أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة

1271 قتيلًا سقطوا هذا الشهر على الأراضي السورية، منهم 246 مدنيًا، نسبتهم 19 بالمئة، وهذا أقل من المعتاد. أما الأطفال فقد سقط منهم مئة، ومن النساء 76 امرأة.

دير الزور تصدرت قائمة الضحايا بـ 412 قتيل، لكن غالبيتهم العظمى (98 بالمئة) من المقاتلين، وقد سقطوا، كالعادة، في المعارك مع تنظيم الدولة، التي تخوضها قوات النظام من جانب، وقوات سوريا الديمقراطية من جانب آخر.

بعد دير الزور تأتي دمشق هذه المرة، على غير العادة، بحصيلة مقدارها 268 قتيلًا، لكن معظمهم من المقاتلين أيضًا (81 بالمئة)، والغالبية العظمى من القتلى، مدنيين وعسكريين، سقطوا بسبب المعارك الدائرة بين قوات النظام ومقاتلي تنظيم الدولة في أحياد دمشق الجنوبية، القدم والحجر الأسود ومخيم اليرموك، وبسبب قصف النظام الكثيف وغاراته الوحشية على تلك المناطق.

ريف دمشق تأتي ثالثًا، بحصيلة مقدارها 187 قتيلًا، نسبة المدنيين منهم 87 بالمئة، وطبعًا بسبب الحرب الوحشية التي يشنها النظام على الغوطة الشرقية، والتي توّجها بهجوم بالسلاح الكيماوي على مدينة دوما بتاريخ 7 نيسان، أودى بحياة 60 شخصًا على الأقل.

نختم فقرة الضحايا بالإشارة إلى ثلاث حالات قتل مميزة هذا الشهر، أولها قتلى الضربة الكيماوية على دوما (60 قتيلًا)، وثانيها قتلى الغارة الصاروخية (الإسرائيلية غالبًا) على مواقع عسكرية إيرانية في ريفي حماة وحلب، وأودت بحياة 26 شخصًا على الأقل، جميعهم من الإيرانيين أو من الميليشيا المقاتلة إلى جانبهم، ومنهم ضابطون كبار بحسب الأخبار شبه المؤكدة. وثالثها قتلى الاغتيالات التي استشرت بصورة غريبة في الآونة الأخيرة في مناطق مختلفة من محافظة إدلب، وطالت أكثر من 30 شخصًا معظمهم من مقاتلي هيئة تحرير الشام.

في المشهد الميداني لهذا الشهر، يمكننا رصد بضعة أحداث مهمة ومؤثرة، معظمها يدور حول انتصارات نوعية تحققها قوات النظام وحلفاؤها على حساب فصائل المعارضة المسلحة في ما تبقى لها من مناطق تسيطر عليها، ما أدى إلى انتقال السيطرة إلى قوات النظام في بعضها، كما حصل في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، والضغط لحسمها في مناطق أخرى، كما يحصل في مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم جنوب دمشق، حيث تجري الحرب على مقاتلي تنظيم الدولة لإخراجهم من تلك المناطق.

نبدأ من الغوطة الشرقية، حيث توج النظام هجومه الهمجي على المنطقة بضرب مدينة دوما بالسلاح الكيماوي مساء السابع من نيسان، وقتل ما لا يقل عن 60 شخصًا، وتعرُّض نحو 1000 شخص للاختناق، وبعد أن أصبحت قوات النظام قاب قوسين أو أدنى من استعادة المنطقة، حيث كانت المفاوضات مع جيش الإسلام بنهاياتها. هذه الضربة استدعت غضب الغرب الذي باشر التهديد بالرد الرادع الذي أتى بعد أسبوع عبر ضربة صاروخية أميركية فرنسية بريطانية مشتركة، لبعض المواقع العسكرية التي يُرجح أنها على صلة بتصنيع السلاح الكيماوي وتخزينه واستخدامه.

الضربة الصاروخية حصلت بقرار من خارج مجلس الأمن، الذي تحول بفعل الفيتو الروسي المتكرر إلى جسم عاجز مشلول. وكانت ضربة محدودة الحجم والتأثير، قياسًا بالتوقعات التي بُنيت على المواقف والتصريحات والتحليلات السابقة لها. وقد أدت الضربة إلى تدمير المنشآت العسكرية التي استهدفتها، وكانت خالية من الناس والعتاد والمخزون، ومن كل شيء ذي قيمة.

بعد محاولات عدة وتأخر كبير وصل إلى أسبوعين من تاريخ الهجوم الكيماوي؛ استطاعت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الوصول إلى موقع الهجوم، والحصول على عينات، وسط ظن راسخ لدى الغرب أن الروس والسلطات السورية استطاعا خلال الأسبوعين اللذين أعقبا الهجوم، العبث بالمكان، وإخفاء الأدلة.

يمكن القول إن ملف الغوطة الشرقية الذي تصدر الملفات الساخنة منذ بدء العملية العسكرية في 18 شباط الماضي، أُغلق منتصف هذا الشهر (نيسان) مع خروج رحيل آخر مسلحي جيش الإسلام من دوما باتجاه الشمال، والمنطقة الآن تحت سيطرة قوات الأسد.

في القلمون الشرقي الذي يضم بصورة رئيسة مدن الضمير والرحيبة وجيرود والناصرية، عقدت الفصائل العسكرية اتفاقات مع قوات النظام برعاية روسية، بعد ضغوط وتهديدات وغارات جوية من قبل قوات النظام، تم بموجب هذه الاتفاقات خروج المقاتلين وعائلاتهم إلى الشمال السوري، بعد تسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وقد وصلت آخر دفعة إلى مدينة الباب يوم الأربعاء 25 نيسان، ويمكن القول أيضًا إن هذا الملف أغلق بوصفه ملفًا ساخنًا، وأصبحت المنطقة تحت سيطرة قوات النظام بالكامل.

أما في جنوب دمشق، وتحديدًا في أحياء القدم ومخيم اليرموك والحجر الأسود، حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية وبعض الفصائل المسلحة الأخرى، فقد بدأت قوات النظام بعيد منتصف الشهر بشن هجوم شديد على تلك الأحياء، وبصورة خاصة على مخيم اليرموك الذي تلقى مئات الصواريخ والبراميل المتفجرة في ما يشبه عملية تدمير للمنطقة وتهجير لأهلها أكثر منه حربا على المسلحين فيها، وقد سيطرت قوات النظام على حي القدم، وأحكمت الخناق على المخيم، وعقدت اتفاقات إذعان مع الفصائل، باستثناء تنظيم الدولة، يقضي بتسوية أوضاعهم، وتهجير الرافضين.

نختم نظرتنا العامة بالإشارة إلى التصعيد السياسي والعسكري المباشر والخطير بين إيران وإسرائيل، على المسرح السوري طبعًا، ما يوحي بأن حربًا وشيكة ستقع بين الطرفين، وقد بدأ التصعيد عسكريًا في التاسع من هذا الشهر، عندما شنت طائرات إسرائيلية هجومًا على قاعدة التيفور العسكرية، التي تعد قاعدة إيرانية، ما أودى بحياة سبعة ضباط إيرانيين على الأقل، هددت بعدها إيران بالرد القاسي، لتعود بعدها إسرائيل، في آخر يوم من الشهر، لقصف مواقع عسكرية إيرانية في كل من ريفي حماة وحلب، وقتل ما لا يقل عن 26 عسكريًّا إيرانيًا بينهم، ضابطون كبار، وليخرج نتنياهو على الإعلام مؤكدًا، بعشرات الوثائق، أن إيران تعمل على برنامج نووي سري، ولم تتوقف لحظة واحدة عن تطوير قدراتها النووية على الرغم من الاتفاق النووي الذي تدعي احترامه.