المحتويات
مقدمة
أولًا: الإطار المنهجي للدراسة
1- مشكلة الدراسة
2- أهداف الدراسة
3- أهمية الدراسة
4- منهجية الدراسة
5- مفهومات الدراسة الأساس
ثانيًا: منهج الاستقراء (القوة والضعف)
ثالثًا: (الربيع العربي) وسقوط أحجار الدومينو (خلل في الفهم)
رابعًا: الحال الليبية (شُبهة محاولة النسخ واللصق)
خامسًا: هيئة التنسيق والمجلس الوطني (رفض حدوث ما لن يحدث)
المثال الأول
المثال الثاني
سادسًا: الحال اليمنية (استجداء المبادرة)
سابعًا: خلط الاحتمال باليقين
ثامنًا: السرنمة وغياب الاتساق
(حركة نحو المجهول)
تاسعًا: العقل مكان التجريب
عاشرًا: خاتمة
قائمة المراجع
مقدمة
تحاول هذه الدراسة نقد منطق تفكير المعارضة السياسية في سورية عمومًا، وتحاول -تحديدًا- أن تتلمس ما نرى أنه أحد أنماط التفكير العام المهيمن في مقاربات المعارضة، وهو النمط الاستقرائي. تطرح الدراسة بالاستناد إلى الملاحظة المكثفة والربط والتحليل أن غلبة النمط الاستقرائي في فكر المعارضة السياسية السورية هي من أهم العوامل التي تقبع خلف ممارساتها وخطابها السياسي، وتطرح أن هذا النمط كان_ومازال_من أهم العوامل المسهمة في كثير من الإخفاق والفشل السياسي في ست سنوات منصرمة. ولكي نبدأ بمناقشة هذا الطرح نجد من الضروري تثبيت الموضوعات الآتية التي نقبل بها قضايا صحيحة مرتبة بدءًا بأهمها بحسب تقديراتنا الشخصية:
أولًا: تواجه المعارضة نظامًا عصبوي البنية، لا قيمة تذكر للجانب الأخلاقي أو الإنساني في تحديد وسائله وغاياته. وهذا ما يحتم على الناقد الحذر في نقده لمن تقدم لممارسة العمل السياسي المعارض، هو الحذر الذي تمليه المحمولات الأخلاقية لكلمة (معارضة) في سورية التي أراد لها النظام لها أن تكون (سورية الأسد) إلى الأبد. وبتقديرنا ليس من الصواب الفصل في الحال السورية اليوم بين هذه القيمة الأخلاقية والقيمة العلمية والفكرية والسياسية. ففي هذه اللحظات من التاريخ يجب أن يبقى سؤال الأخلاق مترادفًا مع أسئلة العقل والمنطق والفكر الإنساني، لما تملك هذه اللحظات من أهمية تاريخية في إعادة صوغ المفهومات الأخلاقية، ورد القيمة لأهميتها، بعد أن شهدت البلاد _والإنسانية جمعاء_نتائج نقصها. ولكن هذا الحذر الضروري في النقد لا يلغي النقد أو يقلل من أهميته؛ بل إن الحذرَ يعقلن النقدَ، فهو يبقي غايته الأساس نصب العينين طوال الوقت؛ ومضمونها التطوير والبناء لا الشماتة أو التعالي أو الهدم.
ثانيًا: طريق الثورة السورية طويلة وشاقة، وخصوصًا في شقه السياسي، والجزء الذي قطعه السوريون فيه ليس أطول ممّا عليهم مستقبلًا أن يقطعوا. هذا ما يضع البناء الفكري والاستراتيجي في أولويات العدة اللازمة للمضيّ قدمًا في مشروع الثورة التحرري، ويتطلب ذلك بالضرورة جهدًا كبيرًا، لتحديد المثالب والأخطاء الفكرية التي تتسبب في أخطاء سياسية يمكن تفاديها، وتداركها.
ثالثًا: يمكن أن نحكم أن الخطاب والسلوك السياسيين للمعارضة السورية قد تميز بغياب الاتساق، وغياب الاتساق كان سمة ملازمة له منذ بداية الثورة حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ويمكن أيضًا أن نتوقع استمراريةً في غياب الاتساق، إّلا إذا طرأ تغيُّرٌ بنيوي في نمط الفكر الناظم للعملية السياسية، يعكس ماهيته ومضمونه ونجاعته في صوغ المواقف والخطابات والأداء السياسي عمومًا. ليس هذا الحكم في تقديرنا حكمًا تحليليًّا أو استنتاجيًا بقدر ما هو حكم توصيفي لا أكثر.
رابعًا: درج استخدام مفهوم المعارضة السورية للتعبير عن الأفراد، والهيئات، والتجمعات، والأحزاب، والمجتمعات الفرعية كافة التي اتخذت موقفًا معارضًا للنظام السوري، وكانت في صف الثورة. لذلك من الضروري القول بأن المعارضة كلمة فضفاضة تتضمّن أطيافًا متنوعة تنتمي إلى مشارب فكرية عدة.
بعد الثورة أصبح من الممكن _والمنطقي_ أن يصدر عن هذه الأطياف سلوك وخطاب سياسي مشترك. وأتاحت لها الثورة تكوين ائتلافات وتحالفات وهيئات وتجمعات تضم أكثر من طيف سياسي وفكري، تشترك في مجموعة من الأهداف أو بهدفٍ واحد على الأقل هو إسقاط النظام. لذلك من البدهي أن تتضمن هذه التحالفات أنماط تفكير مختلفة، تتفق أحيانًا، وتصطدم أحيانًا، أو يمكن أن تتنافر أو حتى تتصارع. ولكن أيضًا يمكن أن نجد مشتركات كثيرة، وخصوصًا تلك التي تتعلق بمنهجية التفكير والمقاربة، وطريقة تكوين الفهم العام للوضع الراهن، ومن ثمّ طريقة التعامل معه.
خامسًا: ليس الغرض من تقويم الماضي إلّا استهداف مستقبل أفضل منه، وتفادي تكرار الوقوع في المشكلات التي تحمل الطابع نفسه. ولكي يستقيم هذا الهدف يجب التركيز على تغيير نمط التفكير وتطويره في استمرار، وخصوصًا أن المعارضة اليوم عليها أن تستعد لعملٍ كبير في الأيام المقبلة، وعليها تشكيل الخطاب، والمهارة اللائمة للتعامل مع اللحظة الحساسة في التاريخ المعاصر الذي نشهده اليوم.
ننظر إلى النقاط السابقة بوصفها قضايا صحيحة، وذلك اعتمادًا على منطق الملاحظة والربط والتحليل والتوصيف الموضوعي. ونطرح التساؤلات الأولية الآتية: ما المشترك في (نمط التفكير المعارض) الذي يجعل المعارضة ضعيفة وهزيلة بالمعنى السياسي؟ ما الذي يجب أن يتغير في منهجية التفكير لكي تقترب المعارضة من فهمٍ أعمق _ومن ثمّ توقع أدق وأشمل_ للسيناريوهات والاحتمالات المستقبلية بالصورة التي تنعكس إيجابًا في أدائها السياسي والتفاوضي؟.