تستمر معاناة المرأة في بقاع العالم كافة، من عنف وأوجه تمييز متعددة، تختلف حدّتها بحسب التأثيرات السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وتعدّ منطقة المشرق العربي من بين أكثر مناطق العالم اضطهادًا للمرأة، لأسباب متعددة، من بينها انتشار النزاعات المسلحة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستمرار التأثير السلبي للدين وللتقاليد، وهيمنة أنظمة استبدادية على الحكم، وغياب الحياة والحريات السياسية اللازمة من أجل ترسيخ وإعمال حقوق المواطنة بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص.
وعلى خلاف كثير من مناطق العالم التي أُنصفت فيها المرأة، على الأقل قانونيًا، من خلال استئصال أوجه التمييز التشريعي ضدّها، تستمر دول المشرق في تطبيق تشريعات مكرِّسة للعنف وللتمييز ضدّ المرأة، وذلك على الرغم من مصادقة هذه الدول على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي تدعو إلى سنّ تشريعات وطنية لاستئصال ومكافحة التمييز على أساس الجنس، وإلى تعزيز الوضع القانوني للمرأة.
تعدُّ قوانين الأحوال الشخصية المشرقية، ذات الصبغة الدينية، من أبرز مصادر انتهاكات حقوق المرأة؛ حيث تغيبُ مؤسسة الزواج المدني في المشرق، ويحتكمُ مواطنو هذه المنطقة في مجال الزواج وآثاره إلى تشريعات أحوال شخصية، تختلف بحسب الانتماء الديني وأحيانًا الطائفي لهم. فتُطبّق على المسلمين قوانين دينية، هي في الغالب مستقاة من تفسيرات المذهب الحنفي، وتتكرّس من خلالها أوجه تمييز متعددة ضدّ المرأة. فتُمنع المرأة المسلمة -على سبيل المثال- من اختيار شريك حياتها، في حال عدم انتمائه إلى الدين الإسلامي، وذلك بمقتضى المادتين 28 و 30 من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (15) لسنة 2019، اللتين تبطلان أو تحرّمان زواج المسلمة بغير المسلم. ويشرّعُ هذا القانون تعدد الزوجات، ويكرّس عدم المساواة في الميراث وفي الشهادة بين الرجل والمرأة. وتبيح هذه القوانين زواج القاصرات، كما يتبين على سبيل المثال من نصّ المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1976 المطبَّق في الضفة الغربية.
وكذلك قوانين الأحوال الشخصية المطبَّقة من طرف الكنائس المشرقية ضدّ المرأة، حيث ينصّ أغلبها على أحقية الرجل في الولاية على أطفاله، وقد نصّت على ذلك صراحة المادة 34 من قانون الأحوال الشخصية للمحاكم المذهبية الإنجيلية في سورية ولبنان. وتتجه أيضًا هذه القوانين الكنسية، كحال القوانين الشرعية، إلى إلزام المرأة بالطاعة والخضوع لزوجها، حيث جاءَ في المادة 41 من مشروع الأحوال الشخصية الموحد للطوائف المسيحية المزمع اعتماده في مصر أنّه “يجب علي المرأة إطاعة زوجها في ما له عليها من حقوق الزوجية”. وتُعدّ كذلك عذرية المرأة، في تشريعات بعض الطوائف المسيحية، سببًا لإبطال الزواج، وعلى سبيل المثال، تشير المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية لطائفة الروم الأرثوذكس في مصر إلى أنه يمكن للزوج أن يطلب الطلاق من زوجته إذا وجدها ثيّبًا، ليلة الزواج.
لا يقتصر التمييز ضدّ المرأة على تشريعات الأحوال الشخصية في المشرق، إنما تبيح القوانين الجنائية تعنيف المرأة، سواء أكان ذلك من خلال نصوص صريحة أو عدم إدراج نصوص لمعاقبة مرتكبي الجرائم بحقها. فمن بين هذه القوانين، ما يبيح -من دون عقاب أو بعقاب مخفف جدًا- قتل المرأة بدافع “الشرف”، الذي يعقب في الغالب مفاجأتها في حالة “الزنا المشهود” من طرف زوجها أو أحد أقربائها الرجال أو حتى في حال الاشتباه بذلك، كما قد يعقب ذلك حالات الزواج الديني أو الطائفي المختلط. ولا تجرّمُ كثير من قوانين العقوبات العربية الاغتصابَ، في حال ارتكابه من طرف الزوج، فقد جاءَ في المادة 489 من قانون العقوبات السوري أنّه “من أكرهَ غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع، عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل”. يتبين بالتالي عدم انطباق نصّ هذه المادة على الرجل المرتكب لجريمة الاغتصاب بحق زوجته. ولا يلاحق جنائيًا مرتكب الاغتصاب أو يُعلّق تنفيذ العقوبة بحقه، في حال زواجه من ضحيته، وهذا ما يتبين من نصّ المادة 308 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960 والمادة 522 من قانون العقوبات اللبناني رقم 340. وتميّزُ بعض القوانين في شروط ارتكاب جريمة الزنا، وفي العقوبة المنصوص عليها بين الرجل والمرأة (انظر على سبيل المثال المواد 473-474-475 من قانون العقوبات السوري). ويذهب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 إلى النصّ صراحة على حق الزوج في تأديب زوجته (مادة 41).
أخيرًا، وليس آخرًا، تحرم غالبية قوانين دول المشرق المرأة من منح جنسيتها لأطفالها المولودين من أب أجنبي. فقد جاءَ في المادة 3 من المرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 المتعلق بالجنسية العربية السورية أنّه يعتبر عربيًا سوريًا “من وُلد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري”. أمّا الفقرة (ب) من هذا المرسوم، فلا تتيح للأم منح الجنسية لأولادها المولودين في القطر أو في خارجه، إلا في حال عدم إثبات نسبة المولود إلى أبيه قانونًا، كأن يكون الأب مجهولًا.
تعرقل هذه البيئة التشريعية المكرِّسة للعنف والتمييز ضدّ المرأة عملية الإصلاح القانوني والانتقال الديمقراطي، فتعزيز حقوق المرأة وتمكينها هو أمر أساسي لانعتاق دول المشرق. في هذا الإطار، تتشابه طبيعة ومصادر انتهاكات حقوق المرأة مع حقوق فئات مجتمعية أخرى، ومنها أتباع الأقليات الدينية والليبراليون الذين يسعون بدورهم إلى استبعاد تطبيق التشريعات الدينية، ومن ثم تحقيق علمانية الدولة التي ستؤدي حتمًا إلى الإسهام في إرساء دعائم الديمقراطية وحقوق المواطنة.