عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة جلسات حوار، في الموضوع الأول من “برنامج الحوار الوطني” الذي أطلقه حول القضايا الوطنية الأساسية التي تشكل أسسَ إعادة بناء الدولة السورية بجوانبها الرئيسة، سواء التي تحظى بتوافق واسع، أو التي لا تحظى بهذا التوافق، وقد شارك في الحوار طيف عريض من الكوادر السورية، من أكاديميين وباحثين وسياسيين وناشطين، يمثلون مختلف التيارات والتوجهات الرئيسة الغالبة في سورية، وذلك من أجل المساهمة في بلورة توافق لرسم أسس الدولة السورية القادمة التي يريدها السوريون، ويعملون من أجلها، بما يشكل بداية لتجميع قوى السوريين.
ينطلق هذا الحوار من حقيقة أن القيمة الفعلية لأي وثيقةٍ -مهما كانت جيدة المحتوى والصياغة والسبك- تأتي ممن يتبناها، وتأتي من التوافق عليها، وبالتالي فإن اتساع نطاق تبنّي أي وثيقة هو ما يعطيها القيمة والقوة. لذلك فإنّ المركز، إذ يضع وثيقة مخرجات الحوار الأول على موقعه الإلكتروني، يدعو الجميع لمناقشتها والتعليق على ما ورد فيها، وسيقوم المركز بنشر ما يصل إليه من ردود وتعليقات، لإيمانه بأن الحوار يُغني المعرفة ويقرّب التوافق ويُهندس المسافات، فضلًا عن أنه مقدمة أساسية للنتائج السليمة المنشودة.
مركز حرمون
خلاصة الحوار في الموضوع:
“القواعد الدستورية المحصنة في الدستور السوري المقبل”
يكتسي الحوار حول “المبادئ الدستورية المحصنة في دستور سورية المقبل” أهميته الخاصة من هذه الحالة الكارثية التي وصل إليها السوريون، بعد عقود من أنظمة الاستبداد والدولة التسلطية (اقتراح أحمد الجباعي)، وبعد عقدٍ من الصراع العنيف، وما خلفه كل ذلك من دمار وموت وتهجير، وبشكل خاص ما خلّفه من دمار مجتمعي، حيث أقام حواجز شاهقة من الريبة وعدم الثقة والأحقاد بين الجماعات السورية.
إن التخفيف من تلك الحواجز، وإعادة قدر من الثقة بين السوريين، يسمحان لهم بالتواصل مجددًا، وإن التفاهم على أسس خروجهم من المأساة وتقرير مصيرهم وبناء مستقبلهم، يستدعي بداية وجود ضمانات قوية مستقرة وثابتة، يصعب التراجع عنها أو تعديلها، تزيل مخاوفهم وتعالج هواجسهم تجاه المستقبل. ولكي تكون الضمانات بهذا المستوى من القوة، يجب أن تكون راسخة في دساتيرهم، محصنة من التعديل والإلغاء، وهذا ما نسميه بـ “القواعد الدستورية المحصّنة”، وما يسميه البعض بـ “المبادئ فوق الدستورية”، وما يسميه آخرون بـ “المبادئ الحاكمة للدستور”، وكلّها تدلّ على مضمون واحد، هو تلك القواعد الدستورية التي تُمنح حصانة أعلى من غيرها، ضدّ التعديل أو الإلغاء من قبل المجالس التشريعية القادمة، لتستطيع أن تشكّل تلك الضمانة، وذلك الأساس المتين للخلاص والانتقال.. وهذا هو المسار الأمثل الذي اختبرته شعوب عانت صراعات داخلية وحروبًا أهلية، أو عاشت حقبة استبداد قاسية، ثم انتقلت إلى مرحلة الاستقرار والبناء..
كان هذا محور موضوع حوارنا الأول، ضمن مشروعنا الحواري الذي نسعى في مركز حرمون لكي يكون شاملًا لجميع المواضيع الوطنية المهمة والخلافية، والتي تزداد الحاجة إلى مناقشتها ومعالجتها وتشكيل التوافقات حولها بين السوريين.
تركز الحوار، الذي جرى على ثلاث جلسات مغلقة شارك فيها 26 شخصية سورية من اختصاصات متعددة واتجاهات مختلفة، حول نقطتين رئيستين:
- – الأولى هي مدى أهمية وضرورة وجود قواعد دستورية محصنة في الدستور السوري المقبل.
- – والثانية هي مضمون هذه القواعد.
النقطة الأولى: أهمية وضرورة وجود قواعد دستورية محصنة في الدستور السوري:
كان من الواضح وجود ثلاثة مواقف من هذه النقطة، تتباين بدرجات مختلفة: الموقف الأول يرى أن لهذه القواعد أهمية كبيرة، ويعدّها صمام أمان للمستقبل، أولًا لدورها الرئيس في طمأنة السوريين وتجاوز أزمة الثقة فيما بينهم، وتأسيس مناخ للتفاهم، وثانيًا لدورها في قطع الطريق على عودة الاستبداد، وثالثًا لدورها في ترسيخ أسس النظام الديمقراطي الجديد..
أما الموقف الثاني، فلا يقرّ بوجود قواعد فوق دستورية أو أعلى مكانة من باقي قواعد الدستور، ويعتبرها غير ديمقراطية، لأنها تصادر قرار الأغلبية وحقّ الأجيال القادمة، ويرى أن التجميد يتنافى مع حركة تطور المجتمعات وحاجتها إلى التعديل.
أما الموقف الثالث، فيقرّ بوجود تلك القواعد وأهميتها، لكنه يتحفظ على حصانتها المطلقة والدائمة، ويرى أن تحصينها ممكن ولازم، إنما بشكل مؤقت ونسبي، فتكون بذلك أعلى حصانة من باقي قواعد الدستور، لكن ليس بحصانة مطلقة. ويستثني هذا الفريق مسألة الحقوق والحريات، ويرى أن بالإمكان تحصينها حصانة مطلقة.
بعيدًا من تلك التباينات، اتجه رأي أغلب المشاركين إلى أهمية التوافق بين السوريين حول مجموعة من الموضوعات الوطنية الرئيسة والمهمة والخلافية، والتي تستحق التحصين في الدستور السوري المقبل، وإيجاد تفاهمات حولها، وصياغتها في نصوص محددة، والترويج لها على نطاق واسع بين السوريين، لخلق قناعات حولها، استعدادًا لاستحقاقات مصيرية قادمة.
النقطة الثانية: تحديد الموضوعات الوطنية ذات الأولوية التي يجب الحوار فيها والتوافق عليها، ومن ثم بلورتها في نصوص محددة، وقد طرحت خلال النقاش مجموعة من المواضيع، نرتبها على الشكل الآتي:
- وحدة سورية ضمن حدودها المعترف بها دوليًا، واسم الدولة ولغتها الرسمية.
- طبيعة النظام السياسي القادم.
- شكل الدولة السورية المناسب.
- تداول السلطة وفصل السلطات.
- أسس وضمانات استقلال القضاء.
- الحقوق والحريات الفردية والعامة ومرجعيتها (اقتراح مازن درويش)
- حقوق النساء والمساواة بين الجنسين.
- أسس المواطنة المتساوية، بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق والجنس وأي انتماء آخر.
- حيادية الدولة تجاه الأديان والأيديولوجيات.
- أسس حياد الجيش والأمن تجاه السياسة، وخضوعه للسلطة المدنية المنتخبة.
وسيعتمد مركز حرمون، في مشروعه الحواري، هذه العناوين، وبهذا الترتيب، وبالطريقة المعلنة والمعروفة: جلستين حواريتين مغلقتين، وندوة مفتوحة وندوة تلفزيونية لكل موضوع، على مدى شهر كامل.
…………………
المشاركون في الحوار حسب الترتيب الأبجدي:
إبراهيم ملكي، أحمد الرمح، أحمد الجباعي، إدوار حشوة، جمال سليمان، حسام الحافظ، حسين حمادة، حمزة الرستناوي، خالد الحلو، خالد شهاب الدين، رديف مصطفى، زهراء عمران، سحر حويجة، (لا يرغب في ذكر اسمه)، عيسى إبراهيم، فاروق مردم بك، لمى قنوت، مازن درويش، محمد صبرا، محمد علي باشا، موفق نيربية، مية الرحبي، ميشيل سطوف، ميشيل شماس، نادر جبلي، ياسر فرحان.