أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة
877 قتيلًا سقطوا على الأرض السورية في هذا الشهر، أيلول/ سبتمبر 2018، نسبة المدنيين منهم 15 في في المئة فقط (129 قتيلًا) أي بمعدل 4.3 قتيل يوميًا، وهذه المعدلات هي الأقل منذ بداية العام، إذ إن معدل القتلى المدنيين للأشهر التسعة من هذا العام هو 37 في المئة، ومعدل القتل اليومي للأشهر التسعة هو 19.6 في المئة. إذًا، أرقام هذا الشهر هي الأقل بالمقاييس كلها، والجدول رقم 3، والرسوم البيانية الموضحة له، تشير إلى ذلك بوضوح.
من بين القتلى المدنيين 24 طفلًا نسبتهم إلى المدنيين 18.6 في المئة (المعدل الشهري 23 في المئة)، و18 امرأة نسبتهم 14 في المئة (المعدل الشهري 15 في المئة)
إذًا، الأغلبية العظمى من قتلى هذا الشهر هم من العسكريين (85 في المئة من القتلى)، وهؤلاء معظمهم سقطوا في معارك تصفية داعش في ريف دير الزور الشرقي أو في ريف دمشق الشرقي، وهذا ما جعل محافظتي دير الزور وريف دمشق تتصدران قائمة الضحايا لهذا الشهر بنسبة 66 في المئة للأولى و14 في المئة للثانية.
نشير قبل أن ننهي إيجازنا في ملف الضحايا إلى ثلاثة أخبار؛ الأول هو هذا الكم الهائل من الجثث التي يقوم “فريق الاستجابة الأولية” التابع لـ “مجلس الرقة المدني” بانتشالها في مدينة الرقة، سواء من مقابر جماعية بتوقيع داعش، أم من تحت أنقاض البنايات التي دمرها قصف التحالف، وهذا الرقم تجاوز 2300 جثة منذ طرد داعش من المدينة؛ والثاني هو ما ورد في تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بأن عدد ضحايا عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بلغ 2832 مدنيًا خلال سنوات نشاطه الأربع، منهم 861 طفلًا و617 امرأة، علمًا بأن التحالف يعترف بـ 1100 قتيل فقط. والثالث هو ما ورد في تقرير الشبكة نفسه من أن العمليات العسكرية الروسية أسفرت، منذ مباشرتها في خريف عام 2015 عن مقتل 6239 مدنيًا، بينهم 1804 أطفال.
الأبرز في تطورات المشهد الميداني، وما استتبعه من تطورات سياسية، هو تطورات إدلب، وتطورات حادثة سقوط الطائرة الروسية بنيران سورية صديقة، وتطورات معارك تصفية داعش.
ففي إدلب، بعد قرع طبول الحرب من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وحشد القوات والأساطيل، وحبس الجميع لأنفاسهم بانتظار الحرب الكارثية، جاء اجتماع الرئيسين أردوغان وبوتين في سوتشي، ليجمد الأوضاع ويهدئ الأنفس ويريح الجميع، وإن كان التجميد معلقًا على شرط تسوية مسألة التنظيمات (الإرهابية) من الأتراك، ونزع السلاح الثقيل من منطقة عازلة بعرض 15 إلى 20 كيلو مترًا حول إدلب في المناطق المتاخمة لمناطق وجود قوات النظام وحلفائه، ما يعني أن احتمالات الانفجار تبقى قائمة ومتوقفة على نجاح مهمة الأتراك الصعبة مع هيئة تحرير الشام، الفصيل الأكبر والأقوى (10000 مقاتل) وباقي الفصائل المتشددة، إذ إن تسوية الأوضاع في إدلب تعني نهاية تلك التنظيمات، حيث لا مكان آخر يمكن الذهاب إليه.
المهلة المعطاة للأتراك لنزع السلاح الثقيل من المنطقة العازلة هي 15 تشرين أول/ أكتوبر 2018، وقد بدأت الأخبار الطيبة بالتوارد، فها هو أحد قياديي “الجبهة الوطنية للتحرير” يتحدث عن تحضيرات تجري على الأرض لسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة، وها هو مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان يتحدث عن انسحابات فعلية تنفذها جماعة “فيلق الشام”، ما يعني أن الأمور في إدلب تسير باتجاه الحل، وأن احتمالات الحرب تضعف يومًا بعد يوم، بانتظار المهمة التركية الأصعب مع “هيئة تحرير الشام”.
أما عن حادث إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة الاستطلاع الروسية، ومقتل طاقمها المؤلف من 15 عنصرًا، وذلك بعيد إقلاعها من قاعدة حميميم الجوية، وبالتزامن مع غارة إسرائيلية على مواقع جوية إسرائيلية على المنطقة الغربية، وبعد أن حمل الروس إسرائيل مسؤولية ذلك عن طريق الخديعة، تتالت فصول القضية، واستمرت روسيا بإظهار غضبها، رافضة ما ساقه الإسرائيليون من تبسويغات، محاولة استغلال الحادث، من دون أن يصل ذلك إلى حد الاصطدام مع إسرائيل، وكان الفصل الأخير في هذا الملف هو قرار روسيا تسليم النظام السوري منظومة الدفاع الصاروخي “س 300” على الرغم من اعتراض كل من إسرائيل والولايات المتحدة على ذلك، وبالفعل بدأ التسليم بحسب ما قاله لافروف.
أما في الحرب على تنظيم الدولة التي اقتربت من نهايتها مع انطلاق المرحلة الأخيرة من عملية غضب الفرات التي تخوضها قوات سوريا الديمقراطية مدعومة بقوات التحالف الدولي، لطرد التنظيم من آخر معاقله في شرق دير الزور. فقد حققت قسد نجاحات مهمة في مسعاها، وأعلنت مؤخرًا تمكنها طرد التنظيم من 28 نقطة عسكرية شرق النهر. لكن اللافت أيضًا هو قيام قوات النظام والقوات الإيرانية الحليفة بتأمين نقل أكثر من 400 عنصر من مقاتلي تنظيم الدولة، من منطقة البوكمال في الريف الشرقي لدير الزور إلى الريف الشرقي لإدلب، وكذلك قيام طائرات التحالف الدولي بعملية إنزال في الجيب الخاضع لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، ونقل عدد من عناصر التنظيم “يرجح أنهم من القادة”.