كانت الحرب التي دامَت تسع سنوات في سورية، وما تزال مستمرة، أكبر عملية عسكرية للنظام الإيراني خارج حدوده، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وكانت فاتورتها من أكثر مشاريع السياسة الخارجية تكلفةً بالنسبة إلى النظام الإيراني.

وتشير الوقائع إلى أن دخول إيران في الحرب السورية، لدعم بقاء نظام بشار الأسد، تسبب في مقتل عدد كبير من القوات الإيرانية، وكلّف إيران ما بين 20 مليار دولار و 30 مليار دولار، إضافة إلى قتل وجرح مئات الآلاف من السوريين وتشريد ملايين آخرين، وتسبب في انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في هذه الحرب.

من ناحية أخرى، دفع الانتشار الواسع للقادة العسكريين الإيرانيين في الحرب السورية، خاصة معركة حلب، خامنئي المرشد الإيراني، إلى تكريم هؤلاء القادة المشاركين في الحرب، وتقديم أوسمة عسكرية لهم (وسام فتح، نصر، وذو الفقار في حالة قاسم سليماني فقط)، وذلك تقديرًا لجهودهم في قتل الشعب السوري.

يسلّط هذا التقرير الضوء على أهم القادة الإيرانيين العسكريين رفيعي المستوى الذين شاركوا في الحرب السورية، حيث تشير التقديرات إلى مشاركة ستة عشر قائدًا عسكريًا إيرانيًا رفيع المستوى في الحرب السورية، عشرة منهم على الأقل حصلوا على أوسمة ونياشين عسكرية، من قبل خامنئي، وذلك تقديرًا لجهودهم ومشاركتهم الفاعلة في هذه الحرب.

قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني سابقًا، والقائد العسكري الوحيد الحاصل على وسام ذو الفقار)

كانت القيادة العليا لقوات النظام الإيراني مشاركة في الحرب السورية، بقيادة قاسم سليماني العميد المقتول لفيلق القدس، الذي كان محور التدخل العسكري الإيراني في الحرب السورية. وفي الحقيقة، لم يكن “فيلق القدس” أول مجموعة عسكرية تدخلت في سورية منذ اللحظات الأولى لحماية حكم بشار أسد، حيث تشير التقارير إلى أن أول مجموعة توجهت إلى سورية من إيران، بقيادة قاسم سليماني، كانت من القادة الأمنيين – العسكريين الإيرانيين، الذين عملوا على قمع التظاهرات السلمية ونقل معداتهم وخبراتهم القمعية إلى قوات الأمن والشرطة السورية. وبعد تحول الاحتجاجات السلمية إلى حرب مسلحة، أرسل قاسم سليماني المزيد من القوات العسكرية، إلى سورية لقيادة جيش الأسد في القتال ضد المعارضة السورية.

وعندما بلغت معركة حلب ذروتها، بين عامي 2014 و 2016، وهي أكبر معركة في الثورة السورية المستمرة منذ تسع سنوات، دعا قاسم سليماني حتى وحدات القوات البرية، وهي أكبر وحدات عسكرية في الحرس الثوري الإيراني، للمشاركة في القتال إلى جانب صفوف النظام السوري. وكانت هذه هي اللحظة التي تم فيها إحضار العديد من كبار قادة الحرس الثوري إلى سورية، خاصة جبهات معركة حلب. في خضم هذه الظروف، لم يعمد قاسم سليماني إلى إرسال الضباط الإيرانيين من الرتب الدنيا والمتوسطة فقط، بل قام أيضًا بإرسال كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني (من رتبة عقيد وعميد وما فوق) كقادة لساحات القتال، في جميع المدن السورية الثائرة، لا سيما حلب. وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 15 شخصًا من كبار قادة الحرس الثوري، ثمانية منهم برتبة عميد، كانوا يشكلون دائرة قيادة وغرف عمليات يرأسها قاسم سليماني في سورية، وقادوا القواعد والمحاور الرئيسية للقتال ضد المعارضة السورية.

العميد حسين همداني أول قائد للقوات الإيرانية في سورية والمسؤول عن تشكيل ميليشيات الدفاع الوطني (الشبيحة):

العميد حسين همداني المعروف بـ “أبو وهب” هو أول قائد عسكري للقوات الإيرانية في سورية. وعند أول زيارة له إلى سورية، قال إن معارضي الأسد كانوا قد وصلوا إلى أبواب دمشق وباتوا قريبين من القصر الرئاسي، وإن الأسد كان سيفرّ من دمشق، وحكومته ستسقط.

وبسبب خبراته الكبيرة في قمع احتجاجات الثورة الخضراء في إيران عام 2009، حيث كان حينذاك قائدًا عامًا للحرس الثوري في طهران، قام حسين همداني بتأسيس ميليشيا الدفاع الوطني (الشبيحة) عام 2012، بقوام 50 ألف مقاتل، وعلى نموذج قوات الباسيج في إيران.

وحسين همداني هو القائد العسكري الأعلى رتبة في الحرس الثوري الذي قُتل في الثورة السورية عام 2015 في معارك حلب، وحصل على وسام الفتح، وهو ثاني أهم وسام عسكري إيراني، بعد وسام “ذو الفقار”.

العميد محمد جعفر أسدي، ثاني قائد للقوات الإيرانية في سورية:

على الرغم من أن العميد أسدي يعدّ قائدًا أقدم بالرتبة العسكرية من قاسم سليماني، من الناحية التنظيمية، ويمتلك سجلًا قتاليًا أطول بكثير من قاسم سليماني في الحرب العراقية الإيرانية، فقد عُيّن بمنصب ثاني قائد للقوات الإيرانية في سورية عام 1994 تحت قيادة قاسم سليماني. ومع 41 عامًا من الخدمة في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وعمر يناهز 72 عامًا، يعدّ محمد جعفر أسدي أقدم قائد يرتدي الزي العسكري في الحرس الثوري. ولذلك، عُيَّن عند عودته من سورية كنائب لقائد مقرّ “خاتم الأنبياء”، وهو أهم قاعدة عسكرية إيرانية، تقديرًا لجهوده في قتال الشعب السوري.

العميد أسدي هو القائد العسكري القائل إن نتيجة تدخل إيران في سورية هي تشكيل ستة جيوش، في إشارة إلى الميليشيات الطائفية التي شكلتها ودعمتها إيران على الأرض السورية.

وبحسب تقارير المواقع الإيرانية، يقول أسدي إن القادة العسكريين الإيرانيين القادمين إلى سورية، عن طريق مطار دمشق الدولي إلى دمشق، لم يتمكنوا من عبور هذا الطريق إلا بعد تنقّلهم بالسيارات والعربات المصفحة، وذلك بسبب خطورة هذا الطريق، وتعرضهم أثناء عبوره لاستهدافات متكررة بالمدفعية والقناصات.

صورة تجمع قاسم سليماني ومحمد جعفر أسدي وحسين همداني في دمشق قبل مقتل الأخير بساعات

لكن المثير في تصريحات أسدي، بحسب مقابلة له مع وكالة أنباء تسنيم الإيرانية، هو اعترافه بصورة التقطت له في إحدى غرف العمليات في دمشق، برفقة قاسم سليماني وحسين همداني، قبل مقتل الأخير على جبهات حلب بساعات، إذ اعترف أسدي بأنه حضر اجتماعًا مع قاسم سليماني وهمداني في دمشق، وكان من المقرر ذهاب الاثنين (أسدي وهمداني) إلى جبهات حلب، بعد تناول وجبة الغداء مع سليماني، لكن همداني حذره من ذهابهم الاثنين معًا في سيارة واحدة إلى حلب، بسبب خطورة الطريق، وطلب منه الانتهاء من أعماله في دمشق، ومن ثم اللحاق به إلى حلب بسيارة أخرى.

العميد محمد حجازي النائب السابق للقائد العام للحرس الثوري الإيراني:

من حيث التسلسل الهرمي العسكري، يعدّ حجازي أعلى قائد عسكري إيراني، شارك بشكل مباشر في الحرب السورية، وبسبب تاريخه الطويل من العمل العسكري مع “حزب الله” اللبناني، حيث كان المسؤول المباشر عن مشروع الصواريخ الدقيقة لهذه الجماعة، استدعاه قاسم سليماني عندما اندلعت الثورة السورية، ليعمل على رفع مستوى التنسيق بين ميليشيات “حزب الله” والحرس الثوري في سورية، والمشاركة في قتل الشعب السوري، نظرًا لخبراته السابقة في قيادة مقر “ثأر الله” في طهران وقوات الباسيج المسؤولة بشكل مباشر عن قمع وقتل الإيرانيين المنتفضين على حكم نظام ولاية الفقيه في إيران.

وفي 29 آب/ أغسطس 2019، نشر الجيش الإسرائيلي، على حسابه الفارسي في تويتر، صورة العميد محمد حجازي، برفقة ثلاثة آخرين (مجيد نواب، فؤاد شكر، وعلي أصغر نوروزي)، معتبرًا إياهم أشخاصًا يهددون مستقبل لبنان، بسبب مسؤوليتهم عن مشروع الأسلحة الإيرانية الدقيقة.

وبعد مقتل قاسم سليماني، تولى العميد حجازي الذي خدم 41 عامًا في صفوف الحرس الثوري منصب نائب قائد فيلق القدس.

العميد عبد الله عراقي، نائب قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني والحائز على وسام فتح 2:

يُعدّ العميد عبد الله العراقي ثاني قائد عسكري كبير يتم استدعاؤه، مع اشتداد معركة حلب بين عامي 2015 و 2016، علمًا أنه كان نائب القائد العام للفرق البرية للحرس الثوري الإيراني في إيران، عندما أُرسل إلى سورية. وعلى الرغم من أن إيران لا تعترف رسميًا سوى بحضور استشاري لها في سورية، فإن عراقي صرح علانيةً بأنه شارك شخصيًا في معركة السيطرة على حلب وقاد المعارك فيها، وتحدث لأول مرة في أحد برامج التلفزيون الرسمي الإيراني (ملك سليمان) الذي بُث بمناسبة أربعينية مقتل قاسم سليماني، بأن الحضور العسكري الإيراني لم يعُد استشاريًا منذ العام 2015، وبأن قوات الحرس الثوري دخلت الحرب في سورية والعراق بأوامر من خامنئي مباشرةً. وقال العميد عراقي إنه كان في حلب مع العميد علي أكبر بور جمشديان (نائب رئيس غرفة العمليات)، والعميد صالح أسدي (نائب رئيس مخابرات القوات البرية في الحرس الثوري).

العميد محمد رضا فلاح زاده نائب منسق فيلق القدس:

في التسلسل الهرمي لفيلق القدس، شغل العميد محمد رضا فلاح زاده، المعروف باسم “أبو باقر”، منصب نائب منسق فيلق القدس، وهذا يجعله ثالث مسؤول كبير في فيلق القدس مع سنوات خدمة تصل إلى 41 عامًا في قوات الحرس. وكان العميد فلاح زاده مساعدًا مقربًا من قاسم سليماني، وهو أحد القادة الإيرانيين الخمسة الرئيسيين في معركة حلب، التي أطلق الحرس الثوري على جزء من عملياتها اسم عملية النصر. وبسبب أدائه المميز في معركة حلب، رُقي إلى رتبة عميد ركن، وانتخب نائبًا لمنسق فيلق القدس، بناءً على توصية قاسم سليماني، وبموافقة خامنئي في آذار/ مارس 2019.

العميد علي أكبر بور جمشيديان، نائب قائد عمليات القوات البرية للحرس الثوري الإيراني:

عندما أُرسل للقتال في سورية، كان بورجمشيديان نائب قائد عمليات القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، وقاد العديد من الفرق والألوية المقاتلة في الحرس الثوري الإيراني، وفي الممارسة العملية نفذ التخطيط العملياتي على أعلى مستوى في سورية، نظرًا لخبراته السابقة والطويلة في الحرب العراقية الإيرانية. وبعد عودته إلى إيران، رفعَّه المرشد الإيراني إلى رتبة عميد ركن، وعيَّنه نائبًا لمنسق القوات البرية في الحرس الثوري، وهو ثالث منصب رفيع في هذه القوات.

العميد رحيم نوعي أقدم، قادة قاعدة زينب العملياتية في سورية:

شارك العميد رحيم نوعي أقدم، الملقّب بـ “أبو حسين”، في ثلاث معارك رئيسية على الأقل في سورية، وكان أحد أقرب القادة لقاسم سليماني. وكان العميد أقدم قائدًا للمقر العملياتي “زينب”، وهو إحدى القواعد الأساسية للحرس الثوري في سورية، لكن منطقة عمله العسكرية الأساسية كانت في المناطق الجنوبية وبالقرب من مرتفعات الجولان، بحسب تصريح سابق له. وشارك أقدمي في معركة حلب، وقاد أحد محاور الصراع فيها، وبعد انتهائها تولى مهمات أخرى في شرق سورية، لبسط نفوذ إيران على مناطق أكبر في تلك المنطقة، وتأمين الهلال الإيراني الواصل بين إيران والعراق وسورية ولبنان.

العميد محمد علي الله دادي، قائد المقر العملياتي في مناطق الجنوب السوري

قبل إرساله إلى سورية، كان العميد محمد علي الله دادي يتولى قيادة “فيلق الغدير” في مدينة يزد، وإبان الحرب العراقية الإيرانية، عمل تحت قيادة قاسم سليماني في اللواء 41 “ثأر الله”. وخلال الحرب السورية، كان العميد محمد علي أحد قادة المناطق الجنوبية بالقرب من مرتفعات الجولان، وفي كانون الثاني/ يناير 2016، قُتل مع جهاد مغنية (ابن عماد مغنية أحد أهم قادة حزب الله الذي قتل في تفجير دمشق عام 2008)، في غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهما في القنيطرة السورية.

العميد محمود تشهار باغي، القائد السابق لمدفعية القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني، والحائز على وسام نصر:

بناءً على طلب قاسم سليماني، تم استدعاء العميد محمود تشهار باغي، القائد السابق لمدفعية القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني إلى حلب، وذلك لتوجيه الضربات المدفعية الدقيقة والضربات الجوية الروسية الشديدة التي استمرت أشهرًا عدة على حلب الشرقية. وفي الواقع، كان محمود تشهار باغي، الذي أشاد به خامنئي لاحقًا لدوره في معركة حلب، مسؤولًا عن تدمير مدينة حلب التاريخية، وقتل وجرح آلاف المدنيين في هذه المدينة.

إسماعيل قاآني القائد الجديد لفيلق القدس والمسؤول عن تأسيس لواء “فاطميون”:

حين كان قاسم سليماني خارج إيران، تولّى العميد إسماعيل قآاني مسؤولية إدارة “فيلق القدس” داخل إيران، بصفته نائبًا لسليماني، لكن بعد مقتل الأخير في غارة أميركية بالقرب من مطار بغداد، عُيّن قآاني، بقرار من خامنئي، قائدًا لفيلق القدس. وبسبب صلاته وتجاربه السابقة مع المجموعات الأفغانية، التي كان يقيم معظمها في مدينة مشهد مسقط رأسه، لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل لواء “فاطميون” وتجهيزه عسكريًا وإرساله إلى سورية للقتال بجانب النظام السوري. وإضافة إلى ذلك، هناك ستة قادة عسكريين رفيعي المستوى لا تتوفر عنهم كثير من المعلومات، وجميعهم حصلوا على أوسمة عسكرية، تقديرًا لمشاركتهم في قتل الشعب السوري، وهم:

  • – العميد هامون محمدي قائد قوات الحرس في محافظة غيلان، والحائز على وسام فتح 3.
  • – العميد محمد علي حق بين، قائد لواء 16 القدس في غيلان، والحائز على وسام فتح 3.
  • – العميد جو عظيمي فر، نائب قائد القوات البرية في الحرس الثوري لشؤون الهندسة الحربية، والحائز على وسام نصر 2.
  • – العميد عوض شهابي فر؛ القائد السابق لقوات الحرس في محافظة كهغيلوية وبوير أحمد، والحائز على وسام فتح 2.
  • – العميد حميد أرجمندي فر، نائب قائد مقرّ حمزة، والحائز على وسام فتح 3.
  • – العميد حسن شاه صفي، القائد العام للقوات الجوية في الجيش الإيراني، والحائز على وسام نصر.