بعد مناقشة موضوعات المبادئ فوق الدستورية، ونظام الحكم، وشكل الحكم، ثم علمانية الدولة ضمن برنامج الحوار الوطني السوري الذي أطلقه المركز في حزيران/ يونيو الماضي، تناول النقاش، يومي الخميس 14 و21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، موضوع “المواطنة المتساوية في سورية الجديدة”، بوصفها علاقة سياسية قانونية بين الفرد والمجتمع السياسي الذي ينتمي إليه، والذي تحكمه جملة من القوانين والأنظمة التي ينبغي عليه احترامها، وينبغي عليها حمايته ومنحه ما يستحق من امتيازات وحقوق.

انطلق الحوار حول هذا الموضوع من الورقة الخلفية التي قدمت للمشاركين، ومما يمكن اعتباره أركان المواطنة الثلاث:

– الأول: الجنسية وما يترتب عليها.

– والثاني: المساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون والمحاكم ومؤسسات الدولة.

– والثالث: المشاركة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وانتقل الحوار بعدها إلى شروط استيفاء هذه الأركان، ومن أهمها:

– وجود منظومة متكاملة من الحقوق الحريات.

– وسيادة القانون ليكون فوق الجميع.

– نزاهة واستقلال القضاء لضمان الحقوق والحريات والمساواة بين الناس.

– الحياة السياسية السليمة بما تتطلبه من أحزاب وانتخابات وتداول للسلطة…

ما يسمح لنا بالقول إن المواطنة الحقيقية المستوفية لأركانها وشروطها هي صنو للديمقراطية، ترتبطان ببعضهما وجودًا وعدمًا، فلا تقوم الديمقراطية دون مواطنة حقيقية، ولا مواطنة حقيقية دون حياة ديمقراطية حقيقية أيضًا.

ومن الواضح أن السوريين لم يعرفوا المواطنة الحقيقية، خلال حقبة البعث والأسدين، فلا الجنسية كانت متاحة للجميع، وقد حُرم منها عدد كبير من أهلنا الكرد، ولا المساواة كانت محققة، فثمة دائمًا مستويات من الحقوق والواجبات بين السوريين، بعضهم فوق القانون وخارج المساءلة، وبعضهم يستأثر بالامتيازات والثروات، وثمة دائمًا تمييز وإقصاء وتهميش، بل إلغاء في بعض الأحيان.. ولا المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت محققة. ما ترك آثارًا كارثية على الشعور الوطني المشترك، وعلى الروابط الوطنية بين السوريين من جانب، وبينهم وبين وطنهم من جانب آخر.

وللإحاطة بالموضوع (المواطنة المنشودة في سورية الجديدة)، لم يكن هناك بدّ من مناقشة التساؤلات التالية:

1) ما العمل من أجل تأسيس وتعزيز وترسيخ مفهوم ومبادئ وقيم المواطنة على صعد: الدستور والقانون – المجتمع المدني – مؤسسة القضاء – الحياة السياسية – الثقافة – الإعلام – التربية والتعليم..؟

2) ما العقبات التي ستواجه السوريين لتحقيق ذلك؟ وكيف يمكن التعامل معها والتغلب عليها؟

3) هل ثمة ضرورة لتشكيل هيئة عليا، مهمتها زرع وتعزيز ثقافة المواطنة ومحاربة ظواهر التمييز والتهميش والإقصاء والكراهية؟

4) ما الذي يجب عمله منذ الآن، قبل بدء الانتقال، تمهيدًا لذلك كله؟

جرى الحوار حول ذلك كله في جلستين مغلقتين، دامت كلّ منهما خمس ساعات، وشارك فيهما أربعة وعشرون شخصًا من النخب السياسية والثقافية والقانونية المختلفة، وكانت خلاصة الآراء على الشكل التالي:

حول المواطنة مفهومًا وتطبيقًا:

– إذا كان من المتفق عليه أنّ مفهوم المواطنة يقوم على علاقة الفرد بالدولة، فلا بدّ لتعريفها من أن ينطلق من شكل هذه الدولة، كي لا يكون البحث فيها محض تفكير ذهني.

– إذا كانت المواطنة -كما تلاحظ في الدول الديمقراطية- ترتبط ارتباطًا عضويًا بالديمقراطية وباحترام دساتيرها وقوانينها لمبادئ الحرية في كل مجال من مجالات الحياة العامة والخاصة، والمشاركة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة نساءً ورجالًا؛ فهذا يوضح أن السوريين الذين يعيشون منذ خمسين عامًا في ظل دولة استبدادية لم يعرفوا أي شكل من أشكال المواطنة، لذلك لا تزال المواطنة في الوضع السوري مفهومًا غير ناجز.

– ولأجل تحديد المفهوم، نظريًا وعمليًا، لا بد من معرفة روافع الواقع الاجتماعي السوري، وربط مفهوم المواطنة المنشودة بها وبنائه عليها.

– رأى المتحاورون أن المواطنة تعني الانتماء إلى وطن، وأن هذا الوطن لا وجود له إلا في إطار دولة يشرعنها، شكلًا ونظامًا، خيار المنتمين إليه، وأن هذا الخيار لا يمكن أن يتمَّ إلا في إطار نظام ديمقراطي كامل الأوصاف على صعد الحرية والمساواة والمشاركة في الحقوق والواجبات.

– عبَّر قليل من المتحاورين عن ضرورة اعتماد المنظومة الفقهية المتكاملة، كأساس لتحديد معاني المواطنة، والتي لن تختلف في أهمّ معانيها عن المواطنة التي عرّفتها الدول الديمقراطية في الغرب، لكن الغالبية العظمى رأت ضرورة الفصل، في هذا المجال، بين الدين والدولة، بين فضاء الروحانيات وفضاء المعاملات، وهذا الأخير هو الذي يسمح بالأخذ بعين الاعتبار الواقع السوري في تنوعه الاثني والديني والمذهبي والطائفي، وباعتماد استحقاقات المواطنة: حرية الدين والعقيدة والمشاركة، والمساواة في الحقوق وفي الواجبات بين المرأة والرجل بالقانون وأمام القانون.

حول المعوقات التي تعترض الوصول إلى المواطنة المتساوية في سورية وإمكانات تجاوزها

– اتفقت الغالبية العظمى من المتحاورين على أن أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق المواطنة في سورية الجديدة تتمثل في:

= التخلف الاجتماعي، واستمرار حالة التمييز بين الرجل والمرأة، بسبب المنظومة الثقافية السائدة.

= غياب الحياة السياسية، وما يترتب عليه من غياب للحريات.

= ضعف الشعور بالانتماء الوطني لدى نسبة كبيرة من السوريين، بسبب الاستبداد المزمن، ومآسي السنوات العشر الأخيرة.

= تعدد قوانين الأحوال الشخصية، وعدم وجود قانون مدني يلجأ إليه من يريد.

= عدم حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات.

اتفق معظم المتحاورين على أن تجاوز هذه العقبات يكون عبر:

= إقامة نظام وطني ديمقراطي محايد تجاه الأديان والمعتقدات وكل الأيديولوجيات.

= اعتماد اللامركزية الإدارية كشكل للحكم، ما يعزز الشعور بالمشاركة وبالانتماء الوطني لدى السوريين.

= تحقيق حد مناسب من العدالة الانتقالية، يكفي لتجاوز تركة الماضي الثقيلة، وتخفيف حمولات الغضب والأحقاد والشعور بالظلم من الصدور، وتهيئة السوريين لإنجاز المصالحات المطلوبة واستعادة السلم الأهلي.

= تشريع قانون مدني عصري بالتوازي مع قوانين الأحوال الشخصية، يكون ملجأً لمن لا يرغب في الخضوع لقوانين الأحوال الشخصية.

– كما اتفقوا على أن الوصول إلى المواطنة المتساوية لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها؛ لأنه مرتبط بمختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية والثقافية، ومن ثمَّ فهو يحتاج إلى خطط عملية يجري تنفيذها تدريجيًا.

حول ضرورة تكوين هيئة عليا تعمل على ترسيخ ثقافة المواطنة

– توافق المتحاورون على أهمية تشكيل هيئة عليا للمواطنة، تعمل على زرع وترسيخ قيم المواطنة، ومتابعتها وحراستها، مركزة بشكل خاص على:

= المؤسسات التعليمية والتربوية، باعتبار أن المدرسة هي مصنع المواطنة الأول.

= المؤسسات الإعلامية لتثقيف الناس ورفع مستوى وعيها بقيم المواطنة..

حول ما يمكن عمله منذ الآن، قبل الانتقال

– رأى جميع المتحاورين أن السوريين لم يعرفوا، على امتداد أكثر من خمسين عامًا، مفهوم المواطنة بوصفه حقًا طبيعيًا في دولة ديمقراطية، وبقي المفهوم ملتبسًا في نظر الغالبية العظمى منهم، لذلك رأى الجميع ضرورة العمل منذ الآن على:

= نشر الوعي وثقافة المواطنة على أوسع نطاق ممكن بين السوريين.

= إعداد الدراسات والخطط والتشريعات والمناهج المدرسية المناسبة استعدادًا للمرحلة المقبلة.

……………………………………………………………………..

المشاركون في النقاش حسب التسلسل الأبجدي:

أليس المفرج – إيهاب عبد ربه – بدر الدين عرودكي – بسام يوسف – جمانة سيف – جمال قارصلي – حذيفة عكاش – حنين علي – خضر السوطري – صباح الحلاق – عبد الباسط سيدا – عبد العزيز أيو – عنان جاكيش – عيسى إبراهيم – فرهاد شاهين – لمى قنوت – محمد حبش – محمد زهير الخطيب – محمد علي باشا – مضر الدبس – مناف الحمد – نشوان أتاسي – وائل السواح – يوسف سلامة.