المحتويات:

مقدمة

أولًا: مؤشرات الانخراط الصيني المتصاعد في المسألة السورية

ثانيًا: أهداف الانخراط الصيني المباشر في المسألة السورية

1 – موقع سورية في طريق الحرير

2 – دور الصين في إعادة إعمار سورية

3 – محاربة الإرهاب

ثالثًا: معوّقات الانخراط الصيني المباشر في المسألة السورية

خاتمة

مقدمة

جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” الى دمشق بتاريخ  17 تموز/ يوليو 2021  في توقيت محسوب بالنسبة للصين، فهي زيارة مجدولة مسبقاً، وتأتي ضمن حسابات بكين الدولية، حيث تنسحب أمريكا من أفغانستان، وتواجه صعوبات متصاعدة في العراق، تعمل إيران على تصعيدها، لدفعها لمغادرة العراق وتركه تحت تصرف نظام طهران، كما تأتي ضمن ما يروج عن تقلص اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط، ما يمنح فرصة للصين لملء هذا الفراغ، كما تأتي الزيارة بعد توقيع الصين الاتفاق الاستراتيجي مع طهران الذي يضمن استثمارات صينية كبيرة ضمن مشروعها الأمبريالي الكبير “الحزام والطريق”. أما على الصعيد الداخلي السوري، فقد جاءت الزيارة بعد تراخي الموقف الأمريكي فيما يخص رحيل نظام الأسد ومحاسبته على جرائمه، وتحول موقف واشنطن إلى مجرد المطالبة بتغيير “سلوك النظام”، وتأتي الزيارة بعد انتخابات تفتقد للشرعية نظمها الأسد، وتتعارض مع قرارات مجلس الأمن، وتأتي كمباركة لبقاء الأسد في السلطة ولإبراز دعم الصين لبقائه، والصين لا تجازف، من وجهة نظرها، بزيارة لرئيس يحتمل أن يذهب قريبًا، وقد كرر الوزير الصيني موقف الصين المعروف وهو معارضتها تغيير النظام في سوريا.

لقد حرصت الصين، منذ بدء الحراك الشعبي السوري في آذار/ مارس 2011، على النأي بالنفس عن الانخراط المباشر في تداعيات الوضع، ولكنها وقفت في مجلس الأمن إلى جانب النظام السوري، من دون أن تتطابق مع الموقف الروسي أو تتصادم مع الموقف الغربي. واليوم، تنطوي زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق، عشية مهزلة قسم بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة، على دلالات وأبعاد عديدة، تضع المسألة السورية على مفترق طرق، وقد تكون مجرد “بالون اختبار”. وهي تحمل رسائل عديدة، خاصة إلى الإدارة الأميركية، وفي مقدمة تلك الرسائل، تجاهل العقوبات على النظام، بالإضافة إلى تمهيدها جدّيًا للانخراط في عملية إعادة الإعمار.

أولًا: مؤشرات الانخراط الصيني المتصاعد في المسألة السورية

منذ نيسان/ أبريل 2016، أعلنت الصين تعيين الدبلوماسي تشي شياويان مبعوثًا خاصًا إلى سورية، ويشير ذلك إلى تحوّل واضح في السياسة الخارجية الصينية، تجاه الانخراط في التعامل المباشر مع الأوضاع في الشرق الأوسط بصفة عامة، وفي المسألة السورية على وجه التحديد. ويبدو أنّ التدخل الروسي المباشر، في أيلول/ سبتمبر 2015، دفع القيادة الصينية إلى الانخراط التدريجي في المسألة السورية، خاصة أنّ سورية تقع في نطاق المشروع التنموي الصيني الكبير المعروف بحزام وطريق الحرير.

وجاءت زيارة وزير الخارجية الصيني، في توقيتها ومراميها، تحمل العديد من التساؤلات حول دلالاتها؛ إذ تشير إلى محاولة تعزيز نفوذ بكين في سورية، لتنضم بذلك مباشرة إلى حليفي بشار الأسد روسيا وإيران. ومن الأدلة على ذلك، قول الوزير الصيني إن بلاده “تعارض أي محاولة للسعي لتغيير النظام.

وقد ذكرت وكالة “شينخوا” الصينية أن الصين طرحت مقترحًا من أربع نقاط لحلّ القضية السورية: الأولى احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية؛ والثانية وضع رفاهية الشعب السوري في المقام الأول وتعجيل عملية إعادة الإعمار، في ما تشكل مكافحة “الإرهاب” النقطة الثالثة، وتنصّ النقطة الأخيرة على دعم حل سياسي شامل وتصالحي للقضية السورية بقيادة السوريين[1]، وهو مقترح مفصّل على مقاس طموحات وأوهام بشار الأسد، الذي ينظر الى الزيارة الصينية على أنها “مباركة” لولاية رئاسية جديدة.

ثانيًا: دوافع الانخراط الصيني المباشر في المسألة السورية

تحددت أهداف السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط، على مدى عقود، في أمرين أساسيين: أولهما واردات الطاقة، وثانيهما الأسواق لتصريف السلع وترويج الاستثمارات الصينية. وعلى ضوء التنافس الدولي المحتدم، وما يقال عن “الانسحاب” الأميركي من المنطقة، واهتمام الصين بعدم تقدم الولايات المتحدة الأميركية في سورية. خاصة على ضوء شكوكها باحتمال عقد صفقة أميركية – روسية، أثناء لقاء الرئيسين في جنيف، تنطوي على مكاسب لكل منهما في سورية ومناطق أخرى.

وفي هذا السياق يمكن تفهّم ما كتبه رامي الشاعر، عن تخبط سياسة النظام السوري وسذاجته في ميدان تبديل الأوصياء الدوليين على نظامه “تبدو التوجهات الساذجة باستبدال روسيا بالصين، بل ونزع بعض اللافتات المعبرة عن الصداقة والتعاون بين الشعبين الروسي والسوري في الشوارع السورية، واستبدالها بلافتات صينية، يبدو ذلك كله توجهًا سياسيًا مثيرًا للشفقة” (*). ويبدو أنّ الصفقة الأميركية – الروسية المحتملة قد دفعت الصين إلى اعتبار سورية إحدى أدواتها في هذا التنافس الدولي، انطلاقًا من الأهداف التالية:

1 – موقع سورية في طريق الحرير

من المؤكد أنّ سورية مهمّة للصين، بسبب موقعها المثالي وإمكانية تحويلها إلى ميناء ومركز تجاري صيني. ويعطي موقع سورية المتاخم لتركيا بعدًا آخر في مشاريع بناء شبكات السكك الحديدية عالية السرعة، التي ستربط آسيا الوسطى والشرق الأوسط بأوروبا، فضلًا عن أنّ سورية جوهرة تاج مشروع ربط العالم بالصين، بعد توقيع الأخيرة عقود سكك حديدية مع إيران وإسرائيل والأردن ومصر، لربط أفريقيا في نهاية المطاف مع الشرق الأوسط، عبر مصر.

وقد أعرب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، خلال لقائه الوزير الصيني، عن أمل سورية “في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وتعزيز التعاون مع الصين في مجالات الاقتصاد والعلوم والثقافة والتعليم، إلى جانب التكاتف في مكافحة الإرهاب”.

وقد توضح الأشهر القليلة القادمة ما ترنو إليه الصين خدمةً لمشروعها “الحزام والطريق”، عندما تعلن مشاريع إعادة إعمار، بعد اجتماع اللجنة المشتركة الصينية – السورية، قريبًا.

2 – دور الصين في إعادة إعمار سورية

خلال زيارة الوزير الصيني، أبدى بشار الأسد ووزير خارجيته الرغبة في انخراط الصين في عملية إعادة الإعمار، لكن لا شيء يوحي حقيقة بإمكانية أن تدخل الصين معركة إعادة الإعمار، في ظل استمرار الكارثة السورية، لأنها لن تضحّي بمليارات الدولارات دون أن تعلم مصيرها، في ظلّ عدم الاستقرار، فضلًا عن أنّ أيّ دور صيني كبير في إعادة الإعمار سيجعلها خصمًا منافسًا لكل من إيران وروسيا، ويحوّلها بالتالي إلى هدف مشروع للطرفين، على اعتبار أنها ستقتطع من حصّتيهما، لا من حصّة أي طرف آخر، وهو ما لن تغامر الصين به.

التحديات التي ستكون أمام الشركات الصينية في سورية تحديات كثيرة: المخاطر الأمنية، تحديات التشريع، وعدم الاستقرار السياسي، والتسويف، وانعدام النجاعة، وقد تزايدت في سنوات الحرب. ومما يقلق الشركات الصينية أيضًا الاسترداد المتوقع لاستثمارها، إذ هناك تخوّف من ألا تتمكن سورية من تسديد القروض التي تحصل عليها.

وثمة خطر آخر هو التأثير الذي قد يكون للعقوبات الدولية، وقد أبدت الولايات المتحدة الأميركية استعدادها لفرضها على الشركات التي تبادر إلى إعادة الإعمار، قبل التزام النظام السوري بمقتضيات القرار الدولي 2254، وقد حفّز ذلك بعض المؤسسات المالية على تجنب التورط، ومنها بعض بنوك هونغ كونغ التي تخشى إدراجها في القائمة السوداء نتيجة لذلك.

3 – محاربة الإرهاب

ثمة عامل بالغ الأهمية، بالنسبة إلى الصين، يدفعها إلى الاهتمام الخاص بالأوضاع السورية، خاصة في ما يتعلق بانتشار المنظمات “الإرهابية”، بعدما تمّ تجنيد عناصر من “الإيغور” المنتمين إلى الحركة الانفصالية في إقليم سنكيانغ الصيني، وتدريبهم ومشاركتهم في القتال الدائر في سورية. وقد تضمن كلام الوزير الصيني في دمشق إشارة إلى ضرورة توحيد جهود المجتمع الدولي “لمكافحة الإرهاب، والقضاء بحزم على القوات الإرهابية في سورية المدرجة في قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. والإشارة في كلام وانغ إلى قائمة مجلس الأمن مردّها أنّ الولايات المتحدة، في سياق تأزم علاقاتها مع الصين، رفعت اسم “الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية”، عن القائمة الأميركية للتنظيمات الإرهابية.

ويزيد عدد مقاتلي الحزب التركستاني وعائلاتهم في إدلب عن 14 ألف شخص، وينتشرون بكثافة في مناطق غربي إدلب، وفي المناطق القريبة من الحدود مع تركيا في ريف اللاذقية الشمالي. والمصلحة الصينية تتمثل في تعزيز قوة نظام الأسد، بحيث لا يسمح بعودة هذه العناصر إلى الصين مجددًا. وقد قال الوزير: “ستدعم الصين الموقف السوري الخاص بمكافحة الإرهاب، وستشارك مع سورية في تعزيز التعاون العالمي بشأن مكافحة الإرهاب”.

ثالثًا: معوّقات الانخراط الصيني في المسألة السورية

ثمة معوّقات كثيرة تعترض الانخراط الصيني المتزايد في المسألة السورية، أهمّها: ما يتعلق بدور سورية في مشروع الطريق والحزام، ففضلًا عن أن المشروع تلقى ضربة قاسية، مع تحوّل فيروس كورونا إلى جائحة وظهور المشكلات التي أثارها بين الصين وعدد من الدول، فإنّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تلوح بالأفق من شأنها أن تبطئ أي تحرّك مرتقب على المستوى الإقليمي.

ومن جهة أخرى، فإنّ أهمية سورية، من الناحية البحرية، بالنسبة إلى الصين، شبه مصادرة من قبل كل من إيران وروسيا، حيث يسيطر الطرفان على المرافئ البحرية للبلاد، وهذا لا يترك مجالًا للصين للاستفادة من إطلالة سورية البحرية.

وأخيرًا، يبدو أن المسألة السورية، التي اتخذت طابعًا دوليًا، ستصبح ميدانًا لتنافس الغرب والشرق، اقتصاديًا وسياسيًا، عبر زجّ معطيات الحرب السورية ونتائجها لاستخدامها كأوراق وأدوات ضغط في هذا التنافس المحتدم، بين الصين والولايات المتحدة اقتصاديًا. وفي هذا السياق، تخشى الصين ترتيبات روسية – أميركية، ظهرت مؤشرات أولية لها في الاتفاق على تمديد آلية المساعدات العابرة للحدود إلى سورية.

خاتمة

بالنسبة إلى شريحة واسعة من السوريين، الصين لا تختلف كثيرًا عن إيران وروسيا. صحيح أنّها لم تشترك بشكل مباشر عسكريًا على الأرض، لكنّ كثيرًا من قراراتها السياسية، سواء على مستوى مجلس الأمن أو على المستوى الثنائي، حمت نظام الأسد وأدّت إلى قتل السوريين. ويخشى السوريون، مع الانخراط الصيني في المسألة السورية، التعايش لفترة طويلة مع غابة الأعلام التي ترفرف على أراضيهم.

(*) – راجع رامي الشاعر (المستشار في وزارة الخارجية الروسية)، صحيفة “زافترا” الروسية – 21 تموز/ يوليو 2021.


[1] الصين تتخلى عن حذرها في سوريا.. بتشجيع من روسيا، صحيفة المدن: https://2u.pw/blCX9