ورقة عمل مقدمة في ورشة عمل مركز حرمون
حول المفاوضات والمرحلة الانتقالية في 27 و28 تموز/ يوليو 2016 بالدوحة
يقول “أديب معوّض” وهو كاتب لبناني في كتابه “الأكراد في سوريا ولبنان عام1945”: الأكراد أحفاد الميتانيين والميديين الذين سكنوا المنطقة منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وينحدرون من أصل هندو أوروبي، ويتحدّث عن الشخصيات الكردية البارزة في سورية، فيذكر أسماء إبراهيم هنانو، عبدالرحمن باشا، محمد كرد علي،خيرالدين الزركلي، مصطفى بك برمده من حارم، ثم يقول: وفي الأماكن التي نحن في صددها بين الألفين والألف وثمانمئة قرية جميعها كردية، تتخللها بعض القرى والمزارع غير الكُردية (ص٢٥) ثم يستكمل قائلًا: وهذا العدد الكبير من الأماكن المأهولة حيث تنتهي غربًا فروع جبل الأكراد المسمى كرداغ، حتى قضاء الجزيرة الفراتية الشرقي، أما القرى فإن أكثر من ألف في الجزيرة وحدها ونحو ثلاثمائة وخمسين في أراب بينار(كوباني) وثلاثمئة وتسعين في كرداغ.
لقد عانى الشعب الكردي في سورية من اضطهاد مزدوج؛ اضطهاد وطني تشارك فيه جميع السوريين، واضطهاد قومي من خلال جملة من السياسات الشوفينية التي استهدفت الوجود القومي الكردي كمكوّن أصيل من مكونات المجتمع السوري، وقد أكدت الأحداث أن الهدف من تلك السياسات لم تكن لتدعيم المكون العربي وتعزيز وجوده، بل الهدف هو إحداث انقسام في بنية المجتمع السوري، وخلق أعداء وهميين في الداخل وكذلك خلق حالة من الريبة والقلق لدى المكون العربي من نوايا الكرد، وبغية ترسيخ سياساته الدكتاتورية وقبضته الأمنية على الشعب السوري، وتمرير أجنداته السلطوية على حساب مصالح الوطن ووحدته الوطنية.
لقد خاص الشعب الكردي وحركته الوطنية نضالًا طويلًا ومريرًا ضد النظام الدكتاتوري، وكانت الشعارات الرئيسة للحركة بمجملها الديمقراطية لسورية والحقوق القومية للكرد.
ولم تخلُ سجون النظام في أي وقت من المناضلين الكرد، وقد تُوّجت تلك النضالات بالانتفاضة الكردية في 12 آذار/ مارس عام 2004.
حيث نجح الكرد في السيطرة على معظم مؤسسات الدولة، ومعظم مقرات الشرطة وحزب البعث والأجهزة الأمنية في كل من محافظة الحسكة وعفرين وكوباني، إلا أن تلك الانتفاضة باءت بالفشل بسبب القمع المفرط الذي مارسه النظام بحق المنتفضين من جهة، وبقاء تلك الانتفاضة معزولة من جهةٍ أخرى، حيث لم يشارك فيه بقية السوريين إلا أنّ فشل تلك الانتفاضة لم تخلق انتكاسة في نضال الكرد ضد الدكتاتورية، بل استمرّت الحركة الوطنية الكردية في الاعتصامات والمظاهرات المناوئة للسلطة، في مختلف المناطق بما فيها العاصمة دمشق، وكذلك عززت الحركة الوطنية الكردية من علاقاتها مع الحركة الوطنية السورية.
حتى اندلعت الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 فكان الكرد من أوائل الذين انخرطوا فيها حيث اندلعت أول مظاهرة في عامودا تضامنًا مع درعا في 18 آذار/ مارس 2011، ثم ما لبثت أن شملت المظاهرات جميع المدن والبلدات الكردية، وكان الشعار المركزي للثائرين الكرد -الشعب السوري واحد- وقد باءت جميع محاولات النظام الساعية لتحييد الكرد عن الثورة بالفشل، سواء من خلال الترغيب بمنح بعض الامتيازات للكرد أو من خلال الترهيب والعنف، بل صمم الكرد على المضي قُدُمًا في الثورة ضد النظام ورفض مسؤولي الحركة الكردية الحوار المنفرد مع النظام، على الرغم من الدعوات التي وُجِّهت إليهم من رأس النظام، والوعود السخية التي رافقت تلك الدعوات، مما دفع النظام بالاستنجاد بالاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د حيث لملم جميع الكرد الموالين له ودفعهم للانضمام للـ ب ي د بوسائل وطرائق شتى، وكذلك سلم معظم المناطق الكردية له ليحكمها بالوكالة والتفويض عنه، وأمدّه بالسلاح اللازم لقمع المظاهرات الكردية، وفرض سيطرته على المناطق الكردية، إن جميع ممارسات الـ ب ي د تؤكد أنه يقوم بمهمّتين أساسيتين بتكليف وتفويض من النظام وهما:
١- منع الشعب الكردي من المشاركة في الثورة السورية، والعمل على تدجينه، وإلحاقه بركب النظام.
٢- العمل على خلق صراع كردي عربي من خلال ممارساته القمعية ضد المكون العربي في سوريا، وعلى الرغم من القمع المفرط الذي مارسه الـ ب ي د بحق الشعب الكردي وحركته السياسية ونشطائه الشباب، من عمليات اعتقال وخطف وقتل ومجازر، والتحكم في قُوتِهم اليوميّ، ونجاحه في السيطرة بقوة القمع بمنع المظاهرات أو تحجيمها إلى حدّ كبير، إلّا أنه فشل في تحييد الكرد عن الثورة، بل بقيت حركته الوطنية، والتي يجسد المجلس الوطني الكردي أغلبيتها ملتزمًا، مبادئ الثورة وأهدافها، ومنخرطًا فيه إلى جانب جميع قوى الثورة والمعارضة وضمن الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، وكذلك ضمن الهينة العليا للمفاوضات والمكاتب المنبثقة عنها.
إن المجلس الوطني الكردي وهو يمثل حالة قومية كردية ووطنية سورية بامتياز سواء من خلال سياساته أم ممارساته أو تحالفاته مع قوى الثورة والمعارضة، أو من خلال برنامجه الوطني الواضح والشفاف، والذي ينطلق من أساس وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، فإنه يرى أن الدولة الاتحادية هي أفضل صيغة لسورية المستقبل، التي تحافظ على وحدة سورية وتوفّر حقوق مكوناتها، وكذلك فصل الدين عن الدولة، فهو الضمانة الدستورية لتحقيق المساواة بين المواطنين كافة، ويمكن تلخيص رؤية المجلس باختصار كالتالي:
١ -حماية وحدة سورية وسلامة أراضيها وسيادتها واستقلالها الوطني.
٢- سورية دولة متعددة القوميات والأديان والثقافات ويلتزم دستورها المواثيق والعهود الدولية.
٣- ترسيخ البعد الوطني لسورية على المستويات كافّة، وإطلاق اسم وطني عليها (الجمهورية السورية).
٤- عدّ القضية الكردية في سورية قضية وطنية، وضمان الحقوق القومية والثقافية واللغوية لهم دستوريًا.
٥- إعادة الجنسية لجميع الكرد السوريين الذين جُرّدوا منها بموجب الإحصاء الاستثنائي الذي جرى في محافظة الحسكة عام 1962، وإلغاء جميع الآثار المترتبة عليها، بمن فيهم المكتومين وتسجيل الولادات الجديدة التي لم تسجل رسميًا.
٦- إلغاء جميع القرارات والمراسيم والإجراءات الاستثنائية والتعسفية التي طُبّقت بحق الشعب الكردي، ومعالجة آثارها وتداعياتها وتعويض المتضررين، وإعادة الاوضاع لما قبل تطبيق تلك السياسات.
٧- الدولة الاتحادية هي الضمانة لحماية وحدة سورية، وتوفير أقصى درجات الخصوصية لمكوناتها، وتجنب حصول أيّ صراع محتمل بين مكوناتها.
٨- فصل الدين عن الدولة والحياد الإيجابي للدولة عن المكونات والأديان كافة.
المجلس الوطني الكردي يطرح برنامجه هذا بوضوح على طاولة حوار وطني سوري سوري، تفضي إلى توافقات وطنية سورية حول مستقبل سورية وشكل الدولة وطبيعة الحكم والنظام، ولا يمكن للمجلس أن يفكّر حتى لو امتلك الوسائل اللازمة من فرض أمر واقع محدد بمعزل عن إرادة السوريين، منطلقًا من قناعة راسخة؛ من أن الحلول التي تأتي عن طريق الحوار والتوافق هي التي يكتب لها النجاح والديمومة وتوفر سبل ووسائل تطبيقها.
أما الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د والذي يمثل حالة غريبة عن المجتمعين الكردي والسوري، وفي الوقت الذي نقر فيه بدوره في محاربة التنظيم الإرهابي داعش؛ إلا أن الدعم الذي يتلقاه لو منح للمجلس الوطني الكردي أو الجيش الحر لحقق نجاحات في محاربة الإرهاب بما لا يقارن، ولكن محاربة الـ ب ي د لداعش لا يمنحه الشرعية لجميع ممارساته وانتهاكاته بحق الكرد والسوريين، ولسياساته وأجنداته اللاوطنية، حيث لا يمكن الركون لسياسات الـ ب ي د، لأن إرادته وقراراته ليست في يد الكرد السوريين، وليس له أجندة كردية ولا سورية، إنما أجندات إقليمية ودولية. لذلك؛ فإنّ كل السيناريوهات مطروحة، فيما يتعلق بممارساته الحالية والمستقبلية، وذلك مرهون بأجندات داعميه.
بدءًا من إمكانية إلقاء السلاح، وعودة قياداته الفعلية من حيث أتوا، إلى إمكانية فرض تقسيم عملي لسورية، مرورًا بالقيام بدور مماثل لدور حزب الله اللبناني، من خلال احتفاظه بسلاحه بعد رحيل النظام، والعمل على عرقلة جميع المشاريع الوطنية.
السبيل الرئيس لمواجهة سياسات الـ ب ي د، وهزيمة مشاريعه ومشاريع داعميه، يكون من خلال دعم الصوت الوطني الكردي ودعم الحركة الوطنية الكردية، والتي يجسد المجلس أغلبيتها، من خلال دعم وطني وإقليمي ودولي من أصدقاء الشعب السوري، لتعزيز مكانة المجلس وسحب البساط من تحت أقدام الـ ب ي د، وتعزيز الوحدة الوطنية السورية.
ومن أجل إنجاح ذلك ينبغي على المعارضة الوطنية زيادة دعمها للمجلس، والانفتاح على القضية الكردية بعمق وشفافية، وفي هذا الصدد لا بدّ من الإشارة إلى الوثيقة الموقعة بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف، ومسودة الإطار التنفيذي الذي أقرته الهينة العليا للمفاوضات بشكل مبدئي في اجتماعها الأخير في الرياض في15-18 تموز/ يوليو عام 2016.
والتي تعدّ وثائق متطورة نسبيًا، وتنصبّ في الاتجاه الصحيح، وما قام به الائتلاف في منتصف تموز/ يوليو 2016 من خلال ورشة عمل حول الملف الكردي والفدرالية يُعدّ خطوة نوعية في الاتجاه الصحيح بغض النظر عن مخرجاتها.
الخطوة الأولى الرئيسي في اتجاه تعزيز دور المجلس، وإضعاف دور الـ ب ي د، وهزيمة مشاريعه ومشاريع داعميه، تبدأ بمناقشة رؤية المجلس الوطني الكردي من خلال حوار وطني معمق وشفاف لا إدارة الظهر لها ورفض مناقشتها.
إن إزالة ما تبقى من حالة القلق لدى الكرد والشك لدى السوريين يتطلب حوارًا أكثر نضجًا، وأكثر عمقًا تحت خيمة الوطن الواحد، على مبدأ سورية دولة واحدة حرة مستقلة ذات سيادة متعددة القوميات.
إذا تشكل لدى المعارضة قناعة بأن تعزيز دور المجلس الوطني الكردي، هو الوسيلة الرئيسية لهزيمة سياسات ومشاريع الـ ب ي د، فإن هذه القناعة يجب أن تُترجم إلى ممارسات عملية، لا أن تبقى في إطار التنظير والتحليل.