المحتويات

المستخلص

مقدمة

الثورة السورية والصعود الروسي

        1- في مسار المسألة القانونية والدولية على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة

        2- في المسار السياسي

        3- في المسار الدبلوماسي

        4- في المسار العسكري

        5- في مسار التحالف الدولي

        6- في المسار الاقتصادي

        7- في مسار الموقع العالمي

في التاريخ: تمدد أميركي وتقهقر روسي

بين الترويض والقطبية العالمية

التفاهم الروسي الأميركي

ترويض الروسبوتينية

خاتمة وتوصيات

 

 

المستخلص

بلغت المسألة السورية مفصلًا حادًا سواء في مسيرة ثورتها القاسية والمؤلمة، أو في صراع أممي متعدد الأطراف تداخلت فيه أشكال شتى من التوافقات والتباينات في المواقف الداعمة أو الرافضة لطرف من دون سواه، ذلك كله أتى في سياق ثورة الشعب السوري في 15/3/2011 ضمن فورة ثورات الربيع العربي الممتد من تونس إلى مصر واليمن وليبيا وسورية.

شهدت الساحة السورية تغيرات عدة محلية ثورية وإقليمية ودولية ومسارات متفاوتة سواء في مستوى الصراع وبلوغ ذرواته، أم على مستوى الاستفادة والاستثمار منه وانعكاساته على سورية وثورتها. وكان للدور الروسي الأثر الأكثر وضوحًا في مسارات المسألة السورية دوليًا، وأثره في الثورة من جهة، وفي الوضع (الجيوبوليتيكي) الروسي في المعادلة العالمية من جانب آخر.

في هذه الدراسة سنتناول توضعات الحالة الروسية العالمية في صراعها لحجز مكان القطب الثاني مجددًا، وخرق قوانين ونظام للعولمة وحيدة القطب انطلاقًا من المسألة السورية، بعد التراجع والتقهقر والانحسار العالمي الذي عاشته روسيا الناتج عن تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وانفراد الولايات المتحدة الأميركية بتكريس نظام العولمة وحيد القطب، وضرب مواقع انحسارها منذ هدم جدار برلين عام 1989 إلى نهايات عام 2011، وانسحابها من العراق.

المسألة السورية بالنسبة إلى روسيا تجاوزت مقولة (الطغاة يعبدون الطريق أمام الغزاة)، بل إنهم قد يفتحون المجال واسعًا أمامها لتعبيد الطريق باتجاه استقطاب عالمي جديد، تتغير به معادلات العولمة، وتتأجج معه النزعات القومية مرة أخرى، وخاصة مع نمو اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. هذه الفرضية وأثرها على المسألة السورية بوصفها ثورة شعب ومآلاتها، ستلقي الضوء على ضرورة قراءة المتغيرات الروسية من منظور قوانين المدى البعيد في الاستقطاب العالمي اليوم، وخطواتها التكتيكية فيه، وعلى قدرة الثورة على الاستفادة من تناقضاتها تلك، وخاصة مع الولايات المتحدة، ومحاولات ترويضها، واستيعابها في المنظومة العالمية بدلًا من مواجهتها المباشرة.

 

مقدمة

منذ فجر 15/3/2011 وحتى اليوم، لم يكد يمر يوم على السوريين من دون ان يأخذهم تسارع الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية من موقع إلى آخر، وهم من ظن كثير منهم بداية، _وبخاصة جيل شبابها التواق إلى الحرية_ أن معادلتهم هي معادلة الثورة الشعبية وسقوط النظام فحسب أسوة بالتجربتين المصرية والتونسية قبلهما في ذلك الوقت.

تغول النظام وأجهزته الأمنية وحلوله العسكرية والممرات الإجبارية التي فرضت على الثورة/ جعلت كثيرًا من قواها يجنح إلى محاكاة التجربة الليبية في ثورة مسلحة وبمساندة دول أصدقاء سورية أيضًا، وقليل منهم من تصور أن الثورة السورية ستتحول مع الزمن وطوله إلى أزمة عالمية باتت توصف بالمسألة السورية اليوم.

متغيرات المسألة السورية المتطورة مع الزمن لم تكن وليدة المفعولات الداخلية للثورة وحسب، بل تداخلت فيها القوى الإقليمية والدولية بطرق عدة، فإنْ كان التدخل الإيراني بميليشياته وبمقابليه الخليجي والتركي المساندين للثورة قد نقل الثورة إلى حلقة إقليمية واسعة، فإنّ التدخل الروسي كان له أثر أكثر وضوحًا في مسار الثورة، ونقلها إلى مساحة دولية أكبر من إقليمية، تكاد تنذر بقرع طبول الحرب العالمية الثالثة.

روسيا، الطامحة إلى إعادة أمجاد حضورها الدولي والعالمي خارج منظومة العولمة، وجدت في الثورة السورية مجالًا حيويًا لذلك، وهي الساعية والمرشحة لحجز مكان القطب الثاني مجددًا، وخرق قوانين العولمة وحيدة القطب كما وصفها ألكسندر دوعين من مركز كاتخيون Katehon في 14/ 10/ 2016 «مهما يكن من أمر فإن روسيا – كقلب الجزيرة الأوراسية، كـ heartland، استطاعت في الوضع الجيوبوليتيكي الحيوي، وبصورة أفضل من جميع الأقاليم الأخرى، أن تواجه الجيوبوليتيكية الأطلسية وأن تكون مركز المجال الكبير البديل» ([1]).

عملت السياسة الروسية على سلسلة متتالية من التحركات السياسية والدبلوماسية السريعة والمرنة، لمنع سقوط النظام، إلى أن تدخلت عسكريًا تدخلًا مباشرًا ضد قوى الثورة بحجة محاربة الإرهاب في 31/8/2015، لتنتقل بعد ذلك مع نهايات 2016 إلى موقع الدافع للعملية السياسية والحل السياسي السوري بوساطة المفاوضات، بعد أن حققت نصرًا عسكريًا كبيرًا على معقل من أكبر معاقل الثورة في مدينة حلب، لتفرض نفسها لاعبًا أساسًا في معادلة الشرق الأوسط يرشحها لأداء دور عالمي كبير في قطبية عالمية جديدة، أو أقله المشاركة الفعلية في محور التحالف الدولي في حربه على الإرهاب المتمثل بداعش والنصرة في سورية. ذلك كله على حساب السوريين ثورة وشعبًا: سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، إلى أن روجت نفسها بوصفها (صانع سلام) بعد مؤتمر الآستانة في 23-24/1/2017، وما تبعه من ترتيبات ثلاثية مع كل من إيران وتركيا وانضمام الأردن في أوائل شباط/ فبراير 2017 في الآستانة ذاتها.

فهل تستعيد الروسبوتينية (روسيا – بوتين) منزلتها العالمية في مخطط قوانين المدى بعيد الاستراتيجية؟ أم يُروَّض الدب الروسي في المعادلة العالمية؟ وما أثر الحالين كليهما على الحال السورية وثورتها، وخاصة أن جنيف 4 تتنازعه تفسيرات الحكم الانتقالي كامل الصلاحيات وحكومة الوحدة الوطنية، وبين هذا وذاك كثير من المساومات والمفاوضات؟

([1])  ألكسندر دوغين، المشكلات الجيوبوليتيكية وقوانين المدى الكبير والعولمة والمفارقة الروسية، مركز كاتخيون، 14/10/2016.

 

جمال الشوفي

كاتب وباحث سوري، حاز درجة دكتوراه في الفيزياء النووية منذ عام 2008، له عدد من الأبحاث العلمية المنشورة، وعدد من المقالات والدراسات الفكرية والسياسية المتعلقة بالمسألة السورية.

 

اضغط هنا لتحميل الملف