ورقة عمل مقدمة في ورشة عمل مركز حرمون

حول المفاوضات والمرحلة الانتقالية في 27 و28 تموز/ يوليو 2016 بالدوحة

 

بيان جنيف1، وتطورات العملية السياسية

– في بيان جنيف1 الصادر عن ” عن مجموعة العمل لأجل سورية”، وبحضور الجامعة العربية، صدر البيان الشهير المعروف ببيان جنيف الذي حدد ستة بنود إطارًا للحل السياسي في سورية وذلك في نهاية حزيران 2012، ثم رُفع إلى الأمم المتحدة بتاريخ الخامس من تموز 2012.ـ أهم تلك البنود: تشكيل جسم انتقالي، أو هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات برضا الطرفين. كما ورد في ذلك البيان الذي وجهته المجموعة للأمين العام للأمم المتحدة، ولأعضاء الأمم المتحدة، وقد ورد حول الهيئة الحاكم الانتقالية ما يلي:

“إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة”.

ـ في النصّ وتفسيراته نفهم أن المطلوب قيام هيئة حاكمة انتقالية بصلاحيات كاملة، ويبقى الغموض في عدد من النقاط، وأهمها:

1- ممّن تتشكل تلك الهيئة الحاكمة، خاصة وأن النصّ على ” المجموعات الأخرى” ترك المجال للتأويلات المختلفة، هل تكون مناصفة مثلًا بين النظام والمعارضة؟، أم مثالثة بوجود مستقلين، أم جهات من مجموعات أخرى لم يجر تحديدها؟ ومن الذي يحددها؟ وبأي نسبة يكون تمثيلها؟

2- ماذا تعني الصلاحيات الكاملة، وقد حدد النص “كامل السلطات التنفيذية”، وأين يكون موقع السلطات التشريعية منها؟ خاصة وأنه قد جرى الكلام عن تشكيل جسم تشريعي منبثق عنها، أو بإشرافها يتولى إعداد وثيقة الدستور الموقّت وطرحه للاستفتاء الشعبي عليه؟ وما المصدر التشريعي الذي ستستند إليه في الفترة الممتدة من تاريخ تشكيلها وحتى إقرار الدستور؟ هل هو الدستور المعتمد من النظام؟ أم يمكن الاتفاق على إعلان دستوري؟ أم اعتماد دستور 1950 كما تطالب عديد أطراف المعارضة؟

3- من أهم أمور الخلاف ما يرتبط بموقع ودور وصلاحيات رأس النظام، وعلى سبيل التساؤل:

– هل تعني السلطات التنفيذية الكاملة التي نصّت عليها صلاحيات الهيئة الحاكمة الانتقالية رحيل رأس النظام نهائيًا؟

– هل يكون الأمر بتجريده من الصلاحيات التنفيذية فقط وإبقاء الصلاحيات التشريعية له؟ أو لما هو موجود: مجلس الشعب مثلًا؟

– هل يعني ذلك بقاء رأس النظام شكليًا من دون صلاحيات محددة، وحالة رمزية عابرة للمرحلة الانتقالية؟

– إن الإشكال الرئيس كان، ولا يزال، يتمحور حول موقع ودور رأس النظام وكبار رموزه في المرحلة الانتقالية، واستمر هذا الإشكال بكل تناوباته كعائق رئيس أمام تجسيد الحل السياسي، وتجويف مضمون المرحلة الانتقالية. بل وفي توقف وتعطيل المفاوضات التي جرت، والتي كانت تدور حول الموضوع، وفي مجال الشؤون الإنسانية والهدنة، وبما لم يؤمّن الانتقال إلى المفاوضات المباشرة التي تبدأ فعليًا بالدخول في المرحلة الانتقالية ومستلزماتها.

****

في بيان فيينا1 الصادر عن “المحادثات الوزارية” لمجموعة واسعة من المعنيين بالمسألة السورية، بتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر، جاء تعبير غامض في البند السابع حول الجسم الانتقالي:

“في إطار العمل ببيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2118 فإن المشاركين وجهوا الدعوة للأمم المتحدة، لجمع ممثلي الحكومة والمعارضة في سورية، في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات. وينبغي إجراء هذه الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بموافقة الحكومة، وبالتزام أعلى المعايير الدولية للشفافية والمحاسبة، وأن تكون حرة نزيهة يحق لكل السوريين ومنهم المغتربون المشاركة فيها”.

– هنا جرى استبدال “تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية” بـ”هيئة حاكمة انتقالية، وبما عُدّ أنه تراجع واضح عن الصيغة الواردة في بيان جنيف1، وأنه تعبير عن تفاهمات وتوازنات جديدة، وبخاصة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبما يعكس ميزان القوى على الأرض.

وفي بيان فيينا2 الصادر في 14 تشرين الثاني 2015 جاء ما يلي:

“وأكد أعضاء المجموعة الدولية لدعم سورية ISSG دعمهم للعملية الانتقالية وفق ما ورد في بيان جنيف 2012. وفي هذا الصدد أكدوا دعمهم لوقف إطلاق النار كما هو موضح أعلاه ولإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية من شأنها، في غضون ستة أشهر، إقامة حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي، ووضع جدول زمني لوضع صياغة جديدة للدستور. وعقد انتخابات حرة ونزيهة وفقا للدستور الجديد في غضون 18 شهرًا. يجب أن تجرى هذه الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وفقًا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، وذلك بمشاركة جميع السوريين، بما في ذلك سوريو الشتات”.

– هنا لم يأت البيان على ذكر الهيئة الحاكمة الانتقالية، أو أي صيغة أخرى انطلاقًا من عدّ أن ما نصّ عليه بيان فيينا1 يسري هنا.

– وفي قرار مجلس الأمن 2254 الصادر بتاريخ 18 كانون الأول 2015 والذي انبثق عن روحية بيانيّ فيينا1 وفيينا2 جاء ما يلي:

“ونص القرار على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام والمعارضة السورييْن للمشاركة “على وجه السرعة” في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي، على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع يناير/كانون الثاني 2016 “بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة..

كما أقر بدور المجموعة الدولية لدعم سورية، بوصفها المنبر المحوري لتسهيل جهد الأمم المتحدة الرامي إلى تحقيق تسوية سياسية دائمة في سورية.

وأعرب عن دعم مجلس الأمن للمسار السياسي السوري تحت إشراف الأمم المتحدة لتشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صوغ دستور جديد لسورية في غضون ستة أشهر.

وجدد القرار دعم مجلس الأمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة.

كما أعرب عن دعم مجلس الأمن لضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المناطق السورية كافّة، حال اتخاذ ممثلي النظام والمعارضة السورية الخطوات الأولى نحو الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة”.

يلاحظ الانزياح الواضح في اسم ومضمون الهيئة الحاكمة الانتقالية باستخدام عدد من المصطلحات والتعاريف التي يمكن أن تعني ما ورد في بيان جنيف1، كما يفهم من نص قرار مجلس الأمن، أو استبدال “حكم ذي مصداقية” بها تارة، و”حكومة ذات صلاحيات” تارة أخرى.

****

نعود إلى الإشكالية الرئيسة التي ظلّت العائق الأكبر على مدار سنوات الجهود لتكريس الحل السياسي، والمرتبطة بمصير ودور رأس النظام، وكبار رموزه المتورطين بالقتل، أو الملوثة أيديهم بالدماء، فالأمر لا يرتبط بحالة رمزية، أو بمطلب شعبي جوهري للثورة وحسب، ولا بقانونية الطلب كونه المسؤول الأول عن الجريمة المنظمة المرتكبة بحق السوريين، وسياسة التدمير الممنهج التي مارسها فقط، والتي تضعه من بين كبار مجرمي الحرب الواجب محاكمتهم في محكمة العدل الدولية؛ بل بأثر بقائه على جوهر العملية الانتقالية ومدى نجاحها فعلًا.

فرأس النظام، عدا عن تلك الموجبات، يمسك بين يديه صلاحيات كاملة في نظام أحادي متغوّل يتجاوز المعروف عن صلاحيات الرؤساء في النظم الرئاسية وشبه الرئاسية، وبقاؤه ولو لفترة قصيرة يهدد جوهر صلاحيات أيّ هيئة حاكمة انتقالية، بغض النظر عن اسمها، ناهيكم عن مضمون صلاحياتها، خاصة بوجود أجهزة أمنية واسعة ومؤسسة عسكرية فئوية.

لهذه الأسباب كانت موجبات المعارضة برفض أيّ تسوية سياسية، أو البدء الفعلي بالمرحلة الانتقالية جوهرية بوجود رأس النظام، تتجاوز المواقف المبدئية إلى حيثيات توفير أسباب نجاح الحل السياسي والمرحلة الانتقالية بأزمان محددة، وضمان الانتقال إلى نظام تعددي بديل.

***

في المقابل؛ فإن تمسك حلفاء النظام ببقاء الأسد مرحلة طويلة يمكن أن تستمر لعام ونصف، وإتاحة المجال لدخوله الانتخابات المقبلة، كـ”مواطن من حقه الترشّح” كما تلحّ كل من روسيا وإيران، وقبول أغلبية المجتمع الدولي، بمن فيهم “أصدقاء الشعب السوري”، ومجمل الأشقاء والأصدقاء يطرح تحدّيًا سياسيًا على المعارضة من عيار ثقيل، يتلخّص في إيجاد مخرج لهذا الوضع الحرج، والذي يبدو مناقضًا لإصرارها على رفض الدخول بمفاوضات المرحلة الانتقالية إلا بشرط رحيل الأسد، ووجوده خارجها، وبما يستدعي تقديم بديل عملي يمكن أن يتلخص بقبول عدّ الخطوات اللازمة للدخول في المرحلة الانتقالية، وحتى تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، والتي يمكن أن تستغرق ستة أشهر، مرحلة تمهيدية، متصلة، ثم التمسك برحيله، أو بوجوده خارج العملية السياسية فور تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية وبدء مهامها.

****

عوامل نجاح المرحلة الانتقالية

صعوبات واقعية:

– حين تكون أمام نظام من طبيعة النظام السوري غير قابل للإصلاح، ويعتمد الحل الأمني-العنفي نهجًا كاملًا، ومن تركيبة فئوية متعاضدة، ولديه حلفاء حقيقيون يدعمون وجوده بقوة السلاح والتدخل والمواقف السياسية.

– وحين يكون ميزان القوى مختلًا لصالح طرف ضد الطرف الآخر. وهو هنا مع النظام.

– وحين يكون “أصدقاء الشعب السوري” ومعهم المجتمع الدولي غير موحدي الموقف بشأن العملية السياسية السورية، ولا يملكون إرادة اتخاذ القرار القادر على فرض القرارات الدولية على النظام، أو لا يرغبون في تجسيده، تبدو العملية السياسية برمتها غير قابلة للتحقيق والنجاح، كما أن المرحلة الانتقالية محفوفة بمخاطر الفشل والتجويف، واستبدال إدامة النزيف السوري المفتوح بها، على احتمالات بديلة منها الحرب الأهلية طويلة الأمد، أو التقسيم، وفرض الأمر الواقع.

 

مع ذلك، فإن توافر مجموعة من العوامل يمكن أن يقود إلى نجاح العملية الانتقالية، وأهمها:

1- تعديل ميزان القوى على الأرض عبر عدد من الخطوات وأهمها وحدة العمل العسكري، والتنسيق بين السياسي والعسكري، وحصول دعم لوجستي للفصائل المقاتلة.

2= توسيع قاعدة المشاركة السياسية لقوى المعارضة، إما من خلال مبادرات يقوم بها الائتلاف لتوسيع أطره، أو عبر تحالفات وأشكال من التوافقات مع القوى السياسية، والفصائل العسكرية، وهيئات المجتمع المدني والأهلي، والعمل وفق برنامج واضح لمراحل العملية الانتقالية، وأولوياتها وترتيباتها ومتطلباتها.

3- تدخل دولي واضح وحاسم يضع القرارات الدولية وفق البند السابع الملزم، والضغط على روسيا وإيران وإلزامهما التوافق على المشترك العام حول مصير الأسد، وبنود المرحلة الانتقالية، ووجود ضمانات لحمايتها، والتدخل المطلوب لتكريسها.

4- تحضير مستلزمات المرحلة الانتقالية بدءًا بالقوى والأسماء التي ستشارك في الجسم الانتقالي وأن تكون جاهزة، ومن مستوى قادر، ومعبّر عن أهّداف الثورة، وبقية المستلزمات الأخرى في الحكومة والجسم التشريعي والإطارات، ووفق برنامج تفصيلي.

5- الشروع في تفكيك الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها وفق خصائص المرحلة الانتقالية ومتطلباتها بما يضع تلك الأجهزة في خدمة المرحلة، ويحولها إلى جهاز مهني محدد المهام والاختصاص، وكذا الأمر فيما يخصّ المؤسسة العسكرية في اتجاه هيكلة الجيش الوطني ووضعه في المكان المفترض: جيشًا لحماية البلاد، بعيدًا عن ممارسة السياسة، ومشاركة الأحزاب فيه، وحل مشكلات الجيش الحر والفصائل العسكرية، وقضايا السلاح والكتائب، ووقف إطلاق النار.

6- تشكيل حكومة انتقالية منبثقة عن الهيئة الحاكمة الانتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، وتشكيل هيئة دستورية، أو تشريعية لصوغ مشروع الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي عليه.

7- توفير البيئة الآمنة للمواطن، وضمان عودة النازحين إلى مناطقهم، وكذلك عودة اللاجئين.

8- بدء عمليات الإعمار وإصلاح البنى التحتية.

9- النجاح في ترسيخ خطاب التسامح والمصالحة، ورفض الثأر، وسياسة الاستئصال، والاستحواذ.

 

عوامل إخفاق المرحلة الانتقالية

كثيرة هي الاحتمالات والأسباب التي تحفّ بالعملية الانتقالية وتهدد نجاحها، وتؤدي إلى تقويضها، بما في ذلك الشروع فيها، وأهمها:

1- بقاء رأس النظام وكبار رموزه في مواقعهم الحالية ولو بصلاحيات محدودة. ناهيكم عن الإصرار على البقاء طوال المرحلة الانتقالية وحتى الانتخابات المزمع أجراؤها بعد نحو عام ونصف من بدء المرحلة الانتقالية.

2- عدم منح الهيئة الحاكمة الانتقالية الصلاحيات التنفيذية الكاملة، ووجود جهات موازية لها، أو أجهزة قادرة على وضع العراقيل أمامها ومنعها من أداء المهام المناطة بها.

3- التأخر، أو عدم البدء بهيكلة الأجهزة الأمنية والجيش.

4- ضعف الضغط الدولي، أو تناقض مواقف الأطراف الرئيسة فيه، وعدم وجود ضمانات كافية لفرض بنود القرارات التي يتفق عليها، وخاصة وقف إطلاق النار وسدّ الخروقات، وحفظ الأمن، ومنع النظام من تقويض الاتفاقات عبر استخدامه التكتيك والمناورة. أو ضعف وجود القوات الأممية المسؤولة عن السلام وحفظ الأمن.

5- بقاء قوات الاحتلالين الروسي والإيراني والمليشيات الطائفية المتعددة، والقوى الأجنبية الموجودة على الأرض السورية.

6- الإخفاق في إنهاء تنظيم الدولة الإسلامية.

7 ـ الإخفاق في إنهاء الكيانات القائمة: الأمر الواقع، وعدم القدرة على تسوية وضعها محافَظةً على وحدة البلاد الجغرافية والسياسية.

8- من التخوفات الواقعية أن تعجز قوى المعارضة عن تقديم إسهامها الفاعل من حيث الشخصيات والإطارات ومستلزمات العملية الانتقالية في مختلف المجالات: التنفيذية والتشريعية والقانونية والإدارية والأمنية والعسكرية، وغيرها.

9- كما أن تخوفات واقعية ناشئة عن العجز في ضبط القوى المسلحة في مختلف الجهات، وأولها إخراج القوات الأجنبية والمليشيات الطائفية، والتزام الفصائل المسلحة عمليات وتفاصيل وقف إطلاق النار، وفيما يلي ذلك من تسليم السلاح وتنظيمه في إطار الجيش الوطني الموحد، وإمكانية حدوث مظاهر انفلات أمني، وأعمال فوضى وشغب وردّات فعل ثأرية وغيرها.