أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة
ربما كانت حصيلة هذه المدة من الضحايا هي الأقل منذ سنوات، وبخاصة لجهة الضحايا من المدنيين، فمجموع من سقطوا على الأرض السورية بلغ 234 قتيلًا، أغلبيتهم العظمى من المقاتلين (91 في المئة) بينما قتل 21 مدنيًا فقط نسبتهم 9 في المئة من إجمالي القتلى (المعدل الوسطي للقتلى المدنيين هو 39 في المئة). من القتلى المدنيين ثلاثة أطفال فقط نسبتهم واحد في المئة تقريبًا، (المعدل الوسطي للقتلى الأطفال هو 9 في المئة من إجمالي القتلى، و 23 في المئة من القتلى المدنيين)، أما المفاجأة فهي عدم سقوط أي امراة في هذه المدة، وهذا غير مسبوق في عمر الثورة.
على صعيد المحافظات نلاحظ أن سبعة محافظات لم تسجل أي قتيل في هذه المدة، بينما احتلت دير الزور الصدارة بحصيلة مقدارها 176 قتيلًا، هم ثلاثة أرباع القتلى من المقاتلين جميعهم، باستثناء قتيل واحد فقط، وقد سقطوا للسبب المعروف، وهو الحرب على تنظيم الدولة الذي دخل في مرحلته الأخيرة. ثم تأتي ريف دمشق ثانيًا في الترتيب، بحصيلة مقدارها 31 قتيلًا، 90 في المئة منهم من المقاتلين، ويتوزعون بين مقاتلي تنظيم الدولة ومقاتلي نظام الأسد، وسبب مقتلهم هو المعارك الجارية لإنهاء وجود التنظيم المتشدد في بادية ريف دمشق.
في المشهد الميداني نشير إلى بعض الحوادث التي تميز هذه المدة، ونبدأها بأخبار انطلاق المرحلة الأخيرة من عملية غضب الفرات التي تخوضها قوات سوريا الديمقراطية -مدعومة بقوات التحالف الدولي- ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بهدف طرد الأخير من آخر معاقله في شرق دير الزور. الحدث البارز الآخر هو الهجوم النوعي العنيف الذي شنه الطيران الإسرائيلي على مطار دمشق ومحيطه، وتدمير طائرة نقل إيرانية محملة بالأسلحة والذخائر بعيد هبوطها في المطار، إضافة إلى تدمير بعض مخازن الأسلحة.
حدث بارز ثالث هو إسقاط الدفاعات الجوية السورية عن طريق الخطأ طائرة عسكرية روسية قرب قاعدة حميميم الجوية، ومقتل 15 عنصرًا كانوا على متنها، وتحميل الروس مسؤولية ذلك للطيران الإسرائيلي، وما زالت القضية تتفاعل، وثمة وفد عسكري إسرائيلي في موسكو الآن لتسليم الروس بعض المعلومات عن الحادث، وأنباء (غير مؤكدة) عن قيام قوة روسية باقتحام كتيبة الدفاع الجوي التي أطلقت الصواريخ وأصابت الطائرة، واقتياد بعض قادتها إلى قاعدة حميميم للتحقيق. أما معركة إدلب التي كانت وشيكة بحسب المعطيات، فقد استُبعِدت موقتا بموجب اتفاق الزعيمين الروسي والتركي على خطة جديدة، وهذا ينقلنا إلى المشهد السياسي.
فبعد أن كانت طبول الحرب تصم الآذان، وجيش النظام والقوات الروسية على وشك اقتحام إدلب، اجتمع الرئيسان الروسي والتركي في سوتشي الروسية، وخرجا باتفاق فاجأ الجميع، وأبعد شبح الحرب، وهذا الاتفاق مفاده إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومتر، مهمتها فصل قوات المعارضة المسلحة عن قوات النظام، على أن تكون منجزة في 15 تشرين أول/ أكتوبر المقبل، سيعمل البلدان على ضمان احترامها عبر تسيير دوريات مشتركة هناك. واللافت في الموضوع أيضًا أن الاتفاق لاقى ترحيبًا رسميًا من نظام الأسد، والنظام الإيراني.
نختم هذا التكثيف بخبر أبهج السوريين معظمعه وردّ لهم بعض الأمل والثقة، وهو موجة التظاهرات العارمة التي عمت مدن محافظة إدلب وقراها ومحيطها، إذ تظاهرت يوم الجمعة الفائت مئات آلاف من سكان محافظة إدلب، في أكثر من ثمانين منطقة، مطالبين بإسقاط النظام، ورافعين أعلام الثورة، مؤكدين استمرارها.