المحتويات
أولًا: الوضع السياسي في المنطقة والعملية التعليمية
ثالثًا: الهيئات والمؤسسات التربوية التابعة للإدارة الذاتية
رابعًا: المدارس والمعاهد والجامعات التابعة للإدارة الذاتية
خامسًا: المناهج الدراسية في مناطق الإدارة الذاتية
سادسًا: الطلاب في مناطق الإدارة الذاتية وغياب الخيار
مقدمة
من على أسوار أحد منابر العلم بدأت الثورة السورية، عبارات خطتها أنامل غضة لم تتخط عشر سنوات، على جدر مدرستهم في درعا جنوب سورية: (الشعب يريد إسقاط النظام)، لكن تلك الأيادي كُسِرت، وحُوِّل الأطفال إلى جثث مَثّل بها نظام الحكم البعثي الدكتاتوري.
كان ما جرى شرارة لثورة بدأت سلمية قوبلت بفوهات البنادق والمدافع، فتحولت إلى صراع مسلح، وأصبحت سورية ساحة صراع دولي بين مصالح وأجندات متباينة، وعاش السوريون مرارة التشرد والنزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار القريبة والدول البعيدة في مرحلة لاحقة.
طال الدمار وحرب النظام على قطاعات الشعب كافة، وكان قطاع التعليم أحد أهم القطاعات التي أصابها الضرر والعطب، فشهد القطاع انهيارًا غير مسبوق في المناطق السورية كافة بدرجات متفاوتة، ومنها المناطق الشمالية والشمالية الشرقية.
بدأت المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سورية تدار من (الإدارة الذاتية) التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، الذي أعلن سيطرته على هذه المناطق. عُدّت هذه المناطق أول الأمر ملاذًا آمنا لكثير من النازحين الوافدين من باقي المحافظات السورية، الأمر الذي شكل ضغطا سكانيًّا مع تعرض المنطقة لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبدأ الصراع المسلح، ما زاد في نزوح الأهالي من القرى والبلدات التي طالها الصراع باتجاه المناطق الأكثر أمنًا، فخرجت مدارس تلك المناطق من نطاق الخدمة، إضافة إلى سكن العائلات النازحة في المدارس إجراءً إسعافيًا ريثما تُعالَج أوضاعهم، وهو ما كان ضغطًا مضاعفًا على تلك المدارس؛ فبات الصف الواحد يوجد فيه أكثر من 70 طالبًا وطالبة.
أولًا: الوضع السياسي في المنطقة والعملية التعليمية
لا نستطيع بحث الوضع التعليمي في هذه المناطق من دون الاطلاع على الوضع السياسي فيها. فمع بداية الصراع بدأ النظام السوري بالانسحاب بالتدريج من هذه المناطق وإفساح المجال للإدارة الذاتية لإدارة تلك المناطق التي أعلنت إقامة فدرالية وتقسيم المنطقة إلى ثلاث مقاطعات (كانتونات)، هي: 1- مقاطعة الجزيرة وتشمل محافظة الحسكة والقامشلي وتوابعها، 2- مقاطعة عين العرب (كوباني) 3- مقاطعة عفرين. ومن ثم البدء بإنشاء المؤسسات والدوائر والهيئات التابعة لها لتشمل القطاعات كافة، ومنها القطاع التعليمي إلى جانب مؤسسات النظام وهيئاته، فأخذ الصراع بين هاتين الإدارتين لفرض كل منها سيطرته عليها، وفرض مناهجها على القطاع التعليمي يرمي بثقله على الطلاب. أخذت الخلافات المستمرة بين الجهات الحكومية التابعة للنظام وهيئة التربية العائدة إلى الإدارة الذاتية، نتيجة سعي الطرفين للسيطرة على كامل القطاع التعليمي، إلى تنامي مناخات الفوضى التي تهدد حاجات الطلاب ومصيرهم ([1]).
تفاوت هذا الصراع في هذه المناطق، فبالنسبة إلى مقاطعتي عين العرب (كوباني) وعفرين كانت الأمور أكثر سهولة لبسط الإدارة الذاتية سيطرتها عليها في ظل انسحاب قوات النظام شبه الكامل منها، لكن المشكلة الأكبر ظهرت في مقاطعة الجزيرة (الحسكة والقامشلي) نتيجة وجود النظام بقوة في مراكزها الحيوية. ونتيجة لذلك أُغلِقت المدارس فيها أكثر من مرة حين بدأت الإدارة الذاتية بفرض حصص دراسية باللغة الكردية، وكان يُعاد فتح المدارس بالقوة بعض الأحيان، الأمر الذي تكرر واستمر كلما قامت الإدارة الذاتية بزيادة عدد الحصص وصولًا إلى إعداد مناهج دراسية وفرضها.
ولتسوية هذه المشكلات تم عقد اجتماعات ضمت ممثلين من الإدارة الذاتية ومن حكومة النظام للوصول إلى اتفاق لإعادة فتح هذه المدارس، بحيث تدرس هذه المناهج خارج أوقات الدوام، وفتح معاهد خاصة باللغة الكردية، والسماح بتدريس حصص اللغة الكردية للمرحلة الإعدادية تؤخذ من نصاب حصص اللغة العربية والعلوم والتربية الدينية والمعلوماتية. هذا كله من دون اعتراف رسمي من الحكومة بها، الأمر الذي رفضته الإدارة الذاتية، فتابعت إعداد المناهج حتى الصف الثالث الإعدادي (التاسع) وفرضها على أغلب المدارس ([2]).
ونتيجة لذلك أعلنت مديرية التربية في محافظة الحسكة إسقاط ما يزيد على 600 مدرسة من سجلاتها، وهي المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، ما يعني حرمان نحو 90 ألف طالب وطالبة من شهادات معترفة ومصدقة من وزارة التربية السورية وخدمات الدولة ومنظمة اليونسكو([3])، وشهدت الكليات التابعة لجامعة (الفرات) صراعا مسلحا تدخل فيه أطراف عسكرية تابعة للنظام وقوات الحماية الشعبية والأسايش “الشرطة” التابعة للإدارة الذاتية توقف خلاله الدوام والتدريس إلى أن جرى الاتفاق على تسليم الجامعة لقوات الحرس الجامعي واستئناف الدراسة وإجراء الامتحانات النهائية والتكميلية للطلاب([4]). أما بالنسبة إلى المدارس المسيحية والكنسية الخاصة فهي الأخرى رفضت هذه المناهج، فأُغلِقت لمدّة زمنية إلى أن تراجعت الإدارة عن فرض مناهجها عليها شرط ألا يقبل الطلاب الأكراد فيها، ويقارب عدد طلاب هذه المدارس نحو 5000 طالب وطالبة ([5]).
ثانيًا: الخلاف الكردي- الكردي
الخلاف بين الطرفين الكرديين في هذه المناطق كان سببًا آخر في انهيار المنظومة التعليمية، ودق نواقيس الخطر فيها. الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي، ويدّعي أنه يشكل الخط الثالث بعيدًا عن كل من النظام أو المعارضة والمجلس الوطني الكردي Enks المنضوي تحت مظلة الائتلاف السوري المعارض، واختلاف الرؤى والنهج والأهداف القومية والأيديولوجية بين الطرفين، دفع المجلس الوطني ومن خلفه قاعدة جماهيرية كبيرة لرفض هذه الخطوات التي أقدمت عليها الإدارة الذاتية جميعها، بدءًا من الحصص الدراسية وفرض المناهج وإحداث المعاهد والجامعات وقرار إغلاق المعاهد والمدارس الخاصة ومراكز الدورات، ولم تتوانَ عن الاعتصامات والتظاهرات للتنديد بهذه الإجراءات ورفض تهديدها للعملية التعليمية، وعدّ هذه المناهج مسيسة ومؤدلجة وتسعى لنشر أفكار حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا. بل عدّ هذه الخطوة هي الثانية لتفريغ المنطقة من سكانها وتغيير ديموغرافية المنطقة بعد خطوة فرض التجنيد الإلزامي، التي دفعت كثيرًا من الشباب إلى ترك مقاعد الدراسة الثانوية والجامعية والهجرة خارج الوطن خوفًا من اعتقالهم وسوقهم لجبهات لا تخدم سوى سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسعى لبسط سيطرته ونفوذه من دون قبول أي شراكة من أي طرف، وافتراض أن الإدارة الذاتية تقوم بأدلجة المناهج التعليمية كمادة (الأمة الديمقراطية) التي تتبنى فكر (عبد الله أوجلان) زعيم حزب العمال الكردستاني، ودفع العاملين في هذه الهيئات التربوية والتعليمية إلى تبني سياسات الإدارة الذاتية وتوجهاتها، وللتدليل على ذلك فقد شارك أكثر من أربعة آلاف معلم ومعلمة في مقاطعة الجزيرة في التظاهرة المطالبة بحرية زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا([6]).
ثالثًا: الهيئات والمؤسسات التربوية التابعة للإدارة الذاتية
1- هيئات التربية والتعليم
بدأت الإدارة الذاتية ببناء المؤسسات والهيئات في المجالات كافة، ومنها المجال التعليمي، فأحدثت هيئات للتربية والتعليم في المقاطعات الثلاث الخاضعة لإدارتها، وهذه الهيئات بلجانها يقع على عاتقها تحقيق أهداف الهيئة وخططها ويجري اختيار أعضائها بالانتخاب وبحسب الحاجة لنشاط كل لجنة وحاجتها من الكوادر، أما الرئاسة فهي مشتركة من رجل وامرأة تمثلًا لمبدأ المساواة بين الجنسين، وهذه اللجنات هي:
أ- لجنة التوجيه: وتتولى إعداد التعليمات السنوية للمدارس جميعها ومسؤوليتها عن تقدم الطلاب وتفوقهم في الدراسة، وتُقدَّم المقترحات لتعيين المديرين في المدارس، وتطوير المناهج التعليمية وفرز المدرسين والمدرسات بحسب الحاجة، ومتابعة المدرسين وتقويمهم والإشراف على الاختبارات وتطوير طرائق التدريس.
ب- لجنة المالية: وتتولى توثيق المبالغ المالية الصادرة والواردة للهيئة، وتحديد مبلغ التعاون والنشاط الذي يُحصّل من التلاميذ، وتحديد الجزء الخاص بالهيئة، ووضع الميزانية النهائية في نهاية السنة المالية.
ج- لجنة الديوان والأرشفة، وتقسم إلى:
- الديوان: وهو مسؤول عن استلام الصادر والوارد من الشكاوى إلى رئيس الهيئة ولجناتها وإبلاغ القسم المعني وتنظيمه.
- الأرشيف: وهو مسؤول عن أرشفة الوثائق كلها لرئاسة الهيئة، وجمع أرشيف اللجنات جميعها، وأرشيف المديرين والمدرسين والطلاب جميعهم، وترتيبه، بما في ذلك أوراق الأثاث المدرسي وحفظها في سجلات وحواسيب باللغتين الكردية والعربية والاحتفاظ بسيرة ذاتية للعاملين فيها منذ بدء الالتحاق للعمل بالهيئة وحتى تاريخ تركهم.
د- لجنة إدارة الخدمات ومستودع الأثاث واللوازم: تتولى هذه اللجنة تلبية حاجات المدارس من أثاث وقرطاسية وسجلات وخزانات ومقاعد ووسائل تعليمية وكمبيوترات، وتوزيعها على المدارس.
هـ- اللجنة القانونية والرقابية: هذه اللجنة مسؤولة عن الشؤون القانونية لنشاط اللجنات جميعها في الهيئة، بما فيهم الطلاب والمدرسين والمديرين، وتدقق في الشكاوى والمخالفات القادمة من أي جهة. وفي حال الجنايات الكبريات تُحال على المحكمة العليا في المقاطعة وتوضع قوانين هذه اللجنة وفق قوانين المقاطعة، ولا بد لها أن تضم بين أعضائها حقوقيين.
و- لجنة المناهج وتطويرها: تتولى إعداد المصادر التعليمية جميعها، وتصحيحها بالتعاون مع لجنة التوجيه وتدريب المعلمين على المصادر الجديدة للمناهج، وذلك بالاطلاع على تجارب الدول المتماثلة معها.
ز- لجنة الإعلام والعلاقات العامة: وهي المسؤولة عن إعلان فكر النظام التعليمي للأمة الديمقراطية، وإيصاله إلى المجتمع والرأي العام والسعي لتحقيق السمعة الطيبة للهيئة وتدعيم صورتها الذهنية.
ح- لجنة التعليم الخاص: وهي مسؤولة عن المعاهد ومراكز الدورات والمدارس الخاصة، ومنح التراخيص أو إلغائها، ووضع القوانين والأنظمة الخاصة بمنح التراخيص للمعاهد والمدارس الخاصة ومراكز الدورات، وتحديد الحصة المالية للهيئة من هذه المراكز.
ط- لجنة تعليم المراكز والمدارس الخاصة: وتتولى مراقبة المراكز التعليمية والمدارس الخاصة والتأكد من تطبيقها القوانين الناظمة لها.
ي- لجنة الامتحانات: وهي مسؤولة عن وضع نظام الامتحانات النهائية، وتشكيل اللجنات الامتحانية كافة، وتصحيح الأوراق الامتحانية وأرشفتها، وإصدار الشهادات وتصديقها.
2- مؤسسة اللغة الكردية SZK
تتولى هذه المؤسسة تكليف المعلمين بإجراء دورات لتعليم اللغة الكردية لمن يجد القدرة في نفسه على ذلك، وتعليم الملتحقين بهذه الدورات قواعد اللغة الكردية، وتعليمهم القراءة والكتابة فيها، وتتكون من ثلاثة مستويات يُجرى امتحان في نهاية كل مرحلة بصورة جماعية للدورات كافة، ثم تتولى المؤسسة تصحيح الأوراق وتوزيع الشهادات خلال حفل فني.
3- نقابة المعلمين
وهي تعنى بأمور المعلمين التابعين للهيئة، ودراسة أوضاعهم ومشكلاتهم وشكاواهم، وتمنحهم دفترًا للرعاية الصحية بصدد التعاقد مع صيدليات لتغطية جزء من ثمن الأدوية.
تتولى الإدارة الذاتية صرف رواتب العاملين لديها والمعلمين والمعلمات، وتبلغ 500.39 ألف للذين بدؤوا العمل منذ عام 2012 ولغاية 2014، و500.36 ألف للذين التحقوا من عام 2015 ولغاية 2017([7]).
رابعًا: المدارس والمعاهد والجامعات التابعة للإدارة الذاتية
مع بدء سيطرة الإدارة الذاتية على المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سورية، وبناء مؤسساتها وهيئاتها؛ بدأت فرض سيطرتها على العملية التعليمية، فكانت السيطرة على المدارس، وفرض مناهجها شيئا فشيئا، أُغلِقَت المدارس من سلطات النظام، وأعيد فتحها من الإدارة الذاتية بالقوة، وبلغ عدد هذه المدارس ما يزيد على 600 مدرسة في مقاطعة الجزيرة وحدها، وهي في تزايد مستمر، الأمر الذي دفع بسلطات النظام إلى نقل الطلاب ومعلميهم إلى مدارس ما تزال تحت سيطرتها، وتدرس مناهجها.
أما الإدارة الذاتية فما تزال مستمرة في عملها، وقد صُرِّح بخطة العام الدراسي 2017-2018 التي تشمل تجهيز 1950 مدرسة في مقاطعة الجزيرة، وإعداد 17 ألف معلم ومعلمة مؤهلين بدرجة جيدة، والتحاق حوالى 170 ألف طالب وطالبة من المكونات كافة في المنطقة، ودُعِي المعلمون والمعلمات الذين يدرّسون في مدارس النظام للالتحاق بهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية بعد تدريبهم على مناهجها، ثم توزيعهم على المدارس كل بحسب اختصاصه، وبحسب الحاجة، وتتكفل الإدارة بدفع رواتبهم، وتأكيد أن دفع منظمة الأمم المتحدة لرواتبهم أمر غير صحيح([8]).
أما في مقاطعة عين العرب (كوباني)، فقد حُضِّر الكادر التدريسي، وأُهِّلت المدارس التي تضررت، إذ افتتحت 425 مدرسة تستوعب 42689 طالبًا وطالبة، و1942 معلمًا ومعلمة كما الآتي:
- في مدينة كوباني 21 مدرسة، و11169طالبًا وطالبة، و511 معلمًا ومعلمة
- في الخط الغربي 80 مدرسة، و7921 طالبًا وطالبة، و425 مدرسًا ومدرسة.
- في الخط الشرقي 102 مدرسة، و7206 طالبًا وطالبة، و328 مدرسًا ومدرسة
- في الخط الجنوبي 79 مدرسة، و5893 طالبًا وطالبة، و290 مدرسًا ومدرسة.
- في صرين 116 مدرسة، و1500 طالب وطالبة و290 مدرسًا ومدرسة، هذا إضافة إلى طلاب الصف الأول الذين سيلتحقون بالمدرسة في بداية العام الدراسي ([9]).
وفي مقاطعة عفرين تجاوز عدد المدارس 400 مدرسة، وتقدم ما يزيد على 40 ألف طالب وطالبة للامتحانات النهائية وفق مناهج الإدارة الذاتية.
أما المدارس الخاصة، فقد فُرِضت مناهج الإدارة الذاتية عليها أو إنها وضعت مناهج وعرضتها على الإدارة الذاتية لبيان مدى توافقها مع الأيديولوجيا التي تتبناها الإدارة الذاتية، ويبلغ عددها في مقاطعة الجزيرة 20 مدرسة، إضافة إلى وجود عدد من المعاهد في المدن التابعة للمقاطعات الثلاث كافة، التي تتولى إجراء دورات لتعليم اللغة الكردية قراءة وكتابة وقواعدًا ولكافة الأعمار، والتعريف بالأدب الكردي والتاريخ الكردي والتدريب على المناهج الجديدة التي وضعتها الإدارة الذاتية.
واستُحدثت جامعة عفرين في عام 2015، وجامعة روج آفا في مدينة القامشلي في عام 2016، ويضم كل منهما عددًا من الكليات والأقسام كالهندسة والمعلوماتية وعلم النفس والتربية والتاريخ والأدب الكردي ويكون التدريس فيها باللغات الثلاث في المنطقة، وهي الكردية والعربية والسريانية لتراعي مكونات المنطقة جميعها ([10]).
خامسًا: المناهج الدراسية في مناطق الإدارة الذاتية
ألقى الصراع السياسي بظله على العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية التي يشاركها فيها في مناطق كثيرة النظام السوري، ويحاول كل منهما جاهدًا فرض سيطرته على العملية التعليمية، وفرض مناهجه على الطلاب، وتعكس المناهج آراء وأفكارًا وسياسات تسعى الجهتان كلتاهما إلى غرسها في عقول الطلاب، فمناهج النظام التي قامت على تمجيد القائد الأوحد والحزب الواحد ورفع شعارات الاشتراكية والقومية ومقولة الممانعة والمقاومة! وجعل المواد الدراسية كافة تدور في فلك هذه الأفكار، أما بالنسبة إلى المناهج الحديثة التي أُعلِن عن تعديل 50 كتابًا فيها في العام الدراسي الجديد (2018)، وللمراحل الثلاث، ولاقت استهجانًا وانتقادًا شديدين لما فيها من ابتذال واستهتار باللغة العربية، واستبدال بكتاب التاريخ كتابًا يدرس التاريخ ما قبل الديانات السماوية وكذا كتاب العلوم والرياضيات، ويسعى النظام في هذه المناهج لتقديم نفسه حاميًا للبلاد، ومحاربًا للإرهاب والتطرف، اللذين جسدهما بالمعارضة السورية بوصفها مسببًا للحرب والدمار، ويظهر اتجاه لإلغاء مادة التربية الدينية([11]).
تسعى المناهج الخاصة بالإدارة الذاتية لفرض فكر وسياسة محددة من خلال هذه المناهج، وهي تعتمد على ثلاثة أركان وقواعد: أولها الحاجات الأيديولوجية، وثانيها اعتماد اللغة الكردية، والثالث مرتبط بضرورات التغيير وإعادة التأهيل للبنى التعليمية، فقد أوصى المؤتمر الثاني لمؤسسة اللغة الكردية SZK الذي عُقِد في مقاطعة عفرين بترسيخ النظام التعليمي وفق مبادئ الأمة الديمقراطية استنادًا إلى فلسفة (عبد الله أوجلان) بوصفه قائدًا للشعب الكردي، وضرورة تأهيل الكادر التدريسي لنفسه بجهد ذاتي، وإخضاع الأعضاء جميعهم للتدريب الأيديولوجي والثقافي والمسلكي، وضرورة عمل الهيئة على البدء بالتعليم رسميًا خلال العامين 2015/2016([12]).
وترى الإدارة ضرورة تغيير المناهج لتواكب التغيرات في الساحة السياسية في المنطقة بما يتوافق مع تطلعات مكونات المجتمع كلها على أساس التعددية في اللغة والفكر.
وتدّعي الإدارة الذاتية أن مناهجها تختلف عن المناهج القديمة (مناهج النظام)، إذ إنها وضعت على أساس الاختلاف في الأعراق من دون تهميش أي مكون على حساب المكون الآخر.
شملت المناهج الجديدة التي وضعتها الإدارة الذاتية المرحلتين الابتدائية والإعدادية بصورة كاملة، والتحضير للمرحلة الثانوية للعام الدراسي المقبل، لتصبح بذلك المراحل التعليمية كافة تخضع لمناهج الإدارة الذاتية. وهي تتناول:
الصفوف الثلاثة الأولى
- يجري البدء بتدريس اللغة الكردية إضافة إلى مادة الأخلاق والمجتمع، ويبرر القائمون على هذه المناهج والعملية التعليمية الاقتصار على تعليم اللغة الكردية فحسب بترسيخ اللغة الأم في ذهن الطلاب من دون التأثر بأي لغة أخرى، ودروس نظرية لباقي المواد في الصف الأول، وتتضمن مادة الأخلاق والمجتمع الحياة الاجتماعية المحيطة بالطالب بدءًا من شخصية الطالب (أخلاقه، نظافته، تعاملاته مع الآخرين) مرورًا بالأسرة، الحي، المدرسة.
- أما مادة التربية الإسلامية فتعطى نظريًا من دون وجود كتاب محدد له، ويُدرَس إعداد كتاب التربية الدينية ليشمل دراسة الديانات الثلاث في المنطقة، وهي (الإسلامية، المسيحية، الزردشتية)، والتعريف بها، وتعطى للمكونات كلها في المنطقة.
- اللغة الإنكليزية يبدأ تدريسها في الصف الرابع بعد أن يكون الطالب قد تمكن استيعاب لغته الأم، وتُدَرَّس إلى جانب اللغة الكردية في المدارس التي يكون طلابها من المكون الكردي معظمهم، وإلى جانب اللغتين العربية والسريانية، أما التي يكون طلابها خليط من المكونات الثلاثة، ففيها يتعلم كل طالب إضافة إلى لغته الأم ثلاث لغات أخرى بحسب مكونات المنطقة، ذلك كله وفق مناهج معدة من الإدارة الذاتية.
- مادة الأخلاق والمجتمع تدرس للمراحل كافة، وبصورة متدرجة في الطرح، تتناول الحياة الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية بين مكونات وحلقات المجتمع، وعلاقات أفراد الأسرة بعضهم ببعض، ودور كل من (الأب، الأم والأولاد)، وزرع الأخلاق والقيم.
- مادة التاريخ تدرس للصفوف كافة، وبمعلومات متدرجة تزداد اتساعًا وشمولًا كلما تدرجنا في الصفوف، وتتناول تاريخ شعوب المنطقة ومكوناتها وحوادثها التاريخية.
- مادة الجغرافية تدرس جغرافية منطقة الهلال الخصيب وكردستان الكبرى (بين تركيا وإيران وسورية والعراق)، وتزداد اتساعا لدراسة المناطق الإقليمية بمظاهرها الطبيعية والبشرية والمناخية كافة. وقد وُضِعت المادتان استنادًا إلى أبحاث ودراسات وأوابد أثرية تؤكد حقيقية هذه المنطقة التاريخية وتثبتها، بحسب ما تدّعي مناهج هذه الإدارة.
- مادة الأمة الديمقراطية التي تدرس في المرحلة الجامعية وهي تنبع من فكر (عبد الله أوجلان) زعيم حزب العمال الكردستاني.
سادسًا: الطلاب في مناطق الإدارة الذاتية وغياب الخيار
نتيجة طبيعية لما سبق من صراعات سياسية في منطقة الإدارة الذاتية، سواء بين كل من الإدارة الذاتية وسلطات النظام أم بين الطرفين الكرديين في المنطقة، فقد كان المتضرر الأكبر الجيل الواسع من طلاب هذه المناطق، فسعي كل من الإدارتين إلى فرض مناهجها، والسيطرة على العملية التعليمية، زادا الوضع سوءًا. فإغلاق المدارس بداية مرات عدة، وإعادة فتحها، حرم الطلاب من متابعة الدراسة بصورة سوية، إضافة إلى صعوبات أخرى يعانيها الطالب هنا، ومنها:
1- التدريس باللغة الكردية قراءة وكتابة، ويجد الطالب صعوبة في تعلمها نتيجة سياسة التعليم باللغة العربية وحدها خلال العقود السابقة، وحرمان سكان المنطقة من تعلم لغتهم الأم. فقد كان يمنع التحدث باللغة الكردية في المدارس والجامعات وأماكن العمل الإدارية، ومن ثَم صعوبة متابعة الأهل أيضا لمتابعة تعليم أطفالهم في المنازل.
2- غياب الرضى عن الكوادر التدريسية في هيئات الإدارة الذاتية، وهي معظمها كوادر جرى تعليمها بعض قواعد اللغة الكردية والقراءة والكتابة باللغة الكردية أشهرًا عدة، ثم أُقحِموا في العملية التعليمية مع متابعة تأهيلهم وتدريبهم على المناهج الجديدة، وهم معظمهم لم يكملوا دراستهم الثانوية على الرغم من وجود بعض الكوادر ذوي التحصيل الجامعي بينهم.
3- محاولة تسييس هذه المناهج وأدلجتها، الأمر الذي رفضته أطراف كردية كانت تحلم يومًا أن تدرس بلغتها الأم فرفضوا هذه المناهج، وفضلوا ألا يرسلوا الأطفال إلى هذه المدارس والهجرة.
4- غياب الاعتراف الرسمي من حكومة النظام أو أي جهة إقليمية أو دولية أو هيئة الأمم المتحدة بشهادة المناهج التعليمية للإدارة الذاتية، وهو ما يعد أحد أهم المعوقات للالتحاق بهذه المدارس.
5- ونتيجة طبيعية لغياب الاعتراف بهذه المدارس ومناهجها، فلا يستطيع الطالب فيها متابعة دراسته الجامعية في الجامعات السورية، ولا بد من ارتياد الجامعات التي استحدثتها الإدارة الذاتية وهي الأخرى ذات إمكانات علمية ضعيفة وغير معترف بها. فالطالب هنا أمام خيار معدوم، فهو إما سيبقى مستمرًا في دراسة مناهج الإدارة الذاتية بكوادرها غير المؤهلة ومناهجها المؤدلجة، وغياب أي اعتراف رسمي بها، ويخوض الطالب مصيرًا مجهولًا نحو مستقبله ومتابعة تعليمه الجامعي، والحصول على وثائق قانونية ومصدقة، أو عليه متابعة دراسته وفق مناهج النظام السوري على الرغم من أنه لا يقبل، فهي ترسخ المحور القومي الأحادي، وتنكر باقي مكونات الشعب، وتقدس السلطة الحاكمة وزعمائها التي عانى على يديها الشعب الكردي كثيرًا من القمع والاضطهاد والتهميش.
وإذا اختار مناهج النظام فهنالك أيضًا صعوبات أخرى تواجهه، منها:
1- نتيجة قلة المدارس المتبقية تحت سلطة النظام، وعدم رغبة الأهالي في إرسال أطفالهم إلى مدارس الإدارة الذاتية، ازداد الضغط على هذه المدارس، فبلغ عدد الطلاب في كل صف ما يزيد على 70 طالبًا وطالبة بدوام جزئي، إذ يُستَقبَل الطلاب وفق ثلاث وجبات دراسية متتابعة.
2- نتيجة الضغط على المدارس والدوام الجزئي، تغيب الحصص الترفيهية والنشاط، وباتت عملية التعليم تقوم على التلقين وحشو المعلومات من دون وجود تفاعل وتشارك من الطلاب نتيجة الأعداد الضخمة في الصف الواحد.
3- بُعد هذه المدارس عن أماكن إقامة التلاميذ يعد صعوبة للالتحاق بالدوام إلا بسيارات خاصة لنقلهم، الأمر الذي يثقل كاهل الأهل المنهكين اقتصاديًا نتيجة الأوضاع السائدة.
4- متابعة الدراسة في معاهد الدولة وجامعاتها هي الأخرى محفوفة بالأخطار نتيجة الأوضاع الأمنية السائدة في باقي المناطق وصعوبة الوصول إلى الجامعات إلا عن طريق الطيران، إذ يجد الطالب صعوبة في تحصيل تذكرة سفر، إضافة إلى أسعارها الباهظة فهي تقارب راتب شهر لموظف في الدولة.
هذه الصعوبات يواجهها المعلمون أيضًا، فقد باتت هذه المدارس بعيدة عن سكنهم، وتكلف كثيرًا أجرة المواصلات للوصول إليها، ثم إن الأعداد الضخمة للطلاب في الصف الواحد له انعكاساته في قدرة المعلم على التعامل والعطاء بالصورة المثلى، علاوة على الإرهاق البدني والنفسي الذي يؤثر سلبًا في الجميع.
على الرغم من ذلك يختار معظمهم البقاء في السلك التربوي للنظام، ورفض قبول طلب الإدارة الذاتية للانضمام إليها خشية أن تكون هذه الهيئات حالة طارئة وقد ينتهي وجودها في أي وقت، فيكونون بذلك خسروا وظائفهم في الدولة، أو لأن ما تقوم به الإدارة الذاتية ومناهجها وسياساتها لا يتوافق مع قناعات كثير منهم.
أما معلمو الإدارة الذاتية فهم أفضل حالًا نتيجة سعي الإدارة لتقديم الأفضل لترسيخ فكرة أفضليتها، فكثير من هؤلاء المعلمين والمعلمات حاصلون على الشهادة الإعدادية أو الثانوية، ويتحولون من خلال دورات تأهيلية عدة إلى معلمين في الإدارة، ويتقاضون رواتب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهو أمر مهم بالنسبة إليهم، إضافة إلى أن كثيرًا من الذين أتموا دراستهم في المعاهد والجامعات الحكومية، ولم يحظوا بفرص للعمل في الدولة يعدّونها فرصة للعمل والاندماج في المجتمع، وقد عُيِّن معظمهم في المدارس المجاورة لسكنهم أو نُقِلوا إلى المدارس البعيدة على نفقة الإدارة الذاتية([13]).
خاتمة
من خلال دراسة ما سبق في الوضع التعليمي في المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية، يمكن وضع جملة من الحلول، حتى ولو كانت موقتة، ريثما يستقر حال المنطقة نهائيًا برضا الأطراف جميعها. وهذا ما يكفل إنقاذ العملية التعليمية، وهذه الحلول يمكن أن تكون الآتية:
1- اعتراف النظام السوري بهذه المناهج ومدارسها التي باتت أمرًا واقعًا، وإضفاء الشرعية عليها.
2- إيجاد تسوية بين الطرفين الكرديين في المنطقة، وقبول الإدارة الذاتية بالطرف الثاني شريكًا، والتعاون في المجالات كافة، ووضع مناهج لا تخدم سياسة جهة معينة، ولا تهمش طرفًا، ولا تمجد حزبًا أو زعيمًا، بحيث تكون ملائمة للمكونات كلها، قائمة على التحليل والتركيب وإعمال العقل بعيدًا عن التسييس والأدلجة، وبذلك تكون هذه الأطراف الشريكة قادرة على رفد المنظومة التعليمية بكوادر على درجة عالية من التعليم والتأهيل.
3- إعداد مناهج تلائم التغيرات والاختلافات بين مكونات المنطقة، تحفظ حقوقها الثقافية وبإشراف منظمة الأمم المتحدة. ومن ثم القبول بهذه المناهج والاعتراف بها، ما يعيد الحالة الطبيعية إلى المدارس جميعها من حيث العدد ومستويات التعليم والحد من التسرب الدراسي والهجرة بحثًا عن مستقبل وغد أفضل.
([1]) «مديرية التربية تنقل امتحانات الشهادة الثانوية الى مدينة الحسكة»، موقع يكيتي ميديا
([2]) بدأ العام الدراسي في شمال سورية بتفاهمات بين الإدارة الذاتية والدولة ومنهاج كردي متطور في المدراس، موقع صدى سورية،
([3]) كنان سطان، «مصير أسود ينتظر الطلاب السوريين في مناطق الميليشيات الكردية»، موقع بلدي نيوز،
([4]) «رئاسة جامعة الفرات في الحسكة تعلن استئناف الدوام تمهيداً للامتحانات التكميليلة، قهرمان مستي»، موقع آرا نيوز،
([5]) «الأسايش تفض مظاهرة منددة بالمناهج الدراسية الجديدة»، شبكة صوت الكرد،
http://www.dengekurda.net/?p=10785
([6])«هيئة التربية والتعليم في مقاطعة الجزيرة»،
([7]) موقع هيئة التربية والتعليم، مقاطعة عفرين،
http://cantonafrin.com/ar/pages/The%20Education%20Commission.html
([8]) موقع هيئة التربية والتعليم لمقاطعة الجزيرة،
([9]) موقع هيئة التربية والتعليم مقاطعة كوباني،
http://www.cantonakobane.org/?cat=19
([10])«صراع المناهج في سورية»، العربية نت،
www.alarabiya.net
([11]) «المناهج في سوريا تخوض حروبا عن ٣جيوش»، موقع العربية نت.
([12]) الكونفرانس الثاني لمؤسسة اللغة الكردية وتحديد نظام التعليم في مقاطعة عفرين،
([13]) «أكراد سوريا يغامرون بافتتاح جامعة عفرين ويتأمّلون باعتراف دوليّ مستقبلاً»،