أولًا: نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة

دخلت الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام والميليشيا الداعمة لها، إضافة إلى الطيران الروسي على منطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها القريب أسبوعها العشرين، من دون إنجازات تذكر باستثناء القتل والدمار والتشريد، وطبعًا وسط صمت مريب من المجتمع الدولي، بما فيه الضامن التركي الصديق.

تقدُّم قوات النظام لا يذكر قياسًا بحجم الحملة وقدراتها ووحشيتها وطول مدتها، فالمقاومة كانت أقوى وأشرس مما كان متوقعًا.

تركز الضغط العسكري على ريف حماة الشمالي الغربي، وعلى ريف إدلب الجنوبي كما هو موضح في الخريطة رقم (3). واستُخدمت في هذه الحملة أنواع الأسلحة كلها، بما فيها القنابل العنقودية والقنابل الحارقة، بحسب “هيومن رايس ووتش”، واستهدفت، كالعادة، المدنيين والمناطق المأهولة، والمراكز الطبية والمدارس والبنية التحتية. وأسفرت عن مقتل 833 مدنيًا على الأقل لغاية 24 حزيران / يونيو الجاري، بينهم 236 طفلًا، وتشريد 580 ألفًا من منازلهم وبلداتهم. وأسفرت عن تدمير 200 منشأة حيوية تقريبًا، منها 61 مركزًا طبيًّا و73 منشأة تعليمية و31 مسجدًا و11 مخبزًا.

تطور بارز حدث ضمن فصول هذه الحرب، هو تعرض موقع مراقبة تركي بإدلب لهجوم بالقنابل انطلاقًا من مواقع النظام القريبة، وأدى إلى مقتل جندي تركي وإصابة ثلاثة آخرين. الأمر الذي عدته تركيا متعمدًا، وردت عليه على الفور بقصف مواقع لقوات النظام شمال حماة، وسارعت لإرسال تعزيزات عسكرية إلى عدد من نقاط المراقبة.

في ملف الضحايا، رصدنا هذا الشهر مقتل 1230 شخصًا، بينهم 295 مدنيًا (24 في المئة)، وبين المدنيين 76 طفلًا (26 في المئة من مجموع القتلى المدنيين)، و43 امرأة (15 في المئة تقريبًا من مجموع القتلى المدنيين).

تحملت حماة لوحدها، ريفها الشمالي الغربي تحديدًا، أكثر من نصف القتلى (650 قتيلًا) غالبيتهم العظمى من العسكريين الذين سقطوا في القصف ومحاولات الاقتحام عدد للمنطقة من قبل قوات النظام. تأتي إدلب ثانيًا بحصيلة قتلى مقدارها 339 قتيلًا (28 في المئة) بينهم 197 مدنيًا سقطوا بسبب استهداف المدنيين من قبل قوات النظام والطيران الروسي.

أما قتلى حمص الـ 33 فجميعهم من العسكريين الذين سقطوا في البادية الشرقية في كمائن أو معارك متفرقة مع عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية الموجودين هناك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قتلى دير الزور الـ 56. وهذه أرقام مخيفة عن آثار تنظيم تم الادعاء رسميًا بالقضاء على مواقعه جميعها.

البيانات المقارنة المتعلقة بالضحايا تشير إلى أن مستوى القتل في حزيران/ يونيو كان في الذروة قياسًا بباقي أشهر السنة، وذلك بسبب تصعيد العنف في الحملة على منطقة الهدنة الروسية التركية المزعومة (إدلب ومحيطها القريب).

في موضوع الضحايا نشير أيضًا استمرار مسلسل المقابر الجماعية الطويل والمرعب، فمن مقبرة إلى مقبرة جديدة، ومن الرقة إلى دير الزور يتم اكتشاف المقبرة تلو الأخرى، وكلها بتوقيع داعش، باستثناء بعض المقابر التي صنعها طيران التحالف في أثناء معاركه مع تنظيم الدولة، حيث دُمرت بعض الأبنية، ودُفن الناس تحت أنقاضها، لتدل عليها روائح التفسخ في ما بعد. ونُشير إلى استمرار مسلسل موت آخر، هو موت المعتقلين في سجون النظا، إن بسبب التعذيب، أو بسبب البيئة المميتة. وآخر هذه الفصول، تسليم قوائم بـ 700 قتيل داخل السجون إلى دوائر السجل المدني في حماة لإعلام ذويهم من دون تسليم الجثث، ومن دون أي معلومات عن مكان دفنها. ونشير في هذا المضمار إلى التقرير الأخير لـ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الذي يوثق 14227 حالة موت لمعتقلين في السجون السورية منذ اندلاع الثورة، 98 في المئة منهم قضوا في سجون النظام.

على صعيد المعارضة نشير إلى خبر انتخاب الائتلاف الوطني، رئيسَه السابق أنس العبدة، رئيسًا جديدًا لمدة عام قابل للتجديد، كما انتُخب رئيس الائتلاف المنتهية ولايته، عبد الرحمن مصطفى، رئيسًا للحكومة السورية المؤقتة خلفًا لجواد أبو حطب.

نبقى في المعارضة، ونشير إلى مقتل الثائر الشاب عبد الباسط الساروت على جبهات القتال في ريف حماة الشمالي، منهيًا بذلك مسيرة مشرفة من النضال السلمي، فالمسلح ضد نظام الطغيان الأسدي.