أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة
ثلاثمئة قتيل سقطوا على الأراضي السورية في هذه المدة (من 01 إلى 10 أيلول/ سبتمبر) ربعهم من المدنيين (74 قتيلًا مدنيًا)، منهم 20 طفلًا نسبتهم 27 في المئة من القتلى المدنيين، و18 إمرأة نسبتهم 24 في المئة من القتلى المدنيين. وهي نسب أعلى قليلًا من المعدل العام لقتلى الفئتين لعام 2018. (المعدل العام للقتلى من الأطفال 23 في المئة ومن النساء 15 في المئة)، والأغلبية العظمى من قتلى الأطفال والنساء سقطوا في في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي بسبب الغارات الجوية والقصف الصاروخي من قوات النظام والقوات الروسية على المنطقة.
دير الزور في صدارة قائمة الضحايا، بحصيلة مقدارها 133 قتيلًا، أغلبيتهم العظمى من العسكريين الذين سقطوا في المعارك مع تنظيم الدولة، وينتمون إلى الجهات الثلاث المنخرطة في هذه الحرب، وهي قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية، ومقاتلي تنظيم الدولة. يلي دير الزور في الترتيب ريف دمشق بحصيلة مقدارها 60 قتيلًا، جميعهم من العسكريين الذين سقطوا في معارك طرد التنظيم من بادية ريف دمشق، ويتوزعون بين قوات النظام ومقاتلي التنظيم. ثم تأتي إدلب ثالثًا بحصيلة مقدارها 47 قتيلًا، أغلبهم من المدنيين (81 في المئة) وقد سقطوا بسبب الحرب على المحافظة التي نبهنا إليها أعلاه، وسنتاولها في معرض حديثنا عن المشهد الميداني أدناه. ويمكن القول عن قتلى حماة التي تأتي رابعًا كما قلنا في قتلى إدلب لأن المعركة واحدة وتركيبة القتلى متشابهة.
قتلى دمشق الثلاثة هم من عناصر جيش النظام الذين سقطوا في القصف الصاروخي الإسرائيلي الذي تعرض له مطار المزة العسكري، أما قتلى حمص الثمانية فهم من القوات الإيرانية الذين استُهدفوا من طائرات مجهولة في منطقة التنف، أما قتلى طرطوس الثلاثة، فهم من جيش النظام الذين سقطوا في الهجوم الصاروخي الذي شنته فصائل المعارضة المسلحة على جبال مصياف وضواحي بانياس، علمًا بأنها المرة الأولى التي يجري فيها رصد قتلى في محافظة طرطوس. وأخيرًا فإن قتلى حلب الخمسة عشر هم من فصائل المعارضة التابعة لـ “غصن الزيتون” ومن وحدات حماية الشعب الكردية، وسقطوا في اشتباكات بين الطرفين.
في المشهد الميداني تحوز إدلب أهمية خاصة في هذه المدة، إذ يقرع النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيين طبول الحرب، ويحشدون القوات والأساطيل لاقتحام المحافظة التي يقطنها ما ينوف على ثلاثة ملايين شخص، ثلثاهم من النازحين والمهجرين من المحافظات الأخرى الذين لا مخرج لهم من تلك المنطقة التي تحوط بها قوات النظام من الجوانب معظمها، والأتراك الذين يصرون على منع دخول اللاجئين إلى أراضيهم هذه المرة، من الجوانب الأخرى.
أما ذريعة الحرب فحاضرة وقوية، محاربة الإرهاب وطرد الإرهابيين، وهي ذريعة لا يمكن ردها، لأن هيئة تحرير الشام وهي الفصيل الأقوى الذي يسيطر على إدلب معظمها، مصنفة تنظيمًا إرهابيًا لدى الجميع، وحتى الأتراك الذين طالما احتفظوا بعلاقات ودية معها، وأدخلوا قواتهم وأنشؤوا نقاط مراقبتهم في إدلب برضاها ومساعدتها، اضطروا مؤخرًا إلى تصنيفها تنظيمًا إرهابيًا، بعد أن أعيتهم الحيلة في إقناعها بحل نفسها وتجنيب المنطقة والمدنيين مخاطر حرب يستعد لها أعداء أقوياء مدججون، ومزودون بضوء أخضر من العالم كله، باستثناء تركيا.
استكمل الجميع استعداداته لهذه المعركة المخيفة، مخيفة بآثارها المحتملة على المدنيين، جيش النظام جاهز، ويحوط بالمنطقة من ثلاثة جوانب، والطيران الروسي جاهز والأسطول الروسي في البحر المتوسط جاهز أيضًا، ونرى وزيري خارجية روسيا وإيران يزاودون على النظام في قرع طبول الحرب.
من جانبها تستعد الفصائل المسلحة الموجودة في المنطقة بتحصين جبهاتها بما أمكنها، في مؤشر على قرارها بالتصدي للعدوان حتى النهاية.
الطائرات الروسية وطائرات النظام تكاد لا تتوقف عن قصفها للمنطقة، وبخاصة ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي الغربي. ومناطق كثيرة أصبحت منكوبة، وزاد عدد الفارين من ديارهم على الثلاثين ألفًا حتى الآن.
أما القمة التي عقدت في طهران، وجمعت قادة الدول الفاعلة، فقد أخفقت في التوافق على وقف لإطلاق النار، ومن ثم في تأجيل الهجوم المرتقب في أي وقت.
أما الغرب، فقلقه محصور في استخدام السلاح الكيماوي، وهو يهدد ويحذر من استخدامه، أما ما عدا ذلك فلا بأس، مع تمرير ما يحفظ ماء الوجه من تصريحات تحذر من كارثة إنسانية، والجميع يحبس أنفاسه بانتظار هذه المعركة وما سينجم عنها.