أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة
حدثين رئيسين ميزا المشهد الميداني هذه المدة (من 11 إلى 20 تموز 2019) الأول مستمر منذ أواخر نيسان، وهو الحملة العسكرية التي يشنها النظام وحلفاؤه على منطقة خفض التصعيد في إدلب، والثاني حديث، وهو الحشود والاستعدادات العسكرية التركية شمال سورية.
لا جديد في الحدث الأول، الحملة العسكرية على إدلب ومحيطها القريب، حيث ما زالت قوات النظام والطيران الروسي في سعي دؤوب، لا يخلو من وحشية ومجازر وانتهاكات جسيمة، لتحقيق اختراق على محاور ريف حماة الشمالي من دون أي نجاح يذكر، اللهم سوى التدمير والقتل. والصورة تتضح في تقرير “منسقو الإستجابة في شمال سورية” الذي أشار إلى استهداف قوات النظام والطيران الروسي لـ 221 منشأة حيوية في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، منها 63 مشفى ومركز طبي، و91 منشأة تعليمية، و14 مخبزًا. أما الانحطاط الأخلاقي بأبهى صوره، فيتجلى في استخدام الطيران الروسي لإحداثيات المنشآت الطبية والتعليمية التي تزوده بها الأمم المتحدة بغرض تجنب قصفها، يستخدمها لقصف تلك المنشآت.
أما الحدث الثاني، الاستعدادات العسكرية التركية المكثفة على الحدود الشمالية لسورية، فقد رُصد إرسال تعزيزات عسكرية تركية كبيرة إلى منطقة “شانلي أورفة” (مقابل تل أبيض بريف الرقة الشمالي) لدعم الوحدات العسكرية التركية الموجودة هناك، وثمة أخبار عن بدء إزالة الجدار الإسمنتي الذي أقامته تركيا على الحدود بين البلدين، ووردت أخبار عن تعليمات صدرت للفصائل العسكرية السورية العاملة بإمرة الجيش التركي للالتحاق بدورات تدريبية قصيرة في تركيا. فإذا أضعنا إلى ذلك تصريحات بعض المسؤولين الأتراك، لاستنتجنا أن ثمة اقتحام قريب قادم للقوات التركية للأراضي السورية، وأن التفاهمات مع ال أمريكيين والروس بشأن إقامة المنطقة الآمنة شمال سورية قد أنجزت.
ننتقل إلى ملف الضحايا، ونرصد مقتل 265 شخصًا هذه المدة، 31 في المئة منهم من المدنيين (81 قتيلًا) بينهم 19 طفلًا و8 سيدات،
غالبية القتلى سقطوا في إدلب وحماة حيث تدور المعارك، فعلى أرض حماة، ريفها الشمالي تحديدًا، سقط أكثر من نصف القتلى، (144 قتيلًا) غالبيتهم من العسكريين، بسبب المعارك المباشرة بين المتحاربين؛ وعلى أرض إدلب سقط 20 في المئة من القتلى (50 قتيلًا) معظمهم من المدنيين، لأن المناطق المدنية تتعرض للقصف فقط، وليس ثمة معارك هناك.
نختم في ملف الضحايا بالإشارة إلى الخبر المتكرر منذ طرد تنظيم الدولة من الرقة، وهو انتشال الجثث من المقابر الجماعية في مناطق مختلفة من الرقة، حيث وصل عدد الجثث التي انتشلت في الأيام الأخيرة إلى 300 جثة من مقبرة معسكر الطلائع جنوبي مدينة الرقة.
نختم تكثيفنا هذا بالتطور المقلق على صعيد اللاجئين، حيث تقوم السلطات التركية بالترحيل القسري لأعداد متزايدة من اللاجئين السوريين إلى منطقة إدلب عبر معبر باب الهوى، وتسليمهم إلى سلطات الأمر الواقع هناك، هيئة تحرير الشام. وقد رُحِّل 3451 لاجئًا خلال الـ 18 يوم الأولى من تموز، ولأسباب مختلفة، منها دخول الأراضي التركية بطريقة غير نظامية، أو عدم حمل بطاقة الحماية المؤقتة “الكمليك” أو مخالفة القوانين التركية. وظاهريًا يبدو أن الترحيل مخالف لما صرح به المسؤولون الأتراك أخيرًا، وكأن السلطات الأمنية تتعسف في إجراءاتها وتتجاوز القرارات الرسمية، فهناك من رُحِّلوا ممن يحملون “الكمليك” إنما من محافظة أخرى. أما الطريقة فقاسية وتخلو من الإنسانية، ولا تُفسح المجال لأي طعن أو اعتراض.