حاول الباحث رضوان زيادة تفسير صمود نظام الأسد في مواجهة الثورة السورية، باستخدام مفهوم العصبية العلوية في تحليله طبيعة الصراع وبنية النظام في سورية، في مقالةٍ كتبها تحت عنوان (العصبية العلوية وبقاء الأسد)، أتبعها بمقالة ثانية جاءت تحت عنوان (تفكك العصبية العلوية)،استكمل بها ما بدأه في مقاله الأول، فقام بعملية دمج بين مفهوم العصبية الطائفية، بالمعنى الذي أعطاه له عزمي بشارة في كتابه (الطائفية)، ونظرية إدوارد عازار في الصراع والنزاعات المسلحة الرئيسة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مفترضًا أن الصراعات في هذه الدول حديثة الاستقلال هو بين هويات مذهبية ذات بنية اقتصادية ثابتة وأنظمة ثقافية مغلقة، فيكون النزاع فيما بينها مزمنًا، ولا يتوقف حتى يلغي أحد الطرفين الآخر، واصفًا الحروب الطائفية بأنها “عميقة الجذور ومستعصية على الحل، وطويلة الأمد” ([1])، معتبرًا وجود الهويات الطائفية المتعددة كافيًا بحد ذاته لمنع سيرورة الاندماج الوطني. فأوقعه منهجه الطائفي ذاك في تناقضات وأخطاء كثيرة، قطعت عليه إمكانية تصور وجود حلّ سياسي يُنهي الصراع في سورية، بما يضمن وحدة الشعب السوري، حين وصفه -بالاستناد إلى عازار- بصراع الهوية المزمنة، مفترضًا أن لدى الطائفة العلوية عصبية مكّنت النظام من ترسيخ وجوده في حكم سورية، لتكون بمنزلة اللبّ لبنية النظام، أما مؤسسات الدولة الأخرى، مثل الأحزاب والبرلمان والمؤسسات الاقتصادية، فهي بمنزلة القشرة الخارجية له، لذلك هي فاقدة القيمة. مؤكدًا أن وجود هذه العصبية بات يهدد وجود سورية اليوم وفي المستقبل، ويمنع إعادة إعمارها ([2]). ويظهر خطر هذا المنهج في التحليل، حين يربط بين وجود الطائفة العلوية وبقاء نظام الأسد. بحيث يصعب التفكير بالتغيير في سورية دون إلغاء أو هزيمة الطائفة العلوية، فيتم الانتقال، بموجب هذه الرؤية، من الحديث عن إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية وفق القرار الأممي 2254، إلى الحديث عن تفكيك الطائفة العلوية الحاكمة. وهذا المنطق يدفعنا إلى نتيجة مفادها أن توقف الصراع لن يحدث إلا بتغلب عصبية طائفة الأكثرية على العصبية الحاكمة، وأننا بصدد مشروع للتطهير الطائفي، لا مشروع للتغيير الوطني الديمقراطي. وهذا يخرج عن محددات المنهج الخلدوني، الذي بنى مفهوم العصبية على قرابة الدم داخل النظام القبلي المتصادم مع نظام المجتمع المدني صاحب الدولة، واستخلص صاحب المقدمة دورًا إيجابيًا للعقيدة والدين في لعب دور الكابح لجماح العصبية القبلية، في عهدي النبوة والخلفاء الراشدين، وفّر للمجتمع المسلم سبل الاندماج والانتقال من مرحلة البداوة إلى مرحلة المجتمع الحضري، ومن ثم كان استيلاء العصبية المتغلبة على الدولة مقدّمة لاندماج القبائل الغازية بحواضر المدن، بفعل روابط العقيدة والدين التي تجمعها مع المجتمع الحضري، الأمر الذي أسهم في خلق موجات دائرية متوسعة من التقدم الحضاري في منطقتنا العربية، في مواجهة تحدي البداوة. في حين ذهب رضوان زيادة باتجاه مخالف لذلك تمامًا، مفترضًا أن وجود طائفة متغلبة على السلطة سوف يُبقي الانقسام الطائفي داخل المجتمع قائمًا؛ لأن غاية الدولة تقوية هذه العصبية لا إضعافها. وبسبب ذلك التماهي بين الطائفة العلوية والدولة، بات وجود الدولة في ظرف شبيه بسورية، من وجهة نظره، عامل تفتيت للهوية الوطنية، لا عامل توحيد واندماج. والمحاذير السياسية الخطيرة من اعتماد نظام قرابة العقيدة والدين أساسًا في بناء مفهوم العصبية، وفق ذلك المنهج، تأتي من تكريسه منطق الحرب الطائفية الدائمة، كصراع مزمن غير قابل للحلّ، يرتبط بوجود الطوائف بحد ذاتها وبالتعدد الإثني والتنوع الثقافي أكثر من ارتباطه بالأيديولوجية الطائفية. أما جوانب قصور ذلك المنهج فتظهر جليًا في استعصاء تفسيره الجوانب التاريخية لتجربة الحكم في سورية، فتأتي نتائجها مضادة تمامًا لحقائق التاريخ والواقع.
في بنية الطائفة العلوية:
في حين يقوم مفهوم العصبية، عند ابن خلدون، على لحمة الدم القبلي، كمحرك لديناميات الصراعات القبيلة، نجد بالمقابل مفهوم العصبية الطائفية، عند رضوان زيادة، يستعيض عنه بوحدة المعتقد الديني أو المذهب كرابط تضامن يجمع بين أفرادها. على حين أننا نجد أن وحدة المعتقد الديني يمكن أن تعزز تأثير عامل قرابة الدم القبلي، كمحرك أساسي يصعب وجوده مستقلًا بذاته، ولا يمكن أن يحلَّ محله إلا في مرحلة متقدمة من تبلور المجتمع المدني، عندما تزول من هذه المجتمعات البداوة كنمط إنتاج، ويضعف تأثير نظام الأسرة على أفرادها. وتتضح الصورة أكثر، في مثالنا، باكتشاف وجود نظام عشائري داخل الطائفة العلوية، أشد ممانعة وقوة ومتانة من رابط المعتقد الديني، كناظم ثقافي وسياسي مشترك.
وإذا طبقنا رؤيتنا السابقة على تجربة الحكم في سورية، فسوف نجد أن وحدة المعتقد الديني لم تمنع نشوء صراع على السلطة، بين صلاح جديد وحافظ الأسد عام 1968. الأمر الذي سحب نفسه بانقسام عشائري داخل الطائفة العلوية الواحدة ما زال مستمرًا حتى الآن. حيث كان الأسد الأب يوظف أو ينتقي كوادر سلطته من عشيرته أو من يدعم نفوذها العشائري داخل الطائفة، ويهمّش ما عداها.
وعلى الرغم من ذلك، كان النظام، مع مرور الزمن، يزداد انغلاقًا على أسرته الأسدية، ويبني توازناته على نظام قرابة الدم، ويقلص من اعتماده على الطائفة، التي تراجع نفوذها العشائري داخل أبنية السلطة إلى الدائرة الثانية، الأمر الذي عرّض أبناءها لمقتلة مرعبة خلال سنوات الحرب.
في بنية النظام السوري:
وعلى الرغم من انغلاق النظام، شيئًا فشيئًا، باتجاه تضييق دائرة النفوذ داخل أبنية النظام، بحيث تبقى محصورة بعصبية الأسرة، فإنّ رابطة الدم لم تمنع استمرار الانقسام والصراع داخلها، على قاعدة المصلحة والمنافسة على التحكم في الموارد المادية والقيم الرمزية المعنوية، فخرج من دائرة النفوذ، نتيجة ذلك الصراع، العديد من شخصيات الأسرة البارزة. في حين وجدنا النظام وسّع دائرة نفوذه، لتشمل شخصيات من باقي الطوائف، وبشكل خاص الطائفة السنية، فنشأ داخل النظام تقاسم في النفوذ بين من يدير الثروة، وبين من يدير أجهزة المخابرات والجيش، وخلال فترة الحرب الأخيرة، تعقدت الصورة أكثر، فبات كل طرف يقوم على الجمع بين الوظيفتين معًا، أي أصبح لرجال الأعمال أذرع عسكرية، وبات لأجهزة القمع أنشطة اقتصادية، وبموجب هذه الدورة الاقتصادية المعقدة والمتداخلة في آن واحد؛ يكون الشعب السوري، بعموم طوائفه ومنها الطائفة العلوية، قد خرج من دائرة تقاسم النفوذ على السلطة والثروة معًا، وبات من الضروري طرح الحل السياسي على قاعدة المواطنة المتساوية، لا على أساس صراع الهويات القاتلة.
[1]) (العصبية العلوية وبقاء الأسد) رضوان زيادة، تلفزيون سوريا، تاريخ 13 حزيران 2021
[2] (تفكيك العصبية العلوية) رضوان زيادة، تلفزيون سوريا، تاريخ 24 حزيران 2021
عندما انتهيت من قراءة المقالة عدت لاتاكد انها على موقع مركز حرمون و ليس في صحيفة الاخبار ..
على كل حال و في عجاله اريد ان اقول هنا … تحليل الواقع لايعني قراءة و منهجية طائفية ، بل على العكس تماما محاولة التعميه و حرف الانظار والاستنتاجات المريبة و تأويل كتابات الاخريين ك (بحيث يصعب التفكير بالتغيير في سورية دون إلغاء أو هزيمة الطائفة العلوية ) و اتباعه بأخر (وهذا المنطق يدفعنا إلى نتيجة مفادها أن توقف الصراع لن يحدث إلا بتغلب عصبية طائفة الأكثرية على العصبية الحاكمة، وأننا بصدد مشروع للتطهير الطائفي، لا مشروع للتغيير الوطني الديمقراطي.)هي استنتاجات اقل ما يقال بها انها غير بريئة و لاتحترم تضحيات من قضوا خلال العشر سنين المنصرمة و تساعد على ابقاء هذا الصراع
اخيرا اقتطف بعضا مما قاله الدكتور العظم عام 2014:”في سورية اليوم لا نجد طوائف معبّأة عسكرياً بعضها ضدّ بعضها الآخر أو جاهزة للولوج في صراع مسلّح في ما بينها، باستثناء العمود الفقري للسلطة والدولة وأجهزة الأمن والقمع أي الطائفة العلوية