتقدات أيًّا كانت، وتشمل الصعد الدينية والسياسية وغيرها..

– يمكن الحديث عن علمنة الدولة، وليس علمنة المجتمع.. علمنة المجتمع غير ممكنة عمليًّا وغير مفيدة.

– العلمانية لا تفرض طريقة في التدين والإيمان، والدولة العلمانية تحمي الجميع.. لذلك يمكن القول إن الأنظمة الشيوعية والأنظمة المستبدة ليست علمانية.

– العلمانية مطلوبة لحماية الدولة من تدخل الدين، وحماية الدين من تدخل الدولة، وبخاصة في الدول المستبدة، حيث تحتكر الجماعة المسيطرة كل السلطات، العلمانية مطلوبة لحماية الدين من تدخل الدولة.

– تفترض العلمانية التمييز والتمايز بين المجال الديني وغير الديني، لكن التمايز لا يعني الفصل التام بين المجالين، والفصل التام غير ممكن أولًا، وغير مطلوب ثانيًا، والتداخل سيبقى موجودًا، والحديث عن الفصل هو حديث نخبوي. ويبقى الفصل ضروريًا، بمعنى ألّا يسيطر رجال الدين على الدولة.

– أحدهم أشار، وأيّده آخرون، إلى ضرورة نزع الصفات عن الدولة، فلا تكون علمانية ولا دينية ولا عربية.. فالدولة دولة جميع مواطنيها، والصفة تجرح هذه الحيادية.

– دولة المواطنة يجب أن تكون علمانية، لأن المواطنة تفترض أن تكون الدولة على مسافة واحدة من الجميع.

– لا يجب طرح العلمانية كأيديولوجيا، لأن ذلك يستدعي ردّات فعل مقابلة.

– حيادية الدولة تعني حيادية الأجهزة الإدارية والمنظومة التشريعية حصرًا، والقوانين الحيادية تحد من ميل الناس إلى إعمال ثقافتهم الخاصة في العلاقة مع الآخرين.

ثانيًا: حول إمكانية اجتراح علمانيات خاصة تتلاءم مع خصوصيات المجتمعات وظروفها الموضوعية، ولا تصطدم بموروثاتها الثقافية والدينية:

– كل من ينادي بالعلمانية من المشاركين قال بضرورة أن يجترح البلد نمط علمانيته الذي يتلاءم مع ظروفه وثقافة مجتمعه.

– العلمانية التي تصطدم بقوة مع الثقافة السائدة ستبقى عنصرًا غريبًا مفروضًا بالقوة، يرفضه المجتمع ويقاومه، ولن يكون عنصر استقرار.

– لا توجد وصفة جاهزة للعلمانية، بل هي عملية مفاوضات بين أطراف يتصارعون سلميًّا.

ثالثًا: حول حاجة سورية الجديدة إلى العلمانية:

– العلمانية ضرورية لبلدنا، بسبب حالة التعدد والتنوع التي تميزه.

– العلمانية ضرورية لطمأنة الجماعات السورية المختلفة إلى مستقبلها، بعد الرضوض الشديدة التي أصابت الاجتماع الوطني جراء الحرب ونظام الأسد.

– سورية بأمس الحاجة إلى العلمانية لبناء دولة. والدولة لا تُبنى على أساس المظلومية.

– لا مخرج لإنقاذ سورية وإبقائها موحدة دون ترسيخ مفهوم حيادية الدولة. والحيادية يجب أن تكون تجاه كل أنواع الأيديولوجيا..

– العلمانية هي المدخل الأهم لتقويض سردية النظام حول حماية الأقليات، لأنها عامل طمأنة أساسي للأقليات. ]تركنا هذه الفكرة، بالرغم من أن حديثنا هو عن سورية الجديدة، سورية ما بعد نظام الأسد[.

رابعًا: حول إمكانية تجاوز عقبة العلمانية، واستيفاء متطلباتها عبر نظام ديمقراطي ومواطنة متساوية ومنظومة حقوق وحريات متقدمة ومصونة.

– لا يمكن فصل العلمانية عن الديمقراطية.

– العلمانية الصحيحة تقتضي تلازم وتكامل مفهوم العلمانية مع مفهومي المواطنة والديمقراطية.

– المعيار والمنطلق يجب أن يكون الديمقراطية وليس العلمانية. في الديمقراطية، يصوغ الناس دولتهم وليس العكس.

– ليس من الديمقراطية أن تتبنى الدولة حقائق معينة ثم تفرضها على الناس. المهمّ ألّا يتعارض التمايز بين الديني وغير الديني مع الديمقراطية.

– إذا كان الصراع بين العلمانية كهوية، والدين كهوية، فإن الديمقراطية هي الضحية الأولى لهذا الصراع. العلمانية كأيديولوجيا تعني مزيدًا من التناحر والانقسام.

خامسًا: حول إمكانية وضرورة اجتراح علمانية خاصة بسورية، تتلاءم مع بيئتها وثقافة مجتمعها وأنماط التدين السائدة بها.. ما العقبات؟ وكيف يمكن تذليلها؟

– رأى عدد من المشاركين ضرورة وجود نمط خاص من العلمانية في سورية الجديدة، يتلاءم مع ظروفها وثقافة مجتمعها.

– البعض يرى أن مقاربة العلمانية في سورية، وفي الدول العربية والإسلامية عمومًا، تختلف جذريًّا عن مقاربتها في الغرب، بحكم الدور الذي يلعبه الدين الإسلامي ومدى علاقته بالدولة، ولا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار.

– الدين الإسلامي جزء من هوية المنطقة، ومجتمعاتنا تتمسك بهذه الهوية، ولا بد من فهم ذلك، إذا أردنا اجتراح علمانية مناسبة.

– تمت الإشارة إلى عقبات عديدة:

> صورة العلمانية المشوهة لدى جزء كبير من السوريين، ما سيؤدي إلى حالة رفض ومقاومة.

> اعتقاد الأغلبية أن الديمقراطية تعني قرار الأغلبية وحسب، دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق ومصالح الأقليات.  

> ازدياد الحضور الديني في المجتمع السوري بعد الثورة، إضافة إلى الشعور الطاغي بالمظلومية لدى جزء كبير من الأغلبية.

– حول تذليل العقبات جاءت الأفكار التالية:

> يتطلب الأمر الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين، وهذا يتطلب الثقة المتبادلة.

> علينا العمل على صيغة سياسية للعلمانية في سورية، وليس صيغة فكرية، انطلاقًا من فهم معوقات العلمانية في مجتمع يلعب فيه الدين الدور الأهم.

> يجب دعم تيار إسلامي متفهم وداعم للعلمانية. ويجب اختراع علمانية لا تتناقض وتتعارض مع الدين الإسلامي، لكن من دون التنازل عن مبدأ المواطنة المتساوية.

> تشجيع التعليم في المجتمع يساعد الناس في تقبّل معطيات العلم والابتعاد عن الغيبيات.

> لا يجب أن يتضمن الدستور والقانون أي نصوص تشير إلى التمايز بين الناس. فالدولة فضاء مشترك لا يجوز احتكاره.

> التشريعات يجب أن تكون وضعية، ويجب أن يكون هناك قانون مدني يلجأ إليه من لا يريد اللجوء إلى قوانين الأحوال الشخصية.

> المبادئ فوق الدستورية هي الضمانة الأكبر لتذليل العقبات وطمأنة جميع المكونات.

> التركيز على مناقشة المبادئ، وعلى رأسها المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، دون الخوض في المفاهيم والتعاريف.. ففي ترسيخ المبادئ يتحقق الغرض دون الحاجة إلى ذكر العلمانية أو حتى حيادية الدولة.

> يجب أن نبحث عن المبادئ والقيم المشتركة ونبني عليها، ولا ندخل في متاهات العلمانية ومشاكلها..

> يجب أن تكون الدولة السورية الجديدة منزوعة الصفات، لا علمانية ولا إسلامية ولا عربية.. ولا أي صفة أخرى. لأن كل صفة تعني إقصاء جماعات معينة.

> يجب عدم التركيز على إقامة نظام سياسي علماني، لأن المهمة صعبة، والأفضل العمل على علمنة الإدارة والقوانين والمؤسسات، وجعلها حيادية.

> يجب تنظيف القوانين من كل نص يتضمن تمييزًا بين السوريين، أو يتناقض مع المواطنة المتساوية وحيادية الدولة.

> إقناع السوريين بالعلمانية يجب أن يتم عبر الوسائل الديمقراطية.

> يجب الابتعاد عن اللغة الوصائية في مخاطبة الآخرين، فهذا غير ديمقراطي، وغير مفيد.

> يجب عدم الدفاع الأعمى عن العلمانية، كما هي حال بعض المدافعين عن الدين.

> يجب التركيز على دور المجتمع المدني، لأنه هو الأكثر قدرة على ترسيخ مفهوم الحيادية وإيصاله إلى الناس بشكل صحيح. ويجب دعم المجتمع المدني للقيام بهذه المهمة.

> الإعلام الحر هو الأساس في توعية الناس والوصول إليها.

سادسًا: حول إمكانية وسبل تغيير قناعات بعض السوريين حول العلمانية، وإيصالهم إلى مرحلة تقبلها والقناعة بضرورتها:

– حول ربط العلمانية بالإلحاد:

> العلمانية لا تعني الإلحاد، ولا علاقة بين الاثنين، وقد يكون العلماني مؤمنًا أو ملحدًا، وقد يكون المؤمن علمانيًا.

> الدولة العلمانية تحترم جميع الأديان والمعتقدات وتوفر لها الحماية والحرية والاستقلالية، ولا تتدخل في شؤونها، ولا تدعم أحدها دون الآخر.

– حول ربط العلمانية بالاستبداد:

> أيضًا لا علاقة بين العلمانية والاستبداد، كلّ المتحاورين (باستثناء صوت واحد) رأوا أن نظام الأسد لم يكن علمانيًا، في أي وقت.

> البعض ذهب أبعد من ذلك بالقول إن المستبد لا يمكن أن يكون علمانيًا، لأنه لا يمكن أن يكون حياديًا تجاه الأديان والمعتقدات والأيديولوجيات بأشكالها. وحتى الأنظمة الشيوعية لم تكن علمانية، لأنها كانت تحارب الدين وتتحكم به، وتفرض عقيدتها على الجميع بالقوة..

– حول تسويق العلمانية وتحسين صورتها لدى السوريين:

> ثمة شبه إجماع على صعوبة تسويق مصطلح العلمانية في مجتمعنا، وضرورة استبداله بمصطلح حيادية الدولة.

> البعض تحدث عن دور النخب، وطريقة أدائها. والبعض ركّز على أهمية دور الإعلام.

[نحيل إلى الفقرة “حول تذليل العقبات” الواردة في السؤال السابق]

سابعًا: متفرقات:

– حول الدستور، رأت أغلبية المتحاورين أن دستور الدولة يجب أن يكون حياديًا تجاه الجميع، ولا يحوي نصوصًا تجعله يحابي جماعة دينية أو قومية.

– حول قانون الأحوال الشخصية، البعض تحدث عن ضرورة توحيد قوانين الأحوال الشخصية بما يتناسب مع دولة المواطنة، لأن تعددها يجرح مبدأ المساواة بين المواطنين. وآخرون أشاروا إلى أن ذلك غير ممكن وغير ديمقراطي، لكن الأغلبية أيّدت وجود قانون مدني إلى جانب قوانين الأحوال الشخصية، بحيث يكون الشخص حرًّا في اللجوء إلى القانون الذي يراه مناسبًا.

– أحدهم أشار إلى أن مصطلح الدولة المدنية يفي بالغرض، دون الحاجة إلى مصطلح العلمانية، والبعض رأى أن ذلك خطير، لأنه إشكالي وملتبس ويصبّ في مصلحة الإسلاميين الذين يحاولون تسويقه.

– الغالبية رأت ضرورة الابتعاد عن مصطلح العلمانية، والحديث عن حيادية الدولة. والبعض رأى ضرورة هجران العناوين والمصطلحات والتركيز على المضامين، لكن هناك من رأى ضرورة الإصرار على مصطلح العلمانية..

– العلمانية ترتبط بشكل وثيق بحرية الدين والمعتقد.

– الخصوصية فخ يجب أن ننتبه إليه.

– نحن لم نعرف العلمانية ولم نجرّبها.. نحاربها دون أن نجربها.

– أي دولة ليست حيادية هي دولة غَلبة حكمًا.

……………………

المشاركون حسب الترتيب الأبجدي:

أحمد الخالدي – بلند سينو – حسام الدين درويش – خلدون النبواني – ريم خوجة – سعاد خبية – سمير سعيفان – عبد العزيز التمو – علاء الدين الخطيب – علاء الدين جنكو – علاء الدين زيات – غسان النبهان – فراس الحاج يحيى – كرم دولي – لؤي صافي – مازن أكثم سليمان – مازن عدي – ماهر مسعود – محمد مروان الخطيب – ملاك سويد – منى فريج – نائل جرجس – هيثم خوري.