عاش السوريون اضطرارًا تمثيلية الانتخابات الرئاسية، لكن بعضهم مجّدها كما لو أنّها حقيقية بالفعل، على الرغم من عدم تصديق كذبتها؛ فالفائز معروف سلفًا، بالنسبة إلى كل السوريين، ولا داعي أبدًا لفتح باب الترشح للتنافس على منصب الرئيس، أو القيام بدعاية انتخابية وتعليق الصور، وتبذير الأموال والجهود على نتيجة معدة مسبقًا! ومن هنا نسمّيها تمثيلية هزلية وعبثية فرضتها السلطة وأخرجتها؛ لإيهام السوريين والعالم بممارستها للتقاليد الديمقراطية، وتمويه حقيقتها الاستبدادية.
قامت السلطة بعرض هذه الانتخابات الهزليّة “العرس الوطني” كما لو أنها قمة الديمقراطية. إذ أعلنت -عن جد- الصمتَ الانتخابي قبل أربع وعشرين ساعة، ثم مددت الانتخابات خمس ساعات بزعم الإقبال الشديد عليها، وكانت قد قامت بحملات دعائية على أساس أن التنافس على أحدّه بين المرشحين الثلاثة، وعلى اعتبار أنّ النتائج غير معروفة سلفًا. حتى إنّ وزير الخارجية السوري وصف الانتخابات بأنها “أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأميركية المهزلة”… إلى آخر ما هنالك من مظاهر ديمقراطية كاذبة.
تتظاهر السلطة بمظاهر خادعة دائمًا، إلّا أنّها تتظاهر أنّها لا تتظاهر أيضًا؛ فالتمثيل (التظاهر) طريقة مخادعة للارتباط بالعالم، كما لو أنّه يمنح للسوريين وهم الاختيار الديمقراطي. مع أنّ العيش في كذبة الانتخابات والدفاع عنها، بل قلْ تمجيدها، على الرغم من عدم تصديقها، يُسهِّل الابتعاد عن الواقع المرير الذي نعيشه، ويخفي حياتنا الوضيعة عن العالم وعن أنفسنا في آنٍ، فإنّ تمثيلية الانتخابات بمنزلة جدار نختبئ خلفه ونخفي به الاستبداد. فهو مشرِّف لنا ظاهريًا، غير أنه محتقَر في دواخلنا، لأنّه يشرعن ما لا يشرعن ببساطة.
وهكذا، فليس تصديق كذبة الانتخابات هو المشكلة بحد ذاته؛ فلا أحد يصدقها، ولا تطلب السلطة الحاكمة التصديق ولا تقدّم السلوك والبراهين التي بإمكانها أنْ تقنع بكذبة الانتخابات. ولهذا فإنّ العمل على فكفكة التصديق هو عمل خارج الموضوع. ومع أنّ المعارضة كانت، في مرحلة سابقة، مصدقة للكذبة، كذبة الوحدة والاشتراكية والحرية والمقاومة… فإنّ الكذبة الآن توضحت وتكشفت حلقات التمثيلية.
وللتفريق بين العيش في تمثيلية الانتخابات اضطرارًا وبين تمجيدها طوعًا، نلاحظ أنّ “تقليد المغلوب للغالب” لا يفسّر العيش في كذبة الانتخابات والمشاركة فيها، مع أنّه يفسر بعضًا من تمجيدها. وبالمقابل لا تفسر تحديدات الطبيعة البشرية بالخوف والمنفعة تمجيد تمثيلية الانتخابات، على الرغم من أنّها تفسر العيش والمشاركة فيها. فأين المنفعة في ظلّ انعدام الخدمات وانعدام الدخل واستشراء الغلاء والفساد والمخدرات؟ ولماذا الخوف على منافع لا تكاد تذكر طلبًا لأعظم الخيرين وأهون الشرين؟ إنّ تفسير العيش والمشاركة في التمثيلية يكمن في ممارسة القوة على السوريين، لجعل سلوكهم متناغمًا مع تمثيلياتها بالانتخابات والانتصار والسيادة… أمّا تفسير تمجيد التمثيلية من بعض السوريين، فيفسره الانحطاط الأخلاقي والتقرب من السلطة لتحقيق المكاسب غير المشروعة.
بكلام آخر: لا أحد مصدق للكذبة، لكن الجميع يعيش في الكذبة. وبعض السوريين يحاولون تمجيد الكذبة كما لو أنها حقيقة!
اضطر كثير من السوريين إلى المشاركة في كذبة الانتخابات، لحسابات كثيرة يمكن تلخيصها بأن هذا ما تتوقع السلطة الحاكمة منهم أنْ يفعلوه، أو ليُظهروا ولاءهم فلا يعود المشارك محلّ شبهة، لذلك يشترك السوريون في إظهار الولاء والتأييد للرئيس، درءًا للأخطار المحتملة الناتجة عن فعل مقاطعة تمثيلية الانتخابات، وإيثارًا للسلامة الشخصيّة، كما يفعل أي مواطن سوري صالح بنظر السلطة. فالسوري مجبر على الهتاف والتصفيق والدبكة في خيم الانتخابات، ومكره على مناصرة تمثيليات الرئيس.
لكن لماذا يشارك المجتمع الدولي في تمرير تمثيلية الانتخابات هذه، خصوصًا تلك الدول التي صرعتنا بأن الانتخابات غير شرعيّة؟ أليس لأن المجتمع الدولي يريد لنا العيش في الكذبة لا في الحقيقة؟ ومن هنا سمحوا بإقامة تمثيلية الانتخابات في دولهم، بالرغم من عدم شرعيتها.
إنّ عالم المظاهر الخادعة والتمثيليات الفاشلة من الركائز الأساسيّة للسلطة السوريّة. لكن تبقى الكذبة هي الكذبة، والتمثيلية هي التمثيلية وليست الحقيقة بالتأكيد. ولكي تبدو المظاهر خادعةً، يفترض مواجهتها مع الواقع والعلم. وما دام عيش الكذبة لم يُواجه بعيش الحقيقة، فإن المنظور الذي نحتاج إليه لكشف الكذبة/ التمثيلية يكون مفقودًا.
في تمثيلية انتخابات عام 2000، كان ثمة التباس عند السوريين هو أن الرئيس شاب ومتعلم في بريطانيا، ولا بدّ أنّه منفتح على العالم والديمقراطية والشفافية والتحديث. واستمرت الخدعة مع 2007، لكن التمثيلية توضحت وضوحًا ساطعًا في انتخابات عام 2014. كان تمجيد تمثيلية الانتخابات وقتها من قبل آل مخلوف وآل حمشو أساسًا، وقد غابوا في تمثيلية انتخابات 2021، وظهرت عائلات جديدة كقاطرجي وبري وكحول… وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على اختلال تمركز الثروة والمحسوبيات في الفترة القادمة.
لنفرض جدلًا أن سوريًّا ما رفض العيش في الكذبة، واحتجّ على دوره في هذه التمثيلية الخادعة، لاستعادة كرامته، وتوقف عن الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التي يعرف أنها مزيفة، وبدأ يفصح عما يعتقد أنه صحيح علنًا، ويتضامن مع أولئك الذين يُملي عليه ضميره أن يساندهم؛ فإن هذا السوري سيكون قد خرج من العيش في الكذبة إلى العيش في الحقيقة. إنه يخرب قواعد اللعبة/ الكذبة، ويعطي لحريته حقيقة ملموسة. مثل هذا التمرّد هو العيش في الحقيقة.
بالطبع، لن تتأخر فاتورة العقاب. سيُعفى من منصبه ويطرد من وظيفته، وسيأخذون منه السيارة التي اشتروه بها وربما يُعتقل… وستذهب أحلامه في الاستقرار والعيش الكريم أدراج الرياح، وربما يُحرم أفراد عائلته من التعليم العالي، وسيضايقه أصدقاؤه وزملاؤه ومعارفه باستمرار بتوصيفهم له بأنه مجنون!
لكن هؤلاء جميعًا يرزحون تحت ضغوط كان هو نفسه قد رزح تحت ثقلها. فالجميع يتصرف بالطريقة التي كان قد توقعها أصحاب السلطة ليظهروا الولاء. يتصرفون بوصفهم مكونات النظام الاستبدادي وتعبيرًا عن حركته الذاتية؛ أي بوصفهم أدوات صغيرة لكليته الذاتية الاجتماعية.
وهكذا ستلفظ تركيبة السلطة ذاك السوري المتمرد من فمها. لقد قال إن الملك عار، متوجهًا إلى العالم بأسره ليختلس النظر إلى ما وراء ستار الكذب. وبيّن أن العيش في الحقيقة أمرٌ ممكن وواجب. وهدد الكذبة في كليتها، لأن العيش في الكذبة يتداعى بفضل العيش في الحقيقة. هنا يلعب العيش في الحقيقة دورًا سياسيًا لتقويض الكذبة. فليس غرض السلطة السوريّة من الاستمرار في كذبة الانتخابات هو تصديق الكذبة، بل تمجيد العيش فيها وتمثيل الدور بإتقان.
لكن لماذا تعمل السلطة على تمجيد العيش في كذبة الانتخابات؟ لأنّ مثل هذا التمجيد يعوق العيش في الحقيقة، وهو ما تخشاه السلطة، لذلك تكذب في كل شيء حتى يرزح السوريون تحت وطأة أكاذيبها وأحمالها الثقيلة. إنّ العيش في الحقيقة يناقض العيش في الكذبة، والحقيقة هنا هي كل ما يعارض الكذبة، ولا سيّما تمجيدها.
انتهت أمس تمثيلية الانتخابات، لكن آثارها المدمرة ستستمر سبع سنوات أخرى، على الحل السياسي وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار والإفراج عن المعتقلين وتحقيق الخدمات…
لا مناصَ أمامنا -السوريين- إلّا العيش في الحقيقة، وهو أملنا الأخير.
تمثيلية الانتخابات ، التي أخرجها النظام إخراجا رديئا لم تقنع حتى أتباعه، ولكن النظام لم يعد يخشى أحدا ، لا الشعب السوري الذي يرزح تحت الذل والجوع والمهانة والاعتقالات العشوائية وغيرها كثير فعلها ضواري النظام . كما لا يخشى المجتمع الدولي المنافق منذ هخد أوباما وتصريحاته الوضيعة ” بشار الأسد بقيت أيامه معدودة ليسقط ” وأدار ظهره للمقتلة ااسورية وراح ليبرم الاتفاق النووي مع إيران الحليف الاستراتيجي للنظام السوري منذ عهد الأب ، وأبرز إيران رأس الأفعى بالمنطقة ، إيران الملالي كأنهم منتصرون بذاك الاتفاق ، الذي انسحب منه ترامب ، ويتأرجح به بايدن . والاتحاد الأوربي الذي أعلن يوما بغلق سفارات النظام في دوله ، فتحها لاستكمال المسرحية السمجة لعصابة بشار .
لايمكن لوم الشعب السوري ، الذي تخلى عنه العالم ، وخذلته معارضته عن إنجاز برنامج وطني جامع لقيادة ثورة شعبية ، بانشقاقاتهم وخلافاتهم وفق المحاصصات السياسية وأيضا تبعيتهم لهذه الدولة أو تلك عندما طغى المال السياسي على تلك المعارضة …
الشعب السوري ومنذ دخول الاستعمار الروسي لسورية في سبتمبر 2015 أصبح وضعه كالأيتام على مائدة اللئام . ينتظر انفراجا ولو بخرم الإبرة ، حتى خرم الابرة لم يكن متاحا لهم للأمل ، وهو الظرف المواتي لنظام سفاح استبدادي مدعوم من أنظمة مثله إيران وروسيا ، فعمل مسرحيته الانتخابية غير مكترث بكل ما يقيء الغرب نت تصريحات وبيانات، فقد سمعها السوريون عشر سنوات والأوضاع تزداد سوءً ، لذا استنمر شبيحة النظام على الشعب بإجبارهم على التصويت ، تحت دعاية كل من لايوجد رقم هويته على سجل قوائم الانتخابات في الكمبيوتر سيلقى عقابا شديدا . قلة قليلة لم تذهب للانتخابات . علما لايهم النظام مشاركة الشعب بالانتخابات فالنتائج معروفة منذ ترشح بشار البهرزي بدعم إيراني وروسي ، وغض الطرف من الأوربيين والأمريكان …هل يكفي قولهم ” الانتخابات غير شرعية ” كل العالم يعلم عدم شرعية النظام الذي قتل مليون سوري وهجر 13 مليون لاجئين في أصقاع الأرض.
لماذا في حرب غزة بتلفون أمريكي أوقفت اسرائيل القتال ؟ ولم تفعل ذلك للسفاح بشار لوقف القتل ؟ ببساطة لأن بشار لازال مطلوبا لتنفيذ مخطط ومصالح تلك الدول ، بينما في غزة اكتفوا بتدمير مايمكن تدميره لإعادة الاعمار دون تدخل الفلسطينيين ، ليكشفوا بإعادة الاعمار كل البنية اللوجستية لحماس ، وبالتالي تجريدها من السلاح . وهو أمر ليس مطروحا لبشار الذين صنفوه ” يحارب الارهاب ” . … المسرحية مكشوفة ولا تحتاج لتحليل ، المطلوب هل بمقدور النخبة السورية أن تتوافق على برنامج وطني لتحرير سورية من الاحتلالات الروسية والايرانية والتركية والأمريكية والفرنسية والبريطانية ؟ …هذا هو السؤال الأهم من المعتوه بشار وعصابته .