المحتوى

مقدمة

خلفية ورشة العمل وأسئلة المناقشة

المقاربة المفاهيمية: الهوية والاندماج

تصور الاندماج الاجتماعي بين اللاجئين السوريين

تحديات الاندماج الاجتماعي

مقاربات للتعامل مع التحديات

خاتمة

مقدمة

بعد ما يقرب من أربعة أعوام من موجة التدفق الكبيرة لطالبي اللجوء إلى ألمانيا عام 2015، تمكن بعض اللاجئين السوريين من تعلّم اللغة الألمانية والعثور على وظيفة واستئناف دراستهم والتغلب على الصعوبات اليومية المختلفة المتعلقة بالاحتياجات الأساسية، لكن كثيرًا منهم ما يزالون يواجهون تحديات مختلفة تتعلق بالاندماج الاجتماعي في المجتمع الألماني.

تعرض هذه الورقة مخرجات ورشة عمل “الهوية والاندماج Identity and Integration”، التي أقامها المؤلف بالتعاون مع زملائه، في إطار عدد من المشاريع الاجتماعية السياسية [[1]] المتعلقة بقضايا الاندماج الاجتماعي للاجئين (السوريين) في ألمانيا. عقدت ورشة العمل عشر مرات، بين عامي 2017 و 2019، في برلين وهانوفر؛ وكان معظم المشاركين في جميع المناسبات من السوريين [[2]].

بعد تقديم الخلفية والمقاربة المفاهيمية لورشة العمل، ستوفر هذه الورقة رؤية حول كيفية إدراك اللاجئين السوريين لقضية الاندماج في السياق الألماني، وللتحديات القائمة، وتعرض أفضل الأساليب للتعامل مع هذا الموضوع من منظورهم. وأخيرًا، يختم المؤلف الورقة ببعض التوضيحات والملاحظات.

خلفية ورشة العمل وأسئلة المناقشة

منذ أن بدأت موجة التدفق الكبير لطالبي اللجوء إلى ألمانيا عام 2015، ظهرت قضية سياسات اللجوء بشكل بارز ومتسق في النقاش السياسي الوطني. وقد غيّرت هذه القضية المشهد السياسي في ألمانيا (مثل صعود حزب اليمين المحافظ -البديل لأجل ألمانيا، AFD)، وأثارت كثيرًا من الأسئلة الاجتماعية والسياسية المتعلقة بمستقبل البلاد [[3]]. واتخذت الحكومة الألمانية أيضًا تدابير إضافية لدعم اندماج اللاجئين في ألمانيا، بصرف النظر عن الدعم الإنساني الأساسي. لا تتعلق هذه التدابير بالاندماج بالنظام (مثل توفير الإقامة واللغة [[4]] وبرامج العمل أو الدراسة، إلخ)، فحسب بل بالاندماج الاجتماعي أيضًا (مثل قيم المجتمع ومعاييره والمشاركة والتعايش الاجتماعي). في إستراتيجيتها الحديثة (الأخيرة) للاندماج، نظرت الحكومة الألمانية إلى الاندماج كعملية ثنائية الاتجاه [[5]].

على الرغم من هذه الإجراءات، فقد نشأ تصور سلبي عن موضوع الاندماج بين كثير من اللاجئين السوريين، خلال الأعوام الأربع الماضية. تقدم الحكومة الألمانية دورات في الاندماج (دورات لغة ودورات توجيه ثقافي)، وهي إلزامية لمعظم الأجانب [[6]]. وتتكون الدورات من دورة لغة (600-900 ساعة) ودورة توجيهية (60 ساعة) يتم فيها معالجة القضايا التالية: 1 ) النظام القانوني الألماني والتاريخ والثقافة؛ 2) الحقوق والواجبات في ألمانيا؛ 3) طرق التعايش في المجتمع؛ 4) قيم مهمة في المجتمع الألماني. ويعود التصور السلبي عن هذه الدورات بشكل أساسي إلى الأساليب المباشرة للتعليم حيث يُعلّم اللاجئون مفهوم الاندماج، وكيف ينبغي فهم القيم والمعايير “الألمانية”، من دون توفير مساحة أو مجال للنقاش. في الواقع، لا يأخذ كثير من اللاجئين دورات الاندماج على محمل الجد؛ فهم يعدونها مجرد إجراء رسمي لا بد من اتباعه للحصول على شهادة الاندماج “العيش في ألمانيا”. وعلاوة على ذلك، فإن المقاربات ذات الاتجاه التنازلي (من الأعلى للآسفل) لموظفي الحكومة (أي في مكاتب الأجانب ومراكز التوظيف والمكاتب الاجتماعية)، وكذلك العلاقات غير المتكافئة مع الألمان التي يعاني بسببها كثير من اللاجئين، تساهم أيضًا في فهمهم السلبي لقضية الاندماج (مناقشات المؤلف مع المشاركين).

كل هذه الظروف جعلت مناقشة قضايا محددة تتعلق بالاندماج الاجتماعي مع الأشخاص المعنيين قضية مهمة، من أجل القيام بذلك، أقام المؤلف ورشة العمل: الهوية والاندماج في إطار العديد من المشاريع الاجتماعية والسياسية المتعلقة بقضايا الاندماج الاجتماعي للاجئين في ألمانيا. استغرقت ورشة العمل من 6 إلى 7 ساعات، واستهدفت ما بين 12-15 مشاركًا (60 في المئة ذكور و 40 في المئة إناث). كانت لغة المناقشة هي اللغة العربية، بهدف خلق مساحة آمنة يمكن للمشاركين من خلالها مناقشة القضايا فيما بينهم (أي ندٍّ إلى ندّ) من دون أي تردد في التعبير عن الرأي، بسبب الحواجز اللغوية أو الخوف من الحكم [[7]]. في ورش العمل، نوقشت الأسئلة الرئيسية التالية:

  • – كيف ينظر اللاجئون (السوريون) إلى قضية الاندماج الاجتماعي؟
  • – ما هي التحديات التي يواجهها اللاجئون (السوريون) في ما يتعلق بدمجهم في ثقافة (ثقافات) المجتمع أو الجماعة المضيفة؟
  • – ما هي الأساليب (المقاربات) والأنشطة التي يمكن أن تساعد في مواجهة هذه التحديات؟

المقاربة المفاهيمية: الهوية والاندماج

نظرًا لأن مفاهيم الاندماج الاجتماعي والثقافة تختلف اختلافًا كبيرًا من سياق إلى آخر [[8]]، قرر المؤلف تضمين جانب الهوية، كمفهوم تقاطعي   cross-cutting [طريقة للربط بين مجالات العلوم المختلفة. وتشمل الأنماط؛ والسبب والنتيجة؛ الأنظمة ونماذجها] لتشجيع المشاركين في ورشة العمل على التحدث عن تجاربهم الشخصية. بالنسبة لإريكسون Erikson، فإن الإحساس بالهوية هو “إحساس ذاتي بنوع من التماثل والاستمرارية المحفزتين” [[9]]. وبعبارة أخرى، يعتمد تكوين الهوية على عملية مستمرة من تركيب التجربة السابقة (أي ما كان المرء في الماضي وما عاشه) والتوقعات المستقبلية (أي ما يتوقعه المرء في المستقبل) [[10]]. قال إريكسون: “الهوية … تحتوي على تكامل بين الماضي والمستقبل لدى كل من الفرد والمجتمع: فهي تربط واقع الماضي الحي أو المعاش بمستقبل واعد” [[11]]. وعلاوة على ذلك، فإن تعريف الذات ومعناها (أي الإحساس بالتفرد والوئام الداخلي) ينطوي على التفاعل مع الأشخاص الآخرين والفئات الاجتماعية، فضلًا عن مُثُلهم وقيمهم (أي السياق الاجتماعي بأكمله). الهوية، كعملية تشمل الهويات الفردية والجماعية، هي نتاج “التفاعل الديالكتيكي لعمليات التعريف الداخلي والخارجي” [[12]].

وتنص نظرية الهوية الاجتماعية [[13]] على أنه “لا يوجد إنسان مكتفٍ بذاته”، و “لا توجد مجموعة اجتماعية مكتفية بذاتها” [[14]]. ترتبط عملية تكوين الهوية الشخصية والاجتماعية بالتصنيف الاجتماعي (أي كنظام توجيه يساعد في إنشاء وتحديد مكان الفرد في المجتمع)، إضافة إلى المقارنة الاجتماعية وتمييز المجموعة بناءَ على العوامل النفسية (أي بناء مجموعتنا ingroup-we). مقابل مجموعتهم outgroup-they) [[15]]. هذا النموذج النظري يساعد في فهم كيفية ظهور الصور النمطية والأحكام المسبقة والتمييز أو صراعات الهوية، وفي فهم كيفية تشكّل البشر أو تكوين الجماعات (على سبيل المثال “مجموعة اللاجئين السوريين”)، أي أن ينظر إليهم الآخرون على أن لهم خصائص مشتركة (إيجابية أو سلبية)، أو حتى أن يعتبر أعضاء المجموعة أنفسهم كمجموعة واحدة كون لديهم موقف ومصير مشترك. هذه الخصائص تقوي الشعور بالانتماء إلى المجموعة، ومن ثم تؤثر في تصورات ومعتقدات وسلوكيات أعضاء المجموعة.

هذه الجوانب من تكوين الهوية -حالة التماثل الذاتي التي تنعكس في الحاجة إلى الحفاظ على هوية الفرد، وحالة الاستمرارية والتركيب التي تنعكس في الحاجة إلى الاندماج مع أعضاء المجتمع الآخرين- ارتبطت بتعريف جون بيري  John Berry للاندماج. وفقًا لبيري، يحدث الاندماج “عندما يكون هناك اهتمام (من المهاجرين) بالحفاظ على الثقافة الأصلية للفرد، في أثناء التفاعلات اليومية مع المجموعات الأخرى”. وفي هذه الحالة، “يتم الحفاظ على درجة معينة من الاندماج الثقافي، مع السعي في الوقت نفسه للمشاركة كجزء لا يتجزأ من الشبكة الاجتماعية الأكبر” [[16]]. لمزيد من التوضيح لحالة الاندماج، يميز بيري بين المفاهيم التالية ذات الصلة: التماثل Assimilation: “عندما لا يرغب الأفراد في الحفاظ على هويتهم الثقافية، ويسعون للتفاعل اليومي مع الثقافات الأخرى” [[17]]؛ الانعزال أو التقوقع Separation/Segregation: “عندما يضع الأفراد قيمة للتمسك بثقافتهم الأصلية، ويعملون في نفس الوقت على تجنب التفاعل مع الآخرين” (المرجع نفسه)؛ والتهميش Marginalization: “عندما يكون هناك احتمال ضئيل أو مصلحة في الحفاظ على الثقافة (غالبًا لأسباب تتعلق بضياع ثقافي قسري)، وقليل من الاهتمام بإقامة علاقات مع الآخرين (غالبًا لأسباب الإقصاء أو التمييز)” [[18]]. (انظر الشكل 2).

في سياق تكوين الهوية والاندماج الاجتماعي، يُفهم مفهوم الثقافة على أنه عنصر مهم في تكوين هوية الأفراد والمجتمع أو التأثير فيهما (أي الثقافة كعنصر من عناصر الهوية Kultur als Identitätsstiftendes Element). إنه نظام توجيه يتضمن التقاليد والمعايير والقيم والنظام العام وأشكال المؤسسات التي تؤثر في تصورات ومعتقدات وسلوكيات الأفراد والجماعات [[19]]. وبعبارة أخرى: الثقافة هي الوسيلة التي “يتواصل الناس من خلالها، ويديمون ويطورون معارفهم ومواقفهم تجاه الحياة” [[20]]. إنها “نسيج المعنى الذي يفسر به البشر خبراتهم ويوجهون أعمالهم” [[21]].

ولمعالجة الأسئلة الرئيسة للورشة، اتُّخذت الخطوات التالية. بالنظر إلى أن موضوع الاندماج يُنظر إليه نظرة سلبية من قبل العديد من اللاجئين، كان من الضروري إنشاء مساحات آمنة، يمكنهم فيها تبادل الأفكار والخبرات فيما بينهم (أي ندٍ ند). وللقيام بذلك، اختير موضوع الهوية كنقطة دخول أو كمدخلٍ لقضايا الاندماج الاجتماعي. وبتعبير أدق: من خلال البدء بالتمرين التالي (طُلب من المشاركين الإجابة بسرعة، من دون تفكير، عن سؤال: مَن أنتم [هويتهم] -انظر الشكل 1)، وتم تشجيع المشاركين على التحدث عن الجوانب المتغيرة لهويتهم الشخصية والاجتماعية، فضلًا عن التحولات في كيفية تحديد هويتهم، بين بلد المنشأ والبلد المضيف، وما يتعلق بتجربة طلب اللجوء والعيش في المجتمع الجديد.

الشكل (1): أنا تمرين (I am Exercise)

في مرحلة ثانية، أثيرت أسئلة بيري Berry التالية للمناقشة: “هل من المفيد الحفاظ على الهوية والخصائص الثقافية (الأصلية)؟” أو “هل من المفيد الحفاظ على العلاقات مع المجموعات الأخرى؟” [[22]] (انظر الشكل 2). من خلال النظر والتفكر في هذه الأسئلة، والتصورات المختلفة (كيف يفهم المرء الاندماج الاجتماعي والمفاهيم ذات الصلة)، والمواقف (إذا رأى المرء نفسه/ نفسها مندمجًا، أو مندمجة، أو منفصلًا/ منفصلة أو مهمشًا/ مهمشة)، والإستراتيجيات الشخصية (كيف يتعامل المرء واللاجئون الآخرون مع القضايا المفتاحية) التي تم تحديدها. وفي المرحلة الأخيرة، نوقشت تحديات الاندماج الاجتماعي في ألمانيا وطرق التعامل معها.

الشكل (2): استراتيجيات التثاقف (توضيح المؤلف، مقتبس من بيري 1997، 10)

تصور الاندماج الاجتماعي بين اللاجئين السوريين

أولًا، من المهم الإشارة إلى أن كثيرًا من اللاجئين السوريين يرفضون مصطلح “الاندماج”، إذ يُنظر إليه على أنه عملية أحادية الاتجاه: التماثل. وكما ذكرنا سابقًا، كان لطرائق التدريس المباشرة المطبقة في دورات الاندماج، والمقاربات التنازلية (من الأعلى للأسفل) لموظفي الحكومة، فضلًا عن العلاقات غير المتكافئة مع الألمان التي يعيشها السوريون في سياقات مختلفة، آثارٌ سلبية على الاندماج الاجتماعي لعديدٍ من السوريين. كانت علاقات كثير من السوريين مع الألمان (حتى أولئك الذين ساعدوهم) قائمة إلى حد ما على ديناميكية تنازلية من أعلى إلى أسفل (أي اللاجئ الفقير الذي يجب أن أساعده وأشرح له/ لها كيف تسير الأمور هنا). وبالتالي، يفضل كثيرون استخدام مصطلحات مختلفة (مثل Inclusion والتي تعني الادماج والتكامل) عند مناقشة أو معالجة مسألة الاندماج.

بغضِّ النظر عن المصطلحات نفسها، اتفقَ معظم المشاركين في ورش العمل على أهمية الحفاظ على كثير من أو على الأقل على بعض جوانب ثقافتهم الأصلية، مع السعي للتفاعل مع المجتمع المضيف وزيادة معرفتهم بثقافته. وشدد البعض على أنّ على المرء أن يكون انتقائيًا في الاختيار، حيث لا يمكن قبول كل شيء، كون بعض القيم تتعارض مع معتقداتهم بشكل عام. وفي الوقت نفسه، تم التأكيد على أنه ينبغي للمرء أن يتحلى بالمرونة في الانفتاح على القيم والمعايير الجديدة، حتى لو لم يكن المرء معتادًا عليها في بلده الأصلي. كما قال بعض المشاركين، قد يكون تغيير مثل هذه الأنواع من التصورات والمعتقدات لكثير من اللاجئين مسألة وقت أو خبرة. وعلى سبيل المثال، شرح بعض المشاركين كيف أنهم غيّروا نظرتهم إلى المثلية الجنسية، بعد التفاعل مع المثليين الذين ساعدوهم في قضايا مثل الترجمة وإيجاد سكن. وأوضح آخرون كيف لم يكن بإمكانهم أن يتخيّلوا مناقشة موضوع المثلية الجنسية من قبل، وكيف صاروا يعترفون بحقوق المثليين، بالرغم من أن ذلك لا يعني أنهم مستعدون للدفاع عنهم.

شرح المشاركون في ورشة العمل أيضًا كيف يمكن أن تكون التجربة في ألمانيا بمنزلة صدمة ثقافية لبعض اللاجئين، حيث إنهم واجهوا تغييرًا جذريًا لم يكن كثيرون مستعدّين له، وفي بعض الحالات، لم يرغبوا في مواجهته. وأكدوا أن الخوف من التماثل، خاصة في البداية، جعل البعض يتردد في التفاعل مع أفراد المجتمع المضيف، ودفعهم إلى اتباع طرق راديكالية للحفاظ على ثقافتهم الأصلية. يمكن ملاحظة ذلك بشكل خاص بين العائلات التي تخشى “فقدان” أطفالها، بسبب القيم والمعتقدات المختلفة التي يتعرضون لها في تفاعلاتهم اليومية في المجتمع الألماني. وأخيرًا سُلّط الضوء على أن عمليات الأحكام المسبقة، من كلا الجانبين (الألمان وكذلك اللاجئين (السوريين)، شكلت عائقًا في تشجيع كل طرف على التواصل والتفاعل مع الطرف الآخر.

تحديات الاندماج الاجتماعي

بالإضافة إلى القضايا المألوفة المتعلقة بالاحتياجات الأساسية، مثل العثور على سكن، وإيجاد فرص عمل أو دراسة مناسبة، أو تسجيل الأطفال في المدرسة، التي ترتبط بشكل أكبر بتكامل النظم، وقد عُدّت الخطوات الأولى للاندماج الاجتماعي من قبل المشاركين، ذُكرت التحديات التالية:

  • – الصعوبات في تعلم اللغة الألمانية التي تمثل حاجزًا كبيرًا أمام فهم الإجراءات البيروقراطية المحيطة بقانون اللجوء والمساعدة الاجتماعية وكذلك التواصل. ويساهم عدم التحدث باللغة الألمانية بشكل كبير في العلاقات غير المتكافئة بين اللاجئين والألمان.
  • – التقاليد والمعايير والقوانين المختلفة في ألمانيا، بسبب الاختلافات في البنية الاجتماعية (الفردانية مقابل المجتمع الجماعي)، والنظام السياسي (البرلماني الفيدرالي مقابل الرئاسي المركزي) وسيادة القانون (السائد مقابل الغائب) مقارنة مع بلد الأصل.
  • – الصعوبات في الحصول على معلومات واضحة في قضية الحقوق والواجبات. على الرغم من توفر كمٍّ هائل من المعلومات على الإنترنت باللغة العربية، يبدو أن كثيرًا من اللاجئين السوريين لا يزالون يعتمدون على مصادر غير رسمية (مثل الكلام الشفهي، والأصدقاء و/ أو وسائل التواصل الاجتماعي) للحصول على المعلومات.
  • – الصعوبات في إقامة اتصالات مستمرة (مثل الصداقات) مع الألمان.
  • – الأحكام المسبقة الموجودة لدى الجانبين (الألمان واللاجئون) ونقص وسائل التغلب عليها.

مقاربات للتعامل مع التحديات

للتعامل مع التحديات المذكورة أعلاه، اقترح المشاركون المقاربات التالية:

  • – المساعدة في التغلب على الصعوبات المتعلقة بالإجراءات البيروقراطية المحيطة بقانون اللجوء أو المساعدة الاجتماعية أو إيجاد فرص عمل أو دراسة.
  • – معالجة المواضيع التي تزيد الشعور بالأمن والأمان بين اللاجئين، مثل زيادة الوعي بالحقوق والواجبات في ألمانيا ومناقشتها.
  • – تعزيز المناقشات المستدامة بين الأقران حول الاندماج الاجتماعي للاجئين. بعض الموضوعات التي يمكن معالجتها هي: 1) قضية الهوية والتحديات ذات الصلة في المنفى، 2) تعريف (تعريفات) الثقافة وطرق التعامل مع الصور النمطية والأحكام المسبقة والتمييز والعنصرية (مثل ورش العمل حول كيفية التعامل مع التمييز والعنصرية في ألمانيا)، 3) النظام السياسي والاجتماعي وسيادة القانون، 4) حرية التعبير والمعتقد، 5) المواطنة والمشاركة السياسية، 6) قضايا النوع الاجتماعي (الجندرة) مثل أدوار الجنسين، والذكورة، وحقوق المرأة، والعنف المنزلي القائم على النوع الاجتماعي ، وحرية التوجه الجنسي.
  • – الوصول إلى العائلات التي تواجه مشاكل أسرية مع أطفالها جزئيًا، نتيجة الاختلافات الثقافية بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة في ألمانيا.
  • – تطوير برامج تعليمية (باللغة الأم للاجئين أو بلغة ألمانية بسيطة) لزيادة المعرفة بالتاريخ الألماني والنظام السياسي وأشكال البنية المؤسساتية ونظام التعليم وقانون العمل.
  • – خلق مساحات وبرامج للحفاظ على ثقافة بلد الأصل بعيدًا عن المبادرات القائمة على الارتباط الديني (مثل دعم البدائل عن المؤسسات الدينية لتعلم اللغة العربية والحفاظ على الثقافة).
  • – إنشاء منصات تشجع التفاعل والنقاش مع المجتمع المضيف، بما يتجاوز الأنشطة المتعلقة فقط بالطعام والموسيقى. يمكن القيام بذلك من خلال تنظيم الأنشطة التي تعرّف المجتمع المضيف بتاريخ سورية وتراثها، وتسليط الضوء على الاختلافات الثقافية داخل مجتمعات اللاجئين (خلفيات مختلفة: دينية وعرقية ولغوية… إلخ).
  • – تعزيز التعاون الفعال والتواصل بين اللاجئين والألمان أو السكان المحليين. كما سُلّط الضوء على مدى أهمية تحقيق نوع من العلاقة المتكافئة (على مستوى التقابل وجهًا لوجه) بين الجانبين. وللتغلب على العلاقات غير المتكافئة، شدد البعض على كيفية قبول المجتمع المضيف للقادمين الجدد (اللاجئين أو المهاجرين) والتعامل معهم كبشر متساوين. هذا يمكن أن يساهم في بناء الجسور بين الناس.
  • – تشجيع المبادرات من الألمان التي تعزز التواصل والتفاعل. وشدد البعض على أن إظهار الانفتاح من جانب المجتمع المضيف (الذي يفتقده كثير من اللاجئين السوريين) قد يساعد في توليد موقف إيجابي للتعامل مع الأحكام المسبقة.
  • – تنظيم زيارات للمؤسسات الحكومية للتعرف على عملهم من منظور مختلف يتجاوز التجارب السلبية المتعلقة بالتحديات اليومية (مثل الإجراءات البيروقراطية).
  • – تشجيع وسائل الإعلام على تقديم تجارب إيجابية للاجئين، قد تساعد في تقليل الصور السلبية التي يتم بثها في كثير من الأحيان، وتحفيز اللاجئين الآخرين على الاندماج. ومع ذلك، لا ينبغي أن ينتج عن تقديم التجارب الإيجابية نماذج للاجئين المندمجين “الناجحين” و “غير الناجحين”. يجب على المرء دائمًا أن يفكر في أن تحديات اللاجئين تختلف من سياق إلى آخر.

خاتمة

على الرغم من الجهود الألمانية الحكومية والمجتمعية لدعم عملية اندماج اللاجئين على مستوى النظام وعلى المستوى الاجتماعي، لا يزال كثير من اللاجئين السوريين يواجهون تحديات كبيرة تتعلق بالاندماج الاجتماعي في ألمانيا. وتشمل تلك التحديات التي تظهر بوضوح، تعلّم اللغة الألمانية، وتكوين الصداقات، والمشاركة الفعالة في المجتمع، والتعامل مع الاختلافات الثقافية. وعلى الرغم من أن الحكومة الألمانية اعتبرت عملية الاندماج عملية ذات اتجاهين، ما يزال التصور قائمًا على أنها عملية أحادية الاتجاه: أي التمائل، بسبب المقاربة التنازلية (من الأعلى للأسفل) للحكومة الألمانية. تساهم العلاقات غير المتكافئة في كثير من الأحيان على المستوى الاجتماعي في هذا التصور السلبي.

ومع ذلك، كما اقترح المشاركون في ورش العمل، فإن اتباع مقاربات مثل إنشاء مساحات آمنة للمناقشات بين الأقران، حول قضايا الهوية والتكامل الاجتماعي، وزيادة الوعي بالحقوق والواجبات في ألمانيا وكذلك المعرفة حول التاريخ الألماني والمجتمع، ودعم منصات التفاعل الحقيقي والتبادل بين اللاجئين والألمان، وتشجيع التعاون النشط والتواصل على مستوى العين، قد تكون جميعها مفيدة في مواجهة التحديات.

تستحق العناصر المحددة للنتائج العامة المعترف بها المقدمة في هذه الورقة مزيدًا من الدراسة. على سبيل المثال، قد تختلف التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون اختلافًا كبيرًا، من سياق إلى آخر (أي الوضع المعيشي المتنوع في المناطق الحضرية أو الريفية أو بين الشقق ومخيمات اللاجئين، والوضع العائلي والنوع الاجتماعي (الجندر) المختلف، والخلفيات الاجتماعية أو التعليمية المختلفة، والتجارب والمواقف المختلفة في سورية والفرص المستقبلية في ألمانيا، إلخ). قد تختلف إستراتيجيات الاندماج أيضًا من فرد إلى آخر اعتمادًا على سلوكه/ سلوكها في التعامل مع العوامل الاجتماعية والنفسية المختلفة المتعلقة بتشكيل الهوية أو إعادة تشكيلها (مثل تسمية اللاجئ، وتجارب الحكم المسبق/ التمييز/ الإقصاء أو التعاطف الزائد/ الاعتراف، والتغطية الإعلامية لقضايا اللاجئين، ومجموعات اللاجئين الأخرى الموجودة، والحصول على أخبار سيئة باستمرار من سورية، وجماعات الشتات السوري (الدياسبورا) الناشئة في ألمانيا).

وأخيرًا، من المهم التأكيد على النقاط التالية لمقاربة الاندماج الاجتماعي الشامل:

عند مناقشة قضايا الهوية والاندماج الاجتماعي، من المهم تجنب إضفاء الطابع الثقافي على الموضوع (أي القيم والثقافة الألمانية مقابل قيم وثقافة اللاجئين). وعوضًا عن ذلك، ينبغي للمرء أن ينظر في هذه القضايا بقدر أكبر للسياق بصورة محددة.

لتحقيق تعايش سلمي طويل الأمد، هناك حاجة إلى تحويل التركيز من فهم الآخرين فقط إلى فهم الذات، وكذلك الآخرين. وبالتالي، من المهم الجمع بين هذه المناقشات بين الأقران ومنتديات الحوار التي تُعقد على مستوى العين (الحضور الفيزيائي) مع الألمان/ السكان المحليين الآخرين، حيث يمكن معالجة الأسئلة المتعلقة بالتعايش السلمي.

لا ينبغي لأحد أن يتجاهل الوضع النفسي للاجئين (مثل الرضّات الناتجة من الحرب و/ أو طلب اللجوء، وتسمية اللاجئ، ومشاعر الاغتراب، وانتظار لم شمل الأسرة). لذلك، من الضروري اتباع مقاربات تشاركية تأخذ الناحية النفسية بعين الاعتبار وتركز على الفرد في البداية. إن دعم اللاجئين في إيجاد طريقهم الخاص في البلد الجديد، وتمكينهم من أن يشاركوا في المجتمع، هو المفتاح لإشراكهم كمواطنين فاعلين على المدى الطويل.

____________________________________________________________________________

الهوامش:

[1] – يود المؤلف أن يشكر كاترين غيلدميستر من منظمة حوارات [سابقًا حلقة السلام من أجل سورية]؛ وهيثم حميدان والدكتور عزام أمين من منظمة “مواطنون دبلوماسيون لأجل سورية”؛ وألكسندر ريتزمان ويوسف وهبي ولمى أحمد والدكتورة كارولين فون دير هايدن وألكسندرا كورن من مشروع معهد براندنبورغ للمجتمع والأمن. يود المؤلف أيضًا أن يشكر جوانا هاس وحنا نيوبيري وهيلين ميشو على ملاحظاتهم حول المسودة الأولى لهذه الورقة.

[2] – أُقيمت ورشة العمل في البداية لمناقشة قضايا الاندماج الاجتماعي بين اللاجئين السوريين في ألمانيا. وأُقيمت نفس ورشة العمل مع تعديلات طفيفة في وقت لاحق مع مشاريع تستهدف اللاجئين العرب، لكن معظم المشاركين كانوا من السوريين.

[3] – انظر على سبيل المثال، التقرير الخاص في مجلة الإيكونوميست بعنوان “الألمان الجدد”، في 14 نيسان/ أبريل 2018.

https://econ.st/3oG3x7e  (accessed 2018.12.25).

[4] – على سبيل المثال، قُدمت مناهج الاندماج لبعض طالبي اللجوء قبل حصولهم على تصريح الإقامة.

https://bit.ly/37Qocj3 (accessed 2019.07.27).

[5] – BMAS (Bundesministerium für Arbeit und Soziales). 2019. Darstellung der Maßnahmen der Bundesregierung zur Sprachförderung und Integration. https://bit.ly/3e7Nryc (accessed 2019.12.20).

[6] – „§44a – Verpflichtung zur Teilnahme an einem Integrationskurs“ Aufenthaltsgesetz: Kapital 3 – Integration (§§43

45a) https://dejure.org/gesetze/AufenthG/44a.html  (accessed 2019.07.27)

[7] – في بعض الحالات التي شارك فيها ضيوف ألمان في ورشة العمل، تغيرت علاقات القوة/ السلطة وديناميكيات المجموعة. وقد أثر ذلك بشكل ملحوظ على مستوى المناقشة (ملاحظة المؤلف في ورش العمل).

[8] – Ager, Alastair and Strange, Alison. 2008. Understanding Integration: A Conceptual Framework, Journal of Refugee Studies, Volume 21, Issue 2, June 2008, Pages 166–191, https://doi.org/10.1093/jrs/fen016  (accessed 2019.11.29).

[9] – Erikson, Erik H. 1968. Identity: Youth and Crisis. New York: Norton. P. 19

[10] – Ibid. p. 310

[11] – Ibid.

[12] – Jenkins, Richard. 2008. Social Identity. Third edition. Routledge. London and New York.  P. 46

[13] – Tajfel, Henri. 1981. Human Groups and Social Categories. Cambridge University Press 1981.

[14] – Ibid. p. 258

[15] – Ibid.

[16] – Berry, John. 1997. Immigration, Acculturation, and Adaptation. Applied Psychology: An International Review. 1997: p. 9

[17] – Ibid.

[18] – Ibid.

[19] – Thomas, A, Kinast, E, and Schroll-Machl, S. 2005. Handbuch Interkulturelle Kommunikation und Kooperation. Vandenhoeck & Ruprecht Verlage. Göttingen

[20] – Geertz, Clifford. 1973. The Interpretation of Cultures. Basic Books, Inc., Puhlishers. New York. P. 89

[21] – Ibid. p. 145

[22] – Ibid. _ Berry, John. 1997, p. 10

__________

لمزيد من القراءة والتوسّع، انظر

– Erdogan, Secil. 2012. Identity Formation and Acculturation: The Case of Karen Refugees in London, Ontario. Electronic Thesis and Dissertation Repository. 519. https://ir.lib.uwo.ca/etd/519 (accessed 2017.11.29).

– Guidelines for Discussing Difficult or Controversial Topics. 2016. Centre for Research on Learning and Teaching, University of Michigan, 2016. http://www.crlt.umich.edu/publinks/generalguidelines#identity (accessed 2018.02.20).

– Haanstra, Wessel. (n.a). Discussing Taboos and Controversial Issues: Practical guidelines for youth workers ””, Radicalization Awareness Network, RAN YF&C ISSUE Paper, https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/networks/radicalisation_awareness_network/about-ran/ran-yf-and-c/docs/ran_yf-c_discussing-taboos_controversial_issues_en.pdf (accessed 2018.02.20).

– Jandt, Fred E. 2007. An Introduction to International Communication: Identities in a Global Community. Sage Publications, Inc. Thousand Oaks, London, New Delhi. Fifth Edition.

– Maalouf, Amin. 1996. In the Name of Identity: Violence and the Need to Belong. Arcade Publishing, New York.

– Maaz, Hans-Joachim. 2017. Das falsche Leben: Ursachen und Folgen unserer normopathischen Gesellschaft. 3 Auflage. C.H.Beck Verlag. München.

– Malek, Amy. 2015. Vertrieben, neu verwurzelt, transnational Überlegungen zu Theorie und Praxis von «Iranischsein» außerhalb Irans. In Identität und Exil: Die iranische Diaspora zwischen Gemeinschaft und Differenz. Schriften zur Demokratiea, Band 40. Heinrich Böll Stiftung mit Transparency for Iran.11

– Piacentini, Teresa. 2008. Contesting Identities in Exile: An Exploration of Collective Self-Understanding and Solidarity in Refugee Community Organisations in Glasgow. eSharp, issue 11, Social Engagement, Empowerment and Change. https://www.gla.ac.uk/media/media_81282_en.pdf (accessed 2017.10.20).

– Ropers, Norbert. 2017. Basics of Dialogue Facilitation. Berghof Foundation. Berlin/Tübingen. 2017 https://www.berghof-foundation.org/fileadmin/redaktion/Publications/Other_Resources/Ropers_BasicsofDialogueFacilitation.pdf (accessed 2018.02.20).

– Trompenaars, Fons and Hampden-Turner, Charles. 1997. Riding the Waves of Culture. Nicholas Brealey Publishing, London.

– Turner, John C, et. al. 1992. Personal and Social Identity: Self and Social Context. Paper presented to the Conference on “The Self and the Collective” Department of Psychology, Princeton University, Princeton, NJ, 7-10 May 1992 http://psychology.anu.edu.au/files/Abstracts-Presentations-1-Personal-and-Social-Identity-Self-and-Social-Context-Princeton-1992.pdf (accessed 2017.09.07).

– عبد الله بلعباس. 2013 . “ظاهرة الهجرة عند عبد المالك صياد : من السياق التاریخي إلى النموذج السوسيولوجي” إنسانيات، المجلة الجزائریة في الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية

https://journals.openedition.org/insaniyat/14325 (accessed 2018.05.20)

– عزام أمين. 2016 . “سيكولوجيا المهاجرین: إستراتيجيّات الهُویةّ واستراتيجياتّ التّثاقف: دراسة تحليليةّ نظریةّ” مركز حرمون للدراسات المعاصرة. https://bit.ly/37VpGZg – accessed 2018.05.20

اسم الدراسة الأصليSocial Integration of Syrian Refugees in Germany: Challenges and Approaches
الكاتبعامر كاتبه Amer Katbeh
مكان النشر وتاريخه24 تشرين الأول/ أكتوبر 2020
رابط الدراسةPDF
عدد الكلمات3222
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة

يمكن قراءة الدراسة باللغة الإنكليزية بالضغط على رابط التحميل

You can read the study in English by clicking on the download link.