مضت 53 سنة على احتلال “إسرائيل” لأرض الجولان السوري، ولم تستطع خلالها محو الآثار والأسرار والثروات الضخمة والهائلة التي تدلّ على الوجود السوري في الجولان السوري المحتل: المواقع والمباني، وحقول الألغام، والتحصينات العسكرية، والبرك والينابيع، والسهول والتلال الكبيرة، المنتشرة على طول الجولان وعرضه، حيث إن هذا الميراث لا زال جزءًا من الهوية السورية، وهو يحتوي على مخزون هائل جدًا من الإمكانات والقدرات، التي كانت تربض على قلوب الإسرائيليين في المستوطنات الشمالية، وهددت وجودها وتطورها وأمنها وسلامتها واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي، وقد عبّرت عن ذلك إحدى اللافتات التحريضية والدعائية المعلقة في موقع تل الفخار، وانعكس هذا الشعور في الأدب والأغاني العبرية، خاصة بعد الانتصار السريع على ثلاث دول عربية، واحتلال مزيد من الأراضي التي تعدّها “إسرائيل” جزءًا من الحلم الصهيوني.
ضُمّ الجولان إلى “إسرائيل” رسميًا عام 1981، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من “دولة إسرائيل”، يعيش فيه عشرات الآلاف من الإسرائيليين (46 ألف نسمة من اليهود) ومن السكان السوريين الدروز، يشكلون ربع مجموع السكان قبل 50 سنة، ورثوا البقايا القليلة التي تركها الوحش السوري التي يعدّها كثير من الإسرائيليين أسرارًا عجيبة، إلا أنهم يتجاهلونها وكأنها غير موجودة، لما تحمله من ذكريات موجعة، وأحيانًا يُبرزونها ويستغلونها، لإثبات “الحق الإسرائيلي” في الجولان، بحسب الصحفي الإسرائيلي المختص بالقضايا السياحية موشيه غلعاد.
لغز الألغام الأرضية
يقال إن الذين يعيشون بالقرب من البحر يتوقفون في بعض الأحيان عن سماع ضجيج الأمواج. وحقول الألغام في مرتفعات الجولان السورية هي كالبحر، بشكل غريب يتناسى الإسرائيليون أن هناك ألغامًا بالقرب منهم، يعيشون في محيطها وقربها، قسم منها منذ العهد السوري، والباقي منذ الاحتلال الإسرائيلي، وجميعها أصبحت قديمة جدًا، وكلها مدفونة تحت الأرض. ويحتوي الجولان على أكثر من مليوني لغم مضاد للأشخاص والآليات، تنتشر في ألفي حقل ألغام، حصدت حياة أكثر من 200 مواطن سوري وأصابت نحو 500 شخص من قرى وبلدات محافظة القنيطرة، منذ العام 1973. إضافة إلى حوالي 19 شهيدًا، و100 مصاب من أبناء الجولان السوري المحتل، وعدد من المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، فضلًا على مقتل عشرات رؤوس الأبقار والماعز والأغنام، نتيجة انفجار الألغام بها، لقربها من المناطق السكنية أو المراعي. وتسبب الأمطار والثلوج في فصل الشتاء تحرّك تلك الألغام، مع انجراف التربة من المناطق الجبلية والتلال المزروعة بالألغام.
السلطة الوطنية الإسرائيلية لإزالة الألغام، التي بدأت عملها في العام 2011، بعد إصابة طفل إسرائيلي، قامت بإزالة وتنظيف ثلاثة حقول ألغام في محيط مستوطنة (حاد نيس) شمالي بحيرة طبرية، وفي محيط مستوطنة (سنير) بالقرب من بانياس، وتنظيف تل الربحان داخل بلدة مجدل شمس الذي تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 27 ألف م2، ويبلغ ارتفاعه حوالي 1166م، وتعود ملكيته إلى سكان من مجدل شمس، منعتهم سلطات الاحتلال من الاقتراب من أملاكهم سنوات طويلة، بعد مصادرتها لدوافع أمنية وعسكرية، كحال باقي معظم التلال المرتفعة في قرى الجولان المحتل. وأقامت عليها معسكرًا إسرائيليا، في السبعينيات، وبقي مهجورًا ومزروعًا بآلاف الألغام حوله. وقد حصدت ألغام تل الريحان حياة الطفل أمير فندي أبو جبل عام 1989، وأصيب العديد من أبناء البلدة، من جراء انفجار الألغام الأرضية التي انحدرت، بفعل عوامل الطبيعة والأمطار إلى القرب من البيوت السكنية المحاذية للتل، وبسبب إهمال السلطات الإسرائيلية لهذه المشكلة الخطيرة سنوات طويلة. ولا تزال مناطق واسعة من الجولان المحتل مليئة بحقول الألغام القريبة، من المناطق السكنية والحقول والبساتين الزراعية، حيث ترفض سلطات الاحتلال إخلاءها، بالرغم من عدم وجود حاجة أمنية وعسكرية إليها، بحسب تقارير إسرائيلية رسمية.
يُذكر أن 50 %، من ضحايا الألغام الأرضية في الجولان السوري المحتل، هم من الأطفال (بينهم تسعة أطفال أعمارهم بين 4-11 عامًا)، بحكم أن الأطفال هم أكثر الفئات تعرضًا للألغام، نظرًا لكثرة فضولهم وعدم إدراكهم للخطر، وحاجتهم إلى اللعب خارج منازلهم.
مشكلة الألغام في الجولان، بحسب مارسيل إفبف (رئيس سلطة إزالة الألغام)، “لن تنتهي خلال مئة عام قادمة، إن لم تولِ الحكومة الإسرائيلية الميزانيات المطلوبة، لتنظيف الجولان من الألغام الأرضية”. أما عالم الآثار من مستوطنة نوف الإسرائيلية أورين زينجبويم، فيقول: “إن مشكلة الألغام الأرضية تعوق تطوير السياحة والتنمية في كل مستوطنات الجولان، وهذه إحدى المشاكل الكبيرة، التي ورثناها عن السوريين، وإننا مجبرون على مواجهتها ومعالجتها”.
لغز المباني السورية
في مقال (الجبل الذي كان وحشًا)، وهو أيضًا اسم كتاب:
للمؤرخ الإسرائيلي يغال كيبنيس، من سكان مستوطنة معاليه جملا، في الجولان المحتل، وصف الكاتب خريطة المناطق السورية عشية حرب حزيران 1967، وقال: “كان في الجولان 150 ألف سوري يعيشون في 273 قرية حتى حرب حزيران، 70 في المئة من المسلمين السّنة. بعد بضعة أشهر، أجري في منطقة الجولان التي تحتلها إسرائيل إحصاء سكاني، بيّن أن هناك 6396 نسمة في ثماني تجمعات سكنية فقط”. ويقدر كيبنيس أن “120 ألفًا من السكان غادروا المنطقة خلال الحرب، ولم يعودوا، ما يعني أنه عندما يتم العثور على بقايا الوجود السوري في الجولان اليوم، فإن هناك 220 منزلًا مهدمًا، متناثرًا في أرجاء الهضبة السورية، سقوفها كانت مصنوعة من الطين. هناك دمار بفعل عوامل الطبيعة طوال خمسين سنة، وهناك دمار قامت به السلطات لمصلحة بناء المستوطنات”. ويضيف: “لا يزال بإمكانك العثور على بقايا هذه القرى. إنها هناك، تراها ببساطة، ولا توجد مشكلة في تحديد أمكنتها، ومعرفة أسمائها. إنكارها يصبح عملًا غير مسؤول”. وبحسب كيبنيس، “لم تكن هناك سياسة إسرائيلية منظمة، للحفاظ عليها أو تدميرها، نحن نتغاضى عن حقيقة ما حدث في الجولان من دمار، لكننا لا نستطيع تجاهله، إنه موجود وظاهر للعيان.. لا يمكن إخفاؤه”.
من الصعب تجاهل هذه المباني الخرسانية التي بنتها السلطات السورية، قي السنوات التي حكمت فيها الجولان، التي استُخدمت كمدارس ومستشفيات ومساجد، وقواعد عسكرية أو أبراج للمياه مبنية بطريقة هندسية مدهشة، هناك حوالي 14 برجَ مياه سوريًا ما تزال في الجولان. كانت هناك بعض الخطط في الماضي للحفاظ عليها، أو البحث عن استخدامات جديدة لها. ويختتم كيبنيس: “إن التعامل مع تاريخ الجولان يجب أن يكون واقعيًا، وليس سياسيًا، من الضروري معرفة التاريخ كما هو، وإن كان هذا الأمر يزعجنا، بسبب الموقف السياسي من الجولان”.
قرية الخشنية
على الطريق السريع في الجولان الشرقي، ما زال مسجد قرية الخشينة الشركسية الكبير مهجورًا ومدمّرًا جزئيًا، مع مئذنته، مبنى المسجد مثير للإعجاب، وجدرانه مليئة بكتابات بالعبرية وبالعربية. وهناك ثقوبٌ كثيرة منتشرة على الجدران، كأنّ أحدهم كان يتدرب على الرماية، قرية الخشنية الشركسية هُجّر سكانها البالغ عددهم 1600 شخص. في بداية حرب 1973، استولى السوريون على البلدة التي كانت نقطة استراتيجية مهمة في الجولان الذي كان فيه طريقان رئيسان: الأول طريق 98 يربط جبل الشيخ شمال الجولان بجنوبه حتى الحمة السورية، والآخر طريق 91 من جسر بنات النبي يعقوب حتى القنيطرة.
وفي أيار/ مايو عام 1974، انتقل مستوطنو مستعمرة كيشيت، إلى مباني تابعة للجيش السوري في الخشنية. وعاشوا فيها ست سنوات، ثم انتقلوا إلى مستوطنتهم الدائمة، على منحدرات تل الطليعة. وتكرر هذا المشهد كنموذج، في المستوطنات الإسرائيلية الأخرى، حيت استخدمت المباني السورية، محل إقامة مؤقت، وبعدها انتقلوا إلى مواقع المستوطنات الحالية، وكذلك فعل الجيش الإسرائيلي، حين احتل كل المعسكرات السورية الجاهزة والمبنية على أتم وجه.
المباني السورية القديمة شكّلت، بحسب يسرائيل إيشد، تهديدًا كبيرًا على “أمن إسرائيل”، وقال: “كل المباني السورية الموجودة كانت عبارة عن ثكنات عسكرية ضخمة، تم تشييدها وتحصينها كنقاط مراقبة عسكرية، كان من المغري جدًا، بالنسبة إلينا، تحويلها واستغلالها لمشروع السياحة، فمنها انطلق سابقًا التهديد والخوف والرعب الذي عانيناه طوال 19 عامًا، قبل أن نستولى على الجولان، خاصة تلك المنتشرة على التلال المطلّة على الحدود مع إسرائيل”، لكنه يشير إلى أن “الميراث السوري الذي اكتسبته إسرائيل هائلٌ جدًا، أقمنا في هذه المباني العديد من المشاريع السياحية والتنموية، التي عززت المردود الاقتصادي لنا، كمبادرين طلائعيين في جلب السياحة إلى الجولان”، ويضيف: “مرصد تل المرتفع (جادوت) المطل على سهل الحولة كان قاعدة عسكرية سورية، ظلت تقصف المستوطنات الشمالية طوال سنوات، وهو اليوم موقع تذكاري لجنود الجيش الإسرائيلي من لواء غولاني (وحدة الكسندروني) الذين سقطوا في حرب حزيران في أثناء احتلال المرصد، ويزوره مئات آلاف السياح سنويًا. الخنادق السورية والتحصينات وحقول الألغام حول المرصد ما زالت كما هي، كشاهد على التهديدات السورية التي استُخدمت ضد إسرائيل. وكذلك موقع تل الفخار الذي يطلق عليه في إسرائيل (مطل غولاني) في شمال الجولان، وفي هذا التل وقعت أكبر وأشرس معركة مع السوريين إبّان حرب حزيران، جنود الموقع لم ينسحبوا وقاتلوا حتى النهاية، الأمر الذي كبدنا ثمنًا باهظًا: ستين قتيلًا”.
يقول إيشد: “محزن جدًا، أن ترى بقايا القرى المهدمة المنبسطة على الأرض. لا تستطيع أن تتفهم، لماذا تم تدمير هذه البيوت ومحو بقايا السوريين هنا” (في مستوطنة العال محل إقامته) ويضيف: “كان المكان جميلًا ورائعًا ومتطورًا جدًا، قسم من البيوت كان يحمل تراثًا يهوديًا، قرار هدم القرى كان قرارًا غبيًا جدًا ومجنونًا، تم تنفيذه خلال الثمانينيات، وقد سووا كل بيوت القرية بالأرض”.
فندق بيت الجمرك
في الجولان، ما تزال هناك بعض المباني الرائعة التي تركها السوريون، وألهمت العديد من كبار المستثمرين اليهود لإقامة مشاريع سياحية فيها. حيث قام رجل الأعمال (ليو غلزر) بإنشاء فندق في المبنى القديم لبيت الجمرك السوري (شرقي جسر بنات النبي يعقوب) الذي تم بناؤه قبل 85 عامًا، كمعبر دولي بين الانتداب البريطاني على فلسطين والانتداب الفرنسي على سورية، وتم بناء فندق وبوتيك ضخم و19 غرفة ومطعم وقاعة أفراح ومرافق خدماتية عديدة، وترميم 11 مبنى من المباني السورية القديمة، ومنتزه يضم ألعابًا وبركة سباحة.. لتخليد ذكرى 11 جنديًا إسرائيليًا قُتلوا في حزيران عام 1967، نتيجة انفجار سبعة أطنان من المتفجرات الملغمة في أحد الخنادق السورية، بعد خمسة أيام من انتهاء حرب حزيران.
غلزر الذي حقق ثروته في مجال الأعمال الأمنية، يقول: “رأيت مبنى الجمارك القديم، ووقعت في الحب، بدأت أحلم بإنشاء فندق خاص، واستغرق الحصول على التصاريح سنوات، وخلال هذه الفترة، اتضح لي أن هذا مبنى نادر مبني على طراز الباوهاوس من عشرينيات القرن الماضي، بناه الفرنسيون، بإشراف مهندس ألماني، ليكون شبيهًا بالمباني الأوروبية الفاخرة آنذاك، حيث أراد الفرنسيون التباهي بتلك المباني أمام نظرائهم البريطانيين، وضم كل الخدمات اللوجستية والخدماتية، وفيه كان المسافرون والزائرون من فلسطين إلى دمشق (التي لا تبعد سوى ساعة واحدة) يختمون جوازات سفرهم فيه”. وأضاف: “أنا هنا من أجل الشعب اليهودي، الذي يستحق أن يعيش حياة راقية ومميزة، نحن نبني حياة ومستقبلًا، ونبني أنفسنا نحو الأفضل”.
قصر الأمير فاعور
وتُطلق عليه “إسرائيل” اسم “سي هغولان”، ضمن سياسة تهويد المناطق السورية في الجولان، وتشويه ومحو المعالم والرموز التاريخية والحضارية للجولان السوري المحتل، تم بناؤه في أواخر القرن التاسع عشر، وبقي مقرًا لـعشيرة “عرب الفضل”، ومسكنًا لعائلة الأمير محمود الفاعور وأبنائه وأحفاده في قرية واسط، إلى أن تم طردهم أثناء احتلال الجولان في حزيران عام1967. كان القصر يتكون في العام 1919، بحسب وصف المستشرق الألماني أرليخ زيتسان، من ثلاث ساحات: الساحة الأولى مخصصة لاجتماعات العامة، من الفلاحين والرعاة التابعين للأمير، وفيها إسطبلات للخيول؛ والساحة الثانية مبنية بشكل أنيق ومرتب، وكانت مخصصة لاستقبال الضيوف والشخصيات المهمة التي تزور الأمير في قصره، وفيها غرف نوم؛ والساحة الثالثة من القصر خصصت لسكن النساء ونومهن. القصر عبارة عن بناء حجري ضخم مسقوف بالقرميد، فيه أعمدة من الغرانيت وتيجان، نقلت إليه من مواقع أثرية، بخلاف منازل السكان الأخرى التي بنيت من الحجارة والطين، إضافة إلى عدد من البيوت الحديثة التي بُنيت من الإسمنت.
أقامت “إسرائيل” مشروعًا استثماريًا سياحيًا كبيرًا، في منطقة واسط “سي هغولان” التي تقع على الطريق الرئيسي، ويضم المشروع مركزًا للاستعلامات السياحية، ومطعمًا كبيرًا لراحة السائحين، وبارًا لبيع المشروبات التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية، وفيه منتزهٌ، بُني في منطقة قصر الأمير فاعور، يحوي أعمالًا فنية لفنانين تشكيليين ونحاتين من المستوطنات، وقد وضعت كل مستوطنة عملًا خاصًا بها في أراضي المنتزه الذي يضمّ قنوات مياه قصر الأمير التي كان يستخدمها رعيته وعائلته منذ القدم، ويستطيع السائح التمتع بالمناظر الخلابة للقصر، ومشاهدة البناء المميز والقناطر الحجرية، والغرف التي يتألف منها، وفي الفترة القادمة، سيُعاد ترميم القصر من أجل خدمة السياح الذين يزورون الجولان.
مبنى القيادة العسكرية السورية
تم تشييد المبنى الكبير في الستينيات، بإشراف الخبراء السوفييت، بين السنوات 1958-1960، في أثناء تولي عبد الحليم خدّام مهام محافظ القنيطرة، ولا يستطيع المرء أن يُخفي حجم التقنيات المتطورة في المبنى المكوّن من ثلاثة طوابق وعدد كبير من الغرف، وتبدو عليه آثار القصف الإسرائيلي، الذي استهدف مكتب قائد الجبهة أحمد المير، الذي ترك المقرّ قبل ساعات من بدء الهجوم البري الإسرائيلي على الجولان، وعثرت القوات الإسرائيلية على عشرات الآلاف من الوثائق العسكرية والمدنية، وعلى خرائط وخطط عسكرية، بقيت كما هي داخل المقر، وألقت الضوء على عمل القوات السورية قبل حزيران 1967، ووضعت “إسرائيل” أمام المبنى صخرةً كبيرةً حُفر عليها “صخرة النصر مهداة من شعب إسرائيل إلى إيلي كوهين” الجاسوس الإسرائيلي في سورية الذي زار مقر القيادة في 19-10-1962، وحصل على تصاريح تخوّله الدخول إلى مناطق مختلفة في الجولان.
برك الضباط السوريين
خلّف الجيش السوري وراءه، بعد الهزيمة التي مُني بها نتيجة حرب حزيران عام 1967، مجموعة من برك السباحة الخاصة بضباطه، التي كانت -وما زالت- منتشرة في أماكن مختلفة من الهضبة السورية المحتلة. تُعرف هذه البرك باسم “برك الضباط السوريين”، وهي أربع برك أقامتها قيادة الأركان السورية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، في بانياس والجلبينية والعلمين والجوخدار، كمكان لاستجمام ضباط الجبهة، لقربها من المواقع العسكرية السورية التي كانت منتشرة على طول خط الجبهة في الجولان. وتتميز تلك البرك ببرودة مياهها، ويبلغ عمقها حوالي 1-1.5 م وتحيط بها أشجار الكينا والصفصاف، وقد استُخدمت هذه البرُك للترفيه عن كبار الضباط والمسؤولين والضيوف العسكريين الأجانب، الذين كانوا يزورون مواقع الجبهة السورية، خاصة الضباط السوفييت.

ووفق مصادر إسرائيلية، فإن الجاسوس الإسرائيلي “إيلي كوهين” الذي اخترق صفوف الأركان العسكرية السورية، في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وأُعدم في دمشق في العام 1963، كان قد زار بركة الضباط في قرية العلمين، برفقة ضباط سوريين، واقترح عليهم زراعة أشجار الحور والكينا، حول المواقع العسكرية السورية المنتشرة في الجولان والمناطق التي يرتادها الضباط السوريين، وهدفه كان تحديد الأماكن العسكرية السورية، للطيران الحربي الإسرائيلي. ووفقًا لتلك المصادر، فإن وزير الدفاع السوري الأسبق حافظ الأسد كان يقوم بزيارة المواقع، والاستجمام في البرك مع كبار الضباط في الجبهة.
منذ احتلال الجولان عام 1967، اتخذت “إسرائيل” سلسلة إجراءات على أرض الواقع، تصبّ كلها في اتجاه السيطرة الجغرافية والديموغرافية على الجولان، والعمل على أسرلته بالأسماء العبرية والتوراتية القديمة؛ لينسجم مع الرواية الإسرائيلية، ولتغيير الحقائق، وفرض الوقائع الجديدة التي تعني إقصاء السوريين عن المطالبة في حقوقهم في الجولان المحتل، بعد الكارثة الوطنية التي قادها نظام الحكم وشركاؤه في الجريمة ضد الوطن السوري، وبعد الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وإعلان “إسرائيل” توطين 250 ألف يهودي في الجولان حتى العام 2048، بحلول الذكرى المئوية للدولة العبرية على أرض فلسطين؛ الأمر الذي يحتم على السوريين الاستمرار في بناء مؤسسات دولتهم المدنية العتيدة، والعمل على إسقاط النظام الأمني الشمولي الذي مهّد الطرقات جميعها أمام التوغل الإسرائيلي، في جغرافيا الوطن السوري وتاريخه وموروثه العريق، قبل أكثر من نصف قرن.
يعطيك الف عافية
ع التوثيق