لم يحمل عام 2021 أيّ جديد للسوريين، ولم يشهد في واقع الأمر أيّ تقدّم يخصّ أزمتهم، بل كان عام 2021 عامًا مقلقًا لطرفي الصراع، المعارضة والنظام، فعلى الرغم من أن حدة القتال وقوّة الحرب قد انخفضت إلى حدودٍ دنيا، فقد ظل كلا الطرفين قلقًا مما سيأتي، ومما يخطط له المجتمع الدولي والدول العظمى لسورية وأزمتها.
دخلت المعارضة السورية عام 2021 على أمل أن يضغط المجتمع الدولي على النظام السوري وحلفائه، ليسيروا قدمًا بالحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، ليقتربوا خطوة من حلمهم بدولة ديمقراطية تعددية، لا تتحكم فيها الأجهزة الأمنية بمصاير البشر، وتكون السلطة فيها تداولية غير محصورة بعائلة وطائفة واحدة، ودخل النظام السوري عام 2021 على أمل أن يُقنع المجتمع الدولي بأنه المنتصر عسكريًا، وأن المعارضة محض إرهابيين ومتآمرين، وأنه لم يرتكب جرائم ضد الإنسانية، وأنه جدير بالحكم ويجب الاعتراف به وإعادة قبوله دوليًا، والسماح للأموال بالتدفق من أجل إعادة الإعمار.
كلا الطرفين لم يحقق شيئًا مما يريد، فالمعارضة السورية بقيت ضعيفة غير فاعلة وغير قوية لتفرض رؤيتها وشروطها، وظلّت علاقاتها الدولية مفككة وشكلية، واستمرّت في الاعتماد على الخارج دون أن يكون لها وزن أو تأثير ذاتي، بينما فشل النظام في إقناع الغرب بأنه جدير بالحكم ويجب تأهيله، وفشلت دعايته القوية في قلب المعادلات أو في جذب الغرب نحو مصيدته.
استمرت القضية السورية كواحدة من أعقد القضايا الدولية، على صعيد حجم المأساة الإنسانية، وعلى صعيد حركة اللجوء العالمي، وعلى صعيد توتر السياسة الدولية وتصادم المصالح الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، كما استمرت سورية ملعبًا لخمسة جيوش تتبع لقوى إقليمية مهمة ودولية كبرى، وباتت الأزمة السورية في حقيقة الأمر تشكّل تهديدًا للمنطقة ككل.
النظام وحلم إعادة التأهيل:
ظهرت عام 2021 مجموعة من المؤشرات التي توحي بأن المجتمع الدولي يرغب في إعادة تأهيل النظام وقبوله والاستسلام لحقيقة وجوده وحكمه لسورية، بالرغم من كل المآسي التي عاشتها سورية خلال أكثر من عشر سنوات ونصف، فقد وافقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على اتفاقيةٍ، تسمح بتمرير الغاز والكهرباء من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسورية، تُخالف بشكل صريح وواضح عقوبات قانون قيصر التي أقرتها الولايات المتحدة ذاتها، وكذلك لم تعترض الولايات المتحدة على إعادة سورية إلى عضوية منظمة “الإنتربول”، وخشيت المعارضة السورية أن يستغل النظام السوري هذه العضوية ليطالب الإنتربول باعتقالها.
كذلك زار سورية مسؤولون كبار من دول حليفة للولايات المتحدة، وأجروا محادثات مع النظام السوري، ولم تطلب الولايات المتحدة من تلك الدول الحليفة وقف مثل هذه الزيارات، واكتفت بأن قالت “لا نُشجع التطبيع” مع النظام السوري، بدلًا من “نرفض التطبيع” التي كانت تستخدمها.
وفي السياق نفسه، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية إعفاءات تتعلّق ببعض الأنشطة مع سورية، وسمحت لبعض المنظمات الإنسانية غير الحكومية بالتعامل مع النظام السوري، وصار السوريون يسوّقون بأن الولايات المتحدة تقدّم تنازلات مجانية لصالح النظام السوري، وبات هناك قناعة بأن الملف السوري صار خارج اهتمامات إدارة الرئيس بايدن.
لكن، قبل نهاية العام، تبيّن أن الواقع غير ذلك، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تُطبّع مع النظام السوري، ولن تخفف عنه العقوبات والضغوط، حيث قال المبعوث الأميركي للملفّ السوري، إيثان غولدريش، بعد اتصالات مع نظرائه الأوروبيين (الاتصالات الثنائية التي أجراها المبعوث الأميركي مع نظرائه): إن رفع العقوبات عن دمشق ليس على طاولة الحوار مع روسيا، وإن بلاده ضد التطبيع مع دمشق، وإن ما تفعله هو تقديم إعفاءات من نظام العقوبات الأميركي لأغراض إنسانية.
كذلك لم تؤدِ زيارات المسؤولين العرب إلى سورية، إلى تطبيع العلاقات بين بلدانهم وسورية، ولم تؤد إلى عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بل كانت خطوة ينتظر بعدها العرب خطوات من النظام السوري، مثل تسهيل عبور المساعدات الإنسانية، وإطلاق السجناء، وعودة اللاجئين، ودفع عمل اللجنة الدستورية والعملية السياسية.
في حقيقة الأمر، من الصعب تأهيل الأسد، فلا الولايات المتحدة ولا أوروبا قادرة على مواجهة المجتمع الدولي وشعوبها بقبولها نظامًا قاتلًا أقلق العالم لعشر سنوات، وانتشرت جرائمه في كل الدنيا وصارت معروفة لكل صغير وكبير، على الأقل من منطلق أخلاقي يصعب تأهيله، هذا إن لم نتحدث عن المنطلقات السياسية والأمنية العالمية، لكن النظام اعتاد على تحوير الحقائق وتزويرها دائمًا، ويقتطع الأحاديث ويزوّر في الأحداث، ويسعى لأن يوحي للعالم بأنه بات قاب قوسين أو أدنى من القبول العالمي على نطاق واسع، وهو ما لن يناله على المدى المنظور دون تغيير سياسي حقيقي.
المعارضة الضعيفة:
فشل النظام السوري في فرض أجندته، أو أمنياته، على المجتمع الدولي، ولم يستطع خداعهم بالحصول على تنازلات أو مكافآت منهم، دون أن ينفذ شروطهم، ولم يقابله في الطرف الثاني أي نجاح أو إنجاز للمعارضة السورية، فلا الاهتمام الدولي المفقود بها تحسّن، ولا هي استطاعت أن تصنع فرقًا في اللجنة الدستورية المكلفة أمميًّا بكتابة دستور جديد لسورية، وظلّت المعارضة معارضات مشرذمة، بسبب اختلاف الأيديولوجيات والمصالح والداعمين.
خلال العام 2021، واصلت المعارضة السورية مشاركتها في اجتماعات اللجنة الدستورية، وحضرت الدورة السادسة من الاجتماعات، وكانت إيجابية بطروحاتها ورغبتها في تحقيق تقدّم في العملية الدستورية، وحاورت النظام السوري بالقانون والمنطق والحجة، ووافقت أن تأخذ بعض ملاحظات النظام السوري حول المبادئ الدستورية التي طرحتها للنقاش، لكن هذه الإيجابية قوبلت بالرفض الكامل من النظام السوري، الذي قلب الطاولة في اليوم الأخير من الاجتماعات، ورفض كلّ ما طُرح، وعاد إلى دمشق غير مهتم بنظرة المجتمع الدولي لرفضه هذا. وضعف المعارضة، وعدم قدرتها على فرض أجندة، وعدم قدرتها على إرغام النظام على احترام القرارات الأممية وعلى السير بالعملية الدستورية التي تبنتها الأمم المتحدة وجميع الدول التي لها علاقة بالقضية السورية، كل ذلك نابع من عدم جدّية المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري وعلى حليفه الروسي، للمضي بكتابة دستور جديد يرسم بداية الحل السياسي للقضية السورية.
الحليف الروسي لم يغيّر مواقفه خلال 2021، وظلّ داعمًا للنظام السوري دون تحفظات، متهمًا المعارضة السياسية السورية بالإرهاب، هذا الحليف الذي لا يرى بديلًا للنظام السوري، ولا شريكًا آخر لضمان مصالحه، كما لا يرى في إيران خطرًا يهدد مصالحه أو يهدد سورية، على عكس ما ترى المعارضة السورية.
إيران واحدة من المستفيدين في عام 2021، فقد حيّدها الروس عن العمليات العسكرية، ليستأثروا بالقوة والتحكم العسكري، وكي لا يكون لإيران مخالب عسكرية في سورية تُخرّب على الروس، لكن إيران براغماتية وباطنية في الوقت نفسه، فقد حوّلت تغلغلها العسكري إلى تغلغل اجتماعي، وعملت على اللعب عبر التغيير الديموغرافي والتشييع، بالإضافة إلى محاولتها السيطرة التدريجية على اقتصاد الدولة الهش أساسًا، وهي ربما سعيدة بعدم الاستقرار السياسي والعسكري الذي تعانيه سورية، فهو أفضل مناخ بالنسبة إليها لاختراق المجتمع واللعب بالتوازنات المجتمعية.
نهاية عام وبداية آخر:
مع اقتراب دخول الحرب السورية عامها الحادي عشر، ومع نهاية عام 2021، ما زالت المعادلة القلقة هي المسيطرة على سورية، ولا حلّ يظهر في الأفق، وتُبدي المعارضة السورية قناعة عالية بأنه لا حل دون توافق روسي-أميركي، ضمن حلّ أممي عماده القرار 2254.
يبدو أن السوريين سينتظرون كثيرًا، نظامًا ومعارضة، حتى تتعب روسيا وإيران وتقتنعا بأن إرادة الشعوب يجب أن تُحترم، وحتى تقتنع الدول الإقليمية بعدم قدرتها على الاستمرار كجارة لدولة ممزقة ومفككة، وحتى تقتنع أوروبا بأن الوقت قد حان لحلّ القضية السورية التي بدأت أزمة اللجوء منها تتسبب في صداع دائم له، وحتى تقتنع الولايات المتحدة بأن القضية السورية هي جزء من القضايا الدولية التي يجب أخذها بعين الاعتبار وكأولوية.